فتاة أتمت دراستها الجامعية وتقدم لها شاب ذو خلق ودين...
تاريخ الإضافة : 2012-08-11 10:52:05
كثيرا ما يخيفنا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه..... الحديث((. وذلك عندما يتقدم أحدهم لخطبة بناتنا ، وقد يكون فيه الخلق والدين ولكن عندما ننظر إلى مسألة الكفاءة نجدها غير متوفرة، وعلى سبيل المثال: الكفاءة العلمية، فتاة أتمت دراستها الجامعية ، وعندها طموح عال في العلم والمعرفة ، بالإضافة إلى خلقها ودينها ، والصفات التي ينبغي أن تتوافر في الفتاة المسلمة.

تقدم لها شاب ربما يكون ذا خلق ودين، ولكن ترك التعليم من المرحلة الإعدادية، فهل رفض هذا الشاب يدخلنا تحت تحذير النبي صلى الله عليه وسلم، ((إلا تفعلوا تكن في الأرض فتنة)).

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السيد الفاضل والأخ الكريم...

وصل السؤال ، وفيه الإحساس بالحرج إزاء رد من جاء خاطبا، وهو ذو دين وخلق، بسبب أنه لا يحمل المؤهل العلمي الذي حصلت عليه المخطوبة، حيث ترك الدراسة في المرحلة الإعدادية، وهي أنهت دراستها الجامعية ، ولها طموح في الدراسات العليا، أيكون ذلك الرد مخالفا لما وجه إليه الرسول محمد −صلى الله عليه وسلم− كما في الحديث?.

 

السؤال ينضح بطوية نظيفة صقيلة، تخشى الغبش، وتشعر بصفاء تأبى أن يعكر بأدنى شيء، فبارك الله لك ، وزادك حرصا على المتابعة للحبيب- عليه الصلاة والسلام- وأهنئك على ما أنت عليه.

أعرض- بداية- مجموعة من الأمور، ولو جاءت غير مرتبة، لنصل إلى الموقف الصحيح بعدها إن شاء الله.

عن أبي هريرة −رضي الله عنه− قال: قال رسول الله −صلى الله عليه وسلم−: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد، قالوا: يا رسول الله! وإن كان فيه −يعني قلة في المال− قال: إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه" ثلاث مرات، أخرجه الترمذي وابن ماجه.

 

هناك مع ما تناوله الحديث ما يتعلق بالكفاءة علاوة على الدين والخلق، وما يتعلق بأسباب دوام الألفة، من مثل قوله −صلى الله عليه وسلم−: "قريش بعضهم أكفاء لبعض، والعرب بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، والموالي بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، إلا حائك أو حَجّام"، أخرجه الحاكم دون ذكر قريش...وقد ضعف الحديث.

 

وقال الرسول −صلى الله عليه وسلم− للمغيرة بن شعبة −رضي الله عنه− وقد خطب امرأة "انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" رواه الترمذي والنسائي.

 

و"يؤدم بينكما" أي: يؤلف بينكما، أي: أن تقع أدمة كل منكما على أدمة صاحبه، والأدمة: هي الجلدة الباطنة، والبشرة: هي الجلدة الظاهرة.

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "إن في أعين الأنصار شيئا، فإذا أراد أحدكم أن يتزوج منهن، فلينظر إليهن".

وعن أبي هريرة −رضي الله عنه− أن النبي −صلى الله عليه وسلم− قال لرجل أراد تزوج امرأة:"أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: اذهب فانظر إليها".

 

هذا، وكان بعض الصالحين لا ينكحون كرائمهم −أي: بناتهم− إلا بعد النظر احترازا من الغرور، ولئلا تكون عاقبته الهم والغم، والنفرة.... وكل هذا يصب في أن الأخذ بأسباب السعادة الزوجية مطلوب مع قضية الدين والخلق....فهذه أمور نفسية معتبرة.

 

ومما قرره الفقهاء أن الأعراف محكمة ما لم تصادم نصا شرعيا، فإذا أدى الزواج من غير كفء، إلى مشاكل أسرية أو قطيعة رحم، أو أضرار مادية فيتحاشى، ولا يعتبر هذا مصادما للحديث المطروح سؤالاً.  أقول: يتحاشى ، لا لكونه لا يصلح، إنما تفاديا للأضرار المتوقعة.

 

وما قرره الفقهاء أن الكفاءة معتبرة في النكاح لدفع العار والضرار، والصفات المعتبرة فيها ليعتبر في الزوج مثلها في الجملة "الدين والنسب −أو الحسب− والحرفة والحرية والمال، والتنقي من العيوب المثبتة للخيار، والفقهاء لم يتفقوا على اعتبارها كلها كاملة.

 

هذا، وتزويج المرأة بالزوج الكفء أمر واجب على الأولياء، وذلك عند جمهور الفقهاء، لقول النبي −صلى الله عليه وسلم−: "ألا! لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن إلا من الأكفاء".

قال الكمال بن الهمام: لا يخفى أن الظاهر من قول النبي "لا يزوجن إلا..." أن الخطاب للأولياء نهيا لهم أن يزوجوهن إلا من الأكفاء.

 

ولا يغفل- هنا- عن أنه إذا زوجها بغير كفء برضاها جاز النكاح، لأن الكفاءة حق المرأة والأولياء، فإذا اتفقت معه على تركها جاز، واستدلوا على ذلك بأن النبي زوج بناته، ولا أحد يكافئه.

 

ومما ذكر الفقهاء في الكفاءة: كفاءة الجاهل للعالمة، فقد رجح الروياني أنه غير كفء لها، واختاره السبكي، واحتج بأنهم يعتبرون العلم في الأب، فاعتباره في المرأة نفسها أولى، ونص الشربيني بعد أن نقل ما سبق: وهذا متعين....

 

وهناك من ذهب إلى أن التعليم ونحوه ليس من مضمار الكفاءة التي يترتب عليها صحة عقد النكاح...

 

فإذا كان ذا خلق ودين ونجاح في الحياة العملية يعطى إذا رضيت به البنت، إذ إن نجاحه يجبر نقص تعليمه، فلا يكون في نفسه شعور بنقص يدفعه بعد الزواج إلى التعويض بشراسة المعاملة، والاستعلاء الشرس يغطي به نقص تعليمه الذي ربما يحرك في نفسه بمواقف معينة لا يمكن تفاديها أحيانا، إذ لا يزول الشرخ المتأتي من الفارق بين المستويين: مرحلة إعدادية ودراسة جامعية.

 

ومما نص عليه الفقهاء بشأن الكفاءة مسألة الحرفة، فقد ذهب الحنفية- في المفتى به- وهو قول أبي يوسف، والشافعية والحنابلة في الرواية المعتمدة عن أحمد إلى اعتبار الحرفة في الكفاءة في النكاح، ومثلوا لذلك بحرفة الحجام والكناس والدباغ، فلا يكون كل منهم كفء بنت العطار والصيرفي والجوهري.

 

وعليه ، لا يكون صاحب الصناعة أو الحرفة الدنيئة أو الخسيسة- وفق ما ذهب إليه جمهور الفقهاء- كفء بنت صاحب الصناعة أو الحرفة الرفيعة أو الشريفة.

 

وذكر الحنابلة أنه نقص في عرف الناس أشبه نقص النسب...

والأصح- عند الفقهاء- أن اليسار لا يعتبر من الكفاءة، إذ المال ظل زائل، ورب عرف منفر عادة ، وإن كان غير منفر شرعا.

 

هذا، وذهب بعض الفقهاء إلى أن الكفاءة في غير الدين غير معتبرة شرعا، فالمسلمون  بعضهم أكفاء لبعض، سواء كانوا عربا أو موالي، لقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وقوله −عليه الصلاة والسلام−: "الناس سواسية لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" رواه أحمد في المسند، وقد أشار الرسول على فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد، على أنه مولى....

 

نستخلص مما سبق أن الفارق في التعليم إذا كان يجبره من الزوج خبرة في الحياة، ونجاح في ميادينها العملية ، ولو أخفق على مقاعد الدراسة، فلا يفسد القضية، ولا يمنع من التزويج، ورب خبير بالحياة ناجح فيها أقدر في المعاشرة بالمعروف وإدارة شؤون الأسرة، من آخر نجح في التحصيل العملي لكنه غــر في المعاملات، وربما دفعته نفخة الغرور، غرور التحصيل إلى لون استعلاء على الزوجة، وتسلط تشقى به الأسرة، والأول بما انطوى عليه صدره من شعور دفين بالتقصير في التحصيل   في كثير من مواطن الاستعلاء الذي تشقى به الحياة الزوجية....

 

إن الشرخ الذي أحدثه الإخفاق في الدراسة يدفع إلى التعويض في مضمار الأسرة والعلاقة الزوجية تسامحا ودماثة خلق تسقي الود الذي يجعله الله −تعالى− بين الزوجين، لكن هذا كله مبني على الرضا من ولي الأمر، وصاحبة الشأن المخطوبة.