إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2013-07-12 16:35:47

مما كتب ابن السماك

كتب ابن السماك إلى أخ له: أما بعد، فأوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك ورقيبك في علانيتك، فاجعله من بالك على حالك، في ليلك ونهارك ، وخفه بقدر قربه منك ، وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ، ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره ، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك وليكثر منه وجلك، واعلم أن الذنب من العاقل أعظم من الأحمق ، ومن العالم أعظم من الجاهل ، والذنب من الغنى أعظم من الذنب من الفقير، وقد أصبحنا أدلاء بزعمنا ، والدليل لا ينام في البحر، وقد كان عيسى يقول: حتى متى تصفون الطريق للدالجين ، وأنتم مقيمون في محلة المتحيرين? تصفون البعوض من شرابكم ، وتسترطون الجمالَ بأحمالها. وقال: إن الزق إذا نقب لم يصلح أن يكون فيه العسل، وأن قلوبكم قد نقبت فلا تصلح فيها الحكمة، أي أخي : كم من مذكر بالله ناس لله، وكم من مُخوف بالله جريء على الله ، وكم من داع إلى الله فار من الله ، وكم تال لكتاب الله منسلخ من آيات الله.

* مناجاة !

 إلهي! جلت رحمتك عن أن تترك المحزونين صرعى آلامهم حتى يدركهم اليأس، وجلت قدرتك عن أن تدع المصابين أسارى محنتهم حتى يدركهم الفناء، وجلت حكمتك عن أن تبتلي الطائعين بما يعجزهم عن طاعتك، وتمد الفاجرين بما يغريهم بعصيانك، إلا أن تكون ادخرت للعاجزين خيراً من ثواب طاعتهم، واستدرجت الفاجرين بما يضاعف عقوبتك لهم على قبيح عصيانهم، وجلت عدالتك عن أن تعاقب المقصرين النادمين على تقصيرهم، وتترك الغاوين السادرين في غوايتهم، وجلت صمديتك عن أن لا يجد في حماك المستغيثون ملاذاً مهما عظمت جريرتهم، وجلت وحدانيتك عن أن تلجئ الحيارى إلى غير بابك، أو أن تسقي السكارى غير شرابك، أو أن ترد القاصدين إليك عن شرف الوصول إلى قدس أعتابك، يا من أمد الحمل في ظلمات الرحم بما تتم به حياته، وأمتع الرضيع ببصره وسمعه وعقله بعد أن كان لا يملك منها شيئاً، يا من أبدع السموات والأرض، وسخر ما فيهما للإنسان، وكل شيء عنده بمقدار، يا من وسعت رحمته كل شيء، أبسط يد الرحمة لعبادك الذين سدت في وجوههم أبواب الخلاص إلا أن يكون عن طريقك، وأسبغ على نفوسهم برد الرضى بقضائك، والصبر على بلائك، وأمدهم بالعون على ما هم فيه، حتى يخلصوا إليك راضين عنك راضياً عنهم، وعوضهم خيراً مما أخذت منهم، وأنزلهم داراً خيراً من دارهم، وآنسهم بجوار خير من جوارهم، وأحباب خير من أحبابهم، وأخلفهم فيمن خلفوا من فلذات أكبادهم، إنك نعم الخليفة في الأهل والولد، وأنت نعم المولى ونعم النصير.