مدخل يتناول أساسيات في التعامل مع الحقائق
تاريخ الإضافة : 2013-03-12 04:40:07
مدخل يتناول أساسيات في التعامل مع الحقائق

- السؤال عن الكيفية لا يتطلب جوابا ، ولا يشكل إشكالا أساسا ، إلا إذا كان السؤال : لماذا ؟ أي: سؤال عن العلة من إنزال الملائكة !

- السؤال يقرر بقوة أن الإشكال نبت من : قدرة الملك ،وهذا ما نعتقده بالملك ، وهذا العدد من قتلى المشركين ، وبهذا يكون السائل قد تبنى مشاركة الملائكة في القتال ، ولم يقف أمام النص الذي حدد مهمة الملائكة :" إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا " وملاحظة " التثبيت " هنا تكشف أن دورهم لا يعدو لونا من ألوان ملأ القلب بالقوة والثبات ، وهي حالة يحتاج إليها المقاتل بلا خلاف ، بل إن المعارك إذا تكافأت القوة لاتحسم إلا بالثبات ، خاصة ما يسمى " لعبة عض الأصابع " ! !

- يرجع السؤال ليلح على مسألة واحد يكفي لاقتلاع قارة ! ويغفل السائل عن الجانب الإنساني فينا ، وهو الذي استدعى إنزال الملائكة ، اقرأ قوله تعالى على لسان النبي " ألن يكفيكم " ؟! والذي يلح على مٍسالة الكم والجمهرة الغفيرة ، ولولم تشارك جميعها فيما حشدت له ! ! فلو لحظ هذا لانكشف للسائل سر العدد

- الأصل- وهذا لب الموقف بعامة - في التعامل مع النص " الغيبي " مثل الإخبار عما هو غيب بالنسبة لنا، حيث ثبت نصا أن يدخل في دواخل الإيمان ، ومسألة استيعاب الأسرار غالبا ما ترجع لسعة الاطلاع ومعرفة سنن الله تعالى في الكون والإنسان ، ومبتنى النص على أن ينال به متلقيه درجة الإيمان " بالغيب "

- سيأتيك تفصيل قريبا عن هذه لمسألة بشيء من الإفاضة ، ولولا خشية التأخر عنكم في الإجابة أكثر مما كان لأجلت هذه الإجابة لأرسل الكل مرة واحدة ، ولك شكري الجزيل ، مع الاعتذار ، وبوركت

- هذه دراسة شاملة لمسالة نزول الملائكة ، وما قاله العلماء في ذلك ! والاطلاع عليه يكشف لنا مجموعة من المعاني الراسخة تدخل في صياغة التصور ، والمغيبات شأن استقبالها من موردها الرئيس : كتاب الله ، وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام الثابتة، وما اختلف فيه العلماء الثقات يترك لمقدرة المتلقي قبولا أو توقفا أو ردا إن كان ممن يمكنه ذلك ، وهذا هو البحث الذي لم أتدخل به إلا بمس لطيف :

*شهود الملائكة غزوة بدر الكبرى :

- لم تختلف كلمة الأمة سلفاً عن خلف في أن الملائكة شهدت غزوة (بدر) مدداً من الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه  ، وهذا صريح القرآن الكريم في قوله جل شأنه : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين )([1]) أي متتابعين ، يردف بعضهم بعضاً ويأتي بعضهم في إثر بعض ، وفي قوله تعالى : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب )([2])  وقد عنون البخاري في صحيحه لذلك في كتاب المغازي ، فقال : باب في شهود الملائكة بدراً ، ثم ذكر تحت هذا العنوان الحديث المستفيض ، فقال : حدثني إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جرير ، عن يحيى بن سعيد ، عن معاذ بن رفاعة ابن رافع الزرقي ، عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر - قال : جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : ماتعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : " من فضل المسلمين " أو كلمة نحوها : قال : كذلك من شهد بدراً من الملائكة .

ثم جاء ذكر البخاري حديثاً آخر في هذا الباب وهو صريح في أن جبريل عليه السلام شهد بدراً في أهبة الحرب قال البخاري : حدثني إبراهيم ابن موسى ، أخبرنا عبدالوهاب ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر : " هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب " وهذان الحديثان أصح مافي الباب .

وقد أورد ابن حجر في ( الفتح ) والسيوطي في ( الدر ) جملة أحاديث بأسانيد صالحة ، كلها صريحة في شهود الملائكة بدراً .

فالقرآن والسنة ، وإجماع الصحابة ، بل إجماع الأمة قبل ظهور شذوذ المخالف أدلة قاطعة على أن الله تعالى أكرم رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين شهدوا واقعة غزوة بدر - وهم قلة في عددهم وضعف في عدتهم المادية بالنسبة لحشود أعدائهم من المشركين - بإنزال ملائكته مدداً لهم في أول وأعظم غزوة قتالية بعد ، إذ أراهم فضه عليهم بنقلهم من تأثرهم بتراث الرواسب الجاهلية المغللة بالأسباب المادية من كثرة العدد وتوافر العدة والعتاد إلى مجال القوة المعنوية التي تستمد عناصرها من قوة الإيمان ، وإدخالهم في رياض آياته تعالى وسننه الخاصة التي لاتخضع لتحكمات القوة المادية ومدركات العقول ومألوف الحياة في نظامها العام .

لهذا كان من أعجب وأغرب مارأيناه في هذا المقام مانقل عن الإمام الشعبي ، وحكاه ابن عطية في تفسيره ، ونقله عنه أبو حيان في (بحره ) من قوله : لم يمد المسلمون بالملائكة يوم بدر ، وكانت الملائكة بعد ذلك تحضر حروب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهي تحضر حروب المسلمين إلى يوم القيامة .

ونحن نستبعد جداً صحة هذا النقل عن الإمام الشعبي ، وهو أحد أعلام التابعين المرجوع إليهم في السنة النبوية وروايات أحاديثها وأحدائها ووقائعها .

والقرآن الكريم صريح في إثبات شهود الملائكة وحضورهم غزوة بدر ، وأن الله تعالى أنزلهم استجابة لاستغاثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستغاثة أصحابه ، وطلبهم من الله تعالى مدداً من غيبه إنجازاً لوعده إياهم بنصره لهم على أعدائهم الذين أقبلوا إليهم في غرور فاجر ، وصلف مستكبر كفور ، يحادون الله ورسوله ، ويتحرقون غيظاً على المجتمع المسلم ، يريدون استئصاله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون .

ولاندري ماذا يقول الناقلون لهذه القولة الشاذة عن الإمام الشعبي - إن صح نقلهم عنه - وهي قولة تعارض نص القرآن وصحيح السنة وإجماع الصحابة في فهم الشعبي وتأويله للنصوص المثبتة شهود الملائكة غزوة بدر ممداً من الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه المجاهدين ؟ وهذه النصوص واردة مورد الامتنان والإخبار الذي أريد به تثبيت المؤمنين وتقوية عزائمهم وتبشيرهم بالنصر الذي وعدهم الله به ؟

كما هو صريح قول الله تعالى : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) وهذا إخبار قاطع لايحتمل التأويل ، لأنه مرتب على استغاثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستغاثة اصحابه .

- روى مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب قال : فلما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمئة وتسعة عشر رجلاً ، فاستقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : ( اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ماوعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لاتعبد في الأرض " .

فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه ، وقال : يانبي الله كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ماوعدك ، فأنزل الله تعالى : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) فأمده الله تعالى بالملائكة .

قال أبو عبدالله القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) : فنظاهرت السنة والقرآن على ما قاله الجمهور والحمد لله .

- بل ذهب كثير من المفسرين وأهل السير أن المستغيث هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم وإنما جاء التعبير عن استغاثته - صلى الله عليه وسلم - بواو الجمع تعظيماً لقدره المنيف ، وإبانة عن بلوغه في استغاثته ربه مبلغاً فاق كل استغاثة تصدر من فرد ، وكأنما استغاثته - صلى الله عليه وسلم - معبرة عن خوالج جميع المؤمنين متعاونين عليها بقلوبهم وأرواحهم وألسنتهم .

- ثم ماذا يقول الناقلون لهذه القولة الشاذة عن الإمام الشعبي في فهمه وتأويله لأخت هذه الآية الكريمة في الامتنان على المؤمنين بإمدادهم بمدد من الملائكة ، وهي قوله تعالى : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) والآيتان من سورة الأنفال وهي سورة بدرية بإجماع ، فالآيتان بدريتان ، وهما صريحتان في إنزال الملائكة مدداً للمؤمنين في غزوة بدر ؟ .

ومما هو أدخل في العجب والغرابة ، وأدعى لاستبعاد نقل هذه القولة الشاذة عن الإمام الشعبي أن الناقلين عنه يضمون إليها أن الشعبي قال : وكانت الملائكة بعد ذلك تحضر حروب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدداً ، وهي تحضر حروب المسلمين إلى يوم القيامة ، فمن أين للشعبي أو غيره نفي حضور الملائكة مدداً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في بدر مع صراحة النصوص المثبتة لهذا الحضور ؟ ومن أين للشعبي أو غيره إثبات حضور الملائكة حروب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد غزوة بدر ، ولانص يثبت ذلك من قرآن أو سنة ؟ ومن أين للشعبي أو غيره إثبات حضور الملائكة حروب المسلمين إلى يوم القيامة ؟ وهذا مما لامدخل فيه للرأي والاجتهاد ؟

وقد أورد القرطبي مانسب إلى الشعبي بما يفيد أن إمداد الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأصحاب بالملائكة إنما كان يوم أحد لايوم بدر أخذاً من آيتي سورة آل عمران ، ولم يتعرض لآية الأنفال ، وهي مصب الإمداد في بدر .

قال القرطبي وهو يذكر غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - : ثم غزوة بدر الكبرى ، وهي أعظم المشاهد فضلاً لمن شهدها ، وفيما أمد الله بملائكته نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين في قول جماعة العلماء ، وعليه يدل ظاهر الآية لافي يوم أحد .

ومن قال : إن ذلك كان يوم أحد جعل قوله تعالى : ( ولقد نصركم الله ببدر ) إلى قوله ( تشكرون) اعتراضاً بين الكلامين ، هذا قول عامر الشعبي ، وخالفه الناس .

والمتأمل في هذا السياق يفهم أن الإمام الشعبي إنما تكلم عن آيتي سورة آل عمران : ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ) إلى قوله : ( ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) .

وهذا فهم مستقيم لايمنع منه سياق الآيتين بعد قوله تعالى : ( ولقد نصركم الله ببدر ) إلى قوله ( تشكرون ) الذي جاء تذكيراً بنعمة النصر في بدر مع قلة عدد المؤمنين وضعف عدتهم ، والسياق في آل عمران لغزوة أحد ، فمجيء آيتي الإمداد بالملائكة في البيّن في قصة أحد محتمل أن يكون منها ، والإمداد كان فيها ، ومحتمل لأن يكون من الامتنان بنعمة النصر في بدر ، وقع في البيّن من قصة احد ، تنبيها  للمؤمنين أنهم لو صبروا وأطاعوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يهزموا كما لم يهزموا في بدر مع قلة العدد وضعف العدة ، لأن النصر بيد الله تعالى ينزله على من يشاء ، وكيف يشاء ، لأنه عزيز لايغالب ، حكيم يضع الأمور بتدبيره وحكمته في مواضعها من مواقع علمه المحيط بالأسباب والمسببات .

- وحينئذ يكون الإمام الشعبي غير متعرض في كلامه للإمداد بالملائكة يوم بدر ، فضلاً عن إنكاره كما حكاه عنه ابن عطيه ، وكل مايعطيه كلامه كما جاء في سياق القرطبي أنه يذهب إلى أن آيتي الإمداد في آل عمران أحديتان وليستا بدريتين ، وهذا لم ينفرد به الشعبي ، وهو محتمل كما بيناه .

ومن الغريب أن القرطبي ساق كلاماً عن الشعبي في الإمداد بالخمسة آلاف في قصة كرز بن جابر الفهري ، يتعارض مع سياق ابن أبي شيبة الذي صحح الرواية عن الشعبي ، وقد جاء فيه أن كرزاً لما بلغته هزيمة المشركين ببدر جبن فلم يمد المشركين ، ولم يمد الله المؤمنين بالخمسة آلاف .

قال القرطبي : قال الشعبي : بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أن كرز بن جابر المحاربي - وهو الفهري في رواية ابن أبي شيبة - يريد أن يمد المشركين فشق ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين ، فأنزل الله ( ألن يكفيكم ...) - إلى قوله ( مسومين ) فبلغ كرزاً الهزيمة ، فلم يمدها ورجع ، فأمدهم الله بالخمسة آلاف وكانوا قد أمدوا بألف .

ولعل الشبهة دخلت على من نقل هذه القولة الشاذة ، سواء أكان ابن عطية أم غيره من المتقدمين والمتأخرين من حديث ابن أبي شيبة عن الشعبي بسند صحيح إليه : قال : إن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر الفهري يمد المشركين فشق عليهم ، فأنزل الله : ( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة المنزلين * بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) قال الشعبي : فبلغت الهزيمة - أي هزيمة المشركين في بدر - كرزاً فلم يمد المشركين ، ولم تمد المسلمون بالخمسة .

فهذا الكلام المروي عن الشعبي بسند صحيح إليه - كما يقول الزرقاني في شرح المواهب - قد يكون هو الذي أدخل الوهم على من لم يتأمل في سياقه ، فبدر إليه الوهم ، ففهم خطأ في قول الشعبي : ولم تمد المسلمين بالخمسة ماجاء مبتوراً في الكلام الذي ساقه أبو حيان منسوباً إلى ابن عطية ومحكياً عن الشعبي .

وممن نقل إجماع المفسرين وأهل السير على شهود الملائكة غزوة بدر مدداً للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه استجابة لاستغاثتهم الإمام الرازي في تفسيره ( مفاتيح الغيب ) إذ قال : أجمع المفسرون وأهل السير على أن الله تعالى أنزل الملائكة يوم بدر ، ثم قاتلوا الكفار .

وكلام الرازي متضمن لقضيتين ، الأولى : قضية إنزال الملائكة يوم بدر ، وهي قضية مسلمة أجمع عليها أهل العلم من ذوي الشأن في العلم بالسنة وأحداثها ودلت عليها آيات الإمداد في سورتي الأنفال وآل عمران ، والعديد من الأحاديث والآثار والتي تشبه أن تكون في كثرتها متواترة الدلالة على المطلوب .

أما القضية الثانية : فهي أن الملائكة قاتلوا الكفار يوم بدر، وفي قضية اختلف فيها أهل العلم من السلف والخلف ، فلا ينسحب عليها ماذكره الرازي من إجماع المفسرين وأهل السير .

وقد ذكر الرازي إنكار أبي بكر الأصم إنزال الملائكة مددا للمؤمنين ، وذكر احتجاجه لإنكاره بأربع حجج ، ثلاثة منها منصبة على إنكار " مباشرة الملائكة القتال " والرابعة ظاهرة في إنكار نزول الملائكة ، وهذا مايجب رده وعدم قبوله ، وكذلك صنع الإمام الرازي : فقال : الحجة الرابعة أن هؤلاء الملائكة الذين نزلوا إما أن يقال: إنهم كانوا أجساداً كثيفة أو لطيفة ، فإن كان الأول وجب أن يراهم الكل ، وأن تكون رؤيتهم كرؤية غيرهم ، ومعلوم أن الأمر ماكان كذلك ، وإن كانوا أجساماً لطيفة دقيقة مثل الهواء لم يكن فيهم صلابة وقوة ، ويمتنع كونهم راكبين على الخيول .

قال الرازي : واعلم أن هذه الشبهة إنما تليق بمن ينكر القرآن والنبوة ، أما من يقرّ بهما فلا يليق به شيء من هذه الكلمات ، فما كان يليق بأبي بكر الأصم إنكار هذه الأشياء من أن نص القرآن ناطق بها ، وورودها في الأخبار قريب من التواتر ! . ورد الرازي على الأصم مسلم في إنكاره نزول الملائكة مدداً للمؤمنين في بدر ، أما قضية " أن الملائكة قاتلت الكفار " فهي موضع نزاع بين العلماء ، فلا ينسحب عليها حكم الإجماع الذي زعمه الرازي ، على أن رد الرازي على الأصم مجمل ولايخلو عن ضعف كما ألمح إلى ذلك صاحب المنار ، لأن الأصم أهدر أن المقام مقام إعجاز ، فحكم المألوف والعقل ولم يقم للأحاديث الصحيحة التي رؤيت فيها الملائكة في صور بشرية ، وأجل هذه الأحاديث صحة ومعنى حديث جبريل المشهور ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه : : (  هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) بعد أن ذهب ، ولم يعرفه أحد من الصحابة .

ومما يؤيد قول جمهور العلماء بإنزال الملائكة مدداً للمؤمنين في بدر أن قوله تعالى : ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين . بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين . وماجعله الله إلا بشرى لكم ، ولتطمئن قلوبكم به ، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) نزل في غزوة بدر ، كما هو قول جمهور العلماء .

وسياق هذه الآيات يرجح بدريتها ، لأنها جاءت في ترتيب التلاوة معاقبة لقوله تعالى : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) .

قال أبو حيان في ( البحر  : : ظاهر هذه الآيات اتصالها بما قبلها ، وأنها من قصة بدر ، وهو قول الجمهور ، فيكون ( إذ ) معمولاً لنصركم ، ثم قال أبو حيان : وقيل : هذا من تتمة قصة ( أحد ) فيكون قوله : ( ولقد نصركم الله ببدر ) معترضاً بين الكلامين لما فيه من التحريض على التوكل والثبات للقتال .

وقد ذكر الإمام ابن القيم في ( الهدي ) الخلاف ، وحجج الفريقين ، ولم يرجح قولا على قول ، قال : فإن قيل : ها هنا - أي في سورة الأنفال - ذكر أنه أمدهم بألف ، وفي سورة آل عمران قال : ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة نزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) فكيف الجمع بينهما ؟ قيل : اختلف في هذا الإمداد الذي بثلاثة آلاف ، والذي بخمسة آلاف على قولين :

أحدهما: أنه كان يوم ( أحد ) وكان إمداداً معلقاً على شرط ، فلما فات الشرط فات الإمداد ، وهذا قول الضحاك ، ومقاتل ، وإحدى الروايتين عن عكرمة .

والثاني : أنه كان يوم بدر ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة والرواية الأخرة عن عكرمة ، واختاره جماعة من المفسرين .

وحجة هؤلاء أن السياق يدل على ذلك ، فإنه سبحانه قال  : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ، فاتقوا الله لعلكم تشكرون * إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة المنزلين ، بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وماجعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به ) .

قال هؤلاء :" فلما استغاثوا " أمدهم بتمام ثلاثة آلاف ، ثم أمدهم بتمام خمسة آلاف " لما صبروا واتقوا " وكان هذا التدرج ومتابعة الإمداد أحسن موقعاً ، وأقوى لنفوسهم ، وأسرّ لها من أن يأتي مرة واحدة ، وهو بمنزلة متابعة الوحي ، ونزوله مرة بعد مرة .

وقالت الفرقة الأولى : القصة في سياق أحد ، وإنما أدخل ذكر بدر اعتراضاً في أثنائها ، فإنه سبحانه قال : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم . إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ([3]) ثم قال : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) فذكر نعمته عليهم لما نصرهم ببدر وهم أذلة ، ثم عاد إلى قصة أحد ، فأخبر عن قول رسوله لهم : ( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ) ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتقوا ، أمدهم بخمسة آلاف ، فهذا من قول رسوله ، والإمداد الذين ببدر من قوله تعالى ، وهذا بخمسة آلاف وإمداد بدر بألف ، وهذا معلق على شرط ، وذلك مطلق .

والقصة في سورة آل عمران هي قصة " أحد " مستوفاة مطولة ، و"بدر" ذكرت فيها اعتراضاً ، والقصة في سورة الأنفال قصة " بدر " مستوفاة مطولة ، فالسياق في آل عمران غير السياق في الأنفال .

يوضح هذا أن قوله : ( ويأتونكم من فورهم هذا ) وقد قال مجاهد ، هو يوم أحد ، وهذا يستلزم أن يكون الإمداد المذكور فيه ، فلا يصح قوله : إن الإمداد بهذا المدد كان يوم بدر ، وإتيانهم من ورائهم هذا يوم أحد .

ونقف مع الإمام ابن القيم عند قوله في الموازنة بين أدلة الفريقين : فهذا أي قوله تعالى : ( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف ) من قول رسوله ، والإمداد الذي ببدر من قول لله تعالى ، لنتفهم مامعنى قول ابن القيم : هذا من قول رسول الله ، والإمداد ببدر من قول الله تعالى ، والآيات في إمداد بدر ، بألف ، وفي الإمداد المختلف فيه بين بدر وأحد كلها من قول الله تعالى ، وهي قرآن متحدى به ، متعبد به ، نزل به أمين الوحي جبريل عليه السلام على محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليبلغه لأمته ؟ فقول الله تعالى في سورة آل عمران : ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم ) لابد أن يكون الأمر فيه بالتبليغ ، والمعنى : اذكر لأصحابك مبلغاً لهم نعمتنا عليهم إذ تقول لهم مبشراً ومنشطاً بوحينا إليك ، حاكياً لهم تنزيلنا عليك ( ألن يكفيكم )- في التفوق على أعدائكم أن يمدكم ربكم - زيادة على ما أمدكم به من ألف مردفين بتمام ( ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ) فهو قول الله تعالى قطعاً كقوله : ( فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) على سواء ، وليس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه إلا التبليغ ، ثم وعدهم إن هم صبروا واتقوا أمدهم يتمام خمسة آلاف مسومين .

وهل مثل هذا يمكن أن يكون يمحض الاجتهاد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ أو أنه من الأمور التي لامدخل فيها قط للاجتهاد ، بل لابد فيها من الوحي عن الله تعالى ، أن يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بإخبار الله له ماحكاه عنه في صدر الامتنان والتثبيت ، وإزالة مامسهم من طائف الوحشة لملاقاة أعدائهم ، وتذكيرهم نعم الله عليهم ، ليقوموا بحق شكر هذه النعم التي لم تجر على مقتضى ربط المسببات بأسبابها طبقاً لنواميس السنن الكونية العامة في مجرى الأحداث ، ولكنها جرت بمحض فضل الله دون أن تعرف لها عندهم أسباب مألوفة في مدارك العقل ومألوف الحياة في نظامها العام .

وإذا صح أن يعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه تثبيتاً لهم وإخباراً بموعود الله له بالنصر مع قلة عدد أصحابة وضعف عدتهم بأن الله سيمدهم بمدد من عنده ، يبدد كثرة أعدائهم ويذهب بقوتهم المادية استجابة لاستغاثته واستغاثتهم ، فهل يملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باجتهاده أن يعين أن هذا المدد يكون من الملائكة فيخبر به أصحابه ؟ أو: لابد في هذا التعيين بأن هذا المدد من الملائكة من وحي الله له بذلك  ، لأن جنود الله التي يمد بها عباده المؤمنين لينصرهم على أعدائهم لاتقتصر على الملائكة ( ومايعلم جنود ربك إلى هو ) .

وهل يملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحديد عدد المدد بثلاثة آلاف ، ثم بخمسة آلاف إن تحقق شرط الصبر والتقوى ؟

وإذا كان لابد في كل ذلك من الوحي - وهو الواقع الذي يجب المصير إليه - كان ماأمر الله به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله لاصحابه في قوله تعالى : ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) هو قول الله تعالى مثل قوله جل شأنه : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائمة مردفين ) على سواء .

غاية ما في الأمر أن الإمداد بألف " المردفين " إخبار من الله تعالى بأنه استجاب لهم استغاثتهم فأمدهم بها ، وأن الإمداد بتمام هذه - الألف ثلاثة آلاف ، ثم إتمام هذه الثلاثة خمسة آلاف إن هم حققوا شرط الصبر والتقوى- وعد من الله تعالى أوحاه إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليبلغه إلى أصحابه بأسلوب تقريري يغسل ماألم بصدورهم من حالة تشبه اليأس ، ليستعيدوا ثباتهم ويستشعروا سمو مكانه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ربه ، ويعرفوا رفيع منزلته ، وحفاوة الله به ، ورعايته في هذا الموقف الآزم بما لايمكن أن يقدر على إبداعه أحد إلا الله تعالى في عظيم اقتداره ومحكم تدبيره ، فحقق لهم على أعدائهم - وهم أكثر عدداً وأقوى عدة منهم ، ولهذا كانوا يتهيبون لقاءهم في الحرب - نصراً قوياً قاهرا ً غلاباً ، تردد صداه في آفاق أرض العرب قاصيها ودانيها ، فأرعب قلوبهم ، وأذل استكبارهم ، وطامن غرورهم ، إذ قتل فيه صناديدهم وأشرافهم ، وأرغم معاطس طواغيتهم وشغلهم عن ( لا ) و ( نعم ) ، وأذهلهم عن أنفسهم ، وكسر شوكتهم ، وغمز قناتهم ، وزلزل أقدامهم ، وأرجف الأرض من تحتهم ، وبدلهم بأمنهم فزعاً ، وبصلفهم انكساراً ، وبعتوهم مهانة وهواناً ، وارتفعت به رؤوس المؤمنين شامخة ، وتثبيت أقدامهم راسخة ، وأصبحوا سادة الموقف ، وربابنة سفائنه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

     " هل باشرت الملائكة القتال مع المؤمنين في بدر أو غيرها ؟ "

 ** الاختلاف في مباشرة الملائكة القتال مناصرة للمؤمنين في غزواتهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد وأوسع مدى من الاختلاف في أصل نزولهم مدداً ، وشهودهم المعارك لتثبيت المؤمنين ، وتبشيرهم بالنصر لتقوى عزائمهم وتشتد سواعدهم .

- وقد حققنا قضية إنزال الملائكة وإمداد المؤمنين بأعدادهم ، وحضورهم مشاهد القتال في غزوة بدر ، وبينا أن نزولهم مددا ً للمؤمنين في بدر أشبه بأن يكون مجمعاً عليه من سلف الأمة وخلفها ، وأن ماوقع من النقل عن بعض الأئمة من إنكار لنزول الملائكة وإمداد جند الله من المؤمنين بأعدادهم كان إما من قبل الشذوذ في النقل ، واشتباه لنصوص واضطرابات الروايات ، وذلك كالقولة المنسوبة إلى الإمام الشعبي ، أو كان من قبيل غلبة الأوهام على منطق العقل ، والوقوف مع الأسباب والمسببات التي تحكمها السنن العامة في وقوع الأحداث ، وذلك كالذي حكاه الرازي عن أبي بكر الأصم ، واحتج له بما لاحجة له فيه .

أما قضية مباشرة الملائكة القتال في صفوف المؤمنين ، وهي متفرعة على ثبوت نزولهم وإمداد المؤمنين بهم ، وشهودهم المعارك ، فقد اختلف فيها العلماء والباحثون من المفسرين وأهل السير:

* فقال قوم وهم الأكثرون وجمهور أهل العلم : إن الملائكة أنزلوا مدداً للمؤمنين وباشروا القتال معهم ، وقتلوا آحاداً من الكافرين ، وأسروا أفراداً منهم . كما ورد في حديث أسر العباس ، واستدل هؤلاء بظواهر آيات القرآن الكريم ، وبآثار وروايات كثيرة عن الصحابة الذين شهدوا بدراً أو حدثوا عمن شهدها .

* وقال آخرون : إن الملائكة أنزلو مدداً للمؤمنين في بدر ، وشهدوا معركتها ، ولكنهم لم يباشروا القتال ، بل كان إنزالهم لتكثير سواد المسلمين ، وتثبيتهم بما يلقونه في قلوبهم إلهاماً من بشائر النصر ، وتقوية عزائمهم ، وأن الله تعالى ناصر نبيه وأصحابه على جند الشيطان وأوليائه من أحلاس الشرك وعبيد الوثنية ، لتقوى النفوس المؤمنين وعزائمهم ويجترؤا على أعدائهم في القتال ، ولم تنزل لتباشر القتال ، ولو كان إنزالهم للقتال " لكان في وجود ملك واحد " يقاتل مع المؤمنين كفاية لتحقيق النصر ، وهزيمة الكافرين ، بل لإهلاكهم إهلاكاً تاماً ، فضلا عن جبريل عليه السلام الذي وصفه الله في كتابه المبين بأنه شديد القوى ، ذو مرة ، والذي تقول الروايات المشهّرة أنه اقتلع قرى قوم لوط من أصولها في الثرى ، وحملها على ريشة من جناحه بمن فيها ، وما فيها من أناسي وحيوان ، وبيوت وشجر وزورع وأمتعه حتى بلغ بها آفاق السماء ، وذرى الفضاء ، ثم قلبها ، فجعل أعاليها أسافلها ، وصاح بثمود وهي في ديارها صيحة واحدة جعلتهم كالرميم .

** وذهب أصحاب هذا الرأي في تأويل آيات الإمداد بالملائكة تأويلات صرفتها عن ظواهرها بغير ضرورة موجبة مما شتت الضمائر في أسلوب الآيات .

وقد ذكر أبو حيان في تفسيره ( البحر ) وجوها في نظم قوله تعالى : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ، فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) ليجعل قوله تعالى : ( سألقي في قلوب الذين كفروا ) خطاباً للمؤمنين عن طريق الملائكة على معنى : قولوا لهم : ( سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) وليتسنى جعل قوله تعالى : ( فاضربوا ) خطاباً تعليمياً للمؤمنين ، يعلمهم طريقة ضرب الكافرين لقتلهم أو تعجيزهم عن القتال ، وهذه وجوه يكنفها التعسف وتشتيت الضمائر مما يخل بالبراعة البيانية في القرآن الكريم .

- والحامل على هذا التعسف هو الفرار من إثبات مباشرة الملائكة القتال في صفوف المؤمنين اعتماداً على قصص لاتستند على سند صحيح ، وغفلة عن مقام الأحداث والوقائع ، وهي أحداث إعجازية ، لها سننها وقوانينها الخاصة التي لايلزمها التقيد بحال من الأحوال ، ولا تخضع لنظام السنن الكونية العامة التي تحكمها قوانين الأسباب والمسببات ، وإنما مرجعها إلى إطلاق مشيئة الله واقتداره وحكمه تدبيره .

- وقد ذكر الرازي في تفسير أن الملائكة نزلت في بدر ، وقاتلت الكفار، وقال : أجمع أهل التفسير والسير أن الله تعالى أنزل الملائكة يوم بدر وأنهم قاتلوا الكفار ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم تقاتل الملائكة سوى يوم بدر ، وفيما سواه كانوا عددا ومددا ً ، لايقاتلون ولايضربون ، وهذا قول الأكثرين ، بيد أن الرازي الذي ينقل هذا الإجماع عن ذوي الشأن من المفسرين وأهل السير لم يقم لنقله وزناً ، وذهب مع الذين يزعمون أن الملائكة نزلت مددا ً للمؤمنين ولكنها لم تنزل لتقاتل ، بل نزلوا لتقوية عزائم المؤمنين ، لكنه لمح وهو يذكر اختلاف العلماء في مباشرة الملائكة القتال إلى أنهم لم يقاتلوا مستنداً إلى أن لفظ المدد الذي وصف به الملائكة مشعر بالمعاونة في القتال ، فقال في تفسير آيتي آل عمران : اختلفوا في كيفية نصرة الملائكة ، فقال بعضهم : بالقتال مع المؤمنين ، وقال بعضهم : بل بتقوية نفوسهم ، وإشعارهم بأن النصر لهم ، وإلقاء الرعب في قلوب الكفار .

- ثم قال الرازي : والظاهر في المدد - أ