سؤا حول قال تعالى (وعلى الأعراف رجال)
تاريخ الإضافة : 2012-12-02 15:28:02
قال تعالى (وعلى الأعراف رجال) -تخصيص الرجولة هنا هل تعني أنهم لا يكونون من النساء - ونتذكر هنا (رجال لا تلهيهم تجارة )--وعليه فما الراجح في بيان حالهم ووصفهم

- بداية أسوق ما أورده العلماء من خلال التفاسير ثم إذا وجدت ما أقوله لم أحجم عن ذكره :   

ومما قالوه : وتقديم الجار والمجرور" وعلى الأعراف رجال " لتصحيح الابتداء بالنّكرة ، إذ اقتضى المقام الحديث عن رجال مجهولين يكونون على أعراف هذا الحجاب ، قبل أن يدخلوا الجنّة ، فيشهدون هنالك أحوال أهل الجنّة وأحوال أهل النّار ، ويعرِفون رجالاً من أهل النّار كانوا من أهل العزّة والكبرياء في الدّنيا ، وكانوا يكذّبون وعد الله المؤمنين بالجنّة ، وليس تخصيص الرّجال بالذّكر بمقتض أن ليس في أهل الأعراف نساء ، ولا اختصاص هؤلاء الرّجال المتحدّث عنهم بذلك المكان دون سواهم من الرّجال ، ولكن هؤلاء رجال يقع لهم هذا الخبر ، فذكروا هنا للاعتبار على وجه السياقة ، لا لقصد تقسيم أهل الآخرة وأمكنتهم ، ولعلّ توهّم أنّ تخصيص الرّجال بالذّكر لقصد التّقسيم قد أوقع بعض المفسّرين في حيرة لتطلّب المعنى لأنّ ذلك يقتضي أن يكون أهل الأعراف قد استحقّوا ذلك المكان لأجل حالة لاحظّ للنّساء فيها ، فبعضهم حمل الرّجال على الحقيقة فتطلب عملاً يعمله الرّجال لاحظ للنّساء فيه في الإسلام ، وليس إلاّ الجهاد ، فقال بعض المفسرين : هؤلاء قوم جاهدوا وكانوا عاصين لآبائهم ، وبعض المفسّرين حمل الرّجال على المجاز بمعنى الأشخاص من الملائكة ، أطلق عليهم الرّجال لأنّهم ليسوا إناثاً كما أطلق على أشخاص الجنّ في قوله تعالى : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ( ( الجن : 6 ) فيظهر وجه لتخصيص الرّجال بالذّكر تبعاً لما في بعض  الأحاديث  .

** وأمّا ما نقل عن بعض السّلف أنّ أهل الأعراف هم قوم اسْتوت موازين حسناتهم مع موازين سيّئاتهم ، ويكون إطلاق الرّجال عليهم تغليباً ، لأنّه لا بدّ أن يكون فيهم نساء ، ويروى فيه أخبار مسندة إلى النّبيء ( صلى الله عليه وسلم ) لم تبلغ مبلغ الصّحيح ولم تنزل إلى رتبة الضّعيف : روى بعضَها ابنُ ماجة ، وبعضَها ابنُ مردويه ، وبعضَها الطّبري ، فإذا صحت فإنّ المراد منها أن من كانت تلك حالتهم يكونون من جملة أهل الأعراف المخبر عنهم في القرآن بأنّهم لم يدخلوا الجنّة وهم يطمعون . وليس المراد منها أنّهم المقصودُ من هذه الآية كما لا يخفى على المتأمّل فيها .وهذا القول يستريح به الصدر خاصة وأن الأقوال كثيرة ، وليس هناك ما يرجح منها بقوة تلغي سائرها.

والذي ينبغي تفسير الآية به : أنّ هذه الأعراف جعلها الله مكاناً يوقف به من جعله الله من أهل الجنّة قبل دخوله إياها ، وذلك ضرب من العقاب خفيف ، فجعل الدّاخلين إلى الجنّة متفاوتين في السبق تفاوتاً يعلم الله أسبابه ومقاديره ، وقد قال تعالى : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى ( ( الحديد : 10 ) وخصّ الله بالحديث في هذه الآيات رجالاً من أصحاب الأعراف . ثمّ يحتمل أن يكون أصحاب الأعراف من الأمّة الإسلاميّة خاصّة . ويحتمل أن يكونوا من سائر الأمم المؤمنين برسلهم ، وأيّاما كان فالمقصود من هذه الآيات هم من كان من الأمّة المحمّديّة .   

وقد جاء:أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فهؤلاء هم أهل أهل [الأعراف]، لم يفضل لأحدهم حسنة يستحق بها الرحمة من ربه، ولم يفضل عليه سيئة يستحق بها العذاب. قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا أبو بكر الهذلى قال: كان سعيد بن جبير يحدث عن ابن مسعود قال: يحاسب الله الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر [من حسناته بواحده] بواحدة دخل النار، ثم قرأ قوله تعالى: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ} [الأعراف: 8- 9]، ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة أو يرجح. قال: ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف. فوقفوا على الصراط ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم، وإذا صرفوا أبصارهم إلى أصحاب النار قالوا: {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين} [الأعراف: 47]، فأما أصحاب الحسنات فإنهم يعطون نوراً يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ويعطى كل عبد يومئذ نوراً، فإذا أتوا على الصراط سلب الله تعالى نور كل منافق ومنافقة، فلما رأى أهل الجنة ما لقى المنافقون قالوا: {رَبَّنَا أَتمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم: 8]، وأما أصحاب الأعراف فإن النور لم ينزع من أيديهم [ومنعتهم سيئاتهم أن يمضوا وبقى فى قلوبهم الطمع إذا لم يزغ النور من أيديهم] فيقول الله: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46]، فكان الطمع للنور الذى فى أيديهم ثم أدخلوا الجنة وكانوا آخر أهل الجنة دخولاً. يريد آخر أهل الجنة دخولاً ممن لم يدخل النار.وقد وصف الله سبحانه وتعالى أهل هذه الطبقة فى سورة الأعراف- بعد أن ذكر دخول أهل النار وتلاعنهم فيها ومخاطبة أتباعهم لرؤسائهم

والأعراف جمع عرف وهو المكان المرتفع، وهو سور عال بين الجنة والنار

** وقيل: هم قوم خرجوا فى الغزو بغير إذن آبائهم فقتلوا، فأُعتقوا من النار لقتلهم فى سبيل الله وحبسوا عن الجنة لمعصية آبائهم. وهذا من جنس القول الأول،                                                               

** وقيل: هم قوم رضى عنهم أحد الأبوين دون الآخر، يحبسون على الأعراف حتى يقضى الله بين الناس ثم يدخلهم الجنة، وهى من جنس ما قبله فلا تناقض بينهما.

** وقيل: هم أصحاب الفترة وأطفال المشركين.

** وقيل: هم أُولو الفضل من المؤمنين علوا على الأعراف، فيطلعون على أهل النار وأهل الجنة جميعاً. وقوله تعالى: {يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف: 46]، يعنى يعرفون الفريقين بسيماهم، {وَنَادوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الأعراف: 46]، أى نادى أهل الأعراف أهل الجنة بالسلام. قوله تعالى: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطمَعُونَ} الضمائر فى الجملتين لأصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة بعد وهم يطمعون فى دخولها. قال أبو العالية: ما جعل الله ذلك الطمع فيهم إلا كرامة يريدها بهم، وقال الحسن: الذى [جعل] الطمع فى قلوبهم يوصلهم إلى ما يطمعون، وفى هذا رد على وقول من قال: إنهم أفاضل المؤمنين علوا على الأعراف يطالعون أحوال الفريقين، فعاد الصواب إلى تفسير الصحابة، وهم أعلم الأُمة بكتاب الله، ومراده منه.

 ** وقيل: هم الملائكة لا من بنى آدم. وقوله تعالى: {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ} [الأعراف: 46] صريح فى أنهم من بنى آدم ليسوا من الملائكة.

* والثابت عن الصحابة هو القول الأول، وقد رويت فيه آثار كثيرة مرفوعة لا تكاد تثبت [أسانيدها]. وآثار الصحابة فى ذلك المعتمدة.. وأخرج ابن جرير عن حذيفة قال : إن أصحاب الأعراف : تكافأت أعمالهم فقصرت بهم حسناتهم عن الجنة وقصرت بهم سيئاتهم عن النار فجعلوا على الأعراف يعرفون الناس بسيماهم

وقد اختلف فى تفسير الصحابى هل له حكم المرفوع، أو الموقوف؟ على قولين: الأول اختيار أبى عبد الله الحاكم، والثانى هو الصواب، ولا نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نعلم أنه قاله.                         

** وقال في الإحياء: يشبه أن يكونوا من لم تبلغهم الدعوة في أطراف البلاد، فلم تكن لهم معرفة ولا جحود ولا طاعة ولا معصية، فلا وسيلة تقربهم، ولا جناية تبعدهم، ولهم السلامة فقط، لا تقريب ولا تبعيد.                                                                                        

** هذا ، والنّداء يؤذن ببعد المخاطب فيظهر أنّ أهل الأعراف لما تطلّعوا بأبصارهم إلى النّار عرفوا رجالاً ، أو قَبْلَ ذلك لمّا مُرّ عليهم بأهل النّار عرفوا رجالاً كانوا جبارين في الدّنيا . والسيما هنا يتعيّن أن يكون المراد بها المشخّصات الذاتية التي تتميّز بها الأشخاص ، وليست السيما التي يتميّز بها أهل النّار كلّهم كما هو في الآية السّابقة .

فالمقصود بهذه الآية ذكر شيء من أمر الآخرة ، فيه نذارة وموعظة لجبابرة المشركين من العرب الذين كانوا يحقرون المستضعفين من المؤمنين ، وفيهم عبيد وفقراء                                                                          

وللعلماء أقوال فى أصحاب الأعراف أوصلها بعض المفسرين إلى اثنى عشر قولا من أشهرها قولان :

أولهما : أن أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، وقد روى هذا القول عن حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف .

وقد استشهد أصحاب هذا القول بما رواه ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناتهم وسيئاتهم فقال : " أولئك أصحاب الأعراف ، لم يدخلوها وهم يطمعون " " .

وعن الشعبى عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال : " هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة ، وخلفت بهم حسناتهم عن النار . قال : فوقفوا هناك على السور حتى يقضى الله فيهم " .

وهناك آثار أخرى تقوى هذا الرأى ذكرها الإمام ابن كثير فى تفسيره

* * والصحيح في أهل الأعراف أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، فتقابل أثراهما [فتقاوما] فمنعتهم حسناتهم المساوية من دخول النار وسيئاتهم المساوية من دخول الجنة.قد قصرت بهم حسناتهم عن النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة فبقوا بين الجنة والنار .كذا قال غير واحد من الصحابة منهم حذيفة وأبو هريرة وغيرهما ، قال حذيفة وعبد الله بن عباس: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فوقفوا هناك حتى يقضى الله فيهم ما يشاءُ ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته..

أما الرأى الثانى : فيرى أصحابه أن أصحاب الأعراف قوم من أشرف الخلق وعدولهم كالأنبياء والصديقين والشهداء . وينسب هذا القول إلى مجاهد وإلى أبى مجلز فقد قال مجاهد : " أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء " وقال أبو مجلز : أصحاب الأعراف هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار .

ومعنى كونهم رجالا - فى قول أبى مجلز أى : فى صورتهم .

وقد رجح بعض العلماء الرأى الثانى فقال : " وليس أصحاب الأعراف ممن تساوت حسناتهم وسيئاتهم كما جاء فى بعض الروايات ، لأن ما نسب إليهم من أقوال لا يتفق مع انحطاط منزلتهم عن أهل الجنة ، انظر قولهم للمستكبرين :

 { مَآ أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } فإن هذا الكلام لا يصدر إلا من أرباب المعرفة الذين اطمأنوا إلى مكانتهم . ولذا أرجح أن رجال الأعراف هم عدول الأمم والشهداء على الناس ، وفى مقدمتهم الأنبياء والرسل " .

والذى نراه : أن هناك حجاباً بين الجنة والنار ، الله أعلم بحقيقته ، وأن هذا الحجاب لا يمنع وصول الأصوات عن طريق المناداة ، وأن هذا الحجاب من فوقه رجال يرون أهل الجنة وأهل النار فينادون كل فريق بما يناسبه ، يحيون أهل الجنة ويقرعون أهل النار ، وأن هؤلاء الرجال - يغلب على ظننا - أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم . لأن هذا القول هو قول جمهور العلماء من السلف والخلف ، ولأن آثار تؤيده ، ولذا قال ابن كثير : " واختلفت عبارات المفسرين فى أصحاب الأعراف من هم؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد ، وهو أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله " .

وقوله : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه فى أصحاب الأعراف ، أى أن أصحاب الأعراف عندما رأوا أهل الجنة سلموا عليهم حال كونهم - أى أصحاب الأعراف - لم يدخلوها معهم وهم طامعون فى دخولها مترقبون له .

وثانيهما : أنه فى أصحاب الجنة : أى : أنهم لم يدخلوها بعد ، وهم طامعون فى دخولها لما ظهر لهم من يسر الحساب . وكريم اللقاء .

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال : « هُمْ قَوْمٌ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله فِي مَعْصِيةِ آبائِهِمْ فَمَنَعَهُمْ مِنَ النَّارِ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَنَعَهُمْ مِنَ الجَنَّةِ مَعْصِيَتُهُمْ آبَاءَهُمْ » وعن حذيفة بن اليمان أنه قال : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فلم يكن لهم حسنات فاضلة يدخلون بها الجنة ولا سيئات فاضلة يدخلون بها النار . وهذا القول أيضاً روي عن ابن عباس مثل هذا .

وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال : هم أولاد الزنى . وروي عن أبي مجلز أنه قال : هم الملائكة . فبلغ ذلك مجاهداً فقال : كذب أبو مجلز يقول الله تعالى : { وَعَلَى الاعراف رِجَالٌ } فقال أبو مجلز : لأن الملائكة ليسوا بإناث ولكنهم عباد الرحمن . قال الله : { وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شهادتهم وَيُسْألُونَ } [ الزخرف : 19 ] .

{ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بسيماهم } يعني : أن أصحاب الأعراف يعرفون أهل الجنة إذا مروا بهم ببياض وجوههم ، ويعرفون أهل النار بسواد وجوههم والسيما هي العلامة { وَنَادَوْاْ أصحاب الجنة أَن سلام عَلَيْكُمْ } يعني : فإذا مرّ بهم زمرة من أهل الجنة قالوا : { أَن سلام عَلَيْكُمْ } يعني : إنّ أهل الأعراف يسلّمون على أهل الجنة { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } يعني : إنّ أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون أنْ يَدخلوها .

وقال السدي: إنما سمي "الأعراف" أعرافًا؛ لأن أصحابه يعرفون الناس.

واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم، وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. نص عليه حذيفة، وابن عباس، وابن مسعود، وغير واحد من السلف والخلف، رحمهم الله. وقد جاء في حديث مرفوع رواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه:

عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته، فقال: "أولئك أصحاب الأعراف، لم يدخلوها وهم يطمعون" .وهذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه من وجه آخر، عن سعيد بن سلمة عن أبي الحسام، عن محمد بن المنكدر عن رجل من مزينة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف، فقال: "إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم، فقتلوا في سبيل الله"

وقال سعيد بن منصور: حدثنا أبو مَعْشَر، حدثنا يحيى بن شِبْل، عن يحيى بن عبد الرحمن المزني عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "أصحاب الأعراف" فقال: "هم ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ومنعهم النار (5) قتلهم في سبيل الله".والله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة وقصاراها أن تكون موقوفة وفيه دلالة على ما ذكر. وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا هُشَيْم، أخبرنا حصين، عن الشعبي، عن حذيفة؛ أنه سئل عن أصحاب الأعراف، قال: فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة، وخلَّفت بهم حسناتهم عن النار. قال: فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم. وقد رواه من وجه آخر أبسط من هذا فقال:

حدثنا ابن حُمَيد، قال الشعبي: أرسل إليّ عبد الحميد بن عبد الرحمن -وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذَكْوان مولى قريش -وإذا هما قد ذكرا من أصحاب الأعراف ذكرًا ليس كما ذكرا، فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا هات. فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صُرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا: { رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } فبينا  هم كذلك، اطلع عليهم ربك فقال لهم: اذهبوا فادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم. وقال عبد الله بن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ قول الله: { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (10) ] } [ المؤمنون:102 ، 103 ] ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح، قال: ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف .

** وقيل: أَصحاب الأعراف أَنبياء

** وقيل: ملائكة ومعرفتهم كلاً بسيماهم أَنهم يعرفون أَصحاب الجنة بأَن سيماهم إسفار الوجُوه والضحك والاستبشار كما قال تعالى: وجوه يومئذ مُسْفرة ضاحكة مُستبشرة؛ ويعرِفون أَصحاب النار بسيماهم، وسيماهم سواد الوجوهوغُبرتها كما قال تعالى: يوم تبيضُّ وجوه وتسودّ وجوه ووجوه يومئذ عليها غَبَرة ترهَقها قترة.

** وحكى الزهراوي أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم ، وهم في كل أمة. واختار هذا القول النحاس ، وقال : وهو من أحسن ما قيل فيه

** وقيل : هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع في مقابلة صغائرهم. وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف ؛ لأن مذهبه أنهم مذنبون.  

** وقيل : هم ملائكة موكلون بهذا السور ، يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار ؛ ذكره أبو مجلز. فقيل له : لا يقال للملائكة رجال ؟ فقال : إنهم ذكور وليسوا بإناث ، فلا يبعد إيقاع لفظ الرجال عليهم ؛ كما أوقع على الجن في قوله : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} [الجن : 6]. فهؤلاء الملائكة يعرفون المؤمنين بعلاماتهم والكفار بعلاماتهم ؛ فيبشرون المؤمنين قبل دخولهم الجنة وهم لم يدخلوها بعد فيطمعون فيها. وإذا رأوا أهل النار دعوا لأنفسهم بالسلامة من العذاب. قال ابن عطية : واللازم من الآية أن على الأعراف رجالا من أهل الجنة يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار في الفريقين. و {يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ} أي بعلاماتهم ، وهي بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة ، وسوادها وقبحها في أهل النار ، إلى غير ذلك من معرفة حيز هؤلاء وحيز هؤلاء.أما حالة التساوي فقد جاءت لها إشارة رمزية في سورة الأعراف:{ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }[الأعراف: 46 - 47].

* قوله جلّ ذكره : { وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } .

هؤلاء الأشراف خصوا بأنوار البصائر اليوم فأشرفوا على مقادير الخلْق بأسرارهم ، ويشرفون غداً على مقامات الكل وطبقات الجميع بأبصارهم

ويقال يعرفونهم غداً بسيماهم التي وجدوهم عليها في دنياهم؛ فأقوامٌ موسومون بأنوار القرب ، وآخرون موسومون بأنوار الرد والحجب .

وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم } يعنى اصحاب الاعراف يعرفون اهل الجنة والنار بما يتوسمون فى سيماهم من آثار نور القلب وظلمته وسيمت الاعراف اعرافا لانها مواطن اهل المعرفة وانما سمى الله اهل المعرفة رجالا لانهم بالرجولية يتصرفون فيما سوى الله تصرف الرجال فى النساء ولا يتصرف فيهم شئ منه كقوله { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } وحيث ما ذكر الله الخواص ذكرهم برجال كقوله { رجال صدقوا } وكقوله { فيه رجال يحبون ان يتطهروا } لان وجه الامتياز بين الخواص والعوام بالرجولية فى طلب الحق وعلو الهمة فان اصحاب الاعراف بعلو هممهم ترقوا عن حضيض البشرية ودركات النيران وصعدوا على ذروة الروحانية ودرجات الجنان وما التفتوا الى نعيم الدارين وما ركنوا الى كمالات المنزلين حتى عبروا عن المكونات واقاموا على الاعراف وهى مرتبة فوق الجنان فى حظائر القدس عند الرحمن وهم مشرفون على اهل الجنة والنار فلما رأوا اهل الجنة وانهم فى شغل فاكهون .

** وقالوا: أنهم قوم صالحون فقهاء علماء، قاله الحسن، ومجاهد. فعلى هذا، يكون لبثهم على الأعراف على سبيل النزهة.

أو: أنهم قوم رضي عنهم آباؤهم دون أمهاتهم، أو أمهاتهم دون أبائهم، رواه عبد الوهاب بن مجاهد عن إبراهيم.

أو: أنهم الذين ماتوا في الفترة ولم يبدلوا دينهم، قاله عبد العزيز بن يحيى.

أو: أنهم قوم عملوا لله، لكنهم راؤوا في عملهم، ذكره بعض العلماء.

والقول الثاني: أنهم ملائكة، قاله أبو مجلز، واعترض عليه، فقيل: إنهم رجال فكيف تقول: ملائكة؟ فقال: إنهم ذكور وليسوا باناث. وقيل معنى قوله: {وَعَلَى الاْعْرَافِ رِجَالٌ } أي: على معرفة أهل الجنة من أهل النار، ذكره الزجاج، وابن الانباري. وفيه بعد وخلاف للمفسرين.

على أعراف هذا السور الحاجز رجال ، وإن التعبير برجال يفيد أنهم ليسوا من الملائكة ؟ لأن الملائكة لا يعبر عنهم برجال فليسوا ذكورا ولا إناثا ،

** ويقول الله تعالى فى أوصاف أهل الاعراف : (يعرفون كلا بسيمافم ) و " كلا " مضاف إلى محذوف ، أى كل فريق من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم ، أى علاماتهم ، فالسيما العلامة ويقولون : إن علامة أهل الجنة البياض ، وعلامة أهل النار السواد ، والله تعالى اعلم بسيماهم ، وهم لا يكتفون بموقف التعرف ، ولكن ينادون أهل الجنة وأهل النار ، ونداؤهم لأهل الجنة مقصود ، لأنهم مقصودون بالتحية والتكريم ، وأما أهل النار فهم غير مقصودين ، ولكن بالصرف إليهم ؟ ولذا قال تعالى : (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وفم يطمعون .

نادوا أهل الجنة مقبلين عليهم مهنئين مرحبين ، ونداؤهم لهم (أن سلام عليكم )أي : أن حالكم وشأنكم سلام ، أو أن قولنا لكم سلام ، وهو تهنئة وأمن ، ومشاركة لهم فى سرائهم بالقول ، هذا ، "وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم ، قالوا : ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون . أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة؟ ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } . .

** روي أن هؤلاء الرجال الذين يقفون على الأعراف - الحجاب الحاجز بين الجنة والنار - جماعة من البشر ، تعادلت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم تصل بهم تلك إلى الجنة مع أصحاب الجنة ، ولم تؤد بهم هذه إلى النار مع أصحاب النار . . وهم بين بين ، ينتظرون فضل الله ويرجون رحمته . . وهم يعرفون أهل الجنة بسيماهم - ربما ببياض الوجوه ونضرتها أو بالنور الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم - ويعرفون أهل النار بسيماهم - ربما بسواد الوجوه وقترتها ، أو بالوسم الذي على أنوفهم التي كانوا يشمخون بها في الدنيا

(وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) (7 : 48) فَهَذِهِ سِيمَا خَاصَّةٌ لِأَنَّهَا لِأَفْرَادٍ مَخْصُوصِينَ ، وَتِلْكَ سِيمَا عَامَّةٌ لِأَنَّهَا لِفَرِيقَيْنِ أَفْرَادُهُمَا غَيْرُ مَحْصُورِينَ .

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِمْ عَلَى أَقْوَالٍ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ : (الْأُولَى) أَنَّهُمْ بَعْضُ أَشْرَافِ الْخَلْقِ الْمُمْتَازِينَ . (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُمُ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُمْ فَاسْتَحَقُّوا الْجَنَّةَ وَلَا مِنَ الْأَشْرَارِ الَّذِينَ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ فَاسْتَحَقُّوا النَّارَ ، بَلْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ . وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ خَرَجُوا لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِدُونِ إِذْنِ آبَائِهِمْ وَاسْتُشْهِدُوا ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ دُخُولِ النَّارِ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَمِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ مَعْصِيَةُ آبَائِهِمْ - وَهَذَا خَاصٌّ يَدْخُلُ فِي الْعَامِّ الَّذِي قَبْلَهُ . (وَالثَّالِثَةُ) أَنَّهُمْ أَصْحَابُ صِفَةٍ خَاصَّةٍ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ بَلْ مَنْزِلَةٍ بَيْنَهُمَا هِيَ الْأَعْرَافُ ، وَفِي هَؤُلَاءِ أَقْوَالٌ : أَهْلُ الْفَتْرَةِ : مُؤْمِنُو الْجِنِّ   أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ ، أَيِ الْكُفَّارُ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَ سِنِّ التَّكْلِيفِ : أَوْلَادُ الزِّنَا : أَهْلُ الْعَجَبِ بِأَنْفُسِهِمْ وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ لَا وَجْهَ لَهُمَا الْبَتَّةَ . آخِرُ مَنْ يَفْصِلُ اللهُ بَيْنَهُمْ وَهُمْ عُتَقَاؤُهُ مِنَ النَّارِ ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ ، وَيَرَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ وَلَكِنْ وَرَدَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ " أَقْوَامٌ كَانُوا قَدِ امْتَحَشُوا فِي النَّارِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ ، فَيُخْرِجُهُمُ اللهُ مِنْهَا وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ فِيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ : هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ " وَذَلِكَ بَعْدَ إِخْرَاجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ مِنَ النَّارِ ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْمَرْتَبَةِ الْأُولَى فَلَهُمْ أَقْوَالٌ : أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ إِيرَادِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ : وَهَذَا صَحِيحٌ إِلَى أَبِي مِجْلَزٍ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ وَخِلَافُ الظَّاهِرِ مِنَ السِّيَاقِ  . وَإِنَّمَا عَدُّهُ غَرِيبًا عَنْهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَلِتَسْمِيَتِهِ الْمَلَائِكَةَ رِجَالًا وَهُمْ لا يُوصَفُونَ بِذُكُورَةٍ وَلَا أُنُوثَةٍ ، وَأَوَّلُوهُ بِأَنَّهُمْ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ ، وَقَدِ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ .

أَنَّهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، يَجْعَلُهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَعَالِي ذَلِكَ السُّورِ تَمْيِيزًا لَهُمْ عَلَى النَّاسِ ، وَلِأَنَّهُمْ شُهَدَاؤُهُ عَلَى الْأُمَمِ ، وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ الرَّازِيُّ .

** أَنَّهُمْ عُدُولُ الْأُمَمِ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ حَكَاهُ الزُّهْرِيُّ ، فَكَمَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ يَشْهَدُ عَلَى أُمَّتِهِ وَثَبَتَ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُهَدَاءُ عَلَى جُمْلَةٍ مِنَ الْأُمَمِ بَعْدَهُ - ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ فِي الْأُمَمِ شُهَدَاءَ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَالَ اللهُ تَعَالَى : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) (4 : 41) وَقَالَ فِي خِطَابِ هَذِهِ الْأُمَّةِ : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (2 : 143) وَقَالَ فِي صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ

وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (39 : 69) إِلَخْ . وَهَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءُ هُمْ حُجَّةُ اللهِ عَلَى النَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِفَضَائِلِهِمْ وَاسْتِقَامَتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ ، وَالْتِزَامِهِمْ لِلْخَيْرِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ وَلَوْلَاهُمْ لَفُقِدَتِ الْقُدْوَةُ الصَّالِحَةُ .

 **قَوْلُ مُجَاهِدٍ : إِنَّهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ . وَهَذَا الْقَوْلُ إِنَّمَا تُعْقَلُ حِكْمَتُهُ إِذَا رُدَّ إِلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : إِنَّ فِيهِ غَرَابَةً .

*** وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ - بِكَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمُ الَّذِينَ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ ، وَفِيهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنَ الرِّجَالِ وَحْدَهُمْ ، وَالتَّعْبِيرُ بِرِجَالٍ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَالتَّغْلِيبُ لَا يَظْهَرُ هُنَا ، كَمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ خِلَافًا لِأَبِي مِجْلَزٍ إِذْ لَوْ أُرِيدَ هَذَا أَوْ ذَاكَ لَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ يَقْبَلُهُ كَأَنْ يَقُولَ : " عِبَادٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ " وَيُنَافِي كَوْنَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا آخِرُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ لِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ ، كَمَا يُنَافِي كَوْنَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ أَوِ الشُّهَدَاءَ وَكَذَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا . فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :

وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) أَيْ نَادَوْهُمْ بِقَوْلِهِمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا السَّلَامَ يُرَادُ بِهِ الْإِخْبَارُ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْبِشَارَةُ بِالنَّجَاةِ إِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تَمْيِيزِهِمْ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ بِسِيمَاهُمْ فَإِنَّ هَذَا التَّمْيِيزَ بِالسِّيمَا إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ دُخُولِ كُلٍّ فِي دَارِهِ ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ ، وَحِينَئِذٍ يَتَرَجَّحُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْأَعْرَافِ الْأَنْبِيَاءَ أَوِ الشُّهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ فَهُوَ تَحِيَّةٌ مَحْضَةٌ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)

وَلَا يَمْنَعُ هَذَا الْوَجْهُ وَلَا ذَاكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، بَلْ وَرَدَ التَّنْزِيلُ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِتَسْلِيمِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ : (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنَعِمَ عُقْبَى الدَّارِ)     بما عرضت من الأقوال في اصحاب الأعراف يتبين أنه لا قاطع بقول قطعا يلغي غيره ، وإن كانت عدة أقوال ترجع إلى معين من المعنى واحد والله أعلم .  

عبد الكريم تتان 2\\\\\\\\12\\\\\\\\ 2012