ما حكم رمي العدو إذا تترس بالمسلمين أطفالا أو نساء أو...
تاريخ الإضافة : 2012-05-30 00:00:00
ما حكم رمي العدو إذا تترس بالمسلمين أطفالا أو نساء أو أسرى حيث أن رميه حينها سيصيب المسلمين ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

أسوق لك لخطورة الجواب ودقته ما ذكره علماء المسلمين حول مسألة التترس ،وهي من المسائل الجهادية التي لها رصيد من الواقع ، على أن فقه الجهاد فقه مصلحي يدور مع المصلحة الشرعية وجوداً وعدماً ما لم يكن في ذلك مخالفة لنصوص الشريعة وقواعدها ، ومن الأمثلة على ذلك: مسائل التترس، والانتقال من سبب الموت إلى سبب آخر، وتدبير الجيش، وما يستجد من أعمال الحرب، ونحو ذلك مما لا نص فيه .

والتترس: التّرس بضمّ التّاء : ما يتوقّى به في الحرب ، يقال : تترّس بالتّرس إذا توقّى به ، وقال الجوهري: التستر بالترس ، والتّترّس بأسارى المسلمين ، ووصفه أن يتخذ العدو طائفة من الناس بمثابة الترس له يحمي بهم نفسه،مما يسبب تردد خصمه في ضربه، وهو ما يسمى اليوم بالدروع البشرية التي يتخذها من لا خلاق له في الآخرة ، ولا يصدر في سلوكه عن أحكام الشريعة ، ، ومثله وضع رهائن الحرب في الأماكن الحيوية لئلا تقصف ،وفي الموسوعة الفقهية " .. التّترّس في اللّغة : التّستّر بالتّرس ، والاحتماء به والتّوقّي به . وكذلك التّتريس ، يقال : تترّس بالتّرس ، أي توقّى وتستّر به . كما في حديث أنس بن مالك قال : « كان أبو طلحة يتترّس مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم بترس واحد » ويقال أيضاً : تترّس بالشّيء جعله كالتّرس وتستّر به ، ومنه : تترّس الكفّار بأسارى المسلمين وصبيانهم أثناء الحرب " ويقال : تترّس بالتّرس إذا توقّى به ، ومن ذلك تترّس المشركين بالأسرى من المسلمين والذّمّيّين في القتال ، لأنّهم يجعلونهم كالتّراس ، فيتّقون بهم هجوم جيش المسلمين عليهم ، لأنّ رمي المشركين - مع تترّسهم بالمسلمين - يؤدّي إلى قتل المسلمين الّذين نحرص على حياتهم وإنقاذهم من الأسر .

وهنا أذكر بما كان عليه الإنسان في حروبه ، حيث اتخذ ما يقيه من ضربات خصمه ، ولكن دون أن يفقد الحس الإنساني الكريم الذي يمنعه من السلوك الشائن الذي برئت منه الوحوش في الغابات ، إن مما علم الله- تعالى- داوود- عليه السلام- صنعة الدروع كما في قوله : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } [ الأنبياء : 80 ] الآية وقوله : { وَأَلَنَّا لَهُ الحديد أَنِ اعمل سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السرد } [ سبأ : 10-11 ] ، فقوله : { أَنِ اعمل سَابِغَاتٍ } أي: أن اصنع دروعاً سابغات من الحديد الذي ألناه لك . والسرد : نسج الدرع . ويقال فيه الزرد ، أتبعه بقوله { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } أي لتحرز وتقي بعضكم من بأس بعض ، لأن الدرع تقيه ضرر الضرب بالسيف ، والرمي بالرمح والسهم ، كما هو معروف . ) السَّرْد ( صنع درع الحديد ، أي تركيب حلقها ومساميرها التي تَشُدّ شقق الدرع بعضها ببعض فهي للحديد كالخياطة للثوب ، والدِرع توصف بالمسرودة كما توصف بالسابغة : ألنا له الحديد ، لكى يعمل منه دروعا سابغات ، وكانت الدروع قبل عهد داود تعمل بطريقة تثقل الجسم ، ولا تؤدى وظيفتها لا تثقل الجسم ولا تتعبه ، وفى الوقت نفسه تكون محكمة إحكاما تاما بحيث لا تنفذ منها الرماح ، ولا تقطعها السيوف ، وكان الأمر كله من باب الإِلهام والتعليم من الله - تعالى - لعبده داود - عليه السلام - وعليه ، فقوله { أَنِ اعمل سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السرد } يدل على الاستعداد لمكافحة العدو ، وقوله { واعملوا صَالِحاً } يدل على أن ذلك الاستعداد لمكافحة العدو في حدود الدين الحنيف ، ولم تكن الجاهلية على جهلها ، كذلك ،

وقبل التناول لما جاء به الفقهاء في هذه المسألة الخطيرة الواقعة أذكر خلاصة ما وصلت إليه مما اطلعت عليه ، وهو" الترجيح في مسألة التترس الجواز عند الضرورة " وأذكر نصا أن المسالة تتناول القتال مع الكافرالمحض ، أما إذا التقت فئتان من غير الكفار ، أو اختلط أمرهما ، أو أمر إحداهما ، فيحتاج هنا إلى فتاوى آنية من أهل العلم والدراية ، إذ من المعلوم أن مجرد القتال لا يخرج من الملة ، وإنما يخرج منا اعتقاد مكفر ، أو ناقض من نواقض الإيمان ،كاعتقاد عدم صلاحية الشريعة لقيادة الحياة ! وهذا يحتاج إلى فقه حصيف واع.

هذا ، وأرجو الله لجميع المسلمين أن يسلموا من كل الشرور ،
قداختلف العلماء فيما إذا تترس العدو بالمسلمين . على ثلاثة أقوال: - القول الأول: جواز رميهم مطلقاً . وذهب إليه جمهور الحنفية، وسفيان الثوري، وهو أحد القولين عند المالكية، ومقابل المذهب عند الحنابلة.

ومن أدلة هذا القول: أن رميهم من باب الضرورة لإقامة فرض الجهاد، ولو منع رميهم لتعطل الجهاد
وبيان هذا أنه لو وجب الكف عنهم بهذا لم يتوصل إلى الظهور عليهم . لأن كل أهل حصن منهم أو أهل سفينة يخافون على أنفسهم يجعلون معهم في ذلك الموضع أسيراً من أسرى المسلمين، فيتعذر عليهم لأجل ذلك قتالهم ، ودفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام بإثبات الضرر الخاص واجب

ويناقش هذا الاستدلال من وجهين:


الأول : أن التوصل إلى المباح بالمحظور لا يجوز، ولا سيما بروح المسلم
ورمي الترس في هذه الحالة يؤول إلى قتل المسلمين، مع أن لنا مندوحة عنه .

الثاني : أن حرمة دم المسلم أعظم من أن تنتهك لمثل هذه الحجة غير المسلمة، ولا يلزم أن يتعطل الجهاد بسبب تترس الكفار بالمسلمين، لأن طرق الجهاد كثيرة، ويمكن أن نغيّر مكان أو زمان الهجوم ويحصل المقصود
وأما مع الضرورة التي تفضي إلى تعطيل الجهاد وعدم إقامة الفرض، فلا ننازع في جواز رمي الترس، وإنما النزاع في رميه إذا كان للمسلمين مندوحة، ولا ضرورة للرمي مع إمكان القدرة عليهم بغيره
وأما الاستدلال بأن رمي الترس دفع للضرر العام بإثبات الضرر الخاص، فغير مسلم لأن هذا إنما يقال عند العلم بانهزام المسلمين وتضررهم العام لو لم يُرْمَ الترس
القياس على جواز رمي الكفار إذا تترسوا بنسائهم وأطفالهم ومن لا يجوز قتله منهم فإنه يجوز إجماعاً مع العلم بوجود من لا يجوز قتله فيهم واحتمال قتله وهو الجامع .

ويناقش هذا الاستدلال بأنه قياس مع الفارق، لأن حرمة المسلم معصوم الدم أعظم من حرمة من لا يجوز قتله من الكفار .
فمن المعقول: أن كل قتال مع الكفار هو دفع للضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام أي مجتمعهم، وإن لم يحصل فيه الظفر تضرر المسلمون كلهم

ويناقش هذا الاستدلال بأن قتل المسلم في غالب الظن أشد من ترك الرمي، وإنما يكون الضرر العام مقدماً على هذا إذا كان فيه هزيمتهم أو تضررهم
وجواز رميهم عند الضرورة ، هو قول الجمهور، مالك وهوالمذهب عند أصحابه ، وإليه ذهب الشافعية، والحنابلة ، والحسن بن زياد .
ومن أدلة هذا القول:

قوله تعالى: { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مصيبةٌ بغيرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }.

ووجه الاستدلال: أن هذه الآية نزلت بعد الحديبية ، وقد كف الله المسلمين عن عدوهم في مكة لأجل المؤمنين المختلطين بهم، لأن المسلمين لو وطؤوهم وقتلوهم حال القتال لأصابهم من ذلك " معرة " أي إثم ، فدل هذا على أن موجب الإثم هو قتل المؤمنين المختلطين بالعدو، فلا يجوز فعله ، قال مالك:"يقول الله تبارك وتعالى في كتابه لأهل مكة: { لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } أي : إنما صرف النبي عن أهل مكة لما كان فيهم من المسلمين ، ولو تزيل الكفار عن المسلمين لعذب الذين كفروا ، أي : هذا تأويله ".وقال الليث:"ترك فتح حصن يقدر على فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حق ".

ويماط عن هذا الاستدلال بأن الآية لا دلالة فيها على موضع الخلاف، لأن أكثر ما فيها أن الله كف المسلمين عنهم ; لأنه كان فيهم قوم مسلمون لم يأمن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لو دخلوا مكة بالسيف أن يصيبوهم ، وذلك إنما يدل على إباحة ترك رميهم، وإباحة الإقدام على وجه التخيير ،

ويجاب عنه بأن في فحوى الآية ما يدل على الحظر، وهو قوله تعالى: { فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ } ، ومما فسرت به " المعرة " الإثم .
وعلى هذا فلا دليل في الآية على التخيير بين الفعل والترك، بل حمل الآية على الترك أولى لحرمة دم المسلم .
واعترض عليه بأنه قد اختلف أهل التأويل في معنى " المعرة " ههنا . فقيل: الدية، وقيل: الكفارة، وقيل: الغم، وقيل، الشدة، وقيل: العيب . أما تفسيرها بالإثم فباطل لأنه تعالى أخبر أن ذلك لو وقع كان بغير علم منا، ولا مأثم علينا فيما لم نعلمه، كما قال الله تعالى: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } ، فعلمنا أنه لم يرد المأثم .
ولهذا رجح الطبري أن المراد بالمعرة: كفارة قتل الخطأ، لقوله تعالى: { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ }
وبهذا يتبين ضعف الاستدلال بهذه الآية على تحريم قتل الترس من المسلمين لعدم دلالة الآية على الإثم، بل إنها من باب المباح على سبيل التخيير .

" فرمي الترس في هذه الحالة من باب الضرورة " .
وبيان ذلك : أن الأصل حرمة دم المسلم، فلا يحل قتله إلا للضرورة، والضرورة تقدّر بقدرها، فإذا لم يكن هناك ضرورة لم يجز قتلهم، صيانة لدماء المسلمين .أما إذا أفضى الامتناع إلى تضرر عموم المسلمين والمجاهدين بترك قتال الكفار فإنه يجوز رمي الترس حتى لو زهقت أرواح المسلمين دفعاً لأعلى المفسدتين، لأنه إذا تعارضت مفسدتان فالواجب دفع أعلى المفسدتين بارتكاب أدناهما.
قال الغزالي:"أما الواقع في رتبة الضرورات فلا بعد في أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد، وإن لم يشهد له أصل معين، ومثاله: أن الكفار إذا تترسوا بجماعة من أسارى المسلمين فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الإسلام ، وقتلوا كافة المسلمين، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلماً معصوماً لم يذنب ذنباً وهذا لا عهد به في الشرع، ولو كففنا لسلطنا الكفار على جميع المسلمين فيقتلونهم ثم يقتلون الأسارى أيضا، فيجوز أن يقول قائل: هذا الأسير مقتول بكل حال فحفظ جميع المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع ; لأنا نعلم قطعاً أن مقصود الشرع تقليل القتل كما يقصد حسم سبيله عند الإمكان، فإن لم نقدر على الحسم قدرنا على التقليل ، وكان هذا التفاتاً إلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصود الشرع لا بدليل واحد وأصل معين بل بأدلة خارجة عن الحصر ". وأذكر- هنا- ما جاء في تفسير القرطبي رحمه الله تعالى :قال وهو يتناول الآيات التي نزلت بمناسبة صلح الحديبية ، وعدم دخول المسلمين مكة قتالا بعدما منعتهم قريش ، وقد جاؤوا من المدينة أساسا للعمرة كما هو معلوم ، على أني حذفت من التفسير ما لا أرى فيه حاجة ، قال :
قوله تعالى : {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا } فيه أربع مسائل
الأولى : قوله تعالى : {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} اللام في {ليدخل} متعلقة بمحذوف ، أي لو قتلتموهم لأدخلهم الله في رحمته. ويجوز أن تتعلق بالإيمان. ولا تحمل على مؤمنين دون مؤمنات ، ولا على مؤمنات دون مؤمنين ، لأن الجميع يدخلون في الرحمة.وقيل : المعنى لم يأذن الله لكم في قتال المشركين ليسلم بعد الصلح من قضى أن يسلم من أهل مكة ، وكذلك كان أسلم الكثير منهم وحسن إسلامه ، ودخلوا في رحمته ، أي جنته.
الثانية : قوله تعالى : {لَوْ تَزَيَّلُوا} أي تميزوا ، قاله القتبي. وقيل : لو تفرقوا ، قاله الكلبي. وقيل : لو زال المؤمنون من بين أظهر الكفار لعذب الكفار بالسيف ، قاله الضحاك. ولكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار.
الثالثة : هذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن ، إذ لا يمكن أذية الكافر إلا بأذية المؤمن.

قال أبو زيد: قلت لابن القاسم : أرأيت لو أن قوما من المشركين في حصن من حصونهم ، حصرهم أهل الإسلام وفيهم قوم من المسلمين أسارى في أيديهم ، أيحرق هذا الحصن أم لا ؟ قال : سمعت مالكا- وسئل عن قوم من المشركين في مراكبهم : أنرمي في مراكبهم بالنار ومعهم الأسارى في مراكبهم ؟- قال : فقال مالك: لا أرى ذلك ، لقوله- تعالى- لأهل مكة : {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}. وكذلك لو تترس كافر بمسلم لم يجز رميه ، وإن فعل ذلك فاعل فأتلف أحدا من المسلمين فعليه الدية والكفارة. فإن لم يعلموا فلا دية ولا كفارة ، وذلك أنهم إذا علموا فليس لهم أن يرموا ، فإذا فعلوه صاروا قتلة خطأ والدية على عواقلهم. فإن لم يعلموا فلهم أن يرموا. وإذا أبيحوا الفعل لم يجز أن يبقى عليهم فيها تباعة.

قال ابن العربي : وقد قال جماعة : إن معناه لو تزيلوا عن بطون النساء وأصلاب الرجال ، وهذا ضعيف ، لأن من في الصلب ، أو في البطن ، لا يوطأ ، ولا تصيب منه معرة. وهو سبحانه قد صرح فقال : {ولولا رجالٌ مؤمِنون ونِساءٌ مؤمِناتٌ لم تعلموهم أن تطؤوهم} وذلك لا يطلق على من في بطن المرأة وصلب الرجال ، وإنما يطلق على مثل الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وأبي جندل بن سهيل ، وكانوا من المؤمنين ، فحبسوا في مكة أن يهاجروا إلى المدينة المنورة ! وكذلك قال مالك : وقد حاصرنا مدينة الروم فحبس عنهم الماء ، فكانوا ينزلون الأسارى يستقون لهم الماء ، فلا يقدر أحد على رميهم بالنبل ، فيحصل لهم الماء بغير اختيارنا.

هذا ، وقد جوز أبو حنيفة وأصحابه والثوري الرمي في حصون المشركين وإن كان فيهم أسارى من المسلمين وأطفالهم. ولو تترس كافر بولد مسلم رمي المشرك ، وإن أصيب أحد من المسلمين فلا دية فيه ولا كفارة، وقال الثوري : فيه الكفارة ولا دية. وقال الشافعي بقولنا- أي بالمنع- وهذا ظاهر ، فإن التوصل إلى المباح بالمحظور لا يجوز ، سيما بروح المسلم ، فلا قول إلا ما قاله مالك رضي الله عنه. والله أعلم. قلت- أي القرطبي- : قد يجوز قتل الترس ، ولا يكون فيه اختلاف إن شاء الله ، وذلك إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية. فمعنى كونها ضرورية : أنها لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس. ومعنى أنها كلية : أنها قاطعة لكل الأمة ، حتى يحصل من قتل الترس مصلحة كل المسلمين ، فإن لم يفعل قتل الكفار الترس واستولوا على كل الأمة. ومعنى كونها قطعية : أن تلك المصلحة حاصلة من قتل الترس قطعا. قال علماؤنا : وهذه المصلحة بهذه القيود لا ينبغي أن يختلف في اعتبارها ، لأن الفرض أن الترس مقتول قطعا ، فإما بأيدي العدو فتحصل المفسدة العظيمة التي هي استيلاء العدو على كل المسلمين. وإما بأيدي المسلمين فيهلك العدو وينجو المسلمون أجمعون. ولا يتأتى لعاقل أن يقول : لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه ، لأنه يلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين ، لكن لما كانت هذه المصلحة غير خالية من المفسدة ، نفرت منها نفس من لم يمعن النظر فيها ، فإن تلك المفسدة بالنسبة إلى ما حصل منها عدم أو كالعدم. والله أعلم.
وقد أشار القرطبي إلى منشأ هذا القول بالمنع فقال:"ولا يأتي لعاقل أن يقول لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه، لأنه تلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين، لكن لما كانت هذه المصلحة غير خالية من المفسدة نفرت منها نفس من لم يمعن النظر فيها، فإن تلك المفسدة بالنسبة إلى ما يحصل منها عدم أو كالعدم".
والراجح في مسألة التترس - والله أعلم - هو جواز رمي الترس عند الضرورة بشرطين:
1- أن يتحاشى المجاهد رمي الترس ما أمكنه، إلا إذا وقع الرمي بحكم الخطأ أو بحكم الاضطرار، لأن الضرورة تقدر بقدرها .
2- عدم وجود القصد القلبي إلى ضرب أفراد الترس، وإن وجد القصد الحسي اضطراراً، لأنه لا ضرورة في قصد قتل مسلم بغير حق .
"ضابط الضرورة التي تجيز رمي الترس من المسلمين:

إن مما تجدر معرفته تطبيقاً لهذا الحكم ؛ ضابط الضرورة التي هي مناط جواز رمي الترس .
وقد ذكر الغزالي للضرورة ثلاثة ضوابط، حيث قال:"تحصيل هذا المقصود [أي المصلحة المعلومة بالضرورة] بهذا الطريق وهو قتل من لم يذنب غريب لم يشهد له أصل معين وانقدح اعتبارها باعتبار ثلاثة أوصاف: أنها ضرورة، قطعية، كلية .

وليس في معناها ما لو تترس الكفار في قلعة بمسلم إذ لا يحل رمي الترس إذ لا ضرورة فبنا غنية عن القلعة فنعدل عنها إذ لم نقطع بظفرنا بها ; لأنها ليست قطعية بل ظنية .

من المعلوم أن تقدير الضرورة يختلف باختلاف الظروف والأحوال ومن الأمثلة على الضرورة ما يلي:-

1- أن يترتب على الكف عن رمي الترس هزيمة جيش المسلمين .
2- حال الالتحام مع العدو حيث لا يمكن توقي الترس .
3-أن يفضي الكف عنهم إلى الإحاطة بالمسلمين ، أو كثرة النكاية بهم.
4-أن يؤدي الكف عنهم إلى قتل جمع من المسلمين ، أو أكثر المسلمين
5-أن يستبيح العدو أرض المسلمين ويدخل ديارهم، وهو ما يعرف بجهاد الدفع .
وبيان الدليل من جهة المعقول من وجهين:
أ- أنه لو حرم رمي الترس لاتخذ الكفار هذا ذريعة إلى تعطيل الجهاد، أو حيلة إلى استبقاء القلاع لهم وفي ذلك فساد عظيم .
ومن المعلوم أنه متى علم الكفار أنهم سينجون من المسلمين بتترسهم بالنساء والذراري فإنهم سيلجأون إلى هذه الحيلة فلا يتمكن المسلمون من قتالهم ما داموا على ذلك، وفي هذا الأمر مفسدة عظيمة، لأنه يؤدي إلى انقطاع الجهاد . هذا ، وقد يبدو إشكال في اعتبار وصف الكلية في تقدير الضرورة، وذلك أن ترك رمي الترس لا يؤدي إلى استئصال كافة المسلمين وإنما مؤداه هلاك الجيش أو طائفة منه .
ويجاب عنه بما ذكر العطار في حاشيته على شرح جمع الجوامع حيث قال: لما كان حفظ الأمة بحفظ الجيش لأنه الدافع عنها والقائم بحفظها كما جرت به العادة كان استئصاله بمنزلة استئصال الجميع أو مظنة له فجعل في حكمه . لكن هذا ظاهر إذا كان استئصال بقية الجيش بحيث يخشى معه على الأمة، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك كما لو لم يحضر الوقعة إلا بعض جيش الإسلام، وكان من لم يحضر بحيث يحصل به الحفظ التام للأمة، وقد تستشكل هذه المسألة بمسألة غرق السفينة إذا كان من بها جيش المسلمين إلا أن يفرق بأن استئصال الجيش في الحرب مما لا يمكن دفع مفسدته لمسارعة الكفار حينئذ إلى استئصال بقية المسلمين بنحو القتل والأسر قبل التمكن من تهيئة من يقوم مقام الجيش، ولا كذلك مسألة الغرق .

ثم قد تشكل أيضا بما إذا كان الأسرى أكثر من المحاربين إلا أن يقال أنهم على كل حال تحت القهر، ولم يقوموا بالدفع عن المسلمين بخلاف المقاتلين فإنهم قاموا بالدفع عن المسلمين فقتلهم يؤدي لمفسدة أعظم .

وبهذا يبقى الأمر على الأصل وهو حرمة قتل نفسه أو نفس غيره إلا في حال المشروعية .

- الترجيح
بالنظر في الأقوال المتقدمة يتبين أنه ما من قول إلا ويرد على أدلته بعض الاعتراضات، إلا أن أقوى الأقوال من حيث الأدلة قولان:
أحدهما: القول ( بالجواز مطلقاً ) ، والآخر: القول (الجواز للضرورة ) .

وقد رجح القول الأول عدد من الباحثين المعاصرين الذين بحثوا في حكم هذه الأعمال، وبناءً على القول المختار يكون حكم هذه الأعمال الجواز عند الضرورة فقط سواء في جهاد الطلب أو جهاد الدفع، كالخوف على الجيش، أو انهزام المسلمين، أو اعتداء العدو على دمائهم وأعراضهم وبلادهم (كما هو الحال في فلسطين والشيشان) فإنه يجوز الإقدام على هذه الأعمال بشروطها ً، وأما عند عدم الضرورة (كما يقع اليوم من أعمال في البلاد الأخرى غير المحتلة) فيحرم الإقدام على هذه الأعمال صيانة لدم المسلم .

ومما يقوي هذا الترجيح أن كثيراً ممن نسب إليهم القول بجواز هذه الصورة في هذا العصر جاء في فتاويهم ما يشير إلى اعتبارهم الضرورة مبرراً للقيام بهذه الأعمال إما تصريحاً (كما في فتوى وهبة الزحيلي، وإما بدلالة السؤال، والذي غالباً ما يكون عن الأعمال التي يقوم بها أهل فلسطين ضد اليهود الذين اغتصبوا أرضهم وسفكوا دماءهم ودنسوا مقدساتهم، وهي مما يندرج في حكم الضرورة لأنها من قبيل دفع العدو الداهم،هذا ، والله أعلم .

قال ابن تيمية:"...وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان . وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده"

- إن حرمة دم المسلم، وعدم جواز التعرض له بأذى إلا لضرورة عامة تقدر بقدرها، كما نص عليه الفقهاء في مسائل التترس والإغارة ونحوها .

- الراجح في مسألة تترس العدو بالمسلمين هو عدم جواز رمي الترس المسلم إلا لضرورة، ومن الضرورة إحاطة العدو بالمسلمين أو استباحته أرضهم .

وذلك أن عامة الفقهاء أجازوا قتال الكفار إذا تترسوا بالمسلمين في حال الضرورة ، وبيَّن أهل العلم أن قتل المسلمين الذين تترس بهم الكفار لا يجوز، إلا إذا لم يتأت قتل الكفار وحدهم
وبهذا يتجلى مدى عناية الفقهاء بهذه المسألة ، وعمق تناولها من ناحية جواز الرّمي مع التّترّس بالمسلمين أو الذّمّيّين ، كما تناولوها من ناحية لزوم الكفّارة والدّية ، وهذا باختصارأظهر اتّجاهات الفقهاء من ناحية
- رمي التّرس :

يتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان في ترك الرّمي خطرٌ محقّقٌ على جماعة المسلمين ، فإنّه يجوز الرّمي برغم التّترّس ، لأنّ في الرّمي دفع الضّرر العامّ بالذّبّ عن بيضة الإسلام ، وقتل الأسير ضررٌ خاصٌّ . ويقصد عند الرّمي الكفّار لا التّرس ، لأنّه إن تعذّر التّمييز فعلاً فقد أمكن قصداً ، ونقل ابن عابدين عن السّرخسيّ أنّ القول للرّامي بيمينه في أنّه قصد الكفّار ، وليس قول وليّ المقتول الّذي يدّعي العمد .
أمّا في حالة خوف وقوع الضّرر على أكثر المسلمين فكذلك يجوز رميهم عند جمهور الفقهاء ، لأنّها حالة ضرورةٍ أيضاً ، وتسقط حرمة التّرس ،
" ولو كان المسلمون المتترّس بهم أكثر من المجاهدين " قاله الصّاوي المالكي ، وفي وجهٍ عند الشّافعيّة لا يجوز ، وعلّلوه بأنّ مجرّد الخوف لا يبيح الدّم المعصوم ، كما أنّه لا يجوز عند المالكيّة إذا كان الخوف على بعض الغازين فقط .

وأمّا في حالة الحصار الّذي لا خطر فيه على جماعة المسلمين ، لكن لا يقدر على الحربيّين إلاّ برمي التّرس ، فجمهور الفقهاء من المالكيّة ، والشّافعيّة ، وجمهور الحنابلة ، والحسن بن زيادٍ من الحنفيّة على المنع ، لأنّ الإقدام على قتل المسلم حرامٌ ، وترك قتل الكافر جائزٌ . ألا ترى أنّ للإمام ألاّ يقتل الأسارى لمنفعة المسلمين ، فكان مراعاة جانب المسلم أولى من هذا الوجه ، ولأنّ مفسدة قتل المسلم فوق مصلحة قتل الكافر .

وذهب جمهور الحنفيّة ، والقاضي من الحنابلة إلى جواز رميهم ، وعلّل الحنفيّة ذلك بأنّ في الرّمي دفع الضّرر العامّ ، وأنّه قلّما يخلو حصنٌ عن مسلمٍ ، واعتبر القاضي من الحنابلة أنّ ذلك من قبيل الضّرورة .


-الكفّارة والدّية :

- ومن ناحية الكفّارة والدّية عند إصابة أحد أسرى المسلمين نتيجة رمي التّرس ، فإنّ جمهور الحنفيّة على أنّ ما أصابوه منهم لا يجب فيه ديةٌ ولا كفّارةٌ ، لأنّ الجهاد فرضٌ ، والغرامات لا تقرن بالفروض ، لأنّ الفرض مأمورٌ به لا محالة ، وسبب الغرامات عدوانٌ محضٌ منهيٌّ عنه ، وبينهما منافاةٌ ، فوجوب الضّمان يمنع من إقامة الفرض ، لأنّهم يمتنعون منه خوفاً من لزوم الضّمان ، وهذا لا يتعارض مع ما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أنّه « ليس في الإسلام دمٌ مفرجٌ » أي : مهدرٌ ، لأنّ النّهي عامٌّ خصّ منه البغاة وقطّاع الطّريق ، فتخصّ صورة النّزاع ، كما أنّ النّهي في الحديث خاصٌّ بدار الإسلام ، وما نحن فيه ليس بدار الإسلام ، . هذا ،وعند الحسن بن زيادٍ من الحنفيّة وجمهور الحنابلة والشّافعيّة تلزم الكفّارة قولاً واحداً ، وفي وجوب الدّية روايتان :

إحداهما : تجب ، لأنّه قتل مؤمناً خطأً ، فيدخل في عموم قوله تعالى : { ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله إلاّ أن يصّدّقوا } .

وعدم وجوب الدّية هو الصّحيح عند الحنابلة .

- ويقول الجمل الشّافعيّ : وجبت الكفّارة إن علم القاتل ، لأنّه قتل معصوماً ، وكذا الدّية ، لا القصاص ، لأنّ القصاص مع تجويز الرّمي لا يجتمعان . وفي " نهاية المحتاج " تقييد ذلك بأن يعلم به ، وأن يكون في الإمكان توقّيه . وينقل البابرتيّ من الحنفيّة عن أبي إسحاق أنّه قال : إن قصده بعينه لزمه الدّية ، علمه مسلماً أو لم يعلمه ، للحديث المذكور . وإن لم يقصده بعينه بل رمى إلى الصّفّ فأصيب فلا دية عليه . والتّعليل الأوّل أنّ الإقدام على قتل المسلم حرامٌ ، وترك قتل الكافر جائزٌ ، لأنّ للإمام أن يقتل الأسارى لمنفعة المسلمين ، فكان تركه لعدم قتل المسلم أولى ، ولأنّ مفسدة قتل المسلم فوق مصلحة قتل الكافر، كما ذكرناه آنفا .
- وأما عند المالكية فقد قال الدّسوقيّ من المالكية عند تعليقه على قول خليلٍ :" وإن تترّسوا بمسلمٍ " قال : وإن تترّسوا بأموال المسلمين فيقاتلون ولا يتركون . وينبغي ضمان قيمته على من رماهم ، قياساً على ما يرمى من السّفينة للنّجاة من الغرق ، بجامع أنّ كلاًّ إتلاف مالٍ للنّجاة .

وهذه نبذة تلخص التبنى من الأحكام الشّرعيّة على أسرى المسلمين الذين يتترس بهم الأعداء
اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز رمي الكفّار إذا تترّسوا بالمسلمين وأساراهم أثناء القتال أو حصارهم من قبل المسلمين ، إذا دعت الضّرورة إلى ذلك كما تقرر سابقا ، ومن مظاهر الضرورة أن يكون في الكفّ عن قتالهم انهزام للمسلمين ، والخوف على استئصال قاعدة الإسلام ، ويقصد بالرّمي الكفّار .

ولكن إذا لم تدع ضرورة إلى رميهم لكون الحرب غير قائمة ، أو لإمكان القدرة عليهم دون الرمي ، فلا يجوز رميهم عند الشّافعيّة والحنابلة ، وهو قول الحسن بن زياد من الحنفيّة .

ولا يجوز إذا تترسوا بمسلم إلا مع خشية استئصال المسلمين وإجازتهم قتل من يتترس به الكفار من أطفال ونساء وأسرى مسلمين ، حتى لا يتخذ التترس ذريعة إلى ترك الجهاد أو استيلاء الكفار على ديار المسلمين . وكراهيتهم كل ما يكون ذريعة إلى الإثم ، من باب التعاون عليه ، كبيع العنب لمن يعصره خمرًا ، والتمر ممن يصنعه نبيذا ، وبيع السلاح ممن يعصى الله تعالى به ، لأنه لا يأمن أن يكون معونة على المعصية.

وختاما لهذه النبذة المذكورة أرى ألا يسارع إلى تبني الرمي دون التأكد الواعي الذي ينأى عن الفوران النفسي الذي تطيش به الموازين الشرعية ، وأن تدرس كل حالة على حدة ، وأن يميز بين العدو الكافر ، والعدو الطاغي المفتري ، وكل هذا بدافع الحرص على دم المسلم الغالى ، الذي من جملة ما جاء فيه : (( لا يَحلُّ دمُ امرىءٍ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث : كَفَرَ بعدَ إسلامهِ ، أو زَنَى بعد إحصانهِ ، أو قَتَلَ نفساً بغير نفس )) وما عدا ذلك ، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة ، بل من الدنيا أجمع . وفي ذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (( والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )) ، عن ابن عباس أنَّ رجلاً أتاه فقال : أرأيتَ رجلاً قتل رجلاً متعمداً ؟ قال : جزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً ، وقال : أُنزِلتْ في آخر ما نزل ، ما نسخها شيءٌ حتى قُبضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : أرأيتَ إنْ تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟ قال : وأنى له التوبة ، وقد سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( ثكلتْهُ أُمُه رجلٌ قتلَ رجلاً متعمداً يجيء يومَ القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره وآخذاً رأسه بيمينه أو شماله تشخبُ أوداجه دماً في قبل العرش يقول : يا رب سَلْ عبدك فيم قتلني ؟ )) !! وأول ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء ، وفي ذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (( أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصلاةُ ، وأولُ ما يُقضَى بينَ الناسِ الدماءُ )) ويقول الرسول- عليه الصلاة والسلام- في حديث رواه البخاري في صحيحه : (( أبغض الناس إلى الله ثلاث : مُلْحِدٌ في الحَرَم ، ومُبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية ، ومطل دم امرىء بغير حق ليهريق دمه )) . وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )) والاغتباط : الفرح ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً )) وقد نظر ابن عمر -رضي الله عنه- يوماً إلى الكعبة فقال: ( ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ) رواه الترمذي وحسنه .


وخلاصة ما تم بسطه في قضية التترس جواز رمي العدو الذي تترس بمسلم ، وذلك عند الضرورة التي تقدّر بقدرها ، على أن ينوي الرامي العدوَ ، لا المسلم المتترَس به ، كما يراعى مقدار الضرر المترتب على النكول عن الرمي .وعلى هذا يؤخذ بالأحوط في كل حالة من الحالات المستجدة .