بسط القول في محبة آل البيت وحدود وآفاق ومظاهر هذه...
تاريخ الإضافة : 2012-10-29 06:34:39
بسط القول في محبة آل البيت وحدود وآفاق ومظاهر هذه المحبة ....

محبة آل البيت حدود وآفاق ومظاهر

باديء ذي بدء أقول : الحب عاطفة نبيلة ، بها يطيب السلوك ويوجه ، لها أسبابها المتعددة ، وقد أجملها أناس في " الحسن والإحسان " وهذه العاطفة لاتضبط كميتها ، إذ تتاثر بأسبابها ، تقوى وتضعف ، تبرد وتحر ، وتفور وتهدأ ، ويضبط ما تثمره من أقوال وأفعال ،ولا يعقل - هنا - أن يدعي أحد محبة تقود إلى مخالفة من أحب ، وعليه ، فالضابط المتين اللاجم لهذه العاطفة أن تشتط هو مراعاة محاب المحبوب ،وترسّم سيرة المحبين الضابطين لهذه العاطفة .

- قبل الدخول في خضم الموضوع أسوق ما وقفت عليه من مستخلصات الباحثين من العلماء بصورة فقرات مركزة لعلها تعتبر معالم رئيسة في الموضوع تتجلى في :

- أن مفهوم آل البيت في القرآن الكريم صادق على كل مؤمني بني هاشم إضافة إلى أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن- .

فمن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: زوجاته، وأقاربه من بني هاشم ، مثل : علي بن أبي طالب والحسن والحسين والعباس والفضل بن العباس، فهؤلاء هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نص القرآن الكريم في سورة الأحزاب على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته ، فذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}  وهذا حديث العباس يشير إلى أن بني هاشم هم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم،  وفيه أنه قال له- وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم- فقال: "والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي" .وهذا حديث على وجهه: أن المسلم لا يحقق الإيمان إلا بمحبة آل البيت، كما تقول: إن من خصال الإيمان الواجبة صلة الرحم، فمن خصال الإيمان الواجبة محبة آل البيت، فقاطع الرحم يسمى فاسقاً، ومن لم يحب آل البيت يسمى فاسقاً.

- وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم منزلة إذا كانوا من المؤمنين أكثر من منزلة بقية المؤمنين؛ لأنهم يجمعون أمرين: الأمر الأول: الإيمان ، و الثاني: القرابة. وهذا هو المنهج الحق فيما يتعلق بآل البيت، فنحن نحب آل البيت، فنعطيهم حقهم من المحبة والولاية والنصرة، ولكن لا نغلو فيهم ، والمقصود أهل الإيمان منهم، أما أهل الكفر فإنا لا نحبهم، بل نبغضهم، لوجود الأدلة الصريحة في بغضهم، ولوجود مثال واضح وهو أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل يقول: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} .

- أن الحديث عن آل البيت في القرآن الكريم لا يشكل الثلث كما تقول الشيعة بل أقل من ذلك بكثير جدا

- أن أمهات المؤمنين هن أكثر آل البيت ذكرا في القرآن الكريم سواء في جانب الفضائل أو جانب الأحكام .

- لم يخص أحد من آل البيت-رضي الله عنهن - بأحكام في القرآن غير أمهات المؤمنين .

- لا يوجد دليل قرآني يدل على وجوب محبة آل البيت على جهة الاستقلال أما تبعا للنبي صلى الله عليه وسلم فموجود ، وعليه فقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقاً، فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم، ويظن أنه من التوحيد، بل هو من الغلو، كما من الغلو ما ينسب أناس إليهم من صفات " كالعصمة " مما يتعارض مع ما ثبت بالنصوص من ان العصمة للأنبياء عليهم السلام وحدهم .

- لا توجد فضيلة خاصة في آية من القرآن لعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم سوى في آية المباهلة، وما عدا ذلك لا يصح قطعا ، على أن ذكرهم في آية المباهلة اقتضاها مضمون المباهلة نفسه ، لأنه لا يتصور أن يباهل الإنسان أحداً على أمر ليقول له : عدمت ابن جارنا إن لم أكن مصيبا ، وإنما يباهل على نفسه ومن يكون أشد لواذا به ، وقد كان القرآن دقيقاً حيث جاء فيه نصان ، الأول قوله- تعالى-  : " يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ *وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ *وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ *لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ " فقد قدم الأخ في سياق الفرار ، لأن الأخ يستند إليه في المدافعة ، وفي سياق الحديث عن الافتداء من العذاب جاء ذكر الابن ، لأنه ملك لأبيه ،كما في قوله- تعالى- : " يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ *وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ *وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُئْوِيهِ *وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ *كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * "

- لا يوجد دليل قرآني على عصمة أحد من آل البيت ، أو على استحقاق أحد منهم للخلافة ، أو على أنهم مغفورو الذنوب إلا بما جاءت به الشريعة في هذا الشأن .

- إن القرآن الكريم يثبت حقاً مالياً لأهل البيت يتمثل في جزء من خمس غنائم الجهاد والفيء فقط .

- القرآن الكريم يحث آل البيت على التحلي بأعلى درجات التقوى ، وعند ذلك يضاعف أجرهم . 

- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لبريدة: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه " رواه أحمد في مسنده ، والموالاة هنا على معنى المحبة بالاتفاق ، ولورودها بهذا المعنى في نصوص كثيرة ، وموارد متعددة ، وسبب الحديث الذي يكشف عن المعنى بقوة ما كان من بريدة- رضي الله عنه- كما رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن بريدة قال: غزوت مع علي فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت علياً فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تغير، فقال قولته السابقة .

-  كذلك الأحاديث الواردة في الغدير لا تدل على أكثر من محبة على رضي الله عنه وموالاته لما عرف عن المنافقين بغضهم له ؛ ولذا جاء في الحديث " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " . انظر: صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/86)، حديث (131).

- " وأهل السنة من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب ، بل هم كلهم متفقون على أنه أجلّ قدراً, وأحق بالإمامة, وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه, وعلي أفضل من الذين أسلموا عام الفتح, وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من معاوية, وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم, وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة, بل هو أفضل منهم كلهم إلاّ ثلاثة ، وهم أبو بكر الصديق والفاروق عمر بن الخطاب وعثمان رضي الله عنهم ، فليس في أهل السنة من يقدم عليه أحداً غير الثلاثة, بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان, وعلى السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار" (انظرمنهاج السنة 4 / 396.) 

 - عقيدة أهل السنة والجماعة في آل بيت رسول الله ؟.

 وكذلك عقيدتهم في آل بيت رسول الله لا تخرج عما أوصى به النبي ؟ وما كان عليه السلف الصالح من محبة آل البيت ومودتهم ورعاية حقوقهم.

- كل ذلك على المنهج الشرعي؛ بلا تقصير كما فعلت الخوارج الناصبة ومن وافقهم، ولا غلو كما فعلت الرافضة ومن سلك سبيلهم، فليس من حق آل البيت الغلو فيهم، ولا اعتقاد قداستهم، ولا عصمتهم.

- ورعاية حقوق آل بيت رسول الله ؟ مشروطة بشروطها وهي استقامتهم على منهاج النبوة، أما من خرج عن الحق والسبيل فلا حق له. وقد قال القائل الموفق :«ربحتُ الصحابة.. ولم أخسر آل البيت»!   

- لم يكن موقف أهل السنة من محبة آل البيت محصوراً في الإمام علي- رضي الله عنه- بل إن أهل السنة يحبون ويوقرون كل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من غير غلو, ويبغضون من يكرههم, كما يتضح من قول ابن تيمية في شأن قتلة الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما ، إذ يقول في ((مجموع الفتاوي)):- وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله, أو رضي بذلك, فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. ويقول أيضاً: والحسين رضي الله عنه قتل مظلوماً شهيداً, وقتلته ظالمون معتدون .

فمكانة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة والجماعة مكانة رفيعة ، وكتبهم ممتلئة بمناقبهم وفضائلهم .  

- يحب أهل السنة كلهم  أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتولونهم ، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: "أذكركم الله في أهل بيتي " رواه مسلم.وقد- سئل ابن تيمية- كما في مجموع الفتاوى-  عن محبة آل البيت فقال: محبتهم عندنا فرض واجب, يؤجر عليه … ومن أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.

- قصر مفسرو الشيعة مصطلح أهل البيت على نفر يسير لا يتجاوز بضعة عشر نفسا ، علما ان نصوصاً قرآنية تناولت ذكر الأهل على معنى " زوجة الرجل " كما في قوله- تعالى- : " وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى  * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى " أكان مع موسى عليه السلام صهره وزوج ابنته ؟

وقوله: " وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ومعلوم أن المقصود بالأهل بيوت أ زواج النبي عليه الصلاة والسلام ، أفيسمي الله أزواج النبي أهله ، ويأتي الجاهل باللغة ، بدافع الهوى ، لينفي أن تكون أزواج النبي خارج نطاق أهله عليه الصلاة والسلام ؟!

- تناول كثير من مفسري الشيعة الآيات القرآنية بمقررات سابقة فطوعوها خدمة لعقائدهم ، ومما سقطوا فيه في ميدان التصور ، ودعوا إليه الناس ، أنه لا يتم الولاء لعلي إلا ببغض الشيخين هذه مقدمة باطلة أجمع عليها المسلمون إذا استثنينا هؤلاء المبغضين لأهل السنة! .

- لم يلحظ على مفسري الشيعة أي دقة في تخريج الأحاديث أو الحكم عليها - ومعلوم أن محبة آل البيت جزء من الإيمان لا يتم إيمان المرء إلا بها . على أن محبة المؤمن للمؤمن مما دعت إليه الشريعة بعقد الإيمان ..                                                                      

  تابع لما سبق :

- ويكفي ما أسلفت على أنه إذا عنّ أمر سقته حيث عنّ ، ولأبدأ بما نحن بصدده :

لايقبل أي سلوك يدعيه محب على أنه دليل على محبته يرفضه الشرع المعصوم ، ومن أمثلة ذلك الإعراض عن سور أنزلها الله تعالى لتتلى وتتدبر، فإذا بأناس يقفزون عنها ، وكأنها ليست من القرآن ن بحجة أنها تتعارض مع المحبة ، ويا عجبا من هذه المحبة الغافلة التي تنبع من قلب ضيق الأفق ، يسلك مسالك الهوى الذي ينعى دون أن يدري على وجود هذا الذي أعرض عنه ، وهل إذا أراد ختمة - يا ترى - يقفز كذلك ، علما أن الفقهاء " كرهوا ترك سورة بين سورتين عمدا ، فكيف إذا هجرت سورة حتى الموت الحسي الذي هو دون هذا الموت المعنوي ! لا أستبعد أنه يدخل في من شكا منهم الحبيب ،: " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا " إذ لا فرق بين ترك سورة أو أكثر،  وإذا كان الله- تعالى- قد أثنى على الذين يتناولون القرآن بإيمان صادق ، فقال : " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " وأما الذين يتلقون القرآن انتقاء فهؤلاء نعى كتاب الله عليهم ، فقال : " وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلُ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ " ثم إذا كان الله تعالى - الذي يكرم رسوله قد أنزل قوله : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ " وأنزل قوله  " عَبَسَ وَتَولَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى "  

- وقد بين العلماء عمق دلالة النصين على صدق الرسالة ، وروعة تناولها للقضايا الإنسانية ، وأن القرآن كلام الله تعالى ، لا يد فيه للرسول- عليه الصلاة والسلام-  سوى التلقي والتبليغ ، فكيف يأتي أناس قد ركبوا ظهور هواهم وأخذوا يركضون وراءه على أنه من علامات المحبة ، وقد أعرضوا بالتدقيق عن كثير من الأدلة التي ساقتها الشريعة أدلة صادقة على " المحبة "!                                                                                                                               

- ثمة نصوص نتعرف من خلالها إلى كثير مما ولو غاب عنا لهوينا في مهاوي الغلو ، والإفراط ، على أنه من الثوابت التي لا يقدر الغلو مهما اوتي من قدرة على الوضع ، ومهارة في تزوير النصوص أن يتجاوزها إلا ممن عميت بصيرته ، فيحتاج إلى كحل الإنصاف ، ومن هذه الحقائق : ثبوت بشرية الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- وأنهم تميزوا بما خصهم الله به ، وبما منّ عليهم خصائص تتعلق بما هم عليه من النبوة ، وأن هذه الخصائص مهما كثرت ، وعظمت ، لا تخرجهم عن البشرية بحال.

- والتوحيد في سطر" لا إله إلا الله محمد رسول الله " قرره عليه الصلاة والسلام أروع تقرير ، وحماه حماية رائعة من كل ما يخدشه،وثبت آثاره في السلوك أقوالاً وأفعالاً ، ومن هنا وقف الرسول- عليه الصلاة والسلام- في وجه النفس التي يحملها أحياناً شدة الحب إلى المغالاة في محبوبه موقفاً واضحا لم يأذن فيه لأحد بتاويل قد يتراخى مع الزمان فإذا بالبنيان الراسخ الشامخ الذي بناه في عالم التصور تناله فؤوس الترخص ، وتعدو عليه عوادي الانحراف ! ، ونحن نعلم أن من السنة " التقرير" ولهذا لما سمع الرسول عليه الصلاة والسلام تعبيراً لا يليق بالتوحيد الذي جاءت به الرسالة بادر ينكر على القائل بالأسلوب " همزة إنكار " ومضمون خطير رصده من التعبير ، فمحبة الغلو والإطراء يرفضها الرسول صلى الله عليه وسلم ،إنه لما قال له رجل: (يا رسول الله! ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله نداً؟! قُل: مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ).

- وحديث آخر: ( قام خطيب فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الخطيب أنت )

- وسدد هذا المسار بمثل قوله: ((لاَ تَقُولُوا: مَاشَاءَ اللَّهُ وشَاءَ فُلانٌ، وَلَكِن قُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ مَا شَاءَ فُلاَنٌ)).

- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ ، وَأَحِبُّونِي لِحُبِّ اللَّهِ ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي .

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : " الشِّرْكُ أَخْفَى فِي أُمَّتِي مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَأَدْنَاهُ أَنْ تُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الجَوْرِ أَوْ تُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ العَدْلِ وَهَلِ الدِّينُ إلاَّ الحُبُّ فِي الله وَالْبُغْضُ فَي الله "

- قَالَ الله تَعَالَى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله)

 

وقال : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى " وقوله :" لا يجرمنكم " أي : لا يحملنكم .

- ومما أورده ابن القيم في كتابه " بدائع الفوائد " يكشف عما يوقع في " الشطح " قال : لا تستنكر استيلاء المحبوب على قلب المحب ، وغلبته عليه حتى كأنه يراه ، ولهذا تجدهم في خطابهم لمحبوبهم إنما يعتمدون خطاب الحضور والمشاهدة مع غاية البعد العياني لكمال القرب الروحي ... ومن كثفت طباعه فهو عن هذا كله بمعزل ! وإنه ليبلغ الحب ببعض أهله أن يرى محبوبه في القرب إليه بمنزلة روحه التي لا شيء أدنى إليه منها كما قيل: يا مقيما مدى الزمان

بقلبي وبعيدا عن ناظري وعياني

أنت روحي إن كنت لست راها فهي أدنى إلي من كل داني

وقال آخر: يا ثاويا بين الجوانح والحشا مني وإن بعدت علي دياره

وإنه ليلطف شأن المحبة حتى يرى أنه أدنى إليه وأقرب من روحه وهذه أبيات تلم بذلك:

وأدنى إلى الصب من نفسه وإن كان عن عينه نائيا

ومن كان مع حبه هكذا فأنى يكون له ساليا

ثم يلطف شأنها ويقهر سلطانها حتى يغيب المحب بمحبوبه عن نفسه فلا يشعر إلا بمحبوبه ،... ومن هنا نشأت" الشطحات " التي مصدرها عن قوة الوارد وضعف التمييز، فحكم صاحبها فيها الحال على العلم ، وجعل الحكم له ، وعزل علمه من البين ،  والمحفوظون حكموا فيها حاكم العلم على سلطان الحال ، وعلموا أن كل حال لا يكون العلم حاكما عليه فإنه لا ينبغي أن يغتر به ، ولا يسكن إليه إلا كما يساكن المغلوب المقهور لما يرد عليه مما يعجز عن دفعه ، وهذه حال الكمل من القوم الذين جمعوا بين نور العلم وأحوال من المعاملة فلم تطفئ عواصف أحوالهم نور علمهم ولم يقصر بهم علمهم عن الترقي إلى ما وراءه من مقامات الإيمان والإحسان ، فهؤلاء الراسخون بفضل الله تعالى في مدارج الترقي !ومن عداهم فمحجوب بعلم لا نفوذ له فيه ، أو مغرور بحال لا علم له بصحيحه من فاسده ، فالكامل من يحكم العلم على الحال ، فيتصرف في حاله بعلمه ، ويجعل العلم بمنزلة النور الذي يميز به الصحيح من الفاسد، لا من يقدح في العلم بالحال ، ويجعل الحال معيارا عليه وميزانا ، فما وافق حاله من العلم قبله ، وما خالفه رده ونفاه ، فهذا أصل الضلال في هذا الباب بل الواجب تحكيم العلم والرجوع إلى حكمه وبهذا أوصى العارفون من الشيوخ ، وحرضوا على العلم أعظم تحريض ، لعلمهم بما في الحال المجرد عنه من الغوائل والمهالك: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

- ثمة ميزان دقيق يتحكم في السلوك ، ولا يدع للعاطفة : سواء منها البغض أوالحب ، أن تتحكم فيما أوجبه الشرع من المعاملات الإسلامية ،فقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لقاتل أخيه زيد بن الخطاب: والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم ! فقال الأعرابى القاتل : أفتظلمنى حقى يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر : لا ! فقال الأعرابى: إنما يأسى على الحب النساء" أي مادام هذه العاطفة لا تؤثر في حقوقي فلا ابالي بحب أو بغض ، ولولا ان الكثيرين تتحكم عواطفهم في سلوكهم لما قال الاعرابي ما قاله لعمر !

- فمن باب العدل والإنصاف إذن أن نفرِّق بين محبة آل البيت واحترامهم

ونصرتهم ، وبين وضع أقوالهم ومواقفهم في ميزان الشريعة ، فما وافق منها الحق قبلناه ، وما خالفه رددناه ؛ لأنهم بشر يصيبون ويخطئون ؛ فكل بني آدم خطاء ، ولا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- ويقدم لنا مع البداية كل من زيد وابن عباس- رضي الله عنهما- في المشهد التالي نموذجا واعيا لأبعاد الصلة بين المسلم ومن كان من أهل البيت ، والتي لا تعدو الاحترام المتبادل ، وما يدل على المحبة كتقبيل اليد !  

- فزيد بن ثابت قال فيه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ : { أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَصَحَّحَهُ

- وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ : { جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ ، وَشَهِدَ زَيْدٌ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ ، وَنَدَبَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِجَمْعِ الْقُرْآنِ ، ثم عثمان } وَكَانَ عُمَرُ إذَا حَجَّ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ "رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ                                                                    

 ، ولما أراد زَيْدٌ يوما الركوب أَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِه ، وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا وَكُبَرَائِنَا .- وروي أنه قال: هكذا أمرنا أن نصنع بفقهائنا، فقبل زيد يده وقال:" هكذا أمرنا أن نصنع بأشرافنا " وفي رواية قال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم ".

 

فابن عباس سلك مع زيد المسلك الذي يليق بعالم رباني ، فأخذ " بركابه " يعينه على الركوب بيسر ، وزيد أخذ بيد ابن عباس يقبل يده ، وعلل ذلك بأنه من أهل البيت !أفهناك مسلم موفق يتهم هذين الجليلين اللذين تربيا في أحضان الفهم السليم للمعاني الإسلامية الصائبة ، والسلوك الأمثل ، بأنهما قصرا في التعبير عن المحبة ، وما دريا أبعاد الاحترام ، ثم يبتكر من السلوكيات والاعتقادات ما يزعم به أنه من محبة " آل البيت " الأطهار ؟!

- إن الاختلاف في المسائل الاجتهادية لم يكن يوما مانعا من إنزال العلماء منازلهم التي رفعهم الشرع إليها تواضع متبادل من الطرفين، كل يعطي الآخر حقه الذي هو له، ولا يبخسه حقه

- فهذا ابن عباس رضي الله عنهما الذي بلغت ثقته بصحة اجتهاده وخطأ اجتهاد زيد حد طلب المباهلة، رأى زيد بن ثابت يومًا يركب دابته ، فأخذ بركابه يقود به، فقال زيد: تنح يا ابن عم رسول الله !صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا، فقال زيد: أرني يدك، فأخرج ابن عباس يده، فقبلها زيد ، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .           

- ولما مات زيد بن ثابت شارك ابن عباس في تشييع جنازته؛ ولما دفن ، وأهيل عليه التراب، قال ابن عباس وهو ينظر إلى التراب  يهال عليه" هكذا يذهب العلم " وفي رواية للبيهقي :" هكذا ذهاب العلم لقد دُفن اليوم علم كثير". 

- محبة آل البيت وموالاتهم ولكن لا نرفعهم فوق منزلتهم ، ولانغلوا في علي ولا فاطمة ولا غيرهم رضي الله عن الجميع

- كذلك ليس لغير الأنبياء العصمة ، ومهما رقى من ليس بنبي في درجات التقرب ، فلن يدخل في العصمة التي للنبي ، ويدخل في الحفظ الذي يجوز عليه به أن يقع في المخالفة ، لكنه سرعان - بما له من حفظ - يعود عبر بوابة الإنابة والتوبة  ، قال- تعالى- : " إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ " 

- هذا ، ولقد عاش السلف الصالح الذي بلغنا دين الله عن طريقهم حقيقة قوله- تعالى-: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) ارتفع الغل من قلوبهم، وأحبوا آل البيت الأطهار وسائر الصحابة الكرام، فالجمع بين محبة آل البيت والصحابة هو عين الصواب وبه يجتمع شتات القلب ويشعر المؤمن بالسعادة والطمأنينة ويأتي -بإذن الله تعالى- يوم القيامة بقلب سليم. 

- لا يوجد في أهل السنة والجماعة من يبغض عليا وأولاده وجميع آل البيت بل يرون أن محبتهم من الإيمان محبة آل البيت ومحبة الصحابة من الإيمان لأنها تابعة لمحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام فمن أحب رسول الله عليه الصلاة والسلام يلزمه أن يحب أصحابه لأنهم نخبة اختارهم الله لصحبته من كان منهم من آل البيت يحب لأمرين اثنين : الأمر الأول الصحبة . والأمر الثاني : كونه من آل البيت . ثم إن الصحابة أجمعوا على تقديم أبي بكر وإن لم يكن من آل البيت وأنه أفضل هذه الأمة على الإطلاق ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، هذا من حيث الخلافة ، ومن حيث الفضل فقد انعقد الاجماع على تفضيل أبي بكر ثم عمر . 

- وفي مجموع الفتاوى سئل شيخ الإسلام عن محبة آل البيت فقال:

محبتهم عندنا فرض واجب, يؤجر عليه … ومن أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.

 - وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه, وبذم الذين يظلمونه من جميع الفرق، وهم ينكرون على من سبّه, وكارهون لذلك, وما جرى من التسابّ والتلاعن بين العسكرين, من جنس ما جرى من القتال, وأهل السنة من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب ، بل هم كلهم متفقون على أنه أجلّ قدراً, وأحق بالإمامة, وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه, وعلي أفضل من الذين أسلموا عام الفتح, وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من معاوية, وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم, وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة, بل هو أفضل منهم كلهم إلاّ ثلاثة فليس في أهل السنة من يقدم عليه أحداً غير الثلاثة, بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان, وعلى السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار)) انظر (منهاج السنة 4 / 396) ففيه دقائق رائعة تتعلق بهذه القضية .

- لكن هناك من غالى في مسألة محبة آل البيت مغالاة وظفها لطعن الإسلام في حقائقه ، وساعد على ذلك أنه حين يدعو إلى محبة آل البيت  لا يدعو إلى جديد ، أو غريب عن فكر المسلم وعاطفته ، حيث لا ينكر أمر المحبة مسلم ، ولو كان عاصياً ،وقد أدخل التورم في مضمون المحبة عبر أساطين الضلالة .

- من المسلك  الذي يجنح بصاحبه فيخرج به عن الجادة؛ وهو الحب المفرط أو البغض المفرط . ولقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قوله : « يهلك فيَّ رجلان : مفرط في حبي ، ومفرط في بغضي » .وروي عن الحسن بن علي - رضي الله عنه - أنه قال لرجل يغلو فيهم : «ويحك ! أحبونا لله ؛ فإن أطعنا الله فأحبونا ، وإن عصينا الله فأبغضونا ، ولو كان الله نافعاً أحداً بقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إيمان لنفع عمه أبا لهب ! قولوا فينا الحق ؛ فإنه أبلغ فيما تريدون ، ونحن نرضى منكم »

- ومن البذور الأولى لهذا المسلك ما كان من امر عبدالله بن سبأ- يهودي من يهود اليمن- أظهر الإسلام وأبطن الكفر، واجتمع حوله طائفة على شاكلته، فادعوا محبة آل البيت ، ثم غلوا في محبتهم ، ثم ادعوا الألوهية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فاستتابهم علي رضي الله عنه، وأجج النار فأحرق من ألهه منهم.

- ومن الطامات التي هووا فيها  أنهم يقولون في صلاتهم " تاه جبريل " الذي يقول المولى سبحانه عنه {ذِي ق