إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2012-11-30 15:59:37

لمسات من معين الاستشراف ! ولمعات من دقائق الرياء !

قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه الورع على وجهين ورع في الظاهر وهو ألا تتحرك إلا لله ، وورع في الباطن وهو أن لا يدخل قلبك إلا الله ، فإن كان للعبد أستشراف إلى الخلق أو سبقية نظر إليهم قبل مجيء الرزق أو بعده فمقتضي هذا الورع ، والواجب في حق الأدب إلا ينيل نفسه شيئاً مما يأتيه على هذا الحال عقوبة لنفسه في نظره إلى أبناء جنسه، ولكونها رأت الخلق قبل رؤية الحق تعالى

 - وأحل الحلال- كما قيل- ما لم يخطر على بال ، ولا سألت فيه أحداً من النساء والرجال ! ولهذا قال بعضهم الحلال هو الذي لا ينسي الله فيه 

- وقالوا الورع ألا تتحرك ولا تسكن إلا وترى الله في الحركات والسكون فإذا رأى الله ذهبت الحركة والسكون وبقي مع الله فالحركة ظرف لما فيها ، وهو على ما قالوا : ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه ، فإذا رأيت الله ذهبت. و" فيه " ليست ظرفا بالقطع. 

وقد أجمع العلماء على أن الحلال المطلق ما أخذ من يد الله بسقوط الوسائط ، وهذا مقام التوكل . 

وإذا أراد الله تعالى أن يعز عبده ويرفعه إلى هذا المقام قطع عنه زمام الوهم والجزع وحرره من رق الطمع فقاده إليه بملاطفة الإحسان أو بسلاسل الامتحان ،قال العارف بالله : من لم يقبل على الله بملاطفات الأحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان .

وقد قسم الله تعالى عباده إلى أهل الشمال وأهل اليمين والسابقون ، أما أهل الشمال فلا كلام عليهم إذ لا إقبال لهم على الله أصلاً ، وأما أهل اليمين فلهم أقبال بوجه ما لكن لا خصوصية لهم لأنهم قنعوا بظاهر الشريعة ولم يلتفتوا إلى سلوك طريقة ولا حقيقة !وقفوا مع الدليل والبرهان ولم ينهضوا إلى مقام الشهود والعيان ، ولا كلام معهم أيضاً ، وأما السابقون فقد أقبلوا على الله متوجهين إليه طالبين الوصول إلى معرفته وهم في ذلك على قسمين قسم أقبل على الله بملاطفة إحسانه وقياماً بشكر إنعامه وأمتنانه وهم أهل مقام الشكر، وقسم أقبل على الله بسلاسل الأمتحان وضروب البلايا والمحن وهم أهل مقام الصبر، فأهل المقام الأول أقبلوا على الله طوعاً ، وأهل المقام الثاني أقبلوا على الله كرهاً ، قال تعالى " ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً "  

و قالوا: سنة الله استدعاء العباد لطاعته بسعة الأرزاق ودوام المعافاة ليرجعوا إليه بنعمته ، فإن لم يفعلوا أبتلاهم بالسراء والضراء لعلهم يرجعون ، لأن مراده عز وجل رجوع العباد إليه طوعاً وكرهاً . 

فالواجب على العبد إذا خصه الله بخصوصية كتمها وسترها ، فإن أظهرها فهو على خطر، وفي الكتمان السلامة ، وقد قالوا من رأيته مجيباً عن كل ما سئل ، ومعبراً عن كل ما شهد، وذاكراً كل ما علم فاستدل بذلك على وجود جهله. 

وقد روى عن على كرم الله وجهه أن الله تعالى يقول للفقراء يوم القيامة ألم تكونوا ترخص عليكم الأسعار؟ ألم تكونوا تبادرون بالسلام ؟ ألم تكونوا تقضى لكم الحوائج ؟  قد استوفيتم أجوركم 

وقال عبد الله بن المبارك روى عن وهب بن منبه رحمه الله أن رجلاً من العباد قال لأصحابه أنا إنما فارقنا الأموال والأولاد مخافة الطغيان فنخاف أن يكون قد دخل علينا في أمرنا هذا من الطغيان أكثر مما دخل على أهل الأموال في أموالهم ، إن أحدنا إذا لقي أحب أن يعظم لمكانه دينه ، وإن سأل حاجة أحب أن تعطي له لمكان دينه ، وإن اشترى شيئاً أحب أن يرخص عليه لمكان دينه .

ومن هذا النوع من الرياء خاف الكبار، وعدوا أنفسهم من الأشرار كما روى عن الفضيل رضي الله عنه أنه قال من أراد أن ينظر إلى مرائي فلينظر إلي ! هذا وسمع مالك بن دينار امرأة تقول له يامرائي! فقال: هذه وجدت اسمي الذي أضله أهل البصرة  ولا يسلم من الرياء الجلي والخفي إلا العارفون الموحدون لأن الله تعالى طهرهم من دقائق الشرك وغيب عن نظرهم رؤية الخلق بما أشرق على قلوبهم من أنوار اليقين والمعرفة فلم يرجوا منهم حصول منفعة ولم يخافوا منهم وجود مضرة ، فأعمال هؤلاء خالصة وإن عملوها بين أظهر الناس ، ومن لم يحظ بهذا وشاهد الخلق بهذا وتوقع منهم حصول المنافع ودفع المضار، فهو مراء بعمله وإن عبد الله تعالى في قنة جبل

 ومن علامة الرياء الخفية أيضاً استشراف العبد وتطلعه أن يعلم الناس بخصوصيته ، وقالوا : استشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيتك دليل على عدم صدقك في عبوديتك .