ما حكم سفر المرأة بغير محرم على المذاهب الأربعة
تاريخ الإضافة : 2011-12-24 00:00:00
هل يجوز للمرأة السفر –وحدها- في الطائرة، أو في صحبة نساء، خاصة إذا كان البلد قريباً؟

 الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذي اصطفى، وبعد:

 

استعراض ما جاء من نصوص تتعلق بسفر المرأة، وما قرر الفقهاء بهذا الشأن، أجدني
أمام ما يلي:

  • أولاً: لا يحل للمرأة أن تسافر سفراً طويلاً تقصر في مثله الصلاة، إلا مع زوج أو محرم.
  • ثانياً: لا يجب على المرأة حجة الفرض إلا إذا اصطحبت معها زوجها أو محرماً لها، فإن عدما، ووجدت رفقة مأمونة، وجب عليها الخروج معهم، وهذا في حجة الفرض، أو الحج المنذور، عند الشافعية والمالكية.
  • ثالثاً: لا تعتبر في السفر وساطة النقل، أياً ما كانت، والمعتبر المسافة التي تقدر بأربعة بُرد، أو ثمانية وأربعين ميلاً، أو ثمانية وثمانين كيلو متراً، وهذه المسافة سواء قطعت على راحلة أو متن طائرة أو بسيارة، هي المعتبرة.
  • رابعاً: وقفت على من ذهب إلى جواز سفر المرأة دون الزوج أو المحرم أو الصحبة المأمونة بالطائرة، على أن يكون في بلد الوصول من يستقبل المسافرة، وبنى ذلك على أن بيئة الطائرة آمنة، لا يتصور فيها ما يخاف منه على المرأة، وربما استدل على ذلك بحديث الظعينة التي أخبر عنها الرسول –صلى الله عليه وسلم- أنها تأتي من الحيرة (مكان) إلى مكة تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله تعالى.

 

لا أستريح أمام الأحاديث التي نهت عن سفر المرأة بلا محرم إلى هذا الرأي، خاصة وأن قضية الأمن في محيط الطائرة، والتي بني عليها الرأي ليست الوحيدة في السفر، بل هناك مسألة ما يمكن أن تحتاج إليه المرأة غير الدفاع عنها، كحالة إسعاف طارئ يستدعي حملاً ومساندة ومعاونة ومعاملات يتطلبها السفر مغادرة ووصولاً، والزوج أولى بالقيام بهذا من غيره من ركاب الطائرة أو الباخرة.

  • خامساً: قضية الضرورة في السفر تنظر بعين الاعتبار، مثل أن تضطر المرأة إليه، ولا يدخل فيه رحلة الصيف استجماماً، أو رؤية الأهل كل عام في أثناء الإجازة، ومع هذا الاضطرار لا تجد من يصحبها من زوج أو ولد يصلح محرماً، لأن الزوج له ظروف تمنعه من السفر، ولا يمكن التغلب عليها، ولا يدخل في هذه القضية تكاليف السفر، كأن تسافر دون زوجها الذي ليس هناك ما يمنع من اصطحابها سوى ثمن التذكرة أو نفقة المكوث في البلد المسافر إليها، فإذا كان المانع مالياً، فلا يسوغ سفرها، بل تؤجل حتى تتيسر النفقة.

 

إذا اعتمدنا جواز سفر المرأة دون محرم، معللين بموضوع الأمن الذي تشهده وسائط السفر لم يعد هناك إعمال للأحاديث الناهية عن السفر، وكأنها جاءت مقيدة بما يطرأ في السفر من عدوان على المرأة، حيث امتنع العدوان توقفت الأحاديث التي جاءت مطلقة حيث جاءت، ونظر الشريعة أعمق وأشمل وأدق، وقريب من هذا ربط قصر الصلاة أو الإفطار في رمضان للمسافر بالمشقة التي كان السفر عليها عموماً، والحال أن السفر هو العلة لأنها ظاهرة، أما المشقة فغير منضبطة، ولهذا لم تجعل علة للقصر أو لرخصة إفطار المسافر في رمضان.

 

وبعد هذا أعرض ما جاء من أقوال العلماء فيما يتصل بالأحاديث المتعلقة بسفر المرأة:

 

في فتاوى الدكتور مصطفى الزرقا –رحمه الله تعالى-  ص276 جواب على: هل سفر المرأة بالطائرة –دون محرم- جائز: (سفر المرأة –وحدها- بالطائرة، دون محرم أو زوج، لا مانع منه، وهو ضرورة، إذا كان في مكان وصولها محرم أو زوج، لأن الطائرة لا تقاس على السيارة، ومثلها القطار، فهما (أي الطائرة والقطار) للركوب الجماعي، تحت نظام ورقابة موظفين يحصل معهم الاطمئنان، ما دام يوجد من يستقبلها عند وصولها.

 

وقد سئل –رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمرأة أن تركب مع سائق أجنبي السيارة؟

فأجاب: (مقتضى ظاهر النصوص الفقهية والقواعد أنه لا يجوز للمرأة أن تركب السيارة وحدها مع سائق أجنبي، لكن يبدو لي أن الحالة اليوم تختلف بالنسبة لسيارات الأجرة في داخل البلد، فهي ضرورة لا يستغنى عنها في المواصلات، فأرى أنه لا مانع منها، أما خارج البلد فلا، ما لم يكن معها ركاب آخرون).

 

وفي الفقه الاسلامي وأدلته، للدكتور الزحيلي(3/35) في موضوع "الحج" نجد أن هناك شروطاً خاصة بالنساء تتعلق بوجوب الحج عليهن، ومنها: أن يكون معها زوجها أو محرم لها، فإن لم يوجد أحدهما لا يجب عليها الحج، وهذا –أي الشرط- متفق عليه، للحديث الشريف: (لا تسافر المرأة ثلاثة إلا ومعها ذو محرم) متفق عليه عن ابن عمر – رضي الله عنهما- وللحديث (لا تحج امرأة إلا ومعها زوجها) رواه الدارقطني وصححه ابن عوانة.

 

وقد أوجب الشافعية الحج على المرأة -مع نسوة ثقات- لا مع واحدة فقط، وكذا المالكية مع رفقة مأمونة من النساء فقط،  أو المجموع –أي رجال ونساء- من الجنسين.

 

والمحرم من حرم عليه نكاح المرأة على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة، وعليه فزوج الأخت وزوج العمة ليسا محرما لأن حرمة كل منهما ليست التأبيد.

 

ويلاحظ –هنا- أن الخلاف بين الشافعية والمالكية وبين باقي الفقهاء، محصور في سفر الفريضة، ومنه سفر الحج، ولا يقاس عليه سفر الاختيار بالإجماع، فعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "....... ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إن لي امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ فقال: انطلق، فحج مع امرأتك" الحديث متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 

قال الباجي: "أما سفرها في التطوع فلا يجوز إلا مع زوج أو محرم" في مواهب الجليل والمنتقى شرح الموطأ.

 

وألحق المالكية بالحج سفرها الواجب، حيث وجب، فيجوز لها أن تسافر مع الرفقة المأمونة من النساء الثقات في كل سفر يجب عليها.

 

هذا، ولم يقل الحنفية ولا الحنابلة بجواز سفر المرأة دون محرم إلى الحج كما ذهب المالكية والشافعية.

 

وقرر الفقهاء متفقين أن على المرأة إذا أسلمت في دار الحرب لزمها الخروج منها إلى دار الإسلام، وإن لم يكن معها ذو محرم، وكذا إذا أسرها الأعداء، وأمكنها الهرب من أسرها هرباً منهم، فلها –في هذا- أن تنطلق مع غير ذي محرم أو دونه، وللحنفية ملحظ دقيق هنا، هو أن خروج المرأة في هذه الحال لا يعتبر سفراً، لأنها لا تقصد مكاناً معيناً، بل مطمحها النجاة خوفاً من الفتنة، فقطعها المسافة – مهما كانت- كقطع السائح، كما قال الكمال بن الهمام.

 

  • سادساً: نرى أن الفقهاء اتفقوا ابتداءً على أنه يحرم على المرأة أن تسافر بمفردها، وأنه لا بد من وجود محرم أو زوج معها، وبنوا ذلك على أحاديث منها قوله –صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم" رواه البخاري من حديث أبو هريرة –رضي الله عنه- كذلك حديث ابن عباس –مرفوعاً-: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال: أخرج معها" رواه البخاري.

 

وقال الفقهاء –كما قدمنا-: ويستثنى من منع سفر المرأة دون زوج أو محرم المهاجرة والأسيرة.

 

أما حديث الظعينة الذي عرضنا له، ففي البخاري – باب علامات النبوة في الاسلام- عن عدي بن حاتم –رضي الله عنه- ..... وفيه يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله".

 

قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيء الذين سعروا البلاد؟!.... ثم قال عديٌ: "فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله" ومعنى "سعروا" أوقدوا نار الفتنة، وملأوا الأرض شراً وفساداً، وكانت قبيلة طيء ما بين العراق والحجاز، وكانوا يقطعون الطريق على من مر بهم، ولذا تعجب عديٌ إذ كيف تمر المرأة عليهم وهي غير خائفة.

 

قال ابن حجر: "فاستدل به بعض الناس على جواز سفر المرأة بغير محرم، ألا ترى أن دعار طيء ما انعدم وجودهم، وأن لسنا بالمستوى الأمني الذي جعله –عليه الصلاة والسلام- مفخرة للإسلام وثمرة لاستقرار الأحكام الشرعية والتزام المجتمع بها.

 

واستدل العلماء على سفر المرأة السفر اليسير –وهو دون مسافة القصر- بغير محرم، بحديث أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنهما- وفيه قالت: "كنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي، وهو مني على ثلثي فرسخ.

 

أما خروج المرأة في حج التطوع، وسفر الزيارة والتجارة، ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة، فبعضهم جوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات، كما في حجة الاسلام، لكن الجمهور على أنه لا يجوز إلا مع زوج أو مع محرم، وهذا هو الصحيح للأحاديث الصحيحة.

 

ويكفي حديث الذي اكتتب في غزوة، وزوجته تريد الحج دليلاً على شرط وجود المحرم أو الزوج في سفر الفرض، إذ لو لم يكن شرطاً لما أمر الرسول زوجها بالسفر معها وتركه الغزو الذي اكتتب فيه.

 

وختاماً قال النووي: "ليس المراد من التحديد –تحديد السفر بليلة أو يوم أو يومين أو ثلاثة– ظاهره، بل كل ما يسمى سفراً فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم، وإنما دل التحديد على أمر واقع، فلا يعمل بمفهومه. وقد جاء الحديث بإطلاق السفر من التحديد "لا تسافر المرأة......."، وجاء حديث بالتقييد "مسيرة يومين"، وحديث ثالث "بمسيرة يوم وليلة"، ورابع مقيداً بثلاثة أيام، وأكثر العلماء عملوا بالمطلق لاختلاف التقييدات.

 

ونختم بما بينه الإمام النووي أن المرأة مظنة الطمع فيها، ومظنة الشهوة، ولو كانت كبيرة، وقد قالوا: "لكل ساقطة لاقطة، ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم، من لا يترفع عن فاحشة وغيرها لغلبة شهوته، وقلة دينه ومروءته، ولخيانته.

 

وعموماً فالشريعة المطهرة حمت المرأة وصانتها ودافعت عنها، وأحاطتها بسياج من الإكرام الذي ربما لا يروق لمن رق دينها معناه، بل ربما قالت القائلة: "لا نريد أن يتعامل مع المرأة على أنها جوهرة نفيسة غالية ومحمية"، نريد الانطلاق كما نريد. وهذا مرده قصر النظر واتباع الهوى، وضحالة خبرة بالنفوس، وتمرد نفس أمارة لا نعدم وجودها.