هل الأشاعرة من أهل السنة ؟
تاريخ الإضافة : 2012-12-02 15:45:55
هل الأشاعرة من أهل السنة ؟

طرح هذا السؤال على شيخ من الشيوخ الذين لهم توجه خاص في آيات الصفات وأحاديثها ، فأصدرالفتوى الآتية ،التي نقلها السائل بأمانة من موقع الشيخ الذي أصدرها ، وقال : أرجو إبداء وجهة نظركم حول ما جاء فيها ، وجزاكم الله كل خير، وهاهي ذي الفتوى كما وصلتني :

الأشاعرة عندهم أشياء خالفوا فيها أهل السنة ؛ من تأويل بعض الصفات، فهم في باب التأويل ليسوا من أهل السنة، لأن أهل السنة لا يؤوّلون، وهذا غلط من الأشاعرة ومنكر، لكنهم من أهل السنة في المسائل الأخرى التي وافقوا فيها أهل السنة، والواجب على المؤمن هو طريق أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بأسماء الله كلها وصفاته الواردة في القرآن الكريم، وهكذا الثابتة في السنة، يجب الإيمان بها وإمرارها كما جاءت، بغير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تأويل، بل يجب أن تمر كما جاءت مع الإيمان بها، على الوجه اللائق بالله- سبحانه وتعالى- ليس فيها تشبيه لأحد، يقول سبحانه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، ويقول سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11]، فالواجب أن تمرّ أسماؤه وصفاته كما جاءت، من غير تحريف ولا تأويل ولا تعطيل ولا تكييف، الرحيم والعزيز والقدير، وهكذا سائر الأسماء والصفات، وهكذا قوله ": وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " [آل عمران:  [54، وقوله سبحانه:" يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ " [النساء: 142[، وقوله:" إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً "[الطارق:15-16]، كل هذه الصفات تليق بالله على الوجه اللائق به- سبحانه وتعالى- ، لا يشابه كيد المخلوقين ، ولا مكرهم ، ولا خداعهم، فهو شيء يليق بالله- سبحانه وتعالى- لا يشابه خلقه سبحانه في ذلك، وهكذا قوله في الحديث الصحيح: (من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)، كل هذه الصفات تليق بالله، يجب الإيمان بها ، وإثباتها لله على الوجه اللائق بالله، تقرب يليق بالله ، وهرولة تليق بالله ، ليس فيها مشابهة الخلق، تقربه وهرولته شيء يليق به، لا يشابه صفات المخلوقين- سبحانه وتعالى-" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "[الشورى: 11]، وهكذا قوله في الحث على الأعمال الصالحة ، وأن الله  -جل وعلا- لا يمل حتى تملوا، ملل يليق بالله ، لا يشابه صفات المخلوقين، فالمخلوقون نقص وضعف، أما صفات الله فهي تليق به ، لا يشابه خلقه ، وليس فيها نقص ولا عيب، بل هي صفات كمال تليق بالله- سبحانه وتعالى- لا يشابه خلقه- جل وعلا.-

 

 وهذا السؤال الموجه لي يتطلب جواباً ، وإليكموه:

 

    بعدما قرأت السؤال أكثر من مرة تبين لي منه مايلي :

    هناك ادعاء يتمثل في أن المدعي الذي أصدر الفتوى من أهل السنة ، وأن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة !  وقد ساق المدعي مايدلل به على ماذهب إليه ، ويتلخّص في أن الأشاعرة " يؤوّلون الصفات " ، وأن أهل السنة - كما يرى المفتي - لا يؤوّلون .

     ومما ساقه- أيضاً- يبني عليه بطلان " التأويل " قوله :إن المؤوّلين يقولون :" إن البشر يتحرك ، فلا يجوز أن تصف الله بأنه يتحرك ، ومادام البشر يجيء ، فلا يجوز أن تصف الله بأنه يجيء : " ثم يقول : وهو باطل بلا شك في الأصل . يريد أنه لا يجوز أن ننفي عن الله صفة لمجردأن البشر يتصفون بها

     وقال- أيضاً- :إن المذهب السلفي الذي يتبناه قد جمع بين التنزيه وبين الإثبات ، أي: أنه يثبت وينزه ،

     كماذهب إلى أن " التأويل للمتشابه " يعني إنكار الصفات ، وأنه قد جاء عن السلف " أمرّوها كما جاءت " وقال يشرح هذه العبارة على ما يرى : أي افهموها كما جاءت ، دون أن تتعمقوا في محاولة معرفة الكيفية !! ووجّه ماجاء عن الإمام مالك حيث سئل عن " الاستواء " فقال بعدما بيّن رأيه في الاستواء : "... أخرجوا الرجل ، فإنه مبتدع "قال الشيخ معللاً الأمر بإخراج الرجل : إنه أمر بإخراجه لأنه سأل عن "الكيفية " لا عن معنى خفي عليه من قوله - تعالى -: " الرحمن على العرش استوى "بناءًعلى أن معناه واضح معلوم لدى السائل ، وليس من المتشابه في شيء !! .

ومما قاله في هذا السياق : أحاديث الصفات مفهومة " لغة " لكن كيفياتها مجهولة تماماً ، فلا يعرف " كيفية الذات " إلا صاحب الذات ، ولا يعرف " كيفية الصفات " إلا الذات نفسها !!

حقائق:

     وهنانسوق مجموعة من الحقائق ، ونبدأمنها بالحقيقة الصارخة :

   1-هل يمكن القول إن لله- تعالى- " كيفية " لكنا نجهلها ؟

 

  إنا نجد المتحدث قد أثبت " لله كيفية " ! لكنا نجهلها ! وهذه طامّة ، لايتبناها ، ويعتقدها إلا المجسمة ، الذين ليسوا من أهل السنة في شيء ، وماجاء في عبارة الإمام مالك أنه قد نفى الكيف عن الله - تعالى- حيث قال : الاستواء معلوم ، والكيف غير معقول ..." وقد صرفت عبارته تلك إلى قولهم : " والكيف مجهول "وقد تأتى هذا الصرف من قبل من يرون أن لله الكيفية !وجهل هؤلاء أن الكيف والكم من صفات المخلوق ،  إذ لا يعرومخلوق عنهما بحال ، لأن الكيف " هيئة " يدريها الخيال ، أحاط بها أم لم يحط !ويقوم أمر استحضارها مباشرة لما نريد معرفة كيفيته ، أو عبرالقياس ، والتشبيه على قاعدة القياس ، فنقول : هذا الغائب عنا يشابه الحاضر بين أيدينا ! وهذا سائغ في المقايسة بين المخلوقات ، لكنه لا يجوز في " من ليس كمثله شيء ، إذ إنه " لا مثل لله تعالى ، ولا يشبّه بالمخلوقات بحال من الأحوال ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أسمائه ، ولا في أفعاله ، سبوح قدوس ، رب الملائكة والروح ، ثم" الكم " لا يكون إلا في المركبات ، ومعلوم أن كل مركب حادث ، إذ كل جزء من أجزائه مفتقرة إلى سائر الأجزاء الأخرى ، و" الله هو الصمد " .

    2 – ثم مامعنى الإثبات والنفي اللذين وردا في الفتوى ؟

قوله : المذهب السلفي قد جمع بين الإثبات والنفي " أي التنزيه " فهل قال لنا : ماالذي يثبته ، وعم ينزه الله- تعالى- مع هذا الإثبات ؟ خاصة إذا علمنا أن الأثبات إذا كان يراد منه إثبات ما نسب إلى " الله " على المعنى الذي نعرفه في المخلوق ، لكن مع فارق الكيفية ، لأنا عرفنا الكيفية لدى المخلوق ، لكنا جهلناها " في الخالق "فمعنى " اليد " مثلاً معلوم في الإنسان ، ومعلوم إذا نسب إلى " الله " كذلك ، ولكنا جهلنا كيفية " يد الله " فهذا " عين " التشبيه الذي ينقضه قوله- تعالى- " ليس كمثله شيء " ؟

    3- ثم  ما معيار الانتماء إلى أهل السنة والجماعة؟ وما الذي يحقق هذا الانتماء الذي يترتب عليه النجاة من التفرق التي أخبر عنها الرسول- عليه الصلاة والسلام- وقد حدد الحديث في إحدى رواياته أن الفرقة الناجية " هي ما كان عليه الرسول وأصحابه " والشيخ ، وهو يوزع شهادات حسن سيرة وسلوك على الناس ، بناءً على اعتقاده أنه هو من " أهل السنة " وأن ماهو عليه من الاعتقاد هو المعيار الذي يحقق الانتماء الصائب ، مع أنه بحاجة - أولاً- إلى مراجعة صادقة لموقفه من آيات الصفات وأحاديثها ، ليقف بالدليل الصادق على أنه- فعلاً- منهم،وأنه متابع لما كان عليه السلف الصالح تجاه هذا التصور الذي ضمت رحابه الكثير ممن يدعون أنهم هم الذين أصابوا ، وأن غيرهم قد جانبهم الصواب أي مجانبة !ونطرح هذا المعنى- هنا- أنا وجدناه ، وهو يفتي لم يأت بدليل على أنه من أهل السنة كما سيتبين مما سيأتي ،وكل ما ذكره أنه قرر ما يرى ، واعتبره أنه هو الصواب !وغفل الشيخ عن أن العلماء الجبال كابن سريج والقفال وابن حجر ، ومئات آخرون ،كانوا من الأشاعرة ، وهم لم يكونواعلى مشرب الشيخ في الإثبات والنفي ، وكذلك كان علماء الأزهر عبر القرون الغابرة كانوا يقرون العقيدة  ، وكانوا مما يقولونه " والمختار عند أهل السنة " ويعنون بذلك الأشاعرة ، وهنا لا أريد أن أدلل على الصواب في هذه المسألة بكثرة من قال بها ، وإنما سقت ذلك لأبين أن علماء الأمة كانوامن " أهل السنة "وهم أشاعرة  .

    4 – ما حقيقة المنهج  العقدي للمفتي؟ وهل هو ما كان عليه أهل السنة ؟

 هناك نزغة طارئة جاءت إلى رحاب الفكر الإسلامي ، فبنت لها منهجاً في العقيدة ، وأخذت تحاكم المسلمين على أساسه ، وبفحص هذا المعتقد لا تجد أي دليل على أن مايبنونه ، ويتبنونه من موقف تجاه آيات الصفات ، كان على ما كان عليه أهل السنة ، بل كثير مما قرروه يرجع إلى التشبيه ، أو التجسيم ، وشعارهم " نثبت ماأثبته الشرع " علماً أن كل المسلمين يثبتون ما أثبته الله- تعالى- وإن لم يثبتوا ما أثبته فما الذي يبقى لهم من نسبتهم للإسلام نفسه ، ولعل الخلاف ينحصر في الموقف " من المحكم والمتشابه" الذي جاء النص به مثبتاً له في الكتاب كله ،ومبيناً أن القرآن منه الحكم ومنه المتشابه ، على أن المحكم أنزل للعمل به ، والمتشابه أنزل ليؤمن به ، مع ترك تحديد معناه ، وإرجاع علمه لله- تعالى- قال- تعالى-: " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ،وأخر متشابهات " وقد بيّن النص نفسه موقف الذين في قلوبهم زيغ ، والراسخين في العلم من المتشابه ، فقال- سبحانه- : " فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله " وقال- جل جلاله- في الراسخين في العلم ، وحجراً على الذين يجرون وراء المتشابه ليجعلوه من المحكم "... وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " أبقي بعد هذا البيان لكل من المحكم والمتشابه من يضع المتشابه" الذي لا يعلم تأويله إلا الله " موضع استيعاب المعنى ، مع حمله على الحقائق الظاهرة ، أي :كما هي في عالم المخلوق ، وإعلان الجهالة بالكيفية !! على أن هذه الجهالة هي " المقصود بالتنزيه " الذي أكدته كثير من الآيات المحكمات !ثم أخذ هؤلاء يقررون أنه من لم يكن على ما ذهبوا إليه ، فليس هو من أهل السنة حسبما فهموا ، وأن على من أراد الحصول على شهادة دخول في ميدان أهل السنة أن لا يشرب من مشرب الابتداع في الاعتقاد!والابتداع- عندهم- يقع بمجرد مخالفة ما ذهبوا إليه ! وما أخطره من منهج يقضي على الناس قضاءً لارحمة فيه !! هم قد احتكروا الصواب- لما يرون- ودعوا الناس إلى حانوتهم كل من أراد أن يتسوق مما احتكروه ! .

    5- هل هم فعلا ينزهون ، لا يمثلون ولا يجسمون ؟ وإن لم يكونوا كذلك ، فهل بينوالنا ما عقائد المجسمة ؟ومتى يكون الإنسان مجسما ؟ وهل وقفوا على ما كان من تجسيم لدى اليهود ، ومن سبقهم من الإغريق الذين كانت لديهم نصوص فحملوها على ظواهرها المحالة على الله ،كذلك من سبقهم من الإغريق حيث كانت لهم تصورات بائسة في التجسيم ، مع اعتقادهم تعدد الآلهة المذهل ، حيث جعلوا لكل ظاهرة من ظواهر الكون إلهاً !! ، وأوغلوا في إسقاط صفات الإنسان عليها من غرور ومشاعر سلبية ، ورغبة في الغلبة تدفع- أحياناً- إلى التحايل لبلوغ الأهداف ! وكان من جراء ذلك شناعات ،  إنهم رأوا فيهم كل مشاعر البشر ، من حزن وغضب وحقد وغيرة كما في البشر ، بل لم يقصروا في نسبة نصب شباك الإيقاع بالخصم حيث لا يقدرون على المواجهة ، وما كان هذا البلاء إلا للانطلاق من قاعدة التشبيه التي جاء الشرع ليزيلها من نفس المسلم الذي عرف الله- تعالى-  على أنه المتفرد  بكل صفات الكمال ، وأن كل ما يخطر بالبال تجاه ذات الله ، أو صفاته ، فالله بخلافه على الإطلاق ؟ لا يشبه شيئاً من المخلوقات ، ولايشبهه شيء منها ، سبوح قدوس !

 ثم الإيمان بالمتشابه " وإمراره كما جاء " من غير تحريف ولا تعطيل ،  ولا تكييف ، ولا تمثيل ..هذا المنطلق المحكم الذي يعصم من التعطيل والتشبيه على حدٍ سواء هل يتفق مع ما جاء عن الشيخ من التطبيق عليه ، إذ يقول الشيخ بعد ماأورد حديث " ... ومن أتاني يمشي أتيته هرولة "قال : كل هذه- أي الإتيان والمشي والهرولة- صفات تليق بالله ، يجب الإيمان بها، وإثباتها لله على الوجه اللائق بالله ، فهو تقرب يليق ، وهرولة تليق .. ليس فيها مشابهة الخلق ،إذ تقربه وهرولته على الوجه اللائق ، لايشابه بها صفات المخلوقين ، وزاد على ذلك ، ومثل بقوله- عليه الصلاة والسلام- : " إن الله لايمل حتى تملوا " فقال : ملل يليق بالله ، لايشابه صفات المخلوقين ،أيرى الشيخ أنها " هرولة " أنيقة متميزة عمّا يهروله الطائفون حول البيت العتيق ، تعالى الله عن هذا التصور وأمثاله!!أيرمي إلى أنه ملل وقور ، لا ضجر فيه لكمال المالّ!!!وهذا استبعد أن يكون الشيخ قد رمى إليه ، لأنه المشرب الإغريقي العكر. لكنه لا يعصم منه ما قرره!!إذ إنه يعلل ذلك : بأن في المخلوقين نقصاً وضعفاً ، أما صفات الله فهي تليق به ، لا يشابه خلقه ، وليس فيها نقص ولاعيب ، بل هي صفات كمال تليق بالله- تعالى- ، لايشابه خلقه- جل وعلا-! يريد أن الملل في حق العبد مجبول بنقصه الخلقي ، أما في حق الله - تعالى- فهو " ملل " تام ، لا نقص فيه !!.. أهذه هي عقيدة السلف الصالح التي من اعتقدها كان من أهل السنة والجماعة ، ومن أباها خرج من هذا الانتماء الشريف ؟؟

     6- ماذا يعني- إذن- قولهم : (أمرّوها ) الذي جاء عن السلف؟

بالبداهة جاء هذا القول يعالج " المتشابهات " لا المحكمات من الآيات ،فعلى أي أساس فسرالشيخ " أمرّوهاكما جاءت " هذه ؟ قال : افهموها كما جاءت ، وهل بقي فرق بين الآيات المحكمة والمتشابهة ؟حيث جاءت المحكمة لتفهم ، ويعمل بها في بناء الحياة ،وجاءت المتشابهة ليؤمن بها على مراد الله- تعالى-  وهل هناك مع هذاالتفسير تبن لأساليب اللغة التي فيها الحقيقة والمجاز، كما ثبت لدى أساطين اللغة ، وجاء بها القرآن الكريم ؟!وهل " على " من قوله- تعالى- " ولتصنع على عيني " تفيد الاستعلاء الحقيقي كما هي عليه في علم معاني الحروف ؟ وهل قول الفتى الذي أخبرنا الله عنه حين عرض رؤياه على يوسف- عليه السلام- " أراني أعصر خمراً " يريد به أن الخمرة تعصر ؟ أم أنه من المجاز الذي عجت به دواوين اللغة التي اختارها الله وعاءً للشريعة الخاتمة ؟

 

  قدجاء عن السلف :" أمرّوها كما جاءت " يعني: تتلى على أنها نص شرعي متشابه ، يؤمن به ، ولايبحث عن معناه ، امتثالاً لقوله- تعالى- : " ومايعلم تأويله إلا الله "وهذا ممّا تعبدنا الله به بالنسبة إلى المتشابه ، حيث أثنى على الراسخين في العلم ، وبين موقفهم من المتشابه إذ " يقولون آمنا به " .

      ويعني هذا أن تعلق الذهن عند النص المتشابه بتكييف ما ، ولو جهلناه ، لايجوز ، لأن التكييف ، أي: البحث عن الكيفية ، يتأتى من تحديد المعنى على حسب ظاهر النص ، كما في قوله- تعالى- :  " الرحمن على العرش استوى " وحيث يتصورفي الآية الكريمة أمران رئيسان ، كلاهماقد جاء به النص : العرش ، وفعل " استوى " مع اسم الله " الرحمن "الذي أسند إليه الفعل ، وحيث ترسم علاقة ما بينهما على حسب مايطيق الخيال ،فهذا لون من ألوان الافتئات على النص الذي جاء بصيغة واضحة ، لكن ظاهره يوهم مشابهة الله- تعالى- للمخلوقات التي يتأتى منها الاستواء على ما نعلم بالكيفيات التي تختلف باختلاف " المستوي " منها ، ، كما في سفينة نوح حيث " استوت على الجوديّ "!أوكما في الرجل يستوي على الراحلة ! وهو- إضافة لما سبق- لون من ألوان تكييف بقدرما يطيقه الخيال ، وهو- إن كان حقاً في حق المخلوق- لكنه باطل أيّما بطلان في حق الله ، أقول في حق المخلوق ، إذ ما كان في حقه ، فلا ضير من تكييفه لمن جاء عن فلان- مثلاً- أنه قد استوى على راحلته ، وانطلقت به على الطريق ،قلت: لا يضيرنا هذا التكييف في حق المخلوق ، لأنا نتشابه ،فهو يشبهنا ،ونحن نشبهه ، وإن كانت كيفية استوائه قد تخالف كيفية استواء غيره ! بناءً على اختلاف الشخوص في السلوكيات ، ومهما تهرب المكيّف للمعنى ،من ملاحظة التشبيه الخفي في قرارة نفسه ، فقال :" كما يليق " تهرباً من التشبيه الذي ينزه الله- تعالى- عنه بالنصوص المحكمة القواطع ، فقوله هذالا ينجيه ،  بعدما وقع- لا محالة- في فخ التشبيه ، وصيد فيه قسراً بشبكة الخيال التي قطع النص مادتها في حنايا التعامل مع الله ، وادعاء أنه لابد من تحديد المعنى ،بدعوى أن الله- تعالى- لا يخاطبنا بما لانفهم ، إدعاء مردود ، إذ استيعاب المعاني يتأتى من النصوص المحكمة التي أنزلت للعمل بها ، أما المتشابه فشأننا معه " الإيمان به " وإمراره كما جاء ، بلا تشبيه ، ووقوفاً مع من أثنى الله- تعالى- عليهم بقوله : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به ، كل من عند ربنا " و"كل " هذه في الآية ترجع إلى الآيات المحكمات والمتشابهات معاً التي هي مجموع ما أنزل الله على نبينا- عليه الصلاة والسلام- ويذكر- هنا- هؤلاء بالحروف المقطعة التي أنزلت في مطالع بعض السور،كقوله- تعالى- في مطلع سورة السيدة مريم " كهيعص "فهذه- الحروف المقطعة- كثيرمن المفسرين قرروا أنها مما استأثر الله بعلمه ، كذلك نذكر بالحديث القدسي ، وفيه يقول الله- تعالى- لعبده يوم القيامة : " مرضت " بضم " التاء " التي هي ضمير يعود على الله- تعالى-  لأنه تضمن المتشابه الذي تعجب فيه المخاطب ، حيث علم أن إسناد الفعل " مرض "لله- تعالى- كما جاء في الحديث مما لا يليق ظاهره بالله تعالى ،وأقول ظاهره ، لأن له معنى ، لما وضّح للمتعجب سلم به أروع تسليم ، خاصة لما تبين عطاء الظاهر المتبادر الذي جيء به ، مع إمكان الخطاب المباشر بما لا يشكل ،  والتأويل الذي  "صرف "به النص عن ظاهره المتبادر المتعجب منه ، وإعادة المضاف المحذوف إليه في سياق التفسير لإزالة النص عن ظاهره ، فصار بدلاً من " مرضت " "مرض عبدي " والحديث يوضح أنه لايوقف على الظاهر، إن كان معناه المتبادر لا يليق بالله- تعالى-  بدليل التعجب !وفيه أنه لايحمل على ظاهره المتبادر بدليل أنه ما أنكر على المتعجب تعجبه ! .. مع أن مضمون الحديث يقال في الآخرة ، حيث- هناك- عالم التسليم المطلق ، وهنا يقال لهؤلاء : لم تذهبون إلى أن " صرف " النص عن ظاهره المتبادرهو " تعطيل " للنص ، و:أن الإعمال لايكون إلا بإجرائه على ظاهره ؟ أما بلغكم ما كان من أمر الصحابة الذين سمعوا الأمر من الرسول- عليه الصلاة والسلام- حين دعاهم إلى التوجه إلى " بني قريظة " بعدما هزم الله الأحزاب ، فقال مناديه : " ألا من كان سامعاً مطيعا ، فلا يصلينّ العصر إلا في بني قريظ "فالنص- هنا-  واضح الدلالة أيّما وضوح ، ولكنّا رأينا بعض الصحابة قد وقفوا على الطريق لمّا دخل وقت " العصر " وقفوا  ليصلوا العصر على الطريق ، وقبل الوصول إلى " بني قريظة " كما جاء في النداء !! والحديث قد نهى بظاهره عن الصلاة إلا في بني قريظة ، وقد تابع فريق من الصحابة السير ، حتى وصلواإلى غايتهم ، وهناك في بني قريظة صلوا " العصر " فكان بذلك منهم من صلى على الطريق ، ومنهم من صلى في بني قريظة ، ترى : أيّ الفريقين أقر- عليه الصلاة والسلام- ؟ أأقر الرسول الفريق الذي أخذ بظاهر الحديث ، فلم يصلوا على الطريق ؟ أم أنه أقر الفريق الثاني الذي فهم أن  ظاهر النص ليس مراداً ، وأن المقصود منه مجرد الإسراع  في التوجه إلى بني قريظة ؟؟نبئوني إن كنتم تعلمون ! إن الثابت من السيرة أنه- عليه الصلاة والسلام- أجاز من صلى على الطريق ومن لم يصل ، أي : من أخذ بظاهر الأمر ، ومن فهم منه أن الظاهر ليس مراداً ، وإنما كان المقصود منه الإسراع  ، أيسوغ بعد هذا أن يقال: أن الذين صلوا على الطريق " عطلوا النص " إذ صرفوه عن ظاهره المتبادر لم يأخذوا به ، وهنا المسألة فقهية ،واضحة المعالم ، فكيف إذا كانت مسألة عقدية بهذه الخطورة ، و تتعلق بذات الله أو بصفاته ، بذات " من ليس كمثله شيء " كما ثبت بالكتاب والسنة ، وأجمع عليه أهل السنة ، إن الذين يصرفون النص " المتشابه " عن ظاهره ما فعلوا أكثر من أعملوا النص " المحكم " في " المتشابه " لأن المحكم كما جاء به النص هو " أم الكتاب " ويرد " المتشابه على هذا للمحكم ، وعليه ، فهو إعمال ، وليس تعطيلاً كما يتراءى لبعضهم ! ...

وعودة إلى الحديث " مرضت "و " ومرض عبدي " الذي تضمن كلاً من المتشابه والمحكم معاً ، واجتمعا فيه ،مما يدل دلالة ظاهرة على عدم إجراء الظاهر المتشابه على ظاهره ، ورده إلى المحكم " وهو التنزيه " المطلق ، ، فنقول :ثمة معان لاتظهرلنا إلا عبر الأسلوب الذي خاطب الله به عبده يعاتبه ، إذ لوقال الله لهذا العبد الذي يعاتبه لتركه عيادة المريض مباشرة :" مرض عبدي " لغاب عنا الكثير من اللطائف التي سيق الخطاب- ابتداءً- بها ، وهذه المعاني التي أثمرها النص المتشابه تتلمس بقلب مفتوح ، وتضلع بأساليب اللغة ، ووقوف على إيماءات التعبير، وهذا لايتأتى لمن يبس أمام النص يستحلب ظاهره وحده ،ولا يرى أي عطاءٍ في غير ضرعه الظاهر ! ودون أن تتراءى له ما بداخله من عطاءات التحبيب والتقريب والحفز على العناية بالأحكام. ..

    7- ثم أليس ما يأخذه الشيخ على الأشاعرة يعني أنه هو من المشبهة أوالمجسمة ؟

 كلام الشيخ المفتئت على الأشاعرة يقطع بأنه على مذهب المشبهة أو المجسمة ، ولا يمت لأهل السنة بصلة !إلا إذا تبرأ مما دل عليه كلامه دلالة ظاهرةً ،وهذه ليست دعوى مطلقة ، إنما تقررت بالدليل ، وكان عليه  أولاً  أن يثبت أنه على منهج السلف الصالح في التعامل مع " المتشابه " ثم بعد ذلك يدخل من شاء ، ويخرج من شاء من المسلمين من ميدان أهل السنة والجماعة ، وإليه ، وإن كان الشيخ- في كلامه- قد أدخل الأشاعرة في دائرة أهل السنة إدخالاً جزئياً ، حيث قرر أن ثمة أشياء خالفوا فيها أهل السنة ، وبيّنها بأنها" تأويلهم لآيات الصفات " وهو- إذا ثبت التأويل على وجهه الصحيح لدى السلف - يكون قد بنى جداره على رمال متحركة ، سرعان ما تذهب به ريح الحقيقة ، أو تزلزله بعنف الحق يغير على الباطل الذاهب !  وما الذي يبقى من دعوى الشيخ بعد ذاك الانهيار !!! ؟

     وإذا كان الأشاعرة يؤمنون بالله وأسمائه وصفاته الواردة في الكتاب والسنة ، من غير تشبيه ، ولاتمثيل ، وعلى الوجه اللائق بالله تعالى ، فلم يخرجهم الشيخ بدعواه من مجتمع هم لبه وجمّه الأعظم ؟ .

8- أليس من الأولى بالشيخ لوحدد لنا أولا من هم أهل السنة والجماعة؟

 أجل :لوحدد- لنا- الشيخ بداية من هم أهل السنة والجماعة ؟ ومامعيار الانتماء لهم بالدليل ؟ ثم  بعد ذلك أخذ يهدم انتماء السواد الأعظم إلى الأشاعرة على أنهم ليسوا من أهل السنة ،، لقلنا نجح الشيخ فيما ادعى ، ولكسب الدعوى ، ولكن أن يحاكم الأشاعرة إلى اعتقاده هو! الذي يتطلب منه جهوداً جبارة ليدل على أنه هو اعتقاد أهل السنة ، فهذا مالا تعرفه المناظرات ! وماذكره من موقف أهل السنة من الإيمان والصفات ، لم يأت بدليل على أن الشيخ له هذا الموقف ، ولم يبيّن لم أخرج الأشاعرة عن هذه المضامين ! إلا من حيث إن له موقفاً من مسألة المتشابه في النصوص ، ثم هاجم من لايرى رؤية هو يراها ، ويتبناها ، ولو دقق لوجد أن ماعليه الأشاعرة هوعين ماكان عليه أهل السنة والجماعة ، الذين هم الصحابة الكرام ، ومن تبعهم بإحسان .. والشيخ نصب من نفسه مصدراً للصواب ، وأخذ يخطيء الأشاعرة ، وهم أهل السنة - قبل أن يدلف مذهب الشيخ إلى ساحة المسلمين - بنسبتهم إلى التعطيل ، لأنهم أوّلوا ، والتأويل لا يعني التعطيل بحال ، لأنه ليس نفياً لمعناه ، حيث الإحاطة به متعذرة ، إلا إذا أراد الشيخ من " التعطيل " التنزيه عن التشبيه ! أو تعطيل التشبيه !!حالتئذ يكون مصيباً أيّما إصابةٍ ..

     و لو عكس الشيخ لأنصف ، حيث يقررأن الأشاعرة هم أهل السنة ، والذين جاؤوا من بعد ، وأقاموا لأنفسهم بروجاً من الفهوم ، جلها مؤسس على التشبيه والتجسيم ، وقائم على إلغاء المجاز في اللغة ، وهدم ماتعارف عليه العرب من أساليب التعبير ، وحيث يسوق لنا أحد منهم" عبارات السلف " يسوقها حسبما يفهم هو ، لا حسبما وردت عنهم ، إذجعل من نفسه  قطباً تدوركل نجوم العبارات حول مركزه ، ولعل الاعتزاز بالانتماء دون بصيرة ، وتثبت ، وتورم ذلك في النفس من وراء الكثير من هذه التشنجات الفكرية كما قرر أحد الباحثين .

     وقد ساق الشيخ مجموعة من المعاني ، وعرضها عرضاً ، امتلأ بالتناقض ، وهذا ماسأكشفه قريباً .

    وسوف أسوق بين يدي هذا الحديث مجموعة من نظرات شيخ منهم إلى قضايا الإيمان ،ومدى استيعابهم للمتشابه ، وأنهم يجرون النصوص المتشابهة على حقائقها في المخلوق ، لا على معانيها التي تليق بعظمة الله ،  دون أدنى تشيبه أو تكييف !أسوقها لك لتنظر: أهي- فعلاً-  على ماجاء عن السلف الصالح ؟ أم هي داخلة في إطار " الذين يتبعون ماتشابه منه " مع التأكيد بأن الدعاوى مقبولة ماساندتها الأدلة ، أما إذا نقضها الدليل ، وأغار عليها الموقف العملي ، فهي مردودة على المدعي بلا توقف !! .

    1- - يعتبر الشيخ كل الإضافات ، أو:كل ماأسند إلى الله- تعالى- من أفعال، من ضروب الصفات التي يوصف الله- تعالى- بها ، ويجعل كل ذلك من الكمال الذي يتصف الله- تعالى- به ،وذلك من مثل قوله- تعالى- : ( مكروا ومكر الله ) و ( يخادعون الله وهو خادعهم ) و ( يكيدون كيدا، وأكيد كيداً ) ويقول : كل هذه الصفات تليق بالله على الوجه اللائق به .

     2- الشيخ لم يبين ماالوجه اللائق ، وماهو غير اللائق من هذه الصفات حتى لا نرى صواب كل وجه من الأوجه ! .

     3- وقرر- أيضاً- فقال : نؤمن أن الله- تعالى- يتقرب من عبده المتقرب إليه كما يشاء ، ويأتي هرولة لمن أتى إليه يمشي كما يشاء ، من غير تكييف ولا تمثيل ، وليس في ذلك ماينافي كمال الله- عزوجل- !!! .

     4- وقال: وذهب بعض أهل السنة إلى أن قوله " أتيت هرولة " يراد به سرعة قبول الله وإقباله على العبد المتقرب إليه ، وقال: إن هذا هو ظاهر اللفظ بدليل أن الله قال "ومن أتاني يمشي.. " ومعلوم أنه لا يقبل العبد على الله بالمشي وحده ، إذ هناك الركوع والسجود و .. فعلم أن المراد بذلك كيفية طلب الوصول إلى الله ، وأن الله يجاري الطالب بأعظم من عمله وأفضل ... وعليه لم يكن تفسيره بذلك تأويلاً ، ولاحرفاًَ له عن ظاهره ، والملاحظ- هنا- أن الشيخ ارتضى صرف النص عن ظاهره ، ولم يعتبر هذا الصرف الذي ارتضاه من التأويل الذي هو التعطيل ، كما يرى في غيره من التأويلات التي لا تروق له !..

    5 - عرض شيخ من مشايخهم لقضية الجهة في درسه ، ولما وقر في نفسه من قضية البعد الحسي بين الأرض والسماء ، عرض بمثال يزيح به إشكالاً لانجده إلا في صدور المجسمه وحدهم ، وقد جاء تمثيله يبين فيه كيف يكون الله- تعالى- مع هذا البعدالشاسع بين الأرض التي نحن عليها ، وبين السماء التي يراهالله جهة!!- مطلعاًً على عباده ؟ سبحانه وتعالى عما يقولون ،  فقال من جملة ما قال : في معرض بيان علم الله بنا مع بعده المكاني عنا- سبحانه- !!أرأيت لو أن إنساناً على جبل عال ، وقال للجنود: اذهبوا إلى مكان بعيد في المعركة ، وأنا معكم ، وهو واضع المنظار على عينيه ، ينظر إليهم من بعيد " فصار معهم ، لأنه الآن يبصرهم ، كأنهم بين يديه ، وهو بعيد عنهم ، فالأمر ممكن في حق المخلوق ، فكيف لايمكن في حق الخالق !!!..

 ثم يقول : فإذا أمكن اجتماع " العلو " و " المعية " في المخلوق ، فاجتماعهما في الخالق من باب أولى!!!

      هذا هو النهج الذي يدعو إليه الشيخ ليكون من يتابعه عليه من أهل السنة والجماعة ، على أنه ليس هناك تشبيه أظهر من هذا التشبيه ؟ ولاتجسيم بعد هذا التجسيم ؟ إن فيه- أقل ما يقال- قياس من ليس كمثله شيء على هذا المخلوق الذي لا يكاد يرى بالنسبة إلى الأرض ، بله مجرة درب التبانة التي ننتمي إليها ، ودعك من سائر المجرات! ؟

      أهذه هي السلفية التي يفتخرون بها ؟ أو: أهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة الذين هم السلف الصالح ؟ أو أذن الله لنا بضرب هذه الأمثال له- سبحانه- ؟ حتى يمثل لنا الشيخ مسألة اطلاع الله على خلقه " بالمنظار "؟ هو مثال نضح به ذهن معجون بالحسية ، ومخبوز بالتشبيه ، والقول باختلاف الكيفية ، لايبريء الساحة مما لايجوز تصوره في حق الله ، علماً أن الله تعالى لايكيّف ، ولايشبه ، ولايمثّل بأي مثال ، كيف !!! وقد قال- سبحانه- " ولا تضربوا لله الأمثال " وقال : " ليس كمثله شيء " فكيف يضرب المثل لمن ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ؟هذا مما أطلعت عليه من دروس شيخ من مشايخهم ، ولعل هذا الفهم للمتشابه هو الذي أخرج الأشاعرة عن دائرة أهل السنة والجماعة ؟!! ولو كان المخرج باديء الرأي داخلاً فيهم لساغ أن يحكم على الآخرين بالإخراج !لو شعرت لحظة بأن هذا التصور صحيحاً لما توقفت عن اعتقاده والدعوة إليه ، ولكن هيهات ! .

    6- وحيث كان من أولئك الذين يجرون النصوص على الحقائق المتبادرة دون أدنى احتراس ، أو اعتبار لقضية التجسيم والتشبيه ، رأيناه في موقف آخر يقررمايلي فيقول : لايمكن أن يخاطبناالله بما لانفهم ، وهذا مسلم به في قضايا الأحكام ، حيث لانتمكن من إقامة شرع الله في واقع الحياة إلا بعد فهمنا لمايراد منا من أحكام ، لكنه يقول  : خاطبنا- سبحانه-" أن له وجهاً، وأن له عيناً ، وأن له يدين ... وماأشبه ذلك ،يقول : ونحن لانعقل بمقتضى اللغة العربية من هذه " الأشياء " إلا مثل ماتشاهد !! أرأيت هذا الفهم ، إذ جعل ماينسب إلى الله في حقيقته على مثل ماينسب للمخلوق ، ثم يقول :.. وعلى هذا فيجب أن يكون مدلول هذه الكلمات مماثلاً لمدلولها بالنسبة للمخلوقات !!

 أهناك أشد غرابة من هذا التقرير ؟! يد ويد ،عين وعين ، وجه ووجه.. وهكذا ، لكن هذا كله بلا كيف . ونحن إنما قلنا بذلك لأن لدينا دليلاً  

       7 - إنّ ماأتى به هؤلاء لايمت للسلف بصلة ، ولا يستند إلى فهم  للغة الخطاب التي جاءت بهاالنصوص ، ولا لمعطيات اللغة العربية التي نزل بها الكتاب ،بل هي تفسيرات منطلقة مما ملأ النفس من تكييفات ، فأخذوا يطوّع كل النصوص لما يرونه ، وإن تستروا بقولهم :" بلا تكييف ..." لأن الشروح التي أتوا بها لاتخرج بمفرداتها وجملها عن هذا المعنى ، وذاك التوجه .

   ويفيد- هنا- أن نعرض بعض الكلمات التي يكثرورودها في قضية التوحيد ، منها :

- المتشابه :هو كل نص من كتاب ، أو سنة ، يوهم ظاهره مشابهة الله - تعالى - للمخلوقات ، مثل قوله- تعالى- : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) / البقرة : 210 / وقوله - عليه الصلاة والسلام - فيما يرويه عن ربه "... ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " والمتشابه - لغة - هو اسم لكل مالا يهتدي إليه الإنسان لما فيه من المشاركة في المماثلة والمشاكلة المؤدية إلى الإلتباس ( انظر اتحاف الكائنات للسبكي ) ، وهو ماأشكل تفسيره بمشابهة غيره ، إما من حيث اللفظ ، أو من حيث المعنى ، ويحتمل- كذلك- التصرف ، ويحتاج سامعه إلى تأويله ، وليس قطعيّ  الدلالة على المعنى المراد ( انظر كتاب المفردات للراغب 354 ) وقال الرازي :  " المتشابهات هي التي قامت الدلائل الكافية على امتناع ظواهرها " .

- الموقف من المتشابه : المحكم بالنص هو :" أم الكتاب " وهو الذي أنزل ليعمل به ، ويرد إليه " المتشابه " ولذا يؤمن بالمتشابه ، ويحمل على المحكم ، وينزه الله عن الظاهر المتبادر من المتشابه ، ويفوض أمر معناه المراد منه إلى الله- تعالى-  وقد جاء عن السلف أنهم قالوافي المتشابه :"  أمرّوها كما جاءت " مما يدل على أنهم لم يقفوا على معناها المراد، ولم يروا أن يعملوا في عقولهم فهماً كما هو شأن المحكم

 

- المحكم : هو النص المقطوع به أنه - تعالى - مخالف للمخلوقات كلها كقوله -  تعالى - ( ليس كمثله شيء ) / الشورى : 11 /  .

- تأويل المتشابه :التأويل ، منه العامّ ، ومنه الخاص ،فالعامّ هو مطلق تنزيه الله- تعالى- عن مشابهة الحوادث ، وهذا لو أخذ به المجسمة والمشبهة لما وقعوا في شر التجسيم ولا التشيبه ، ولصينت عقائدهم عن لوثة ذلك !والخاصّ: يعني صرف النص عن ظاهره المتبادر لايهام المشابهه ، وبناء على النص المحكم " ليس كمثله شيء " ثم الإيمان بمعناه الذي استأثر الله بعلمه بناء على قوله- تعالى- ( ومايعلم تأويله إلا الله ) وهذا يعني تفويض أمر معناه لله- تعالى- الذي أحاط بالمراد منه ،ومما يستدل به على جواز ذلك ، أنه قد صرف نص الحديث القدسي " مرضت "بإسناد الفعل إلى الضمير " التاء " الذي يعود على المتكلم ، وهو الله- تعالى- عن ظاهره ،ثم حدد المعنى المراد من التعبير بقوله " مرض عبدي "فأسند الفعل الذي يستحيل في حق الله- تعالى- إلى العبد الذي يقبل معنى الفعل " مرض " ، ولولا ماأوهم ظاهر العبارة الأولى " مرضت " لما تعجب العبد المخاطب بها ..

وعلى هذا يقدّم التنزيه بقوله " ليس كمثله شيء " على الإثبات ،وهذا يتطلب  للدخول إلى رحاب الإثبات أن  يكون عبر المحكم ،ليكون ما نثبته لله- تعالى- نثبته على المعنى اللائق به ، وهذا مادلنا عليه التعبير القرآني الذي تقدم فيه النفي على الإثبات ، قال- تعالى- : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) وبه يثبت صفتي السمع والبصر على المعنى الذي يليق بالله- تعالى- لأنه- سبحانه- " ليس كمثله شيء " في ذاته ، ولا في صفاته .

- التكييف : يتنافى مع التنزيه ، لأنه ليس لله كيفية ، إذ الكيفيات والكميات من صفات المخلوقات ، والله- تعالى- لايوصف بكيف ؟ وعليه لايكون منزهاً لله مع تخيل لله كيفية ما ، أومن نسب له كيفية ، ولوأعلن أنه عاجز عن إدراكها ،وصرخ " بأنها ليس كمثلها شيء" وإدراك الكيفيات يقوم على الخيال ، ولا مجال للخيال في قضية الإيمان بالله وصفاته .

لهذا جاء عن السلف نفي الكيفية  ، فقالواوهم يقررون العقيدة في الصفات : بلا تكييف ولاتمثيل ..

- التعطيل : هو نفي صفات الله- تعالى- بالمرة ، واعتبار ذاته- تعالى- بلا صفات ، والعجيب أن يختلط معنى التعطيل بحقيقة التأويل في بعض الأذهان ، فيرون أن من أوّل المتشابه فقد عطل ! والحقيقة التأويل ينفي التشبيه ، ويفضي إلى إثبات مالاندركه من المعنى ، وهل الصفات سوى معان تقوم بذات الموصوف ، فتوجب لها حكماً ؟فكيف يقال لمن أثبت صفة لا يدري كنهها أنت " معطل "؟ إن من اعتبر تأويل المتشابه تعطيلاً دفعه إلى ذلك أن صرف النص المتشابه عن ظاهره هو تعطيل عن الصفة التي يعتقدها المعتبر ، وهذه الصفة لاتليق بالله- تعالى- ، وإن جاء النص بظاهره يوهمها ، وقد أغمض عن الإيمان بمعنى يليق بالله ، فكيف يكون هذا تعطيلا ً أو من التعطيل ؟ ! 

 

نموذج لفهم الأشاعرة:

     ونسوق هنا  نموذجاً مما عليه أهل السنة من علمائنا ، وهو القرطبي - رحمه الله - حيث قال في قوله- تعالى- :" وجاء ربك " أمره وقضاؤه ، قاله الحسن ، وهو من باب حذف المضاف . وأنت خبير أن هذا الباب ذائع في اللغة ، ومنه قوله - تعالى- في الحديث القدسي : " يابن آدم مرضت ، فلم تعدني ، واستسقيتك فلم تسقني ، واستطعمتك فلم تطعمني "  وقيل " وجاء ربك "  أي: زالت الشبه ذلك اليوم ، وصارت المعارف ضرورية ، كما تزول الشبه والشك عند مجيء   الشيء الذي كان يشك فيه .

وقال أهل الإشارة : "وجاء ربك " :أي: ظهرت قدرته ، والله - جل ثناؤه- لايوصف بالتحول من مكان إلى مكان ! وأنى له التحول والانتقال ، ولامكان له ، ولا أوان!! أي : هو- سبحانه- منزه عن المكان ، والزمان ، إذ هو خالقهما ...

وقال في حديث " مرضت " :  تنزلٌ في الخطاب ، وتلطفٌ في العتاب ، مقتضاه التعريف بفضل ذي البلاء ، وبمقادير ثواب هذه الأعمال، ولله- تعالى- أن يطلق على نفسه ما يشاء ، ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة ، والأفعال الشريفة !!! وعن التعبير بهذه الصيغة قال :وهذا كله خرج مخرج التشريف لمن كنى عنه ، ترغيباً لمن خوطب به .وحيث بلغنا هذا ، مع أنه سيقع يوم القيامة ، كنا كأننا سمعناه الآن في رحاب هذه الدنيا ، فانبرينا إلى المريض نعوده لننال عطاء من الله الذي ندبنا بهذا الأسلوب إلى عيادته .

      وعند حديث " إن الصدقة تقع في كف الرحمن " قال : هذا كناية عن القبول والزيادة عليها، كماكنى بنفسه الكريمة المقدسة عن " المريض " تعطفاً عليه ...

    فمن هو من أهل السنة والجماعة ؟ ومن هو المبتدع؟

    وبهذا يظهرلنا جلياً الفرق بين من يلتزم بالكتاب والسنة على الوجه الصحيح ، وبين من يلوي أعناق النصوص إلى ساحة تصوره الذي عجّ بالتشبيه !!ويزيد على هذادعوى أنه هو على منهج أهل السنة ، ومن لم ير ما رأى فهو مبتدع !!!!ونترك للقاريء الحصيف الحكم ، واتخاذ الموقف السليم من الفهم السليم ، والإعمال الواعي للنصوص !

ماذا يعني التشبيه والتجسيم والتأويل عند الشيخ؟

     -   لوعرض الشيخ لقضية التشبيه ، ومتى يقع ، والتجسيم ، وماحقيقته ؟

لكنا حاكمنا ماقاله على تحديده لمعنى التشبيه والتجسيم ، لكنه حمل مسألة التأويل على أنها نوع من التعطيل!!..

  -1 نسيانٌ يليق؟!

     لاينجي القائل بأن الله " ينسى " لكن على المعنى الذي يليق بالله ، مادام قد أسند لله- تعالى- مالا يجوز في حقه شرعاً وعقلاً ، ولو بنى قوله هذا على مثل قوله - تعالى - " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم "وبناه على إسناد الفعل " نسيناكم " لله- تعالى- ونقول- هنا- : ماالفرق بين إسناد النسيان هنا ، وإسناد الخداع والمكر هناك ، حيث قرر أنه " مكر " يليق  ؟!

    2-هرولة تليق؟!

  ثم يورد الحديث الذي هو من لب المتشابه ، والشيخ قد أغفل أن القرآن منه محكم ، وفيه متشابه ، ويقول في الحديث القدسي : "... ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " ويعلق عليه : كل هذه الصفات تليق بالله ، يجب الإيمان بها، وإثباتها لله على الوجه اللائق بالله ، هو تقرب يليق ، وهرولة تليق ، ليس فيها مشابهة الخلق ، تقربه وهرولته على الوجه اللائق لايشابه صفات المخلوقين ..

     3- مللٌ يليق؟!

 وحين عرّج على الملل الوارد في الحديث " إن الله لا يمل حتى تملوا " قال : ملل يليق بالله ، لايشابه صفات المخلوقين ، وعلل هذا بالعجب العجاب ،  فقال: .. في المخلوقات نقص وضعف ، أما صفات الله فهي تليق به ، لايشابه خلقه ، وليس فيها نقص ولا عيب ، بل هي صفات كمال تليق بالله- تعالى- ...

      4 - مرضٌ يليق؟!

ومرةعلق الشيخ على حديث " مرضتُ " فقال : أخذ به السلف ، ولم يصرفوه عن ظاهره بتأويل يتخبطون فيه بأهوائهم ، وإنما فسروا بما فسره الله به ، حيث قال : " أما علمت أن عبدي فلان مرض " قال : والذي فسره بذلك هو الله- تعالى-  الذي تكلم به ، وهو أعلم بمراده ، فإذا فسر بما فسره به الله لم يكن في ذلك صرف له عن ظاهره ، ولا تأويل كما لو تكلم الله بالمعنى ابتداءً .. ثم يقول : لو كان المراد خلاف ظاهرها - أي النصوص المتشابهة - لبيّنه الله تعالى ورسوله ! ولو كان ظاهرها اللائق بالله ممتنعاً على الله- تعالى- لكان في الكتاب والسنة من وصف الله بما يمتنع عليه مالا يحصى إلا بكلفة !!  ..غفل الشيخ عن أن المعنى الذي رد له التعبير " مرضت " قد صرف عن ظاهره بالعبارة الجديدة " مرض عبدي " وهل هذا التأويل لا يحتذى في أمثاله ؟ ولو فهم المخاطب ما آل إليه المعنى بعد ذكرالمضاف " المحذوف " لما كان هناك من حاجة إلى البيان ، ومن فهم المراد من المتشابه ليس له أن يتعجب !ثم ، ألا ترى أن الشيخ أرجع التأويل إلى الأهواء ، وأعرض عن القواعد التي تتبنى في فنّ التأويل لمن أراد أن يؤوّل ، كما أوّل في الحديث ، بخلاف من سلك مسلك " أمرّوها كما جاءت " وهذاهو الأسلم والأحكم  ، ولمن أوّل متكأ من السنة ، هوما ثبت من  صرف النص عن ظاهره في الحديث الشريف الذي وظفه الشيخ لمذهبه ، أي: إجراء اللفظ على ظاهره ، ولو كان منافياً لما يليق بالله- تعالى-  وغفل عن أن العبد الذي سمع من الله " مرضتُ " قدعجب من العبارة التي تلقّاها من الله ، فقال : " وكيف تمرض ؟ ولم ينكرالله عليه تعجبه !!ولم يقل له : مالك تتعجب ، والمعنى واضح كل الوضوح !!

   5   - يد تليق؟!

     وهاهوذا الشيخ  ينقل لنا- أيض