يكون بين ناس من أصحابي فتنة يغفرها الله لهم بصحبتهم...
تاريخ الإضافة : 2013-06-20 14:46:01
أرجو إن أمكن توضيح درجة صحة الحديث التالي :"عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون بين ناس من أصحابي فتنة يغفرها الله لهم بصحبتهم إياي يستن بهم فيها ناس بعدهم يدخلهم الله بها النار ".

 

لأنني كنت في مجلس وبدأ بعض الناس يخوضون في أسيادنا علي و معاوية رضي الله عنهم ويقولون بأن حديث البخاري "القاتل والمقتول في النار" هو الصحيح ، وأن الحديث السابق ذكره هو موضوع ! و مفترى على الرسول عليه الصلاة والسلام ! بل ، وقالوا إنه لا تجوز روايته أصلا و إلا فلأتبوأ مقعدي من النار!!!.

أفيدوني جزاكم الله خيرا و نفع بكم الاسلام و المسلمين ودرأ بعلمكم الفتن .بسم الله الرحمن الرحيم :

 ووقاك الله من أن تتبوأ مقعدك إلا في الجنة بمنه وكرمه سبحانه ، وبالرجوع إلى العلماء الذين نأخذ منهم ، نجد ما يلي :

 ** في تفسير القرطبي وقد تعهد كما في مقدمة تفسير بالتدقيق فيما يورده من أحاديث ، حيث جاء فيها :" وشرطي في هذا الكتاب: إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يُضاف الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يُضاف القول إلى قائله، وكثيراً ما يجئ الحديث في كتاب الفقه والتفسير مبهماً، لا يعرف من أخرجه إلا مَن اطلع على كتب الحديث، فيبقى مَن لا خبرة له بذلك حائراً لا يعرف الصحيح من السقيم، ومعرفة ذلك علم جسيم. فلا يُقبل منه الاحتجاج به ، ولا الاستدلال حتى يضيفه إلى مَن خرَّجه من الأئمة الأعلام، والثقات المشاهير من علماء الإسلام، ونحن نشير إلى جُمَل من ذلك في هذا الكتاب"

  • قال عند قوله تعالى في الآية: 25 من سورة الأنفال:  {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب} قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب. وكذلك تأول فيها الزبير بن العوام فإنه قال يوم الجمل، وكان سنة ست وثلاثين: ما علمت أنا أردنا بهذه الآية إلا اليوم، وما كنت أظنها إلا فيمن خوطب ذلك الوقت. وكذلك تأول الحسن البصري والسدي وغيرهما. قال السدي: نزلت الآية في أهل بدر خاصة؛ فأصابتهم الفتنة يوم الجمل فاقتتلوا.
  • وقال ابن عباس رضي الله عنه: نزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر فيما بينهم فيعمهم الله بالعذاب. وقال حذيفة بن اليمان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون بين ناس من أصحابي فتنة يغفرها الله لهم بصحبتهم إياي يستن بهم فيها ناس بعدهم يدخلهم الله بها الناس) قلت: وهذه التأويلات هي التي تعضدها الأحاديث الصحيحة؛ ففي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث". وفي صحيح الترمذي: (إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده).
  • وفي صحيح البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا". ففي هذا الحديث تعذيب العامة بذنوب الخاصة.

**وفي التفسير المنير للدكتور : وهبة بن مصطفى الزحيلي :

  • وعن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : « يكون بين ناس من أصحابي فتنة ، يغفرها اللّه لهم بصحبتهم إياي ، يستنّ بهم فيها ناس بعدهم ، يدخلهم اللّه بها النار»
  • " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لاَيَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ . فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَالِكَ ؛ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُول فِي النَّارِ " أخرجه مسلم 8/183
  • عن أنس رضي الله عنه : "ما من مسلمين التقيا بأسيافهما إلا كان القاتل والمقتول في النار " صحيح .
  • وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي يوم لا يدري القاتل فيم قتل ؟ ولا المقتول فيم قتل ؟ فقيل : كيف يكون ذلك ؟ قال : " الهرج القاتل والمقتول في النار " رواه مسلم
  • قال الإمام النووي: "وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار، فمحمول على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها"["مسلم بشرح النووي":(18/15)] وقال : "(إن المقتول في النار لأنه أراد قتل صاحبه)
  • و قال القرطبي: " فبين هذا الحديث: أن القتال إذا كان على جهل، من طلب دنيا، أو اتباع هوى، فهو الذي أريد بقوله: "القاتل والمقتول في النار " ["الفتح":(13/37ـ38)] ِوقد علل عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كون المقتول من حيث المآل مع القاتل ، وذلك لما قال { الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ! قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ  فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ : }
  • فهذه النصوص قاضية على وجه القطع واليقين بحرمة الانضواء تحت راية عمية، تقاتل عصبية، لهوى أو لدنيا، حتى وإن كانت هذه الراية العمية لطائفة تنتسب للإسلام .
  • قال في الفتح : قال العلماء : معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى اللّه إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين وإن شاء اللّه عفا عنهما أصلا .
  • وقيل: هو محمول على من استحل ذلك ولا حجة فيه للخوارج ، ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار!! لأنه لا يلزم من قوله القاتل والمقتول في النار استمرار بقائهما فيها ، واحتج به من لم ير القتال في الفتنة . وهنا أسجل بضع ملحوظات :
  • كما لا يجوز نسبة الحديث إلى الرسول إذا كان موضوعا إلا إذا ذكر ليحذر منه ، ويقال : هذا موضوع ، لا يجوز كذلك إنكار حديث له نسبة إلى الرسول ، وقال به العلماء ،والحديث المسؤول عنه له نسبة للرسول عليه الصلاة والسلام !
  • ينبغي أن نرجع في تفسير الأحاديث إلى العلماء الأثبات ، ولا نتقول المعاني على حسب ما نهوى ونريد !
  • لا ينبغي إطلاق الأحكام في التحليل والتحريم إلا إذا استوعبنا الأخبار التي تنضوي تحت عنوان المسألة المتناولة !
  • والخطورة في الإسقاط على الأحوال دون رصد لكل أبعاد الحالة ، وفحص دوافعها ، لأننا سنصل إلى أحكام مهتزة ، ولنمثل هنا بالغفلة عما جاء من أحاديث تتناول أن من قتل دون ماله فهو شهيد ، وكذا دون أرضه ، أو عرضه ،وأن من وقف في وجه الظلم ليدفعه عن المظلوم فهو على ثغرة من أحكام الإسلام  ... وهكذا