ضيوف الموقع
تاريخ الإضافة : 2012-07-25 07:21:12

أبو الحسن الندوي

نموذج الداعية المسلم في بلاد ذات أقلية مسلمة
سئل أحد المفكرين عن أبي الحسن :إلى أي اتجاه في العالم الإسلامي ينتمي ؟ فأجاب- وأنا حاضر- أبو الحسن لكل المسلمين .فأخذ الجواب مني مأخذه ، إذ إنه أوقفني على سر ذيوع تأثيره في كل العالم الإسلامي !وعلى معنى العالمية في فكره ، وأسلوب خطابه الذي انتفع به الجميع مع اختلاف المشارب !!
يعتبر الشيخ أبو الحسن علي الندوي (1333 - 1420 هـ) من طليعة المفكرين الإسلاميين في القرن الميلادي المنصرم . وقدامتازت كتبه ورسائله الدعوية المبنية على الحقائق التاريخية بأنها كتبت بأسلوب أدبي شيق يجعل القارئ العربي يجتذب إليها قلباً وقالباً، علماً أنه هندي المولد ،لكنه عربي اللسان ، ولرسوخه في اللغة كان عضواً في مجمع اللغة العربية في دمشق على ما أذكر ! . وقدامتاز عصر نشأة الشيخ الندوي بكثرة الفتن والحروب والتغيرات السياسية على مستوى العالم الإسلامي ، والتي قوبلت بجهود إصلاح اجتماعية ، ونعرات سياسية ، وحركات دينية شتى . والغريب أنه- مع ظهورجمهرة من الأعلام والشخصيات الإسلامية الذين برزوا على ساحة شبه القارة الهندية استطاع أن يؤسس لنفسه المكانة المرموقة ، ويجذب مايقرب مئتي ألف شخص لحضور مراسم الدفن في القرية النائية التي توفي فيها ، وأرسلت الحكومات العربية طائرات خاصة من أجل نقل كبار الشخصيات الأدبية والفكرية إلى الهند !وهنا يطرح السؤال الذي يقتضيه هذا المعنى : ترى ماهي العوامل التي أدت إلى بروز شخصية أبي الحسن نموذجاً فذاً للداعية المسلم ، النموذج الذي يحتذى في مسالكه الدعوية ، والتربوية ، والمنهجية ، ويمكن اتباعه في البلدان الإسلامية ، وغير الإسلامية ؟ .
ولعلنا في هذا المختصر للمنهج الذي تبناه نقدم جواباً لهذا التساؤل ينتفع به من هو في طريق الدعوة إلى الله- تعالى- وفيه- أيضاً- بيان للمواضيع الرئيسة التي اعتنى بها الشيخ رحمه الله تعالى ، والتي عالجها ، ومن أهمها:

  1. ضبطه القوانين الوضعية وفق الأسس الشرعية : في عام 1986م تصدى الشيخ أبو الحسن لقرار المحكمة العليا ، والذي حكم على الزوج المسلم أن يدفع لزوجته مبلغاً مقطوعاً من الدخل الشهري بعد وقوع الطلاق ،وبذل جهوداً كبيرة حتى أبطل القرار لمخالفته الشريعة .
  2. تطوير الصحافة الإسلامية : شجع الشيخ على أن يصدر الدعاة الشباب من حوله مجلات وصحفاً ، تهتم بقضايا فكرية إسلامية مثل البعث الإسلامي، والرائد ، وبانغ درا (بالعربية ) وتعمير حيات (بالأردية) .
  3. النهوض بحركة النشر والتأليف : الوسائل المادية المواتية للشيخ لم تكن كثيرة ولكن حرص أن تطبع رسائل ، وكتيبات دعوية ، باللغة العربية والأردية والإنجليزية . وذلك من أجل توفير مادة فكرية صحيحة المذاق للمجتمع الإسلامي الهندي ، وكذلك وجه ابن أخيه (الشيخ محمد الحسني ) لترجمة الطريق إلى مكة تأليف محمد أسد رحمهما الله تعالى .
  4. إعداد طاقات مثقفة في الدعوة الإسلامية : اهتم الشيخ أن يترك من ورائه تراثاً دعوياً فذاً لا على صورة كتب وخطب رنانة ، فحسب ، بل عن طريق تربية دعاة وشخصيات أدبية وإسلامية ، والتي نهلت من فيضه وفكره السامي . أمثال الشيخ محمد الرابع ، والشيخ سلمان الحسيني ، والشيخ سعيد الرحمن ، وغيرهم .
  5. الارتباط المباشر بشخصيات الدعوة الإسلامية : في مستهل عمره رافق الشيخ أصحاب الدعوات الإسلامية والحركات الإصلاحية ، أمثال الأستاذ أبي الأعلى المودودي ، والشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ، وتعرف على حقيقة الحركتين ، وارتبط بعلاقة محبة ومودة بالمسؤولين فيها .
  6. العقلانية والوسطية في الاضطرابات الطائفية : لم يكن الشيخ متبنياً مبدأ إقرار أن يطحن المسلمون من أعدائهم دون أيّ موقف ولو دفاعياً ، بل كانت كتاباته مثل " إذا هبت ريح الإيمان " تشيد بملاحم الجهاد " لإعلاء كلمة الله- تعالى- وفي الوقت نفسه تبنى الشيخ مبدأ الوسطية والعقلانية في مواجهة موجات الاضطرابات الطائفية التي طالما اجتاحت البلاد الهندية من حين لآخر وتأثر بها المسلمون والهندوس ، وحتى السيخ . ولم ير الانجرار وراء دعوات الانتقام والثأرالتي قد تكون غير مجدية في حينها .
  7. ترك الفضول في المباحثات العلمية البحتة : لم ير الشيخ فائدة في الخوض في مباحثات علمية بحتة تستنفد الجهود ، دون أن يكون لها من المردود ما يساوي بعضاً من هذه الجهود !! مثل " بشرية " ذات الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو نوانيته . أوالبحث " في تضليل متبعي أحد المذاهب الفقهية الأربعة " . بل رأى أن توحد جهود المسلمين الفكرية لمحاربة الجهود الماكرة لمحو عقيدة الإسلام ! مثل القاديانية والتغريب والوسطية الزائفة والدعوات الهدّامة الأخرى التي اجتاحت العالم الإسلامي .
  8. الارتباط المباشر بالعالم العربي الإسلامي : حرص الشيخ أن ترتبط الهند شعباً وعلماء بعلماء العرب ، وأن يرنوا إلى تلك الشخصيات على أنهاقدوة صالحة ، لذا دعا أئمة الحرمين ، والشيخ عبدالفتاح أبوغدة ، والشيخ يوسف القرضاوي إلى رحاب ندوة العلماء .
  9. تقديم نموذج حي للحياة الإسلامية : حرص الشيخ أن تحيا ليالي رمضان ، وأن يعتكف الناس في المسجد الذي بناه الشاه علم الله الحسني إحياء لسنة الاعتكاف ،وذلك بعيداً من ضوضاء المدينة ، وشغبها، وفي جو روحاني تشحذ فيه الهمم ، وتصقل فيه المواهب اللدنية .
  10. التمسك الشديد بأصول الدين : مع أن الشيخ امتاز برحابة الصدر في الجزئيات الفقهية ، فكان كنعومة الحريرفيها ، لكنه كان أشدّ صلابة من الحديد في التمسك بالمبادئ الإسلامية ، وأصول الدين . فمنع مسلمي ولاية" اتربرديش ، من الانصياع لقانون يحتم على طلبة المدارس إنشاد الأغنية القومية التي حملت عبارات " منافية لعقيدة التوحيد" الإسلامية ، وردد مراراً وتكراراً أما الحشود المؤلفة أن المسلمين في الهند لا يتنازلون عن قيمهم الدينية مقابل بقائهم في الهند .

يوسف صديقي