إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2013-02-16 15:46:14

في إطار الخشوع ...

- { الرحمن علم القرآن } فكما ان السير لا يمكن فى الظلمات الا بنور السراج كذلك لا يمكن السير فى حقائق القرآن ودقائقه ولا فى ظلمات البشرية الا بنور هداية الربوبية ولهذا قال تعالى { كلما اضاء لهم مشوا فيه } يعنى نور الهداية القلوب من هيبة جلال الذكر والقرآن كما قال تعالى { لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله } هو تلألؤ انوار الذكر والقرآن يهتدى الى القلوب فتلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله فيظهر فيه حقيقة القرآن والدين فيعرفها القلوب                                                                                      -  ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

- { ثم قست قلوبكم } خطاب لاهل عصر النبى عليه السلام من الاحبار وثم لاستبعاد القسوة من بعد ذكر ما يوجب لين القلوب ورقتها ونحوه ثم انتم تمترون والقسوة والقساوة عبارة عن الغلظ والصلابة كما فى الحجر وصفة القلوب بالقسوة والغلظ مثل لنبوها عن الاعتبار وان المواعظ لا تؤثر فيها { من بعد ذلك } اى من بعد سماع ما ذكر من احياء القتيل ومسخ القردة والخنازير ورفع الجبل وغيرها من الآيات والقوارع التى تميع منها الجبال وتلين بها الصخور { فهي } اى القلوب { كالحجارة } اى مثل الحجارة فى شدتها وقسوتها والفاء لتفريع مشابهتها لها على ما ذكر من القساوة تفريع التشبيه على بيان وجه الشبه كقولك احمر خده فهو كالورد { او اشد } منها { قسوة } تمييز وأو بمعنى بل او للتخيير اى ان شئتم فاجعلوها اشد منها كالحديد فانتم مصيبون وانما لم تحمل على اصلها وهو الشك والتردد لما ان ذلك محال على علام الغيوب فان قلت لم قيل اشد قسوة وفعل القسوة مما يخرج منه افعل التفضيل وفعل التعجب قلت لكونه ابين وادل على فرط القسوة من لفظ اقسى لان دلالته على الشدة بجوهر اللفظ الموضوع لها مع هيئة موضوعة للزيادة فى معنى الشدة بخلاف لفظ الاقسى فان دلالته على الشدة والزيادة فى القسوة بالهيئة فقط ووجه حكمة ضرب قلوبهم مثلا بالحجارة وتشبيهها بها دون غيرها من الاشياء الصلبة من الحديد والصفر وغيرهما لان الحديد تلينه النار وهو قابل للتليين كما لان لداود عليه السلام وكذا الصفر حتى يضرب منها الاوانى والحجر لا يلينه نار ولا شىء فلذلك شبه قلب الكافر بها وهذا والله اعلم فى حق قوم علم الله انهم لا يؤمنون { وان من الحجارة } بيان لفضل قلوبهم على الحجارة من شدة القسوة وتقرير لقوله او اشد قسوة ومن الحجارة خبران والاسم قوله { لما } واللام للتأكيد اى الحجر { يتفجر } اى يتفتح بكثرة وسعة { منه } راجع الى ما { الانهار } جمع نهر وهو المجرى الواسع من مجارى الماء والمعنى وان من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الكثير اى يتصبب { وان منها } اى من الحجارة { لما يشقق } اصله يتشقق اى يتصدع والصدع جعل الشىء ذا نواحى { فيخرج منه الماء } اى ينشق انشقاق بالطول او بالعرض ينبع منه الماء ايضا يعنى العيون دون الانهار { وان منها لما يهبط } اى يتردى وينزل من اعلى الجبل الى اسفله { من خشية الله } وهى الحوف عن العلم وهنا مجاز عن انقيادها لامر الله وانها لا تمتنع على ما يريد فيها وقلوب هؤلاء اليهود لا تنقاد ولا تلين ولا تخشع ولا تفعل ما امرت به { وما الله بغافل } بساه { عما تعملون } اى الذى تعملونه وهو وعيد شديد على ما هم عليه من قساوة القلوب وما يترتب عليها من الاعمال السيئة فقلب الكافر أشد فى القساوة من الحجارة وانها مع فقد اسباب الفهم والعقل منها وزوال الخطاب عنها تخضع له وتتصدع!

- قال تعالى{ لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله } وقلب الكافر مع وجود اسباب الفهم والعقل وسعة هيئة القبول لا يخضع ولا يلين قالت المعتزلة خشية الحجر على وجه المثل يعنى لو كان له عقل لفعل ذلك ومذهب اهل السنة ان الحجر وان كان جمادا لكن الله يفهمه ويلهمه فيخشى بالهامه فان لله تعالى علما فى الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره فلها صلاة وتسبيح وخشية كما قال جل ذكره { وان من شىء الا يسبح بحمده } وقال { والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه } فيجب على المرء الايمان به ويحيل علمه الى الله تعالى

- لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ( تمثيل وتخييل كما مر في قوله ) إنا عرضنا الأمانة ( ولذلك عقبه بقوله ) وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ( فإن الإشارة إليه وإلى أمثاله والمراد توبيخ الإنسان على عدم تخشعه عند تلاوة القرآن لقساوة قلبه وقلة تدبره والتصدع التشقق ،  فقوله )عرضنا( هنا استعارة تمثيلية لوضع شيء في شيء لأنه أهل له دون بقية الأشياء،وعدم وضعه في بقية الأشياء لعدم تأهلها لذلك الشيء، فشبهت حالة صرف تحميل الأمانة عن السماوات والأرض والجبال ووضعها في الإنسان بحالة من يعرض شيئا على أناس فيرفضه بعضهم ويقبله واحد منهم على طريقة التمثيلية، أو تمثيل لتعلق علم الله تعالى بعدم صلاحية السماوات والأرض والجبال لإناطة ما عبر عنه بالأمانة بها وصلاحية الإنسان لذلك، فشبهت حالة تعلق علم الله بمخالفة قابلية السماوات والأرض والجبال بحمل الأمانة لقابلية الإنسان ذلك بعرض شيء على أشياء لاستظهار مقدار صلاحية أحد تلك الأشياء للتلبس بالشيء المعروض عليها.وفائدة هذا التمثيل تعظيم أمر هذه الأمانة إذ بلغت أن لا يطيق تحملها ما هو أعظم ما يبصره الناس من أجناس الموجودات. فتخصيص )السماوات والأرض( بالذكر من بين الموجودات لأنهما أعظم المعروف للناس من الموجودات، وعطف )الجبال( على )الأرض( وهي منها لأن الجبال أعظم الأجزاء المعروفة من ظاهر الأرض وهي التي تشاهد الأبصار عظمتها إذ الأبصار لا ترى الكرة الأرضية كما قال تعالى)لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله . قد عد عياض في الشفاء من وجوه إعجاز القرآن: الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعه والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لعلو مرتبته على كل كلام من شأنه أن يهابه سامعه، قال تعال )لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون(.

**وعن أسماء بنت أبي بكر كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم.

- ولما حذر المسلمين من الوقوع في مهواة نسيان الله التي وقع فيها الفاسقون وتوعد الذين نسوا الله بالنار، وبين حالهم بأن الشيطان سول لهم الكفر. وكان القرآن دالا على مسالك الخير ومحذرا من مسالك الشر، وما وقع الفاسقون في الهلكة إلا من جراء إهمالهم التدير فيه، وذلك من نسيانهم الله تعالى انتقل الكلام إلى التنويه بالقرآن وهديه البين الذي لا يصرف الناس عنه إلا أهواءهم ومكابرتهم، وكان إعراضهم عنه أصل استمرار ضلالهم وشركهم، ضرب لهم هذا المثل تعجيبا من تصلبهم في الضلال.

وفي هذا الانتقال إيذان بانتهاء السورة لأنه انتقال بعد طول الكلام في غرض فتح قرى اليهود وما ينال المنافقين من جرائه من خسران في الدنيا والآخرة. وهذا القرآن( إشارة إلى المقدار الذي نزل منه، وهو ما عرفوه وتلوه وسمعوا تلاوته.

- وفائدة الإتيان باسم إشارة القريب التعريض لهم بأن القرآن غير بعيد عنهم. وأنه في متناولهم ولا كلفة عليهم في تدبره ولكنهم قصدوا الإعراض عنه. وهذا مثل ساقه الله تعالى كما دل عليه قوله )وتلك الأمثال. وقد ضرب هذا مثلا لقسوة الذين نسوا الله وانتفاء تأثرهم بقوارع القرآن. والمراد بالجبل: حقيقته، لأن الكلام فرض وتقدير كما هو مقتضى )لو( أن تجيء في الشروط المفروضة.

 - فالجبل: مثال لأشد الأشياء صلابة وقلة تأثر بما يقرعه. وإنزال القرآن مستعار للخطاب به. عبر عنه بالإنزال على طريقة التبعية تشبيها لشرف الشيء بعلو المكان، ولإبلاغه للغير بإنزال الشيء من علو.

- والمعنى: لو كان المخاطب بالقرآن جبلا، وكان الجبل يفهم الخطاب لتأثر بخطاب القرآن تأثرا ناشئا من خشية لله خشية تؤثرها فيه معاني القرآن.والمعنى: لو كان الجبل في موضع هؤلاء الذين نسوا الله وأعرضوا عن فهم القرآن ولم يتعظوا بمواعظه لاتعظ الجبل وتصدع صخره وتربه من شدة تأثره بخشية الله.وضرب التصدع مثلا لشدة الانفعال والتأثر لأن منتهى تأثر الأجسام الصلبة أن تنشق وتتصدع إذ لا يحصل ذلك لها بسهولة. والخشوع: التطأطؤ والركوع، أي لرأيته ينزل أعلاه إلى الأرض.والتصدع: التشقق، أي لتزلزل وتشقق من خوفه الله تعالى.والخطاب في )لرأيته( لغير معين فيعم كل من يسمع هذا الكلام والرؤية بصرية، وهي منفية لوقوعها جوابا لحرف )لو( الامتناعية.والمعنى: لو كان كذلك لرأيت الجبل في حالة الخشوع والتصدع.وجملة )وتلك الأمثال نضربها للناس( تذييل لأن ما قبلها سيق مساق المثل فذيل بأن الأمثال التي يضربها الله في كلامه مثل المثل أراد منها أن يتفكروا فإن لم يتفكروا بها فقد سحل عليهم عنادهم ومكابرتهم، فالإشارة بتلك إلى مجموع ما مر على أسماعهم من الأمثال الكثيرة، وتقدير الكلام: ضربنا هذا مثلا، وتلك الأمثال نضربها للناس.

- وضرب المثل سوقه، أطلق عليه الضرب بمعنى الوضع كما يقال: ضرب بيتا، وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى )إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما( في سورة البقرة.

- روى الترمذي بسند حسن عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر )هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب( إلى آخر السورة، وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات ذلك اليوم مات شهيدا. ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة . فهذه فضيلة لهذه الآيات أخروية.

- وروى الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده إلى إدريس بن عبد الكريم الحداد قال: قرات على خلف راوي حمزة فلما بلغت هذه الآية )لو أنزلنا هذا القرآن على جبل( إلى آخر السورة قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على الاعمش. فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على يحيى بن وثاب، فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك، فإني قرأت على علقمة والأسود فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإنا قرانا على عبد الله فلما بلغنا هذه الآية قال: ضعا أيديكما على رؤوسكما، فإني قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت هذه الآية قال لي: ضع يدك على رأسك فإن جبريل لما نزل بها إلي قال: ضع يدك على رأسك فإنها شفاء من كل داء إلا السام. والسام الموت. قلت: هذا حديث أغر مسلسل إلى جبريل عليه السلام.

- وأخرج الديلمي عن علي وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى )لو أنزلنا هذا القرآن( إلى آخر السورة: هي رقية الصداع، فهذه مزية لهذه الآيات.

- وقال تعالى : { لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } [ الحشر : 21 ] ، وقال تعالى : { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } و{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ، ولتنظر نفس ما قدمت لغد ، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، أولئك هم الفاسقون . لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة . أصحاب الجنة هم الفآئزون } . . والتقوى حالة في القلب يشير إليها اللفظ بظلاله ، ولكن العبارة لا تبلغ تصوير حقيقتها ، حالة تجعل القلب يقظاً حساساً شاعراً بالله في كل حالة . خائفاً متحرجاً مستحيياً أن يطلع عليه الله في حالة يكرهها . وعين الله على كل قلب في كل لحظة . فمتى يأمن أن لا يراه؟!{ ولتنظر نفس ما قدمت لغد } . .وهو تعبير كذلك ذو ظلال وإيحاءات أوسع من ألفاظه . . ومجرد خطوره على القلب يفتح أمامه صفحة أعماله بل صفحة حياته ، ويمد ببصره في سطورها كلها يتأملها وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته . لينظر ماذا قدم لغده في هذه الصفحة . . وهذا التأمل كفيل بأن يوقظه إلى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير ، مهما يكن قد أسلف من خير وبذل من جهد . فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلاً ، ونصيبه من البر ضئيلاً؟ إنها لمسة لا ينام بعدها القلب أبداً ، ولا يكف عن النظر والتقليب!

ولا تنتهي الآية التي تثير كل هذه المشاعر حتى تلح على القلوب المؤمنة بمزيد من الإيقاع :{ واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } . .

فتزيد هذه القلوب حساسية ورهبة واستحياء . ." والله خبير بما يعملون "

وبمناسبة ما تدعوهم إليه هذه الآية من يقظة وتذكر يحذرهم في الآية التالية من أن يكونوا { كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم } . . وهي حالة عجيبة . ولكنها حقيقة . . فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده إلى أفق أعلى ، وبلا هدف لهذه الحياة يرفعه عن السائمة التي ترعى . وفي هذا نسيان لإنسانيته . وهذه الحقيقة تضاف إليها أو تنشأ عنها حقيقة أخرى ، وهي نسيان هذا المخلوق لنفسه فلا يدخر له زاداً للحياة الطويلة الباقية ، ولا ينظر فيما قدم لها في الغداة من رصيد .{ أولئك هم الفاسقون } . . المنحرفون الخارجون .

- وفي الآية التالية يقرر أن هؤلاء هم أصحاب النار ، ويشير للمؤمنين ليسلكوا طريقاً غير طريقهم وهم أصحاب الجنة . وطريق أصحاب الجنة غير طريق أصحاب النار :{ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة . أصحاب الجنة هم الفائزون } . .

لا يستويان طبيعة وحالاً ، ولا طريقاً ولا سلوكاً ، ولا وجهة ولا مصيراً ، فهما على مفرق طريقين لا يلتقيان أبداً في طريق . ولا يلتقيان أبداً في سمة . ولا يلتقيان أبداً في خطة . ولا يلتقيان أبداً في سياسة . ولا يلتقيان أبداً في صف واحد في دنيا ولا آخرة . - { أصحاب الجنة هم الفائزون } . . يثبت مصيرهم ويدع مصير أصحاب النار مسكوتاً عنه . معروفاً . وكأنه ضائع لا يعني به التعبير!ثم يجيء الإيقاع الذي يتخلل القلب ويهزه؛ وهو يعرض أثر القرآن في الصخر الجامد لو تنزل عليه : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله . وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } .

- هي صورة تمثل حقيقة . فإن لهذا القرآن لثقلاً وسلطاناً وأثراً مزلزلاً لا يثبت له شيء يتلقاه بحقيقته . ولقد وجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وجد ، عندما سمع قارئاً يقرأ : { والطور ، وكتاب مسطور ، في رق منشور ، والبيت المعمور ، والسقف المرفوع ، والبحر المسجور ، إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع } فارتكن إلى الجدار . ثم عاد إلى بيته يعوده الناس شهراً مما ألم به!واللحظات التي يكون فيها الكيان الإنساني متفتحاً لتلقي شيء من حقيقة القرآن يهتز فيها اهتزازاً ويرتجف ارتجافاً . ويقع فيه من التغيرات والتحولات ما يمثله في عالم المادة فعل المغنطيس والكهرباء بالأجسام . أو أشد .والله خالق الجبال ومنزل القرآن يقول : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } . . والذين أحسوا شيئاً من مس القرآن في كيانهم يتذوقون هذه الحقيقة تذوقاً لا يعبر عنه إلا هذا النص القرآني المشع الموحي .{ وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } . .

- وهي خليقة بأن توقظ القلوب للتأمل والتفكير . .وأخيراً تجيء تلك التسبيحة المديدة بأسماء الله الحسنى؛ وكأنما هي أثر من آثار القرآن في كيان الوجود كله ، ينطلق بها لسانه وتتجاوب بها أرجاؤه؛ وهذه الأسماء واضحة الآثار في صميم هذا الوجود وفي حركته وظواهره ، فهو إذ يسبح بها يشهد كذلك بآثارها :{ هو الله الذي لا إله إلا هو ، عالم الغيب والشهادة ، هو الرحمن الرحيم } .{ هو الله الذي لا إله إلا هو ، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، سبحان الله عما يشركون } . .{ هو الله الخالق البارىء المصور ، له الأسمآء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } .إنها تسبيحة مديدة بهذه الصفات المجيدة . ذات ثلاثة مقاطع . يبدأ كل مقطع منها بصفة التوحيد : { هو الله الذي لا إله إلا هو } . . أو { هو الله } . .ولكل اسم من هذه الأسماء الحسنى أثر في هذا الكون ملحوظ ، واثر في حياة البشر ملموس . فهي توحي إلى القلب بفاعلية هذه الأسماء والصفات . فاعلية ذات أثر وعلاقة بالناس والأحياء . وليست هي صفات سلبية أو منعزلة عن كيان هذا الوجود ، وأحواله وظواهره المصاحبة لوجوده .{ هو الله الذي لا إله إلا هو } . . فتتقرر في الضمير وحدانية الاعتقاد ، ووحدانية العبادة ، ووحدانية الاتجاه ، ووحدانية الفاعلية من مبدأ الخلق إلى منتهاه . ويقوم على هذه الوحدانية منهج كامل في التفكير والشعور والسلوك ، وارتباطات الناس بالكون وبسائر الأحياء . وارتباطات الناس بعضهم ببعض على أساس وحدانية الإله .{ عالم الغيب والشهادة } . . فيستقر في الضمير الشعور بعلم الله للظاهر والمستور . ومن ثم تستيقظ مراقبة هذا الضمير لله في السر والعلانية؛ ويعمل الإنسان كل ما يعمل بشعور المراقب من الله المراقِب لله ، الذي لا يعيش وحده ، ولو كان فيه خلوة أو مناجاة! ويتكيف سلوكه بهذا الشعور الذي لا يغفل بعده قلب ولا ينام!

- { هو الرحمن الرحيم } فيستقر في الضمير شعور الطمأنينة لرحمة الله والاسترواح .