ما رأي الشرع حول وضع الركبتين قبل اليدين أو اليدين قبل...
تاريخ الإضافة : 2012-08-11 12:44:47
ما رأي الشرع حول وضع الركبتين قبل اليدين أو اليدين قبل الركبتين في السجود ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الكريم...

بالرجوع إلى كلٍ من زاد المعاد لابن القيم ، و إعلاء السنن للعلامة ظفر أحمد العثمان تبين مايلي:

     - في زاد المعاد لابن القيم الجوزية:... وكان- صلى الله عليه وسلم– يضع ركبتيه قبل يديه، ثم يديه بعدهما، ثم جبهته وأنفه" قال: هذا هو الصحيح الذي رواه شريك، وفيه عن وائل بن حجر: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم– إذا سجد وضع ركبتيه قيل يديه، وإذا نهض، رفع يديه قبل ركبتيه" ولم يرو في فعله ما يخالف ذلك.

علق علماء الحديث على قوله"ولم يرو..." فقالوا: بل ثبت ذلك فيما رواه الحاكم في المستدرك و غيره عن ابن عمر أنه كان- رضي الله عنه– يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك، قالوا: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قال ابن القيم: وأما حديث أبي هريرة يرفعه "إذا سجد أحدكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، ويضع يديه قبل ركبتيه" فالحديث- والله أعلم– قد وقع فيه وهم من بعض الرواة، فإن أوله يخالف آخره، فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه، فقد برك كما يبرك البعير !، فإن البعير إنما يضع يديه أولا، ولما علم أصحاب هذا القول ذلك، قالوا: ركبتا البعير في يديه، لا في رجليه، فهو إذا برك وضع ركبتيه أولا، فهذا هو المنهي عنه. قال ابن القيم: وهو فاسد لوجوه: أحدها: أن البعير إذا برك، فإنه يضع يديه أولا، وتبقى رجلاه قائمتين، فإذا نهض، فإنه ينهض برجليه أولا، وتبقى يداه على الأرض، (وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم) وفعل خلافه، وكان أول ما يقع منه على الأرض الأقرب منها ، فالأقرب، وأول مايرتفع عن الأرض منها الأعلى فالأعلى.

وكان يضع ركبتيه أولا، ثم يديه، ثم جبهته، وإذا رفع، رفع رأسه أولا، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهذا عكس فعل البعير، وهو- صلى الله عليه وسلم– قد نهى في الصلاة عن التشبه بالحيوانات، فنهى عن بروك كبروك البعير، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل الشمَسع‘ فهدي المصلي مخالف لهدى الحيوانات.

الثاني: أن قولهم: ركبتا البعير في يديه كلام لا يعقل، ولا يعرفه أهل اللغة، وإنما الركبة في الرجلين، وإن أطلق على اللتين في يديه اسم الركبة فعلى سبيل التغليب.

الثالث: أنه لو كان كما قالوه، لقال"فليبرك كما يبرك البعير، وإن أول مايمس الأرض من البعير يداه.

وسر المسألة- كما قال ابن القيم– أن من تأمل بروك البعير، وعلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن بروك كبروك البعير، علم أن حديث وائل بن حجر هو الصواب، والله أعلم.

هذا‘ وقد روي عن أبي هريرة مايوافق حديث وائل، فعن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم– كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه.

وقد روى الحاكم عن أنس قال:"رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – انحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه" وقال الحاكم على شرطهما، ولا أعلم له علة ، وتوبع الحاكم في هذا بأن من الرواة العلاء بن إسماعيل العطار، وهو مجهول...

على ماذكر نرى أن تقديم الركبتين على اليدين قد تناولته الأحاديث، على أن هناك أحاديث بخلاف ذلك، ذكرت اليدين قبل الركبتين ، ولهذا اختلف العلماء في هذه المسألة، فذهب الأوزاعي و مالك إلى استحباب وضع اليدين قبل الركبتين، وهو رواية عن أحمد كما في المغني لابن قدامة، وقد ثبت من فعل ابن عمر، وأخبر أن النبي كان يفعله، وقد قال البخاري:... وقال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه. ومذهب الشافعي أنه يستحب أن يقدم في السجود الركبتين ثم اليدين، وقال الترمذي والخطابي: وبهذا قال أكثر العلماء‘ وحكاه القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء، وحكاه ابن المنذر عن عمر والنخعي و مسلم ابن يسار وسفيان الثوري وأحمد وأسحق، وأصحاب الرأي، قال: وبه أقول: قال ابن القيم: وأما الآثار المحفوظة عن الصحابة، فالمحفوظ عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه... وهو المروي عن ابن مسعود –رضي الله عنه– وقال إبراهيم: حفظ عن عبد الله بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقعان على الأرض قبل يديه، وعن مغيرة قال: سألت إبراهيم النخعي عن الرجل يبدأ بيديه قبل ركبتيه إذا سجد ؟ قال: أو يصنع ذلك إلا أحمق أو مجنون.

وختم ابن القيم بأدلة تجعل حديث وائل بن حجر أولى لوجوه، منها: أنه أثبت من حديث أبي هريرة، ومنها: كون حديث أبي هريرة وقع فيه اضطراب في المتن، إذ منهم من يقول فيه: وليضع يديه قبل ركبتيه، ومنهم من يعكس القول، ومنهم من يحذف هذه الجملة -أي رواية: وليضع يديه على ركبتيه– رأسا.

إنه على تقدير ثبوته فقد أدعى جماعة من أهل المعلم النسخ

ومنها: أنه الموافق لنهي النبي –صلى الله عليه وسلم– عن بروك كبروك الجمل في الصلاة. ومنها أن الموافق للمنقول عن الصحابة   كعمر وابنه وابن مسعود، ولم ينقل عن أحد منهم مايوافق حديث أبي هريرة إلا عن عمر على اختلاف فيه، ومنها: أن له شواهد من حديث ابن عمر و أنس، وليس لحديث أبي هريرة شواهد. فلو تقاوما- كما يقول ابن القيم– لقدم حديث وائل من أجل شواهده. فكيف و حديث وائل أقوى.

ومنها: أنه أكثر الناس عليه، والقول الآخر إنما يحفظ عن الأوزاعي ومالك، وأما قول ابن أبي داود: إنه قول أهل الحديث، فإنما أراد به بعضهم. وإلا فأحمد و الشافعي وإسحق على خلافه.

ومنها: أنه حديث فيه قصة محكية سيقت لحكاية فعله –صلى الله عليه وسلم– و الأفعال المحكية فيه كلها ثابته صحيحة من رواية غيره، فهي أفعال معروفة صحيحة، وهذا واحد منها، فله حكمها، ومعارضه ليس مقاوما له فيتعين ترجيحه، والله أعلم.  انظر زاد المعاد 1 ص 213 – 231

وإتماما للفائدة أجدني بين يدي الكتاب النفيس"إعلاء السنن" حيث يسوق الأدلة الراجحة في هذا الشأن، ويناقش مايقابلها، وأحرص على الاختصار، على أن من أراد الاستزادة فليرجع إلى إعلاء السنن 3/25 ومابعدها ففيه نفائس. أقول: ساق المؤلف حديث وائل بن حجر المذكور سابقا، وقال: رواه الترمذي.

عن وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه"، قال:... والعمل عليه عند أكثر أهل العلم يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه...

وفي التلخيص الحبير: رواه ابن خزيمة وابن حبان وابن السكن في صحاحهم ، وروى الحاكم في المستدرك عن عاصم عن أنس قال: رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كبر...   وفيه" وانحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه" قال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.

وعن شعبة بن المغيرة قال: سألت إبراهيم عن الرجل يبدأ بيديه قبل ركبتيه إذا سجد فقال: أو يصنع ذلك إلا أحمق أو مجنون ؟!  ورجاله ثقات.

قال العلماء: فحديث وائل أرجح مما روي في هذا الباب من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم–  إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه" أخرجه الثلاثة: أبو داود والنسائي والترمذي.

وقد تكلم العلماء في حديث أبي هريرة، فقال البخاري: محمد بن عبد الله لا يتابع عليه، وقال الترمذي: غريب...      وقال الدارقطني: تفرد به الدراوردي، وقد ذكر الحديث النسائي ولم يذكر وضع اليدين...

وقالوا: إنّ أول الحديث يخالف آخره، لأن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أولا... فإذا نهض ينهض برجليه أولاً...  وهذا الذي نهى الرسول عنه، وأمر بخلافه، ويعارضه قول "وليضع يديه قبل ركبتيه"، ولا يرفع هذا الإشكال قول بعضهم: ركبتا البعير في يديه، لأنه لو كان كما قالوا لقال: فليبرك كما يبرك البعير، فإن أول مايمس الأرض من البعير يداه

وفي حديث الترمذي مانصه: ولايخفى أن أول هذا الحديث  يخالف آخره...وما قيل في توفيقه: إنّ الركبة من الإنسان في الرجلين ومن ذوات الأربع في اليدين، فرده صاحب القاموس في سفر السعادة، وقال: هذا وهم وغلط ومخالف لأئمة اللغة.

وقال الخطابي: حديث وائل بن حجر أثبت من هذا... أي حديث أبي هريرة، وقال ابن القيم: إن حديث أبي هريرة مضطرب المتن، فمنهم من يقول فيه: "ويضع يديه قبل ركبتيه" ومنهم من يقول بالعكس، ومنهم من يقول: "ويضع يديه على ركبتيه" ومنهم من يحذف هذه الجمله رأساً.

دلالة حديث وائل على وضع الركبتين قبل اليدين إذا سجد، ورفع اليدين قبل الركبتين إذا نهض ظاهرة.

قال في النيل: وإلى ذلك ذهب الجمهور، حكاه القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء وحكاه المنذر عن عمر و النخعي ومسلم بن يسار وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق و أصحاب الرأي، قال: وبه أقول (2/146) من الإعلاء 3/26

قال ابن القيم في زاد المعاد: فالمحفوظ عن عمر بن الخطاب أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه. ذكره عن عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما... 

هذا ما تيسر من الجواب والله ولي التوفيق ومنه السداد