ما لحكم الشرعي في تقاضي مبلغ من المال قدم لي لقاء تعليم...
تاريخ الإضافة : 2012-08-11 12:28:31
ما لحكم الشرعي في تقاضي مبلغ من المال قدم لي لقاء تعليم القرآن والتجويد؟

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة وبعد.....،

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسيلم على المبعوث رحمة للعالمين...وبعد،،

بمراجعة حكم أخذ الأجر على تعليم القرآن الكريم يتبين الجواز لمن كان مضطرا إلى هذا الأجر، أما من كان مكتفيا من دونه، فالمنع هو الحكم فيما تطمئن إليه النفس بعد مراجعة الأدلة، وإليك التفصيل:

قرر العلماء أن تعليم العلم بأجرة، إن كان قد تعين عليه −أي: لا يوجد غيره من يعلم− فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة، وقضية العلم −هنا− أوسع دائرة من مسألة تعليم القرآن، قالوا: ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله، فإن لم يحصل له منه -أي: من بيت المال- شيء، وقطعه التعليم عن التكسب، فهو كما لم يتعين عليه، وإذا لم يتعين عليه، فإنه يجوز أن يأخذ الأجرة عليه، وهذا عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء، كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد -في قصة اللديغ- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله"، وقوله -في قصة المخطوبة- للخاطب: "زوجتكها بما معك من القرآن" ويفهم من هذا أن من له دخل يكفيه كراتب أو تجارة فلا يأخذ.

لحديث عبادة بن الصامت أنه علّم رجلا من أهل الصفة شيئا من القرآن، فأهدى له قوساً، فسأل عنه الرسول -أي عن حكم أخذه القوس- فقال: "إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله" فتركه "رواه أبو داود"، وروي مثله  عن أبي بن كعب مرفوعا، وهذا الحديث محمول -إن صح إسناده- عند كثير من العلماء، منهم أبو عمر بن عبد البر، على أنه لما علمه لله لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة، فإنه يصح كما في حديث "اللديغ" وحديث سهل في المخطوبة. "انظر ابن كثير تفسيره (1/244).

وفي أضواء البيان ساق عدة آيات متقاربة في المعنى، منها قوله -تعالى-: "ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله" على لسان نوح -عليه السلام- ثــم قال: ويؤخذ من هذه الآيات أن الواجب على أتباع الرسل من العلماء وغيرهم أن يبذلوا ما عندهم من العلم مجاناً من غير أخذ عوض ذلك، وأنه لا ينبغي أخذ الأجرة  على تعليم كتاب الله، ولا على تعليم العقائد والحلال والحرام، ثم ساق حديث أبي بن كعب المشار إليه سابقا، قال: ومن قال بهذا الإمام أحمد في إحدى روايتين وأبو حنيفة وعطاء.

وقد كرّه الزهري وإسحق تعليم القرآن بأجر، وقال عبد الله بن شفيق: هذه الرغف  -يريد ما يعطي المقرئ من خبز يأتي به التلاميذ والتي يأخذها المعلمون-  من السحت.

وممن كرّه أجرة التعليم مع الشرط الحسن وابن سيرين والشعبي، وقال صاحب المغني: "إن ظاهر كلام أحمد جواز أخذ المعلم ما أعطيه من غير شرط".

هـــــذا، وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أخذ الأجرة، وهو مذهب مالك والشافعي، وممن رخّص في أجور المعلمين أبو ثــور وابن المنذر، واحتجوا بأدلة، منها حديث سهل بن سعد في المرأة المخطوبة وجعل الرسول- صلى الله عليه وسلم- مهرها أن يعلمها الخاطب من القرآن الكريم، وقالوا: هــذا الرجل أباح له النبي أن يجعل تعليمه بعض القرآن لهذه المرأة عوضا عن صداقها، وهو صريح في أن العوض على تعليم القرآن جائز، وقد جاءت رواية صريحة في هذا "انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن"، إلى جانب أحاديث أخرى ذكرت من قبل  في الجواز، وقالوا في حديث الأجرة على الرقية بالقرآن، وإن كان الحديث واردا في الجعل على الرقية بكتاب الله،  فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.

ثــم قال صاحب المغني، والذي يظهر لي- والله أعلم- أن الإنسان إذا لم تدْعُه الحاجةُ الضرورية فالأولى له ألا يأخذ عوضاً على تعليم القرآن والعلوم الشرعية للأدلة الواردة، والأولى من أغناه الله أن يتعفف عن أخذ شيء في مقابلة تعليمه....

وجــاء في الزواجر (1/124) لابن حجر: "وجوزه الأكثرون" أي أخذ الأجرة، وأخذ جماعة بظاهر أحاديث فحرموا الاستئجار لتعليم القرآن، هــذا، وقد أفتى متأخرو الحنفية بجواز أخذ الأجرة للحاجة إليه بسبب تغير الأحوال واشتغال الناس بشؤون المعيشة، فلا يتفرغ المعلم من غير أجر، وقد بنوا ذلك على جواز جعل المهر تعليم القرآن....

ويلاحـــظ في التعليل قضية عدم التفرغ بلا أجر، ويستفاد منه أن من لم يتفرغ للتعليم، وله عمل له منه راتب، وفرّغ بعض وقته ليعلم القرآن، فالأولى أن يبذله يريد به وجه الله -تعالى-..انظر الفقه الإسلامي (7/260) للدكتور وهبة الزحيلي...

هـــذا ما تيسر في الإجابة أرجو أن يكون كافيا، وبالله التوفيق ومنه يطلب السداد إلى الأقوم والأسلم والأنقى...