من أخبار أبي تمام مع أحمد بن المعتصم
أعرض- هنا- لموقف فيه لفتة دقيقة تقرر أن ضرب المثل لا يشترط فيه المطابقة بين المثل وما ضرب له من كل وجه ، بل يكفي فيه الروح التي سيق لها المثل لمن لمح روحه ، ومن اقتصر على المقاييس الهندسية في ميدان المقاييس فقد ظلم التعبير ، وخنق الأفق الذي فيه يتحرك من يعبر، ومعذرة من الخانق! وعليه إذا قال القائل فلان " ثعلب " فلا يسوغ أن يقال له : طيب ! وأين ذيله ؟!
- أنشد أبو تمامٍ أحمد بن المعتصم قصيدته التي مدحه بها ، ومنها:
إِقْدَامَ عَمْروٍ في سَماحَةِ حَاتِمٍ * في حِلْمِ أَحْنَفَ في ذَكَاءِ إِيَاسِ !
- فقال له الكندي- وكان حاضراً- مجلس الإنشاد ، وأراد الطعن عليه : الأمير فوق من وصفت !يريد أنه ما زاد في وصفه من يمدحه على ان جعله مثل أجلاف العرب على ما يرى : عمرا و حاتما وأحنف و إياسا!
فأطرق أبو تمام قليلاً، ثم زاد في القصيدة بيتين لم يكونا فيها:
لاَ تُنْكِروُا ضَرْبِي لَهُ مَنْ دُونَهُ * مَثَلاً شَروُداً في النَّدَى وَالبَاسِ
فالله قد ضَرَبَ الأَقَلَّ لِنُورِهِ * مَثَلاً منَ المِشْكَاةِ وَالنِّبْرَاسِ
قال المتحدث بالخبر: فعجبنا من سرعته وفطنته ، وروعة تعليله !!!