لماذا نصلي على النبي؟
تاريخ الإضافة : 2013-01-15 01:13:17
لطالما غيرت (الصلاة على النبي) حياتي... وروحي... إلا أنني لازلت أتساءل: إذا صلى الله على سيدنا محمد بذاته الإلهية،، فما المرجو من أمره لنا تعالى بالصلاة على نبيه؟ بمعنى آخر... لماذا نصلي على النبي؟

ثمة مرتكزات للجواب أبينها بالنقاط التالية :

 المسألة الاولى :" التضمين " أعني به تضمين الكلمة معنى آخر غير المعنى المعجمي الذي وضعت له ، لمناسبة بين المعنيين ، مثاله أن يضمن معنى " يشرب " يرتوي ، وندل على المعنى المضمن بدليل يرجع غالبا للصلة ن فالشرب معروف معناه ،وهو مقدمة للري ، وحيث نضمن كلمة يشرب معنى يرتوي نأتي بصلة تدل على ذلك ن وفيه اتقاء أن يكون الشرب دون ارتواء كشرب اهل النار في النار ، وهذا نجده في مثل قوله تعالى :" إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله " فالعين يشرب " منها " وهنا جاء التعبير " يشرب بها " ليدلك على أن معنى " يشرب " يرتوي ، أي: يرتوي بها !

- الثانية مبنية على الأولى : حيث جاء فعل " يصلى " مضمنا معنى " يثني " بدليل الصلة " على " فأصبح معنى " يصلى عليه " أي : يثني عليه ، فصارت الصلاة هنا من الثناء ، وفيه استحضار معنى الثناء حين نصلي عليه ، وهو أهل أن يثنى عليه ، لما له من الأيادي البيضاء على البشرية .

الثالثة :أصدق الثناء ثناء الله على من يثني عليهم ، لأن ثناءه عن علم شامل كامل بمن يثني عليهم ،وكلما رقى المثنى عليه تطلب ذلك زيادة في الثناء ، ولما كان لا يحيط بعظمة الرسول عليه الصلاة والسلام أحد كما أحاط الله أزلا ، وكي يأتي ثناؤنا عليه لما دعينا إليه مطابقا للواقع ، ولما كنا لانحيط به عليه الصلاة والسلام ، جاءت صيغة مشاركتنا في حفل الصلاة الكوني والذي شارك فيه الملائكة ،" اللهم صل على سيدنا محمد " مع أن الدعوة كانت " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه " فما كان منا إلا أن أحلنا هذا إلى الله جل جلاله ،فقلنا :" اللهم صل " لأنه الأعلم بذلك ، وفيه إظهار عجز عن القيام بهذا التكليف !، والمعنى الذي يستنبط من كون ما أمرنا به قد سبقنا الله إلى مضمونه هو أن المصلي منا ينبغي أن يلاحظ أن المشاركة في الحفل الإلهي يعود علينا ، وغنى الرسول بصلاة الله عليه متحقق ، فنحن نكسب تقريبا من الله بذلك ، عبر عنه (بأن  من صلى عليه صلى الله عليه بها عشرا)   ومسألة الثناء ترجع إلى ما ركب فينا فطرة ، تستدعي تحسين الحسن وشكر المحسن ، وتقبيح القبيح وتوهينه

سأرسل لكم مجموعة من الحقائق المتصلة بهذا السؤال الرائع الذي يدل على تذوق ما نتلفظ به من أذكار.

بداية أبين أن الصلاة من الله على النبي عليه أفضل الصلاة واتم التسليم من التشريف العظيم الذي لم يعهد له نظير!  والتعبير بالجملة الأسمية في قوله تعالى " إن الله وملائكته يصلون على النبي " قبل أن ندعى لننال شرف الثناء على من هو الأحق بالثناء من بني آدم جاء بها للدلالة على الدوام والاستمرار ،وذكر أن الجملة تفيد الدوام نظرا إلى صدرها من حيث إنها جملة أسمية ، وتفيد التجدد نظرا إلى عجزها" يصلون على النبي " من حيث إنه جملة فعلية ، فيكون مفادها استمرار الصلاة وتجددها وقتا فوقتا ، وتأكيدها بإن من قوله " إن الله " للاعتناء بشأن الخبر،وهو الجملة الفعلية " يصلون " وقيل: لوقوعها في جواب سؤال مقدر، هو: ما سبب هذا التشريف العظيم؟ وعبر" بالنبي" دون " محمد "اسمه- صلى الله تعالى عليه وسلم- على خلاف الغالب في حكايته تعالى عن أنبيائه عليهم السلام إشعارا بما اختص به صلى الله عليه وسلم من مزيد الفخامة والكرامة وعلو القدر، وأكد ذلك الإشعار" بأل" في النبي التي للغلبة إشارة إلى أنه- صلى الله عليه وسلم- المعروف هوالحقيق بهذا الوصف ، وقال بعض الأجلة : إن ذاك للأشعار بعلة الحكم ، ولم يعبر" بالرسول" بدله ليوافق ما قبله من قوله تعالى " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله " لأن الرسالة أفضل من النبوة على الصحيح الذي عليه الجمهور خلافا للعز بن عبدالسلام ، فتعليق الحكم بها لا يفيد قوة استحقاقه- عليه الصلاة والسلام- للصلاة ، بخلاف تعليقه بما هو دونها مع وجودها فيه ، وهو معنى دقيق فلا تسارع إلى الاعتراض عليه ،ثم إن إضافة الملائكة للاستغراق  وقال : " ملائكته " ولم يقل" الملائكة" دون إضافة إلى ضمير يعود على الله تعالى ، إشارة إلى عظيم قدرهم ومزيد شرفهم بإضافتهم إلى الله تعالى ، وذلك مستلزم لتعظيمه- صلى الله تعالى عليه وسلم- بما يصل إليه منهم من حيث إن العظيم لا يصدر منه إلا عظيم !ثم فيه التنبيه على كثرتهم ، وأن الصلاة من هذا الجمع الكثير الذي لا يحيط بمنتهاه غير خالقه واصلة إليه- صلى الله تعالى عليه وسلم- على ممر الأيام والدهور مع تجددها كل وقت وحين وهذا أبلغ تعظيم وأنهاه وأشمله وأكمله وأزكاه.

- واختلفوا في معنى الصلاة من الله تعالى وملائكته عليهم السلام على نبيه- صلى الله تعالى عليه وسلم- على أقوال، تصب كلها في مصب التشريف والإماطة عن المنزلة الرفيعة لأعظم مخلوق في الوجود كله ! فقيل : هي منه عزوجل ثناؤه عليه عند ملائكته وتعظيمه، ورواه البخاري عن أبي العالية وغيره عن الربيع بن أنس وجرى عليه الحليمي في شعب الإيمان،وتعظيمه- تعالى- إياه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء العمل بشريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته، وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كافة المقربين الشهود ،وتفسيرها بذلك لا ينافي عطف غيره "كالآل والأصحاب" عليه، لأن تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به، وقيل : هي منه تعالى رحمته عزوجل، ونقله الترمذي عن الثوري وغير واحد من أهل العلم ونقل عن أبي العالية أيضا وعن الضحاك وجرى عليه المبرد وإبن الأعرابي والإمام الماوردي،وقال : إن ذلك أظهر الوجوه، وقدسأل الصحابة رضي الله عنهم عن كيفية الصلاة عليه - عليه الصلاة والسلام- ليحيطوا علما بذلك الخصوص ، علما أنهم قد فهموا المغايرة بين الصلاة والرحمة ، وقد علموا الدعاء بالرحمة في التشهد

- والصلاة من الملائكة عليه: الدعاء له- عليه الصلاة والسلام- على ما رواه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي العالية

- واستعمال اللفظ الواحد " يصلون "في معنيين كما هنا ، حيث جعل بمعنى الرحمة لما أسند إلى الله تعالى، وبمعنى الدعاء لما اسند إلى الملائكة ،لا يجوزه كثير كالحنفية ،وهؤلاء الذين لا يجوزون الاستعمال المذكور اختلفوا في التقصي عن ذلك في الآية، فقال بعضهم : في الآية حذف ، والأصل:" إن الله يصلي وملائكته يصلون "فيكون قد أدي كل معنى بلفظ وقال آخر : تعدد الفاعل صير الفعل كالمتعدد ،وقال صدر الشريعة: يجوز أن يكون المعنى واحدا حقيقا وهو الدعاء، والمعنى أنه تعالى يدعو ذاته والملائكة بإيصال الخير وذلك في حقه تعالى بالرحمة، وفي حق الملائكة بالإستغفار، وفيه دغدغة لا تخفى!

وقال جمع من المحققين : يتقصى عن ذلك بعموم المجاز، فيراد معنى مجازي عام يكون كل من المعاني فردا حقيقيا له، وهو الاعتناء بما فيه خيره- صلى الله تعالى عليه وسلم- وصلاح أمره وإظهار شرفه وتعظيم شأنه،أو الترحم والانعطاف المعنوي- وقال بعض الأجلة : إن معنى الصلاة يختلف باعتبار حال المصلي والمصلى له والمصلى عليه، والأولى هنا : أنها موضوعة هنا للقدر المشترك وهو الاعتناء بالمصلى عليه، أو إرادة وصول الخير .

- وقال آخر : الصواب أن الصلاة- لغة- بمعنى واحد، وهو العطف، ثم هو بالنسبة إليه- تعالى- الرحمة ، وإلى الملائكة- عليهم السلام- الاستغفار،وإلى الآدميين الدعاء، وتعقب: بأن العطف بمعناه الحقيقي مستحيل عليه- تعالى- فيلزم من اعتباره مسندا إليه تعالى وإلى الملائكة عليهم السلام ما يلزم،إلا إذا كان العطف في الغائب كالعطف في الشاهد لا يتحقق إلا بقلب ونحوه من صفات الأجسام المستحيلة عليه سبحانه ، وكثير مما في الشاهد وله شيء ، وهو في الله تعالى وله وراء ذلك ، ويسند إليه سبحانه على الحقيقة التي تليق بالله تعالى ، لا على المعنى الذي نعرفه عنها فينا ، إذ إن ذاته- تعالى -لا تشبهها الذوات ، ولا صفاته تعالى  كالسمع والبصر والإرادة تشبهها الصفات ، فالحقائق التي لله قد تفرد بها جل جلاله ،وقد امتنع بقوله تعالى " ليس كمثله شيء " وبأمثاله من النصوص المحكمة القياس. وقد يختار أن الصلاة هنا تعظيم لشأنه صلى الله تعالى عليه وسلم ،يقارنه عطف لائق به تعالى وبملائكته، وإذا انسحبت عليه- عليه الصلاة والسلام- وعلى أحد من المؤمنين تعلقت بكل حسبما يليق به، وجمع اسم الله سبحانه والملائكة في ضمير واحد " يصلون"لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام لمن قال :" من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى" بئس خطيب القوم أنت! قل:" ومن يعص الله ورسوله" لأن ذلك منه تعالى محض تشريف للملائكة- عليهم السلام- لا يتوهم منه نقص، ولذا قيل: إذا صدر مثله عن معصوم قيل كما في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم" لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" .. .

- هذا،وقرأ ابن عباس وعبدالوارث عن أبي عمرو ( وملائكته ) بالرفع، فعند الكوفيين غير الفراء هو عطف على محل" أن وأسمها" والفراء يشترط في العطف على ذلك خفاء إعراب اسم " إن " وجملة ( يصلون ) خبره وخبر إن محذوف ثقة بدلالة ما بعد عليه أي إن الله يصلي وملائكته يصلون وهنا تأتي دعوة الله - تعالى- للمؤمنين إلى نيل الرفعة بالثناء على من أثنى الله عليه ، وهو أهل الثناء فقال :( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه ) أي: عظموا شأنه عاطفين عليه ، فإنكم أولى بذلك.

 والمراد بالتعظيم المأمور به ما يكون بهذا اللفظ ونحوه ، مما يدل على طلب التعظيم لشأنه عليه الصلاة والسلام من الله عزوجل لقصور وسع المؤمنين عن أداء حقه عليه الصلاة والسلام ، وقد ذكر العلماء أن المصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم- يلا حظ بصلاته ما من الله إليه من الثواب ، دون أن يلاحظ ما منه للرسول بالصلاة عليه ، ويسند هذا ما جاء من سبب نزول الآية : " إن الله وملائكته يصلون على النبي " ما أخرجه عبد بن حميد وإبن المنذر قال : لما نزلت" إن الله وملائكته يصلون على النبي" قال أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- : ما أنزل الله تعالى عليك خيرا إلا أشركنا فيه، فنزلت" هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور" أي: من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة، أو: من الجهل بالله تعالى إلى معرفته عزوجل، فإن الجهل أشبه بالظلمة والمعرفة أشبه شيء بالنور، وقال ابن زيد : من الضلالة إلى الهدى، وقال مقاتل : من الكفر إلى الإيمان ، وقيل : من النار إلى الجنة حكاه الماوردي، واللام في " ليخرجكم " متعلقة بفعل " يصلي" أي: يعتني بكم هو سبحانه وملائكته ليخرجكم ، أو: يترحم عزوجل وملائكته ليخرجكم بذلك من الظلمات إلى النور" وكان بالمؤمنين رحيما" مما جاء في بيان ما للصلاة عليه- عليه الصلاة والسلام- من عطاء ن قوله - عليه الصلاة والسلام- :" إن هذه القبور مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاَتِي عَلَيْهِمْ» رواه مسلم : 956.  

- ومما جاء في الأخبار إرشاد إلى كيفية ذلك وصفته،فقد أخرج عبدالرزاق وإبن أبي شيبة والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داؤد والترمذي والنسائي وإبن ماجه وإبن مردويه عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رجل : يارسول الله أما السلام عليك فقد علمناه فكيف الصلاة عليك قال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد

وأخرج الإمام مالك والإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داؤد والنسائي وإبن ماجه وغيرهم عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا : يارسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قولوا اللهم صلي على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

- إن الصحابة الكرام الذين علموا أن الله عزوجل وملائكته عليهم السلام يصلون عليه- صلى الله تعالى عليه وسلم- وفهموا أن الصلاة منه عزوجل ومن ملائكته عليه- عليه الصلاة والسلام- نوع من تعظيم لائق بشأن ذلك النبي الكريم- عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل التسليم- ولم يدروا ما اللائق منهم من كيفيات تعظيم ذلك الجناب، فسألوا عن كيفية ذلك التعظيم فأرشدهم عليه الصلاة والسلام إلى ما علم أنه أولى أنواعه، وهو بهم رؤوف رحيم ، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : قولوا "اللهم صل محمد" إلى آخر ما في بعض الروايات الصحيحة ، وفيه إيماء إلى أنكم عاجزون عن التعظيم اللائق بي فأطلبوه من الله عزوجل لي ، ومن هنا يعلم أن الذي يأتي بما أمر به الله عز وجل من طلب الصلاة عليه- صلى الله تعالى عليه وسلم- يأتي بأعظم أنواع التعظيم" لتضمنه الإقرار بالعجز عن التعظيم اللائق" فهو على غرار ما نسب إلى الصديق- رضي الله تعالى عنه- أنه قال :" العجز عن درك الإدراك إدراك" ويقرب من هذا في الجملة قول بعض الأجلة: لما أمرنا الله تعالى بالصلاة على نبيه- صلى الله تعالى عليه وسلم- لم نبلغ معرفة فضلها، ولم ندرك حقيقة مراد الله تعالى فيه، فأحلنا ذلك إلى الله عزوجل، فقلنا: اللهم صل أنت على رسولك ، لأنك أعلم بما يليق به وبما أردته له- صلى الله تعالى عليه وسلم- ومن اللطيف أن يقال:إن مقتضى ظاهر إرشاده- صلى الله تعالى عليه وسلم- إياهم إلى طلب الصلاة عليه من الله- تعالى- شأنه أنه "لا يحصل إمتثال الأمر إلا بما فيه طلب ذلك منه عزوجل"

وقال النيسابوري : لا يكفي:" صليت على محمد" لأن مرتبة العبد تقصر عن ذلك بل يسأل ربه سبحانه أن يصلي عليه- عليه الصلاة والسلام- وحالتئذ: فالمصلي عليه حقيقة هو الله تعالى، وتسمية العبد مصليا عليه مجاز عن سؤاله الصلاة من الله تعالى عليه صلى الله تعالى عليه وسلم ،وذكروا أن الإتيان بصيغة الطلب أفضل من الإتيان بصيغة الخبر، وأجيب عن إطباق المحدثين على الإتيان بها، فإنه مما أمرنا به من تحديث الناس بما يعرفون فالأولى ،وأن تصليتهم في الأغلب في أثناء الكلام الخبري نحو قال النبي- صلى الله تعالى عليه وسلم- كذا، وفعل- صلى الله تعالى عليه وسلم- كذا فأحبوا أن لا يكثر الفصل ، وأن لا يكون الكلام على أسلوبين لما في ذلك من الخروج عن الجادة المعروفة، إذ قلما تجد في الفصيح توسط جملة دعائية إلا وهي خبرية لفظا مع احتمال بلبلة ذهن السامع وبطء فهمه وحسن الإفهام مما تحصل مراعاته والظاهر أنه لا يحصل الامتثال: باللهم عظم محمدا التعظيم اللائق !ونحوه مما ليس فيه مشتق من الصلاة مثل :"صل وصلى" فإنا لم نسمع أحدا عد قائل ذلك مصليا عليه- صلى الله عليه وسلم- وذلك في غاية الظهور، إذ كان قولوا:" اللهم صل على محمد" تفسيرا لقوله تعالى : ( صلوا عليه  وسلموا تسليما) أي: وقولوا: والسلام عليك أيها النبي ونحوه ، وهذا ما عليه أكثر العلماء الأجلة .

- وفي معنى" السلام عليك" ثلاثة أوجه: أحدها السلامة من النقائص والآفات لك ،ومعك أي: مصاحبة وملازمة، فيكون السلام مصدرا بمعنى: السلامة كاللذاذ ، ولما في السلام من الثناء عدى" بعلى" لا لاعتبار معنى القضاء أي: قضى الله تعالى عليك السلام ، كما قيل ،لأن القضاء كالدعاء لا يتعدى" بعلى" للنفع ، ولا لتضمنه معنى "الولاية والاستيلاء" لبعده في هذا الوجه.

ثانيها: السلام مداوم على حفظك ورعايتك، ومتول له وكفيل به، ويكون السلام هنا اسم الله تعالى، ومعناه- على ما اختاره إبن فورك وغيره من عدة أقوال- " ذو السلامة من كل آفة ونقيصة ذاتا وصفة وفعلا وقيل : إذا أريد بالسلام ما هو من أسمائه تعالى فالمراد" لا خلوت من الخير والبركة وسلمت من كل مكروه" لأن اسم الله تعالى إذا ذكر على شيء أفاده ذلك وقيل : الكلام على هذا التقدير على حذف المضاف أي: حفظ الله تعالى عليك، والمراد: الدعاء بالحفظ....

 وثالثها: الانقياد عليك، على أن" السلام" من المسالمة،وعدم المخالفة، والمراد الدعاء بأن يصير الله تعالى العباد منقادين مذعنين له- عليه الصلاة والسلام- ولشريعته وتعديته" بعلى" قيل : لما فيه من الإقبال، فإن من انقاد لشخص وأذعن له فقد أقبل عليه، والأرجح هو الوجه الأول

نافلة:  من فضائل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .

- إن فضائل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرة ، نذكر منها جملة موجزة :

1-     إن من يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الله عليه عشر صلوات :

روى مسلم واصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشراً " .

وروى الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعته حتى دخل نخلاً ، فسجد فأطال السجود ، حتى خفت أو خشيت أن يكون الله قد توفاه أو قبضه ، قال : فجئت أنظر ، فرفع رأسه - صلى الله عليه وسلم - فقال : " مالك ياعبدالرحمن ؟ " قال : فذكرت ذلك له ، قال : فقال : " إن جبريل عليه السلام قال لي : ألا أبشرك ، إن الله عزوجل يقول : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه " وفي رواية : " فسجدت لله تعالى شكراً " وستأتي بقية طرقه

2- من صلى عليه - صلى الله عليه وسلم - صلى عليه رسول الله سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - : فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى علي بلغتني صلاته وصليت عليه ، وكتب له سوى ذلك عشر حسنات " رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لابأس به " من ( ترغيب ) المنذري .

3- إن من صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلت عليه ملائكة الله تعالى :

فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أكثروا  الصلاة علي يوم الجمعة ، فإنه أتاني جبريل آنفاً عن ربه عزوجل فقال : ماعلى الأرض من مسلم يصلي عليك مرة واحة إلا صليت أنا وملائكتي عليه عشراً " قال الحافظ المنذري : رواه الطبراني .

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : ( من صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة " قال المنذري : رواه أحمد بإسناد حسن اهـ . وقال في ( الدر المنضود ) وحكمه الرفع ، إذ لامجال للرأي فيه  .

وعن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب ويقول : " من صلى علي لم تزل الملائكة تصلي عليه ماصلى علي " . رواه أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه والسند حسن كما قال الخافظ الهيثمي ، وفي رواية : " مامن عبد يصلي علي إلا صلت عليه الملائكة مادام يصلي علي ، فليقل العبد من ذلك أو ليكثر " كما في ( الفتح ) معزواً لأحمد وابن ماجه والضياء .

4- من صلى عليه - صلى الله عليه وسلم - رفعت درجاته ، وزيدت حسناته ، ومحيت عنه من سيئاته : روى النسائي والطبراني عن أبي بردة بن نيار رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى علي من أمتي صلاة مخلصاً من قلبه : صلى الله عليه بها عشر صلوات ، ورفعه بها عشر درجات ، وكتب له بها عشر حسنات ، ومحا عنه بها عشر سيئات " كما في (  الترغيب) للمنذري .

- وعن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال : أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً طيب النفس يرى في وجهه البشر ، قالوا : يارسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً طيب النفس يرى في وجهه البشر قالوا : يارسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر ؟! فقال - صلى الله عليه وسلم - : " أجل أتاني آت من ربي عز وجل فقال : من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، ورد عليه مثلها " قال في ( الترغيب ) للمنذري : رواه أحمد والنسائي .

وفي رواية لأحمد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء ذات يوم والسرور يرى في وجهه - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : يارسول الله إنا لنرى السرور في وجهك ، فقال : " إنه أتاني الملك فقال : يامحمد أما يرضيك أن ربك عزوجل يقول : إنه لايصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً ، ولايسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً ؟ " فقال : " بلى " . قال المنذري : رواه ابن حبان في صحيحه بنحو هذا  .

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى في معنى صلاة الله تعالى على من يصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم - : رحمه وضوعف له أجره ، كقوله تعالى : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) وقد تكون الصلاة على وجهها وظاهرها - أي بمعنى الثناء والتعظيم - كلاماً يسمعه الملائكة ، تعظيماً للمصلي وتشريفاً له ، كما جاء في الحديث القدسي : " وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه : .

الفائدة الخامسة : الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - سب لكفاية هم الدنيا والآخرة : روى الطبراني بإسناد حسن عن محمد بن يحيى بن حيان عن أبيه عن حده رضي الله عنه أن رجلاً قال : يارسول الله أجعلثلث صلاتي عليك ؟ قال : " نعم ، إن شئت " ، قال : فصلاتي كلها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا يكفيك الله ماأهمك من أمر دنياك وآخرتك " .

وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ربع الليل قام فقال : " ياأيها الناس اذكروا الله اذكروا الله ، جاءت الراجفة ، تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه " ، قال أبي بن كعب : فقلت : يارسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : " ماشئت " ، قلت : الربع ؟ قال : " ماشئت وإن زدت فهو خير لك " قلت : النصف ؟ قال : " ماشئت وإن زدت فهو خير لك " قال : قلت : الثلثين ؟ قال : " ماشئت وإن زدت فهو خير لك " ، قلت : أجعل لك صلاتي كلها ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك " .

قال الخافظ المنذري : رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، قال المنذري : وفي رواية لأحمد عنه قال : قال رجل يارسول الله أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك ؟ قال : " إذا يكفيك الله تبارك وتعالى ماأهمك من دنياك وآخرتك " وإسناده جيد .

وقال المنذري في معنى قول أبي بن كعب : إني أكثر الصلاة عليك ، فكم أجعل لك من صلاتي ، قال : معناه : أكثر الدعاء - أي أكثر من دعائي ربي وسؤالي إياه - فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك .

والمعنى : هل أجعل ربع دعائي صلاة عليك أم نصفه أم الثلثين ؟ أم أجعل دعائي كله صلاة عليك ؟ - صلى الله عليه وسلم - .

ومن هذه الأحاديث التي ذكرناها يتضح أن هناك عدة من الصحابة سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، وماذاك إلا لاهتمامهم بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإعظامهم لشأنها .

قال الحافظ السخاوي : هذا الحديث أصل عظيم لمن يدعو عقب قراءته فيقول : اجعل ثواب ذلك لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حيث قال فيه : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : " إذا تكفى همك .  " الحديث .

الفائدة السادسة : ان الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هي سبب عظيم في البراءة من النفاق والبراءة من النار :

فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : " من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً ، ومن صلى علي عشراً صلى الله عليه مائة ، ومن صلى علي مائة كتب الله تعالى له بين عينيه براءة من النفاق وبراءة من النار ، وأسكنه الله يوم القيامة مع الشهداء .

وهذه منقبة كبرى وفائدة جلى ، فإن البراءة من النفاق بها يكون كمال الإيمان ، وإن البراءة من النار يكون بهاالحفظ من العصيان ، والسكنى مع الشهداء في الجنان بها يكون الرضوان الأكبر من الرحمن جل وعز .

الفائدة السابعة : الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هي سبب عظيم في قضاء الحاجات في الدنيا والآخرة :

روى الحافظ ابن منده وغيره عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : " من صلى علي كل يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة : سبعين منها لآخرته ، وثلاثين منها لدنياه ".

وروى الحافظ احمد بن موسى بإسناده عن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صلى علي مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم : قضى الله له مائة حاجة ، عجل له منها ثلاثين حاجة - أي : في الدنيا - وأخر له سبعين ، ومن المعرب مثل ذلك . " - أي : وبعد صلاة المغرب مثل ذلك .

الفائدة الثامنة : الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - تفتح أبواب الخير وتنفي الفقر :

أخرج أبو نعيم بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يارسول الله ما أقرب الأعمال إلى الله تعالى ؟ فقال : " صدق الحديث وأداء الأمانة " ، قال : فقلت يارسول الله زدنا . فقال : " صلاة الليل وصوم الهواجر " قلت : يارسول الله زدنا . قال : " كثرة الذكر والصلاة علي تنفي الفقر " قلت يارسول الله زدنا . قال : " من أم قوماً فليخفف فإن فيهم الكبير والعليل وذا الحاجة ".

وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ً : " من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - واستغفر ربه فقد طلب الخير من مظانه ".

وعن الحسن البصري مرفوعاً : " من قرأ القرآن وحمد ربه وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد التمس الخير من مظانه " .

الفائدة التاسعة : الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هي نور للإنسان على الصراط يوم القيامة : روى أبو سعيد في كتاب ( شرف المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ) أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " صلاة علي نور على الصراط يوم القيامة " . رورى الديلمي بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : " زينوا مجالسكم بالصلاة علي ، فإن صلاتكم علي نور لكم يوم القيامة "  .

الفائدة العاشرة : أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أمان لصاحبها من أهوال يوم القيامة ونجاة له : فعن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ياأيها الناس إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم على صلاة في دار الدنيا ، إنه قد كان في الله وملائكته كفاية إذ يقول الله : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) الآية ، فأمر بذلك المؤمنين يثيبهم " .

الفائدة الحادية عشرة : ان الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هي سبب عظيم في مغفرة الذنوب ومحو الخطايا :

تقدم في الحديث أن من صلى عليه محيت عنه عشر سيئات ، وفي رواية : خطت عنه عشر خطيئات ، ورفعت له عشر درجات .

البحث النهائي : في الكلام على وجه تخصيص الخليل إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام بالتشبيه ، دون غيره من الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم .

وقد أجاب العلماء عن ذلك عدة أجوبة نذكر بعضها ، وكلها محتملة المراد ، إذ لا تنافي بينها :

الجواب الأول : أن تخصيص ذكر الخليل في الصلاة الإبراهيمية سببه المكافأة له على إرساله السلام على هذه الأمة المحمدية ، مع سيد الأنام - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج ، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي فقال : يامحمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر " ، زاد الطبراني في روايته : " ولاحول ولا قوة إلا بالله " .

فمكافأة للخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام - على هذه التحية وحسن الوصية - خص بالذكر والتشبيه .

الجواب الثاني : انه خص بالذكر أنه سمانا المسلمين ، كما أخبرنا الله تعالى عنه بقوله : ( هو سماكم المسلمين من قبل ) الآية ، أي بقوله : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) الآية .

ولا شك أن العرب من ذريته ومن ذرية ابنه اسماعيل عليهما السلام ، فخص الخليل بالتشبيه مكافأة له على ذلك ، أو تكرمة لمكانة أبوته عليه السلام ، قال تعالى : ( ملة أبيكم إبراهيم ) .

الجواب الثالث : ان تخصيص سيدنا إبراهيم بالذكر والتشبيه ، لأن الله تعالى اتخذه خليلاً ، قال تعالى : ( واتخذ الله إبراهيم خليلاً ) ، وقد اتخذ الله تعالى سيدنا محمدا ً - صلى الله عليه وسلم - خليلاً وحبيباً ، فهو - صلى الله عليه وسلم - خليل الله تعالى الأكرم ، وحبيبه الأعظم ، فإن مقام الخلة التي أعطيتها سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام .

روى ابن ماجه عن ابن  عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الحنة يوم القيامة تجاهين ، والعباس بيننا مؤمن بين خليلين " .

وفي حديث المعجراج الذي رواه البيهقي وأبو يعلى والبزار وغيرهم : " إن الله تعالى قال له - صلى الله عليه وسلم - : يامحمد فقال : لبيك يارب ، قال : سل ، فقال : إنك اتخذت إبراهيم خليلاً " وفي رواية أبي يعلى : " إن الله تعالى قال له : إني اتخذت خليلاً " ، وفي رواية البيهقي : " فقال الله تعالى له : قد اتخذتك حبيباً ".

وروى مسلم عن أبي هريرة وحذيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث الشفاعة حين يأتي أهل الموقف إلى الخليل إبراهيم عليه السلام فيسألونه الشفاعة ، فيقول إبراهيم عليه السلام : " لست بصاحب ذلك ، إنما كنت خليلاً من وراء وراء " بفتح الهمزة فيهما بلا تنوين ، ويجوز فيها البناء على الضم ، للقطع عن الإضافة.

قال القسطلاني : وكرر ( وراء ) إشارة إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه حصلت له الرؤية - لله تعالى - والسماع - لكلامه تعالى - بلا واسطة .

فمقام الله تعالى مقام أنه حبيب الله تعالى ، وهذا فوق مقام الخلة ، كما دل على ذلك الحديث الذي رواه الترمذي والدارمي وأحمد وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جلس ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتظرونه ، فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فتمسع حديثهم : فإذا بعضهم يقول : عجباً ! إن الله تعالى اتخذ من خلقه خليلاً ، فإبراهيم خليله .

وقال آخر : ماذا بأعجب من ( وكلم الله موسى تكليماً ) .

وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه .

وقال آخر : وآدم اصطفاه الله .

فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم ، وقال : "سمعت كلامكم وعجبكم : إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجيه وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله تعالى وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة : تحته آدم فمن دونه ولافخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولافخر ، وأنا أول من يخرك بحلق الجنة ولا فخر ، فيفتح الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولافخر "

الجواب الرابع : أن الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام خص بالذكر في التشبيه ، لأجل أن يذكر بالجميل على صفنعه الجميل مع هذه الأمة المحمدية عليه الصلاة والسلام ، حيث دعا لها بقوله كما أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز : ( ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) ، ولذلك كان سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أنا دعوة إبراهيم . . " .

فحقيق بهذه الأمة المحمدية أن تذكر الخليل بالجميل ؟!

وكيف لاتذكره بالجميل ؟! وقد دعا كما أخبرنا تعالى بقوله : ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) أي : واجعل لي ثناء حسناً وذكراً جميلاً في الآخرين من الأمم ، وهي أمة سيدنا محمد = صلى الله عليه وسلم - ، أو المراد بالآخرين : كل أمة جاءت بعده ، فتدخل هذه الأمة المحمدية في ذلك دخولاً أولياً لأنها آخر الأمم قولاً واحدا ً ولأنه دعا لها كما تقدك في الآية الكريمة .

قال تعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين ابتعوه وهذا النبي والذين آمنوا ، والله ولي المؤمنين ).

فهذا النبي في الآية هو سيدنا محمد - صلى الله عليه سلم - : ( والذين آمنوا ) هم أمة سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم - ...