ضيوف الموقع
تاريخ الإضافة : 2013-10-31 10:52:56

أورنك زيب عالم كير

هو حاكم عالم مجاهد تقي على النهج القويم ! 

إ نه " أورنك زيب عالم كير" وقد اعتبره كثير من العلماء من بقية الخلفاء الراشدين ، وقد لقبه الإنجليز" بالقديس " من كثرة عبادته

هو مثال يحتذي به في حياة الصالحين والأتقياء !


كان "عالم كير" سلطانا من طراز نادر لا يعلم له مماثل إلا في القرون الخيرة ، فلقد كان عالما تقيا ورعا ، شديد التمسك بأحكام الشريعة ، محافظا على أحكام الإسلام ، متبعا للمذهب الحنفي ، محافظا على الصلوات في المسجد ، مقيما للسنن والنوافل من صلاة وصيام ، حريصا على شهود الجمعة في جامع دهلي الكبير، مداوما على اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فيه، وكان يرسل المئات لأداء فريضة الحج على نفقته سنويا ؛ ولكثرة الأعداء المحيطين به تعذر خروجه من البلاد، واستعاض عن ذلك أن كتب مصحفين بخط يده ، وأرسل واحدا الى مكة ، والآخر بعث به للمدينة ، وكان ذكارا لله ، قوّاما في الليل قدر استطاعته ، وكان يحترز عن كل سوء ومكروه منذ نعومة أظفاره، فلم يشرب الخمر قط ، ولم يتلطخ بالزنى ، ولم يستمع لغناء ، أو آلات يعزف عليها منذ أن تولى السلطة ، مع أنه كان ماهرا بالعزف قبل ذلك ، وما كان يلبس ما حرمه الله من ذهب وحرير، ولا يأكل في آنية الذهب والفضة ، وكان ينهى أمراءه عن الخوض في مجالسه بغيبة ، أو نميمة ، أو كذب ، حتى إنه أمرهم أن يعبروا عن كل الأمور المنكرة إن وقع لهم حاجة إلى ذلك بكناية بغية الإصلاح ، وكان على ما كان من عظمة مملكته راسخ القدم في مقام الزهد ، حتى فاق فيه على إبراهيم بن أدهم الزاهد المشهور نفسه ، حتى إنه مع سعة سلطانه كان يفطر في شهر رمضان على رغيف من شعير من كسب يمينه ، ومن كتابة المصاحف ، حيث كان يتكسب بكتابة المصاحف بخطه ، ويبيعها ، ويعيش بثمنها ، ولم يمدّ يده إلى أموال المسلمين ، فلم يأخذ من بيت مال المسلمين !! كان يصلي إماما بالناس صلاة التراويح ، ويطيل فيها !  
وقد منع عادة تقبيل الأرض بين يديه ، والانحناء له، ومنع الخطب الطويلة التي تقال لتحية السلطان ، واكتفى بتحية الإسلام ، كما منع دخول الخمر إلى بلاده،!!

 وبنى المساجد، ونهى عن زخرفتها والمبالغة في ذلك !


ومن تواضعه أنه سمع أن نائبه بالبنغال
اتخذ مثل العرش يجلس عليه ، فنهره ، وعنفه وأمره أن يجلس بين الناس كجلوس عامتهم !
وأرجع التقويم الهجري للهند بعدما ألغاه جده الهالك جلال الدين أكبر!

وسيرة هذا السلطان الذي هو أضخم الناس مسئولية وانشغالا بحكم منصبه تفضح البطالين والكسالى ، وتكشف مدعي  الانشغال في يومنا هذا ! فقد كان عالم كير " شديد التنظيم لأوقاته " ! فوقت للعبادة، ووقت للمذاكرة، ووقت لتفقد العسكر، ووقت لأصحاب الدعاوى والشكاوى، ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة ، لا يخلط شيئا بشيء، فلقد كان ينهض قبل الفجر، يتوضأ ويشتغل بالأذكار حتى طلوع الفجر، ثم يصلي الفجر بالمسجد، ثم يشتغل بتلاوة القرآن والأذكار الموظفة، ثم يذهب إلى ديوان الحكم؛ فيَمثل الأمراء والوزراء بين يديه لسماع الدعاوى والشكاوى، ثم ينتقل بعدها للديوان العام ، ويجلس للناس، فيحضر عنده عظماء الهند وعامتهم والسفراء والأمراء، فيعرض عليهم الطلبات والأوامر، ويسمع منهم كل ما يريدون قوله، ويكون حاضرا عنده في الديوان العام الوزراء والولاة والمسئولون؛ ليكلف بعضهم بتلبية الطلبات، وإجابة الحاجات، ورفع المظالم ، ثم يدخل بيته ويتناول اليسير من الطعام، ثم يقيل ساعة ، ثم يستيقظ لصلاة الظهر،  ثم يدخل "الخلوة " لقراءة القرآن ، وكتابة المصحف بخطه البارع، ويطالع كتب العلم وخاصة الفقه الذي كان بارعا فيه له فيه تمكن الفقهاء، وفي الخلوة يدعو علماء عصره للتباحث معهم في الأمور الفقهية ، ثم يتجه إلى المسجد لصلاة العصر، وبعدها يعود إلى ديوان الحكم ؛ ليباشر شؤون الحكم ، وتوقيع المناشير، وأحوال الجيش ، وأخباره وتحركاته وتسليحه ، وما يستجد من ذلك، ثم يصلي المغرب ويشتغل بالأذكار والأوراد، ثم يعود لديوان الحكم حتى صلاة العشاء فيصليها، ثم يدخل بعدها ، ولا يجلس لأحد، أما يوم الخميس فكان يتفرغ للذكر والعبادة من صلاة العصر، ويترك شؤون الحكم ، ومتاعب الدولة !.


ويكفي أن نعرف أن هذا السلطان العظيم قد حفظ القرآن كله بعد جلوسه على العرش وعمره كان  40 سنه ، وأصبح من كبار فقهاء زمانه كذلك  بعد جلوسه على العرش،


وقد وفق إلى أمرين لم يسبقه إليهما أحد من ملوك المسلمين : -

الأول : أنه لم يكن يعطي عالما عطية ، أو راتبا إلا طالبه بعمل , بتأليف أو بتدريس , لئلا يأخذ المال ويتكاسل , فيكون قد جمع بين السيئتين !  أخذ المال بلا حق ، وكتمان العلم


الثانى : أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية في كتاب واحد , يُتخذ قانونا ، فوضعت له ، وبأمره ، وبإشرافه ، وتحت ناظره كتاب "الفتاوى الهندية – العالمكيرية "

 وقد اشترك مع عدة علماء في تأليف كتاب "الفتاوى الهندية " في ستة مجلدات كبار، وقد اشتهر هذا الكتاب في سائر بلاد المسلمين في الحجاز ومصر والشام والدولة العثمانية، وصار مرجعا للمفتين على المذهب الحنفي، ومازال هذا الكتاب يطبع ويدرس تحت اسم "الفتاوى الهندية " ويعرف أيضا عنه : الفتاوى العالمكيرية " "


شهدت إمبراطورية المغول الإسلامية في عهد أورنك زيب عالم كير في الهند ما بين 1658 - إلى 1707 أقصى امتداد لها

 وذلك بفضل الجهود العسكرية التي بذلها السلطان أورنك زيْب حيث لم يبق إقليم من أقاليم الهند إلا دخل تحت إدارة السلطان , فقد استطاع أورنك زيْب تحويل شبه القارة الهندية الى ولاية مغولية إسلامية ، ربط شرقها بغربها ، وشمالها بجنوبها تحت قيادة واحدة !

وقد خاض المسلمون فى عهده أكثر من 30 معركة قاد السطان بنفسه منها إحدى عشرة معركة ، وأسند الباقي لقواده !

 وقد قاد السلطان البلادَ بمنتهى الاقتدار في فترة عصيبة شديدة الاضطراب من قتال داخلي ، وتسلط خارجي !
وظل السلطان الصالح المصلح "عالم كير" يحكم بلاد الهند كلها على اتساع ملكها ، واختلاف شعوبها، وكثرة أعدائها بنفس الطريقة المرضية من قواعد الشرع والعدل طيلة خمسين سنة –أي قرابة نصف قرن من الزمان
وظل على هذا النهج القويم حتى توفي - رحمه الله - بعد أن جاوز التسعين من العمر المحرم سنة 1119 هجرية - – 1707سنة

وأوصى- رحمه الله- أن يدفن في أقرب المقابر للمسلمين ، وألا يعدو ثمن كفنه خمس روبيّات !                             
، وبموته هاجت الشرور، ونجم نفاق المنافقين ، وأطل الأعداء برؤوسهم من كل مكان، وأخذت شمس دولة الإسلام بالهند في الأفول !!

نسأل الله الكريم أن يتغمد صاحب هذه السيرة العطرة برحماته على ما خدم الإسلام والمسلمين !

 

 "هذه الصفحة المشرقة من حياة الربانيين كتبها الأستاذ " منصور يوسف " جزاه الله خيرا ، وما طرأ عليها إلا لمسات طفيفة بكلمة ، أو جملة ، لم تبعد عن أصلها .