إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2012-07-25 07:29:44

الطبقة من اهل النار

هل تعلم لم كان منزل المنافق يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار ، مع أنه أظهرالإسلام ، ولم يرفضه صراحة كما فعل الكافر ؟! ولم ينبغي على المسلم أن يتعرف إلى ما أوصل المنافق إلى هذا الدرك ؟     

 

المنافقون : هم قوم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسل، وأبطنوا الكفر ومعاداة الله [ورسوله]. وهؤلاء المنافقون، وهم فى الدرك الأسفل من النار، قال تعالى: {إِنَّ المُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} [النساء: 145]، فالكفار المجاهرون بكفرهم أخف، وهم فوقهم فى دركات النار. لأن الطائفتين اشتركتا فى الكفر ومعاداة الله ورسله وزاد المنافقون عليهم بالكذب والنفاق، وبلية المسلمين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين، ولهذا قال تعالى فى حقهم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4]، ومثل هذا اللفظ يقتضى الحصر، أى لا عدو إلا هم، ولكن لم يرد- هاهنا- حصر العداوة فيهم ، وأنهم لا عدو للمسلمين سواهم ، بل هذا من باب إثبات الأولوية والأحقية لهم فى هذا الوصف، وأنه لا يتوهم بانتسابهم إلى المسلمين ظاهراً ، ومخالطتهم إياهم ، أنهم ليسوا بأعدائهم، بل هم أحق بالعدواة ممن باينهم فى الدار، ونصب لهم العداوة وجاهرهم بها. فإن ضرر هؤلاءِ المخالطين لهم المعاشرين لهم- وهم فى الباطن على خلاف دينهم- أشد عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم، لأن الحرب مع أولئك ساعة أو أياماً ثم ينقضى ويعقبه النصر والظفر، وهؤلاء معهم فى الديار والمنازل صباحاً ومساءً، يدلون العدو على عوراتهم ، ويتربصون بهم الدوائر، ولا يمكنهم مناجزتهم، فهم أحق بالعداوة من المباين المجاهر، فلهذا قيل فيهم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْوهُمْ} [المنافقون: 4]، لا على معنى أنه لا عدو لكم سواهم، بل على معنى أنهم أحق بأن يكونوا لكم عدواً من الكفار المجاهرين .

والمقصود أن هذه الطبقة أشقى الأشقياءِ، ولهذا يستهزأُ بهم فى الآخرة كما كانوا يفعلون بالمسلمين في الدنيا ، فيعطون نوراً يتوسطون به على الصراط ، ثم يطفيء الله نورهم ، ويقال لهم: {ارْجَعُوا وَرَاءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُوراً} [الحديد: 13]، ويضرب بينهم وبين المؤمنين: {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قَبْلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُم وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِى حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغرَّكُمْ بِاللهِ الغرُورِ} [الحديد: 13]، وهذا أشد ما يكون من الحسرة والبلاءِ أن يفتح للعبد طريق النجاة والفلاح، حتى إذا ظن أنه ناج اقتطع عنهم ، وضربت عليه الشقوة ، ونعوذ بالله من غضبه وعقابه.

 

وإنما كانت هذه الطبقة فى الدرك الأسفل لغلظ كفرهم، فإنهم خالطوا المسلمين وعاشروهم، وباشروا من أعلام الرسالة وشواهد الإيمان ما لم يباشره البعداءُ، ووصل إليهم من معرفته وصحته ما لم يصل إلى المنابذين بالعداوة، فإذا كفروا مع هذه المعرفة والعلم كانوا أغلظ كفراً وأخبث قلوباً.

ولهذا قال- تعالى- فيهم: {صُم بُكْمُّ عُمِى فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 18]، وقال- تعالى- فى الكفار: {صُم بُكْم عُمْى فَهُمْ لا يرْجَعُونَ} [البقرة: 171]، فالكافر لم يعقل، والمنافق أبصر ثم عمى ، وعرف ثم تجاهل ، وأقر ثم أنكر، وآمن ثم كفر، ومن كان هكذا كان أشد كفراً ، وأخبث قلباً ، وأعتى على الله ورسله، فاستحق بذلك الدرك الأسفل من النار.

 

وفيه معنى آخر أيضاً وهو أن الحامل لهم على النفاق طلب العز والجاه بين الطائفتين ، فيرضوا المؤمنين ليعزوهم، ويرضوا الكفار ليعزوهم أيضاً.

 

ومن [هاهنا] دخل عليهم البلاءُ، فإنهم أرادوا العزتين من الطائفتين، ولم يكن لهم غرض فى الإيمان والإسلام ، ولافي طاعة الله ورسوله، بل كان ميلهم إلى الكفار، فقوبلوا على ذلك بأعظم الذل ، وهو أن جعل مستقرهم تحت الكفار، فما اتصف به المنافقون من مخادعة الله ورسوله والذين آمنوا، والاستهزاءِ بأهل الإيمان ، والكذب والتلاعب بالدين وإظهار أنهم من المسلمين ، فتغلظ كفرهم به، فاستحقوا الدرك الأسفل من النار ولهذا لما ذكر- تعالى- أقسام الخلق فى أول سورة [البقرة: 2-20]فقسمهم إلى مؤمن ظاهراً وباطناً، وكافر ظاهراً وباطناً، ومؤمن فى الظاهر كافر فى الباطن ، وهم المنافقون، وذكر فى حق المؤمنين ثلاث آيات وفى حق الكفار آيتين  ، فلما انتهى إلى ذكر المنافقين ذكر فيهم بضع عشرة آية ،ذمهم فيها غاية الذم ، وكشف عوراتهم وقبحهم ، وفضحهم، وأخبر أنهم هم السفهاءُ المفسدون فى الأرض المخادعون المستهزئون المغبونون فى اشترائهم الضلالة بالهدى، وأنهم صم بكم عمى فهم لا يرجعون، وأنهم مرضى القلوب ، وأن الله يزيدهم مرضاً إلى مرضهم، فلم يدع ذماً ولا عيباً إلا ذمهم به، وهذا يدل على شدة مقته- سبحانه- لهم، وبغضه إياهم، وعداوته لهم، وأنهم أبغض أعدائه إليه.فظهرت حكمته الباهرة فى تخصص هذه الطبقة بالدرك الأسفل من النار.

نعوذ بالله من مثل حالهم، ونسأله معافاته ورحمته. ومن تأمل ما وصف الله به المنافقين فى القرآن من صفات الذم علم أنهم أحق بالدرك الأسفل ، فإنه وصفهم بمخادعته ومخادعة عباده ، ووصف قلوبهم بالمرض وهو مرض الشبهات والشكوك. ووصفهم بالإفساد فى الأرض وبالاستهزاءِ بدينه وبعباده، وبالطغيان، واشتراءِ الضلالة بالهدى والصمم والبكم والعمى والحيرة والكسل عند عبادته، وقلة ذكره، والتردد- والتذبذب- بين المؤمنين والكفار، فلا إلى هؤلاءِ ولا إلى هؤلاء كذباً وباطلاً ، وبالكذب ، وبغاية الجبن، وبعدم الفقه فى الدين وبعدم العلم، وبالبخل، وبعدم الإيمان بالله واليوم الآخر، وبأنهم مضرة على المؤمنين ، ولا يحصل لهم بنصيحتهم إلاالإسراع بينهم بالشر وإلقاءِ الفتنة، وكراهتهم لظهور أمر الله، ومحو الحق، وأنهم يحزنون بما يحصل للمؤمنين من الخير والنصر، ويفرحون بما يحصل لهم من المحنة والابتلاءِ، وأنهم يتربصون الدوائر بالمسلمين وبكراهتهم الإنفاق فى مرضاة الله وسبيله، وبعيب المؤمنين ، ورميهم بما ليس فيهم ، فيزمون المتصدقين ، ويعيبون مقلهم، ويرمون مكثرهم بالرياءِ إرادة الثناء فى الناس، وأنهم عبيد الدنيا إن أُعطوا منها رضوا وإن منعو سخطوا، وبأنهم يؤذون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويعيبونه بما هو من كماله وفضله ، وأنهم يقصدون إرضاءَ المخلوقين ، ولا يطلبون إرضاءَ رب العالمين ، وأنهم يفرحون إذا تخلفوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويكرهون الجهاد فى سبيل الله، وأنهم يتحيلون على تعطيل فرائض الله عليهم بأنواع الحيل،وأنهم مطبوع على قلوبهم، وأنهم أحلف الناس بالله ، قد اتخذوا أيمانهم جُنّة تقيهم من إنكار المسلمين عليهم، وهذا شأْن المنافق أحلف الناس بالله كاذباً، ووصفهم بأنهم رجس- والرجس من كل جنس أخبثه وأقذره- فهم أخبث بنى آدم ، وأقذرهم وأرذلهم ، وبأنهم فاسقون، وبأنهم مضرة على أهل الإيمان يقصدون التفريق بينهم، ويؤوون من حارب الله ورسوله، وأنهم يتشبهون بهم فى أعمالهم ليتوصلوا منها إلى الإضرار بهم وتفريق كلمتهم، وهذا شأن المنافقين أبداً ، وبأنهم فتنوا أنفسهم بكفرهم بالله ورسوله وتربصوا بالمسلمين دوائر السوء ، وارتابوا فى الدين فلم يصدقوا به، وغرتهم الأمانى الباطلة ، وغرهم الشيطان، وأنهم أحسن الناس أجساماً ، تعجب الرائى أجسامهم،والسامع منطقهم، فإذا جاوزت أجسامهم وقولهم رأيت خشباً مسنده، ولا إيمان ولا فقه، ولا علم ولا صدق، بل خشب قد كسيت كسوة تروق الناظر، وليسوا وراءَ ذلك شيئاً، وإذا عرض عليهم التوبة أبوها ،

ووصفهم- سبحانه- بأنهم يأْمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف ، ويقبضون أيديهم عن الإنفاق فى مرضاته، ونسيان ذكره،وبأنهم يتولون الكفار، وبأن الشيطان قد استحوذ عليهم حتى أنساهم ذكر الله ، فلا يذكرونه إلا قليلاً، وأنهم حزب الشيطان ، وأنهم يوادون من حاد الله ورسوله ، وبأنهم يتمنون ما يعنت المؤمنين، وأن البغضاءَ تبدو لهم من أفواههم ، وعلى فلتات ألسنتهم، بأنهم يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم ،ومن صفاتهم التى وصفهم بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكذب فى الحديث والخيانة فى الأمانة، والغدر عند العهد، والفجور عند الخصام، والخلف عند الوعد، وتأْخير الصلاة إلى آخر وقتها، ونقرها عجلة وإسراعاً، وترك حضورها جماعة ، وأن أثقل الصلوات عليهم الصبح والعشاءُ.

ومن صفاتهم التى وصفهم الله بها الشح على المؤمنين بالخير، والجبن عند الخوف، فإذا ذهب الخوف وجاءَ الأمن سلقوا المؤمنين بأَلسنة حداد، فهم أحد الناس أَلسنة عليهم كما قيل:

جهلاً علينا وجبناً عن عدوكم... لبئست الخلتان الجهل والجبن

وإنهم عند المخاوف تظهر كمائن صدورهم ومخبآتهم، فإذا لحق المسلمين خوف دبت عقارب قلوبهم لتلسع ، وظهرت المخبآت الحاقدة.

ومن صفاتهم أنهم أعذب الناس ألسنة، وأمرّهم قلوباً ، وأعظم الناس مخالفة بين أعمالهم وأقوالهم ، ومن صفاتهم أن أعمالهم تكذب أقوالهم، وباطنهم يكذب ظاهرهم ، وسرائرهم تناقض علانيتهم.

ومن صفاتهم أن المؤمن لا يثق بهم فى شيء فإنهم قد أعدوا لكل أَمر مخرجاً منه، بحق أو بباطل بصدق أو بكذب، ولهذا سمى منافقاً أخذاً من نافقاءِ اليربوع- وهو بيت يحفره ويجعل له أسراباً مختلفة- فكلما طلب من سرب خرج من سرب آخر، فلا يتمكن طالبه من حصره فى سرب ، ومن صفاتهم  سرعة التقلب، وعدم الثبات على حال واحد: بينا تراه على حال تعجبك من دين أو عبادة أو هدى صالح أو صدق، إذ انقلب إلى ضد ذلك ، كأنه لم يعرف غيره، فهو أشد الناس تلوناً وتقلباً وتنقلاً، ومن صفاتهم أنك إذا دعوتهم عند المنازعة للتحاكم إلى القرآن والسنة أبوا ذلك وأعرضوا عنه، ودعوك إلى التحاكم إلى طواغيتهم، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعَمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزَلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطاغوت وَقَد أمرُوا أَن يَكْفُروا بهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالُوا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافقِين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً فَكَيْف إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيَهِمْ ثُمَّ جَاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُم فِى أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء: 60-63].

ومن صفاتهم: كتمان الحق، والتلبيس على أهله، ورميهم له بأدوائهم: فيرمونهم- إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ودعوا إلى الله ورسوله- بأنهم أهل فتن مفسدون فى الأرض.

وعلى بعض هذا ، فحقيق بأهل هذه الطبقة أن يحلّوا بالمحلّ الذى أحلهم الله من دار الهوان ، وأن ينزلوا فى أردئ منازل أهل العناد والكفران.

وبحسب إيمان العبد ومعرفته بكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة، ولهذا اشتد خوف سادة الأُمة وسابقوها على أنفسهم أن يكونوا منهم، فكان عمر بن الخطاب يقول: يا حذيفة، ناشدتك الله، هل سمانى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم؟ فيقول: لا، ولا أُزكى بعدك أحداً،أي : لا أفتح على هذا الباب فى تزكية الناس، وليس معناه أنه لم يبرأْ من النفاق غيرك.

 

وقال ابن أبى مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله؟ صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبرائيل وميكائيل.

 

هذا مختصر من كتاب طريق الهجرتين مع حذف بسيط وإضافة محددة