ما الصواب في مسألة كون النبي - عليه الصلاة والسلام - لا...
تاريخ الإضافة : 2012-08-30 03:29:29
ما الصواب في مسألة كون النبي- عليه الصلاة والسلام - لا يعرف القراءة والكتابة ؟

بداية أذكر نصين لهما علاقة وثيقة بمسالة " الأمية "ثم أعقب بما جاء من معاني " الأمية " ثم أسوق جملة مما قاله العلماء بشأن " أمية الرسول ومعناها " عليه الصلاة والسلام ، ثم اختم بتحديد المعنى الذي نعتمده جراء المتابعة لأقوال العلماء .النص :

قال تعالى: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) من سورة الأعراف .

وقال : "وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) من سورة العنكبوت . " و لا تخطه " أي : لا تكتبه ، إذ يعبر عن الكتابة بالخط. قوله تعالى: "الأمي" هو منسوب إلى الأمة الأمية، التي هي على أصل ولادتها، لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها؛ قال ابن عزيز. وروي في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)."والأُمِّيُّ: نسبةً إلى الأم، والإِنسانُ إذا خَرَجَ مِن أُمِّهِ فهو لا يَعلمُ شيئاً"وفيالموسوعة الفقهية(وأرسل اللّه إليهم رسولا أمّيّا لم يكتب كتابا،ولم يخطّه بيمينه،ولا عرف أن يقرأ شيئا ممّا كتبه الكاتبون ) من ذهب إلى أن الآية تقطع بأنه- عليه الصلاة والسلام- لا يقرا ولا يكتب ، وهذا من مظاهر الإعجاز قال النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال : اقرأ قلت : ما أنا بقارئ" فسيدنا محمد {صلى الله عليه وسلم} ، كان رجلاً أمياً، نشأ بين قوم أميين أربعين سنة من عمره، لم تظهر عليه فيها أمارات من علوم ومعارف تقارب ما جاء به القرآن والسنة، ثم يطلع علينا بين عشية وضحها فيكلمنا بما لا عهد له به، ويبدى لنا من أخبار تلك القرون الأولى ما أخفاه أهل العلم فى كتبهم، وحجبوه عن الناس. أفى مثل هذا يقول الجاهلون إنه استوحى عقله واستلهم ضميره؟  فحرم الله عليه الكتابة وقول الشعر وتعليمه، تأكيدا لحجته وبيانا لمعجزته قال الله تعالى: "وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك" [العنكبوت: 48]ويؤكد هذا المعنى أن أول ما نزل من الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم قول جبريل عندما جاءه في غار حراء : "اقرأ" فقال : "ما أنا بقارئ "أي أ نَّى لي أن أعرف القراءة وهو عين ما أشارت إليه نبوءة أشعياء، وهي: يقول سفر اشعياء 29: 12 في نبوءة عن شخص يتلقى الوحي وهو لا يستطيع القراءة "وَعِنْدَمَا يُنَاوِلُونَهُ لِمَنْ يَجْهَلُ الْقِرَاءَةَ قَائِلِينَ: اقْرَأْ هَذَا! يُجِيبُ: لاَ أَسْتَطِيعُ الْقِرَاءَةَ "" إذا تعطيه إلى شخص لا يستطيع القراءة وتطلب إليه أن يقرأه عليك سيجيب بأنه لا يعرف كيف " هذا ،وقد استمر نزول القرآن على النبي (صلى الله عليه وسلم) في شتى المناسبات طوال بعثته، فكان يتلقى الوحي من الملك جبريل فيردد ما يسمع بلا تردد تماما كما جاء في نبوءة أشعياء السابقة، وكما جاء في عبارة سفر التثنية: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به" (تثنية 18/18)، فتأمل عبارة "وأجعل كلامي في فمه"، وكذلك عبارة إنجيل يوحنا: "وأما متى ما جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يوحنا 16/ 13) .

 

وتأمل أيضا كيف تتطابق هذه المعاني مع ما جاء في القرآن:(وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت : 48]  " قال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يخط ولا يقرأ؛ فنزلت هذه الآية؛ قال النحاس: دليلا على نبوته لقريش؛ لأنه لا يقرأ ولا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب ولم يكن بمكة أهل الكتاب فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم وزالت الريبة والشك. وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب؛ قال الله تعالى: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك" [العنكبوت: 48].

 

 ويقول الشاعر:  كفاك بالعلم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم . وللعلماء كلام في الأدلة المذكورة، ولهم آراء في تفسير الآيات التي تعرضت لموضوع الأمية.وكذا في تفسير علماء اللغة الأمي: من لا يكتب، أو الجافي القليل الكلام. قيل له: أُمي لأنه على ما ولدته أمه عليه من قلة الكلام وعجمة اللسان، أو الجهل التام بالقراءة والكتابة. "لأن أمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب"؛ أو لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة أو عديمة، أو الأمي الذي على خلقة الأمة، لم يتعلم الكتاب، فهو على جبلته. وقد ورد في الحديث: "إنا أمة أمية لا نكتب"، أو "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"، أو "بعثت إلى أمة أمية"، فذهبوا إلى أن العرب كانوا على أصل ولادة أمهم، لم يتعلموا الكتابة ولا الحساب، فهم على جبلتهم الأولى. "وكل شيء للعرب، فإنما هو بديهة وارتجال... ثم لا يقيده على نفسه ولايدرسه أحدًا من ولده. وكانوا أميين لا يكتبون" وقد وردت في القرآن الكريم لفظة "الأمي"، و"أميون"، و"أميين"، ونعت الرسول بـ"النبي الأمي"، وردت في سور مكية وفي سور مدنية. وردت لفظة "الأمي" في سورة الأعراف، وهي من السور المكية، ووردت لفظة "أميون" و"الأميين" في سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة الجمعة، وهي من السور المدنية.

 

ويلاحظ أن الآيتين المكيتين، خاصتان بالرسول، فنعت فيهما بـ"النبي الأمي"، أما الآيات المدنية، فقد قصد بها "الأميين"، الذين ليس لهم كتاب: بمعنى المشركين.وقد بحث "الراغب الأصبهاني" في معنى "الأمية" فقال: "والأمي: هو الذي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب وعليه حمل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: الآية 2]. قال قطرب: الأمية: الغفلة والجهالة. فالأمي منه، وذلك هو قلة المعرفة. ومنه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} ، أي: إلا أن يتلى عليهم. قال الفراء: هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب. والنبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، قيل: منسوب إلى الأمة الذين لم يكتبوا لكونهم على عادتهم. كقولك: عامي لكونه على عادة العامة. وقيل: سمي بذلك لأنه لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب، وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه واعتماده على ضمان الله منه بقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الأميين من لا كتاب لهم من الناس، مثل: الوثنيين والمجوس، قال الطبري في تفسير الآية: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} 7: "يعني بذلك جل ثناؤه، وقل يا محمد للذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى والأميين، الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب أأسلمتم ". وذهب كثير من المفسرين إلى أن الأميين الذين لا كتاب لهم، أي: الذين ليسوا يهودًا ولا نصارى. قال الطبري: "وكان النبي -صلى الله علية وسلم- يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم،ولما ظهروا عليهم فرح الكفار بمكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب". فالمسلمون أهل كتاب، والمجوس أميون كمشركي مكة وبقية العرب المشركين، لا لكونهم لا يقرؤون ولا يكتبون، بل لأنهم لم يؤمنوا بالتوراة والإنجيل.

 

ويلاحظ أن الآية: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ} ، والأية: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} ؛ والآية: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} وكذلك: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} لا تؤدي معنى الأمية، بمعنى الأمة الجاهلة بالقراءة والكتابة، لعدم انسجام التفسير مع المعنى، وإنما تؤدي معنى وثنية، أي: أمة لم تؤمن بكتاب من الكتب السماوية، أي: في المعنى المتقدم.

 

وهناك من ذهب إلى أنه- عليه الصلاة والسلام- علّم القراءة والكتابة ، وقالوا: إن هذا لا يتعارض مع ما جاء من آيات تشير إلى أنه لم يكن " يتلو من كتاب ، أويخطه بيمينه " وفسروا " الأمية بانها نسبة إلى " أم القرى " مكة "ذكره النحاس ،وذكروا حديثا رواه البخاري عن البراء بن عازب في عمرة القضاء ، وفيه: « ... فلما كتب الكتاب، كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، قالوا: لا نقر لك بهذا، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا، ولكن أنت محمد بن عبد الله، فقال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ثم قال لعلي: «امح رسول الله» قال علي: لا والله لا أمحوك أبدا». فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم الكتاب، وليس يحسن يكتب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله» انظر: فتح الباري 9/ 44. وذهب " الباجي " من العلماء إلى ذلك ، ولما شكي " الباجي " إلى الأمير في زمانه ، قال له يوضح وجهة نظره فيما ذهب إليه: «هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن، لأنه قيد النفي- أي: قوله- تعالى- " وما كنت تتلو من قبله من كتاب "بما قبل ورود القرآن، وأما بعد أن تحققت أمّيته، وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك، فلا مانع من أن يعرف الكتابة من غير معلم، فتكون معجزة أخرى له، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا» هذا ، وقال بعض المتأخرين ردا على ذلك: من قال هي آية خارقة فيقال له: كانت تكون آية لا تنكر لولا أنها مناقضة لآية أخرى وهي كونه أميا لا يكتب؛ وبكونه أميا في أمة أمية قامت الحجة وأفحم الجاحدون وانحسمت الشبهة فكيف يطلق الله تعالى يده فيكتب وتكون آية ، وإنما الآية ألا يكتب والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا وإنما معنى كتب وأخذ القلم؛ أي: أمر من يكتب به من كتابه ، وكان من كتبة الوحي بين يديه صلى الله عليه وسلم ستة وعشرون كاتبا ، قال الله تعالى ولا تخطه بيمينك وهذا لان الكتابة قد تضاف إلى الامر بها عادة وان لم يكتب بنفسه ، و دلالة معجزة القرآن وما تتضمنه من دلالة أمية الرسول صلى الله عليه وسلم من نحو قوله تعالى : (وما كنت تتلو من قبله من كتاب) والرسول أمي، لم يقرأ ولم يكتب، فإذا أراد كتابة رسالة أو عهد أو تدوين للوحي، أمر كتابه بالتدوين. على ذلك أجمع المسلمون . وقيل لسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الأمي لأنه لا يكتب ولا يقرأ من كتاب، وكانت هذه الخلة إحدى آياته المعجزة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - تلا عليهم كتاب الله منظومًا تارة بعد أخرى، بالنظم الذي أنزل عليه، فلم يغيره ولم يبدل ألفاظه، فعبر بذلك تعبيرًا مبينًا عن معنى عدم القراءة والكتابة، بأفصح عبارة، فقال: { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينك .

 

  هذا ، وعقد أحد العلماء فصلا في كتابه قال فيه : فَصْلٌ : فَأَمَّا مَا خُصَّ بِهِ مِنْ حَظْرٍ صلى الله عليه وسلم فَخَمْسَةُ خِصَالٍ : مِنْهَا : قَوْلُ الشِّعْرِ للرسول صلى الله عليه وسلم ، وَرِوَايَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [ يَس : 69 ] ،وَمِنْهَا الْكِتَابَةُ وَالْقِرَاءَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [ الْعَنْكَبُوتِ : 49 ] .

وفي المجموع للنووي : وحرم عليه أشياء لم يحرمها على غيره تنزيها له وتطهيرا، فحرم على الكتابة وقول الشعر وتعليمه تأكيدا لحجته وبيانا لمعجزته: قال تبارك وتعالى (وما كنت تنلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون)  وفي تفسيرالتحرير :" وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ " ومعنى : { ما كنت تتلو من قبله من كتاب } أنك لم تكن تقرأ كتاباً حتى يقول أحد : هذا القرآن الذي جاء به هو مما كان يتلوه من قبل ، و { لا تَخُطُّهُ } أي لا تكتب كتاباً ولو كنت لا تتلوه ، فالمقصود نفي حالتي التعلم ، وهما التعلم بالقراءة والتعلّم بالكتابة استقصاء في تحقيق وصف الأمية فإن الذي يحفظ كتاباً ولا يعرف يكتب لا يُعدّ أمياً كالعلماء العمي ، والذي يستطيع أن يكتب ما يُلقى إليه ولا يحفظ علماً لا يُعدّ أمياً مثل النُسَّاخ فبانتفاء التلاوة والخط تحقق وصف الأمية .

وقوله { إذن } جواب وجزاء لشرط مقدّر ( بلو ) والتقدير :" لو كنت تتلو قبله كتاباً أو تخطه لارتاب المبطلون " .     وقد ناصر قوم ما ذهب إليه الباجي، واحتجوا له بما أخرجه ابن أبي شيبة، وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه، قال: «ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى كتب وقرأ» قال مجاهد: فذكرته للشعبي، فقال: صدق، قد سمعت من يذكر ذلك. قال الحافظ الذهبى فى طبقات الحفاظ ما المانع من جواز تعلم النبى الكتابة بعد أن كان أميا لا يدرى ما الكتابة.

وذكر النقاش أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات حتى كتب، والأول هو المشهور    وقال- صلى الله عليه وسلم- : "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" أراد أنه على أصل ولادة أمهم، لم يتعلموا الكتابة والحساب، فهم على جبلتهم الأولى ، أوبالعلم والفضل والإمامة؛ كذلك استدل أيضًا ببعض ما ورد في كتب الحديث والسير، وفيه ما يفيد أنه كان ملمًّا بالقراءة والكتابة، كالذي ورد في صلح "الحديبية" أنه "هو الذي كتب الكتاب بيده الشريفة. وهو ما وقع في البخاري".وقد ذكرته سابقا ، وما جاء في السيرة لابن هشام: "فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكتب الكتاب هو وسهيل". وما جاء في البخاري: "وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم" الكتاب ليكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد". وقالوا: إن في هذا المذكور وفي غيره من مثل ما ورد من إن الرسول "لما اشتد وجعه، قال: "ائتوني بالدواة والكتب أكتب لكم كتابًا لا تضلون معه بعدي أبداً" ، ومثل ما ورد "في حديث أبي بكر -رضي الله عنه- أنه دعا في مرضه بدواة ومزبر فكتب اسم الخليفة بعده ، دلالة صريحة على قدرته على الكتابة والقراءة . على أن المسألة ليست قطعية بل مستندها ظواهر أخبار أحاد صحيحة ، غير أن العقل لا يحيلها وليس في الشريعة قاطع يحيل وقوعها،وإن كان الوقوف مع ما دلت عليه الآية الكريمة حيث نفت عنه أن يكتب أو أن يقرأ ، وبقاؤه على ذلك يدعم مسألة الإعجاز ، إذ هو " أمي " وعلّم العالم كله !