من أنوار النبوة
تاريخ الإضافة : 2013-06-20 14:32:00

من عيون المعاني ، وأغذية القلوب ، وصيود الخواطر المنوّرة !

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ؛ قَالَ : تَبِعَ رَجُلٌ حَكِيمًا سَبْعَ مئة فَرْسَخٍ فِي كَلِمَاتٍ ، فَقَالَ لَهُ : إِنِّي أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ . قَالَ لَهُ : هَاتِ . قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّمَاءِ مَا أَثْقَلُ مِنْهَا ، وَعَنِ الأَرْضِ مَا أَوْسَعُ مِنْهَا ، وَعَنِ الْبَحْرِ مَا أَغْنَى مِنْهُ ، وَعَنِ الْحَجَرِ مَا أَقْسَى مِنْهُ ، وَعَنِ النَّارِ مَا أَحَرُّ مِنْهَا ، وَعَنِ الزَّمْهَرِيرِ مَا أَبْرَدُ مِنْهُ ؟

 فَقَالَ : الْبُهْتَانُ عَلَى الْبَرِيءِ أَثْقَلُ مِنَ السماوات السَّبْعِ ، وَالْحَقُّ أَوْسَعُ مِنَ الأَرْضِ ، وَقَلْبُ الْقَانِعِ أَغْنَى مِنَ الْبَحْرِ ، وَقَلْبُ الْكَافِرِ أَقْسَى مِنَ الْحَجَرِ ، وَشُحُّ الْحَرِيصِ أَحَرُّ مِنَ النَّارِ ، وَالطَّاعَةُ أَبْرَدُ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ .

**هل أدلك على ما هو الأثقل في الميزان كما بينه حبيب الرحمن عليه الصلاة والسلام ؟

 عن أبى الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :  ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق " حديث صحيح

الأخلاق الربانية هي اللغة العالمية الآسرة التي تروض العتاة بله أصحاب المشاعر الرقيقة !

لاتظنن هنا أن كل الأدواء تعالج باللين ! بل هناك ما يحتاج إلى بتر ليسلم بقية الجسد ، بدلا من أن يضحى به كله ، وتقديرذلك يرجع للطبيب الخبير !

** ستكون أشد حضورا مع أخطر لحظات الوجود حين ينادى : يا أهل الجنة خلود فلا موت !! وذلك بعد إنهاء قضاء الموت ، حيث لا يبقى للموت دور في الوجود ! ولنسمع إلى الحبيب عليه الصلاة والسلام وهو يكشف السجف عن وجه هذه الحقيقة ، فتبدو سافرة سفورا مشروعا ، ووقتها لو كان الفرح مميتا لمات أهل الجنة من فرحهم !

  • عن أنس بن مالك , رضي الله عنه , قال : قال رسول الله صَلى الله عَلَيه وسَلَّم : يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة. فيقولون : لبيك ربنا ، قال : فيقال : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : ربنا ، هذا الموت ثم ينادي مناد : يا أهل النار , فيقولون : لبيك ربنا ، قال : فيقال : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ربنا ، هذا الموت فيذبح كما تذبح الشاة ، فيأمن هؤلاء ، وينقطع رجاء هؤلاء. رواه أبو يعلى والطبراني والبزار ، وأسانيدهم صحاح ، وله شاهدٌ في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري ، ومن حديث ابن عمر ، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة.

** أتدري بماذا ختم البخاري صحيحه الرائع ؟ وما الذي نرتضعه من أسرار هذا الحديث ؟

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  : " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتانِ على اللِّسانِ، ثَقِيلَتَانِ في المِيزَانِ، حَبيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ "

 هذا الحديث آخر شيء في صحيح البخاري .

  • حيث يرصد مثل هذا العطاء لكلمة تقال يراد بذلك ما تواطأ  فيها اللسان نطقا ، والجنان استحضارا للمعنى !
  • كل ما يتصل مضمونه بالله أثقل في الميزان مما سواه مما يبتغى به وجه الله جل جلاله !
  • الميزان حقيقة أخروية جاء بذكره نصوص من القرآن والسنة المطهرة

من عوالم  الآخرة ، وهو مظهر من مظاهر العدل الإلهي المطلق " الميزان " وبه يتم تقدير الأعمال ، والإيمان بالميزان يستدعي الحرص على نوعية ما يوضع  فيه ، فثمة أعمال ترجح كفة الحسنات ،وأعمال هي " الأثقل " في الميزان !

هذا ،  وقد جاءت النصوص بما يثقل كفة الحسنات ، منها حديث عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , رَضِيَ الله عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : " مَنْ كَّبَرَ تَكْبِيرَةً فِي سَبِيلِ الله كَانَ لَهُ بِهَا صَخْرَةٌ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا فِيهِنَّ ، وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَهُنَّ ، وَمَنْ قَالَ فِي سَبِيلِ الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَالله أَكْبَرُ وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ كَتَبَ الله لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ الأَكْبَرَ ، وَمَنْ كَتَبَ الله لَهُ رِضْوَانَهُ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ فِي دَارِ الْجَلاَلِ قِيلَ : يَا رَسُولَ الله ، وَمَا دَارُ الْجَلاَلِ ؟ قَالَ : دَارُ الله الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ ، فَيَنْظُرُ إِلَى ذِي الْجَلاَلِ وَالإِِكْرَامِ بُكْرَةً وَمَسَاءً كَمَا يَرَوْنَ الشَّمْسَ لاَ يَشُكُّونَ فِي رُؤْيَتِهَا ، وَلَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ كَمَا قَالَ الله : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ "

 قَالَ : الَّذِينَ أَحْسَنُوا : الَّذِينَ قَالُوا : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَالْحُسْنَى الجنة والَزِيَادَةُ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الله , عَزَّ وَجَلَّ ، وَقَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى قَاتِلِ النَّفْسَ الْمُؤْمِنَةَ ، وَعَاقِّ الْوَالِدَيْنِ ، وَهُمْ مِنِّي بَرَاءٌ ، وَأَنَا مِنْهُمْ بَرِيءٌ " وإِسْنَادٌه ضَعِيفٌ ؛ لِضَعْفِ أحد رواته .

من عوالم  الآخرة ، وهو مظهر من مظاهر العدل الإلهي المطلق " الميزان " وبه يتم تقدير الأعمال ، والإيمان بالميزان يستدعي الحرص على نوعية ما يوضع  فيه ، فثمة أعمال ترجح كفة الحسنات ،وأعمال هي " الأثقل " في الميزان !

 مما قاله أبو بكر رضي الله عنه وهو يوصي " الفاروق " رضي الله عنه : إنما ثقل ميزان من ثقل ميزانه، لأنه وضع فيه الحق، وحق لميزان يكون فيه الحق أن يكون ثقيلا. وإنما خف ميزان من خف ميزانه، لأنه وضع فيه الباطل، وحق لميزان يكون فيه الباطل أن يكون خفيفا.

قلوب امتلأت رحمة بالعباد ، فصاغت نظراتُهم السديدةُ مواقفَ الغضب منهم والرضا على حد سواء !!!

 في " صفة الصفوة لابن الجوزي " عن إبراهيم الأطرش قال كان معروف الكرخي قاعدا على دجلة ببغداد ، إذ مر بنا أحداث في زورق يضربون الملاهي ، ويشربون ، فقال له أصحابه: أما ترى أن هؤلاء في هذا الماء يعصون الله ؟! ادعُ عليهم ، فرفع يده إلى السماء ، وقال: إلهي وسيدي! أسألك أن تفرحهم في الجنة، كما فرحتهم في الدنيا ! فقال له أصحابه: إنما قلنا لك أدعُ الله عليهم ، لم نقل لك أدعُ الله لهم !! فقال: إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ، ولم يضركم بشيء"

ملحوظات لا ندعي فيها الاستقصاء والتغطية المطلوبة ، وبارك الله بكم جميعا :

-        لابد من موقف ما من كل مكلف تجاه المعاصي ، يتناسب من ما يقدر عليه ، ويمكنه أن يقوم به ، فالصديق قاتل مانعي الزكاة ، وهنا سألوا معروفا أن يدعو الله على العصاة !

-        رأى أنه إذا دعا لهم ليسعدوا في الآخرة أدى هذا إلى أن يتوبوا في الدنيا ، فيتوب الله عليهم ، ويسعدهم !

-        الذنب الذي تقرر به حدا أطل هنا ليقال من لوازم التوبة أن يقام الحد ، ولئلا تختلط المور سقنا هذه الملاحظة .

-        بحسب الذنب وغلظه وتعديه إلى الناس ، وبحسب حال المنكر تكون المواقف ، ولا يصح هنا أن يقال : كله عند العرب صابون ، وكلنا معروف الكرخي ! 

يا أبا ذر أحكِم السفينة فإنّ البحر عميق

وخفِّفِ الحملَ فإنَّ العقبةَ كَؤُود

وأكثرِ الزّاد فإنَّ السفر طويل

وأخلصِ العملَ فإن الناقدَ بصير.

 ورد عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي  صلّى الله عليه وسلم : « أن الموتى يسألون الرجل يأتيهم عن رجل مات قبله ؟  فيقول: ذلك مات قبلي، أما مَرّ بكم؟  فيقولون: لا والله، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ! ذهِب به إلى أمّه الهاوية ! فبئست الأم وبئست المربية»

ذكره القرطبي في التفسير وفي " تذكرته "

   ** يُذكر أن رجلاً سأل إبراهيم بن أدهم قائلا : أين العمران ؟!  فأخذ إبراهيم بيده حتى وقف به على القبور، فقال له : هنا العمران !!

عجبا يسأله عن العمران فيدله على المقبرة !! ولم العجب ؟ أليس كل من في المدينة يصيرون إلى هاهنا ؟ وكم واحدا من سكان المقابر يرجع إلى بيته الذي أخرج منه محمولا ؟!

ولذلك قال الشاعر :

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فإن بناها بخير طاب مسكنه *** وإن بناها بشر خاب بانيها

** دندنات تصور المسار، وتنبه إلى حسن التعامل مع أظهر حقيقة من حقائق الوجود، لمن كان له قلب ! علما أن هذه الختمة لحياتنا في هذه الدنيا لا تمس من شابَ وحده ،إذ هي مرتبطة بما عين الله تعالى من آجال ن فرب وافد إلى رحاب الدنيا لم ترتضع منها من ثدي أمه رضعة ، ورب شابّ ودع الدنيا بانتهاء أجله وهو في ريعان الشباب ! والمهم بم ترحل ! لا أترحل ؟ أو متى ترحل !!

 تَفَكَّرْ فِيْ مَشِيْبك والمَآب ... ودَفْنِكَ بَعْدَ عِزِّك فِيْ التُرَابِ

إذا وَافْيتَ قَبْراً أَنْتَ فِيهِ ... تُقِيْمُ بِهِ إِلَىْ يَوم  الحِسِابِ

وفِيْ أَوصَالِ جِسْمِكَ حِيْنَ تَبْقَى ... مُقَطَّعَةً مُمَزَّقَةَ الإهَابِ

فَلْولا َاَلْقَبْرُ صَارَ عَلَيْكَ سِتْرًا ... لأنْتَنَتِ الأبَاطِحُ والرَوَّابِي

خُلِقْتَ مِن التُرَابَ فَصْرِتَ حَيًّا ... وعُلِّمْتَ الفَصِيْحَ مِن الخِطَابِ

وعدت إلى التراب فأنت فيه ...تقيم به إلى يوم الحساب

فَطَلِّقْ هَذهِ اَلْدُّنْياَ ثَلاثًا ... وَبَادِرْ قَبلَ مَوْتِكَ بالْمَتَابِ

نَصَحْتُكَ فَاسْتَمِعْ قَوْلي ونُصْحِي ... فَمِثْلُكَ قَدْ يُدَلُّ عَلَى الصَّوابِ

خُلِقْناَ لِلْمَمَاتِ ولو تُركْنَا ... لَضَاق بِنَا الفَسِيْحُ مِن اَلْرِحَابِ

يُنَادَى فِيْ صَبِيْحَةِ كُلِ يَوم ... لِدُوْ لِلْمَوْتِ وابْنُوْ لِلْخَرَابِ