هل يعلم الرسول الغيب ؟
تاريخ الإضافة : 2012-08-11 10:45:07
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

قال بعض العلماء بأن الله أطلع نبيه عليه الصلاة والسلام على هذه العلوم الخمسة أو بعضها، وبعض العلماء الآخرين قالوا بنفي ذلك، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب، فما هو رأيكم في هذه المسألة، والسلام..

بداية أقول: لكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وثانيا: عبد الكريم ليس مع الدعاوى التي لا يؤيدها الدليل ، وبالأولى كيف أكون معها إذا نقضها ؟! فمن ادعى أنه- عليه الصلاة والسلام- لم يخرج من هذه الدنيا إلا بعد أن أطلعه الله على ما كان الله تعالى قد استاثر به ، فعليه أن يقدم الدليل الواضح ، ودون أن يظن أن نفي ذلك يعني الانتقاص من شخص المصطفى عليه الصلاة والسلام ! خاصة إذا ترسمنا ما قررته النصوص حيث أثبتت أنه - عليه الصلاة والسلام- كامل البشرية ، وتميزه تحقق بما يوحى إليه ، ودعوى أنه أطلع على كذا وكذا ، يعني هذا أنه أوحي به إليه ، فأين هذا فيما جاءت به النصوص الأخرى التي جعلت الغيب المطلق لله وحده ، لا شريك معه فيه ؟وكيف تفهم النصوص الثابتة التي تعارض هذا الإطلاق ؟ويبقى لي ملاحظة على صيغة السؤال المرسل : قلتم من نفى قال : إن الرسول لا يعلم الغيب !وبينتم للفريق الأول أنه قال " أطلع نبيه على هذه الخمسة في الآية " أو " بعضها ؟ وأمام الطرحين أجد أن يقال : لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه ، وهذا صحيح تصدقه النصوص ، وما بلغه - عليه الصلاة والسلام من أمور هي من الغيب المستقبلي ، وعليه يكون من أثبت أثبت ما أطلع عليه ، ومن نفى نفى أن يكون أطلع على كل الغيوب  " أي الغيب المطلق " وهذا هو الميزان بين الطرفين ، وإليك سيدي ما وقفت عليه من أقوال العلماء المرتكزة إلى الآيات والأحاديث ، وأقدم- هنا-  مجموعة من الآيات الكريمة ، ونتعرف إلى دلالاتها مما يساعد على الإجابة السديدة عما سالتم : قوله تعالى : { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير } الآية ،وهذه الآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم من الغيب إلا ما علمه الله ، وقد أمره تعالى أن يقول إنه لا يعلم الغيب في قوله في « الأنعام » : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله ولا أَعْلَمُ الغيب } [ الأنعام : 50 ] الآية ، وقال : { عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ } [ الجن : 26-27 ] الآية ، وقال : { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله } [ النمل : 65 ] الآية . إلى غير ذلك من الآيات . وواضح أن الإطلاع على شيء من هذه الأمور لا يكون إلا بتوقيف. فقد يطلع أولياءه على بعض غيبه ، ولكن لا من كل وجوهه .

جاء في صحيح البخاري أنه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَا مِنْ شَىْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ. وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ -أَوْ قَرِيبَ مِنْ- فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟إلا رأيته) رؤية عين حقيقة حال كوني (في مقامي) قال العلماء يحتمل أن يكون قد رأى رؤية عين بأن كشف الله تعالى له مثلا عن الجنة والنار وأزال الحجب بينه وبينهما كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه بمكة للناس قال الكرماني في تلك فإن قلت هل فيه دلالة على أنه صلى الله عليه و سلم رأى في هذا المقام ذات الله تعالى قلت نعم إذ الشيء يتناوله والعقل لا يمنعه والعرف لا يقتضي إخراجه .

وقال ابن أبي جمرة ( بهجة النفوس ص 1/120 ): قوله عليه الصلاة والسلام :" ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا" : فيه دليل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يرى من الغيب جميعه في الزمان المتقدم على هذا الموطن إلا البعض ،وأنه في هذا الموطن تكملت له الرؤية لتلك الأشياء كلها. ويرد على هذا سؤال ؟ وهو أن يقال ما المراد بقوله : ما من شيء ...هل المراد به جميع الغيوب ، أو المراد به ما يحتاج به من الأخبار إلى أمته ، وما يخصه عليه الصلاة والسلام - في ذاته المكرمة ، أو ما أكرمه الله بالاطلاع عليه ؟ والجواب: أن لفظ الحديث محتمل للوجهين معا ، والظاهر منهما " الوجه الأخير" وهو أن يكون المراد به ما يحتاج به لإخبار أمته ، وما يخصه- عليه الصلاة والسلام- في ذاته الكريمة ، أو ما أكرمه الله بالاطلاع عليه، والأول ممنوع يدل على ذلك الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله " قل لا يعلم من في السموات والأرض إلا الله" وأما الحديث فقوله " مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله " لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، و لا يعلم ما في غد  إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ، ولأنه لا يمكن أن يحمل هذا على جميع الغيوب ، لأن ذلك يؤدي إلى استواء الخالق والمخلوق ، وهو مستحيل عقلا ، وقد قال الله تعالى " كل يوم هو في شأن "والأشياء منها: ما قد وقع قبل خلق آدم ، ومنها: ما يقع بعد موته ، فكان ذلك مستحيلا من طريق النقل والعقل .

قال- تعالى- :{ وعنده مفاتح الغيب } أى عند الله تعالى خاصة خزائن غيوبه ، ولما كان عنده تلك المفاتح كان المتوصل إلى ما فى الخزائن من المغيبات هو لا غير. وفي كلمة ) عنده ( إشارة إلى اختصاصه تعالى بذلك العلم لأن العندية شأنها الاستئثار . وتقديم ) عند ( وهو ظرف مسند على المسند إليه يُفيد التخصيص بالقرينة . وقوله :{ لا يعلمها الا هو } تأكيد لمضمون ما قبله ، قال فى تفسير الجلالين وهى الخمسة التى فى قوله تعالى { ان الله عنده علم الساعة } قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم « مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله ، لا يعلم ما فى الأرحام إلا الله ، ولا يعلم ما فى غد إلا الله ، ولا يعلم متى يأتى المطر إلا الله ، ولا يدرى بأى أرض تموت النفس إلا الله ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله » رواه البخارى.. فقد دل الحديث قطعاً على أن الآية فيما ينفرد سبحانه وتعالى بعلمه ، ولا يشاركه فيه مخلوق.. , وقد رتب الله سبحانه هذه الخمس هذا الترتيب لما تقدم من الحكمة وعلم سر إيتانه بها تارة في جملة اسمية وتارة في فعلية , وتارة ليس فيها ذكر للعلم , وأخرى يذكر فيها , ويسند إليه سبحانه , ولكن لا على وجه الحصر , وتارة بنفي العلم من غيره فقط من غير إسناد للفعل إليه ، وتعالى بعلمه . فإن ثبت هذا فهو ما ذكر، ويرجع ذلك إلى معرفة حقيقة ما ذكر؛ وإلا فجائز أن يقال: إنه يعلم بعض هذه الأشياء بسنن كونية ماضية ، الأخذ بها للتعرف إلى ما تثمره لا يدخل في شأن الغيب ، من نحو المطر أنه متى يمطر، أو: ما في الأرحام: أنه ولد وأنه ذكر أو أنثى، وإن لم يعلم ماهية ما في الأرحام ، وما يتصل بدلالة " ما " على الماهيات التي تظل بحكم طبائعها من الغيوب إلا ما أذن الله بعلمه . 

قوله : { لا يعلمها الا هو } لانه لا خالق إلا هو، ليس لنبي ولا لولى مدخل فى علم هذه المفاتح ، ولا فى استعمالها ، لأنه مختص بالخالق فقط ، وما روى عن الأنبياء والأولياء من الأخبار عن الغيوب فبتعليم الله تعالى ، إما بطريق الوحى أو بطريق الإلهام والكشف ، فلا ينافى ذلك الاختصاص بعلم الغيب مما لا يطلع عليه إلا الأنبياء والأولياء والملائكة كما أشار إليه بقوله: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول " ...

 وقوله- تعالى- : { الا فى كتاب مبين }  بعد بيان تعلق علمه بالتفاصيل الكونية هو اللوح المحفوظ فهو بدل اشتمال من الاستثناء الأول ، أو هو علمه تعالى ، فهو بدل منه بدل الكل . وقيل فائدة كون ذلك فى اللوح مع أن الله تعالى لا يخفى عليه شئ أن  اللوح قلب هذا التعين قد انتقش فيه ما كان وما سيكون ، وهو من مراتب التنزلات فقد ضبط الله فيه جميع المقدورات الكونية لفوائد ترجع الى العباد يعرفها العلماء بالله .

ومنه ما استأثر لنفسه لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبى مرسل كما اشار اليه بقوله { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } ومنه علم الساعة ، هذا ، وقد أخفى الله علم الساعة لكن أماراتها بانت من لسان صاحب الشرع كخروج الدجال ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها وغيرها مما يظهر فى آخر الزمان من غلبة البدع والهوى.   و عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث سؤال جبرئيل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن أشراط الساعة فأخبره ببعضه .

وإذا أخبر بعض الأولياء عما فى الرحم من ذكر وانثى فوقع كما أخبر، فهو من قبيل الإلهام الصحيح .فقد روي أن أبا بكر الصديق - رضي اللَّه عنه - قال: إني ألقي إليَّ 

أن ذا بطن بنت خارجة جارية، وكان كما ذكر؛ فلا يحتمل أبو بكر يعلم ذلك لما ألقي إليه، ورسول اللَّه لا يعلم الساعة؛ فإنه لا يطلع عليها أحد، إلا أن يقال بأن رسول اللَّه لم يؤذن له بالتكلم والقول بشيء إلا من جهة الوحي من السماء، وبالجملة فعلمُ ما يكون من الخواص ، جُملة لا تفصيلي ، وجزئي لا كُلي ، ومقيد لا مطلق ، وعرضي لا ذاتي ، بخلاف علمه تعالى. هـ. وفي كلمة ) عنده ( إشارة إلى اختصاصه تعالى بذلك العلم لأن العندية شأنها الاستئثار ، هذا ، وتقديم ) عند ( وهو ظرف مسند على المسند إليه يُفيد التخصيص بالقرينة ، وقال عبدالله بن مسعود : كل شيء أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم غير خمس : {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} ، الآية إلى آخرها. وقال ابن عباس : هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى ، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبّي مرسل ؛ فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فقد كفر بالقرآن ؛ لأنه خالفه. ثم إن الأنبياء يعلمون كثيرا من الغيب بتعريف الله تعالى إياهم. وعن عروة بن الزبير قال : لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة حتى نزلت : {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} أي منتهى علمها ؛ فكأنه عليه السلام لما أكثروا عليه سأل الله أن يعرفه ذلك ، فقيل له : لا تسأل ، فلست في شيء من ذلك. وله تعالى : {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} أي منتهى علمها ، فلا يوجد عند غيره علم الساعة ؛ وهو كقوله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} وقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ان الله عنده علم الساعة قال : خمس من الغيب استأثر بهن الله فلم يطلع عليهن ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ان الله عنده علم الساعة.                  

وأخرج أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه و سلم قال " أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس ان الله عنده علم الساعة

وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري في الأدب عن ربعي بن حراش رضي الله عنه قال : حدثني رجل من بني عامر انه قال : يا رسول الله هل بقي من العلم شيء لا تعلمه ؟ فقال : " لقد علمني الله خيرا وان من العلم ما لا يعلمه إلا الله الخمس ان الله عنده علم الساعة . 

وأخرج ابن ماجه عن الربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم صبيحة عرسي وعندي جاريتان تغنيان وتقولان : وفينا نبي يعلم ما في غد فقال : " أما هذا فلا تقولاه " لا يعلم ما في غد إلا الله " 

هذه الأمور الخمسة من الأمور التى استأثر الله - تعالى - بها على سبيل العلم اليقينى الشامل المطابق للواقع . .ولا مانع من أن يطلع الله - تعالى - بفضله وكرمه ، بعض أصفيائه على شئ منها . 

وبعد الاطلاع على ما ذكر أرى أنه من الأسلم ألا نقيم أي دعوى بدافع المحبة أو غيرها دون أن يكون لنا عليها دليل ، وخاصة فيما يتعلق بالعقائد .