سؤال يتعلق بمصطلحات الفقه وأصوله من الحظر والإباحة
تاريخ الإضافة : 2011-12-24 00:00:00
في زاوية الفقه ومصطلحاته:
كلمات يتصل بعضها ببعض من حيث المعنى جاءت بها الشريعة الغراء: الحظر والإباحة، والحلال والحرام، فما أبعاد كل كلمة منها، وما الأسلوب التعبيري الذي عبر به عنها؟

 من معاني الحظر: الحبس –الحجر- المنع: وهو خلاف الإباحة، والمحظور: هو الممنوع. هذا في الصحاح واللسان والقاموس.

 

والمعنى الاصطلاحي يلتقي المعنى اللغوي، فيقال: المحظور هو الممنوع شرعاً، وهو أعم كما –ترى- من أن يكون حراماً أو مكروهاً، وبعضهم قصره على المحرم فقط، قال الجرجاني: المحظور ما يثاب بتركه، ويعاقب على فعله، وعرفه البيضاوي بأنه ما يذم –شرعاً- فاعله. ومن هنا يتصل التحريم بالحظر في إطار الترادف، كما ذهب من سوى بينهما، ومن أسماء المحظور –عند الأصوليين-: محرم ومعصية وذنب.

 

وفي حاشية ابن عابدين (9-485): الحظر –شرعاً- ما منع من استعماله شرعاً، والمحظور ضد المباح، والمباح ما أجيز للمكلفين، أو: ما خير المكلف بين فعله وتركه بلا استحقاق ثواب وعقاب. ثم قال: نعم، يحاسب حساباً يسيراً، قال تعالى: ((وما كان عطاء ربك محظورا)). أي: ليس محبوساً عن بر أو فاجر، هذا، وللمباح ضد آخر هو الواجب.

 

وفي الدرر المباحة في الحظر والإباحة للنحلاوي ص7 (الحظر عبارة عما منع من استعماله، والمحظور ضد المباح)، أما في الموسوعة –إصدار الكويت ص 1/126 فالإباحة –لغة الإحلال: والمباح خلاف المحظور.

 

هذا، وعرف الأصوليون الإباحة بأنها خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين تخييراً من غير بدل. وعرّفها الفقهاء: بأنها الإذن بإتيان الفعل حسب مشيئة الفاعل في حدود الإذن، كما في مسلم الثبوت والتعريفات للجرجاني.

 

وقد جاء في القرآن والسنة: الحل مقابلاً للحرمة، قال تعالى ((وأحل الله البيع وحرم الربا)). وقال: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك، وقال الرسول –صلى الله عليه وسلم- أما إني –والله- لا أحل حراماً، ولا أحرم حلالاً. رواه أحمد والشيخان وغيرهم.

 

والمباح كما في المستصفى للغزالي: "هو ما لا يتعلق بفعله مدح ولا ذم" أو "ما خير الشارع المكلف من فعله وتركه". وقد جاء بالتعبير القرآني بمادة "الحل" مثل: "أحل لكم من الطيبات" و"اليوم أحل لكم ما وراء ذلكم".

 

أو جاء برفع الإثم، أو الجناح، أو الحرج مثل: "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم" أو "فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما في ما افتدت به" أو (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) أي: خطبة المتوفى منها زوجها، أو (ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج) أي: في ترك الجهاد، وما ليس يقدر عليه بديناً.

 

كما تعرف الإباحة بصيغة الأمر مع القرينة الصارفة عن الوجوب إليها، إذ الأمر –أساساً- للوجوب، كقوله: "وإذا حللتم فاصطادوا" أو كقوله: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض" أو "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض".

 

كما تعرف الإباحة باستصحاب الأصل، بناء على أن الأصل –في الأشياء- الإباحة، بدليل قوله تعالى: ((هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً))، وذلك كحل أكل ما عدا ما جاء في النص بتحريمه، كالميتة والدم ولحم الخنزير والمذبوح لغير الله، وكل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير، وكما مر حكم المباح أنه لا ثواب ولا عقاب على فعله أو تركه، وقد وقع الاختلاف في مسائل معدودة من مثل: هل الإباحة من الأحكام الشرعية، وهل المباح داخل تحت التكليف.......

 

هذا وذهب الشاطبي في الموافقات إلى أن هناك مرتبة (العفو) وهي بين الحلال والحرام وخارجة عن الأحكام الخمسة، واستدل لذلك بقوله –صلى الله عليه وسلم: "إن لله فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" رواه الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني، وهو حديث حسن، وقال ابن عباس –رضي الله عنهما- : "ما لم يذكر في القرآن فهو مما عفا الله عنه". كما جاء نصوص تدل على العفو في الجملة دون الخصوص كقوله تعالى: ((عفا الله عنك لم أذنت لهم))، وثبت في الشريعة العفو عن الخطأ في الاجتهاد.

 

وأما الحرام فهو ما طلب الشارع تركه على وجه الحتم والإلزام، وهو ما يذم –شرعاً- فاعله: ويعرف طلب الترك –على سبيل- إما بمادة الفعل التي تدل على التحريم، كلفظ الحرمة، أو نفي الحل، مثل(وأحل الله البيع وحرم الربا) و(حرمت عليكم أمهاتكم) و(لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه) أو يعرف بصيغة النهي عن الفعل المقترن بما يدل على الحتمية نحو: "ولا تقربوا الزنا" و(لا تقتلوا أولادكم خشية...)

 

أو يعرف بالأمر بالاجتناب مقترناً بما سبق، مثل: "فاجتنبوا الرجس من الأوثان"، و(إنما الخمر والميسر و......فاجتنبوه)، أو بترتيب عقوبة على الفعل، مثل: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم نارا" و(السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما......) هذا وفعل الحرام يتناول كل شيء صادر عن الشخص سواء كان قولا (كالغيبة) أو عمل قلب (كالحسد) أو من أفعال الجوارح (كالسرقة) كما أن هناك حراماً لذاته، وحراماً لغيره، وهذا ما يكون مشروعاً في الأصل، واقترن به عارض اقتضى التحريم، كالصلاة بثوب مغصوب، والبيع وقت النداء لصلاة الجمعة، وصوم يوم العيد.