من أنوار النبوة
تاريخ الإضافة : 2013-02-16 16:44:23

قراءة حدث لقطف ثمرته ..

1 - على شاطيء الحدث شهدته بطحاء مكة حيث تتدفق عليه المعاني والإشارات ،وتتلألأ على رمال عقده ما نحن بأمس الحاجة إليه ، نصوغ الموقف الرباني الصائب، وندفع به عن تصورنا التدليس الذي ينطق به الذعر من الباطل ، أو تندلق له أقتاب المغانم الدنيوية، ومنها الرغبة في صنع منزلة اجتماعية يشاد بها ولو بالاطل ، فتمتليء بها الأفواه الصغيرة بالحق ، واسعة الأشداق بالباطل ، وتتراقص عليه فلسفة الكبر الآبي لكل ما يعارضه وينقضه! 

صور الحدث موضوعنا ابن إسحاق إذ قال: وقد كان عدو الله أبو جهل مع عداوته رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وبغضه إياه يذله الله إذا رآه! ووافق أن قدم رجل من إراش بإبل له مكة، فابتاعها منه أبو جهل، فمطله بأثمانها، فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} جالس في ناحية المسجد، فقال: يا معشر قريش! من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام" أبي جهل" فإني غريب ابن سبيل، وقد غلبني على حقي ؟!

فقال له أهل ذلك المجلس أترى ذلك الرجل- لرسول الله {صلى الله عليه وسلم}- يهزأون به لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة اذهب إليه فهو يؤديك عليه ! فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال: يا عبد الله! إن أبا الحكم بن هشام غلبني على حق لي قبله، وأنا غريب ابن سبيل ، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه يأخذ لي حقي منه فأشاروا لي إليك ، فخذ لي حقي منه يرحمك الله !

قال: انطلق إليه وقام معه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم اتبعه فأنظر ما يصنع ! 

2 - قال: وخرج رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال: من هذا؟ فقال: محمد فاخرج إلي، فخرج إليه، وما في وجهه من رائحة، لقد انتقع لونه، فقال: أعط هذا حقه! قال: نعم لا يبرح حتى أعطيه الذي له،       

فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال جزاه الله خيرا فقد والله أخذ لي حقي وجاء الرجل الذي بعثوا معه فقالوا ويحك ماذا رأيت

قال عجبا من العجب والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه وما معه روحه فقال أعط هذا الرجل حقه قال نعم لا يبرح حتى أخرج إليه حقه فدخل فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه

ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء فقالوا ويلك ما لك والله ما رأينا مثل ما صنعت قط ؟؟

ملاحظات على المشهد :  

- قوله:"على أبي الحكم بن هشام"أي: أبي جهل"--ولا حظ الاسم الذي ينادى به في المجتمع الجاهلي ، وهو مناقض للواقع بالمرة،الواقع الآثم الذي يمثله سيرته الذاتية،و يتنافى مع أدنى الحكمة ، وأليق به " أبو الجهل" فهو والد كل جهل مثله من سار سيرته من بعد !وهذا شان الكثير من أهل الجاهلية المعاصرة!

- "فإني غريب ابن سبيل، وقد غلبني على حقي" هنا يبدو التسلط الفاحش على سوق مكة ، والنهب والاغتصاب الفاجر لأموال الناس تمترسا بقوة زعامته النافخة ،ومثله لا يتعرض إلا للضعفاء ،والغربة التي وصف الاراشي نفسه بها مبعث الضعف ، إذ الغريب في المجتمع الجاهلي لايجد من يدفع عنه! 

- "فقال له أهل ذلك المجلس أترى ذلك الرجل " هذا المجلس من خلايا المجتمع الذي يقوده أبو جهل واضرابه،يساند السلوك الآثم ، ويقف إلى جانب كل عدوان ، وقد رغبوا في أن يروا لونا من ألوان الإيذاء للرسول عليه الصلاة والسلام! وإلا لم دلوا الرجل هذه الدلالة ؟ هم أحذية الطاغية يمشي بها في دروب الطغيان! 

- قال: انطلق إليه وقام معه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} " لم تتأخر نصرة المظلوم ، ولم يتعذرعن ذلك بأي عذر ، ولم يسلك مسلك أن يدعو عليه الله ليبكته، ولو فعل لاستجيب له،ولم يبال بما يمكن أن يحصل له من إيذاء يناله من أبي جهل ، ولم يدع المظلوم إلى الصبر حتى يتم التغيير تباعا، ولم يقل له انتظرأيها المظلوم على جمرة العدوان حتى يكون الإصلاح شاملا ، أو حتى يربي من يقف إلى جانبه ، ولو فهم هذا ، وسلك على أنه سنة ، لما طال شارب شريرو لا عنقه ، ولما تجذر طاغية في الأرض .