ما الذي في الجنة ؟ وما معنى ما فيها من درجات ؟
تاريخ الإضافة : 2013-02-16 15:40:23
ما الذي في الجنة ؟ وما معنى ما فيها من درجات ؟

سأل والده : أكل اهل الجنة يتنعمون على اختلاف درجاتهم فيها ؟ وهل التنعم بمقدار واحد كمية وكيفية ؟

ما أذكره: منه ما يوجه للوالد السائل ، ومنه ما يتصل بالابن ، ويقدم له بأسلوب الوالد ، لأنه أدرى بمستوى ولده الإدراكي واللغوي

بداية أقول إن الآخرة بكل ما فيها من موطن ، ومنازل ، وأوضاع، تدخل في إطار السمعيات ، ومرجعها إلى النصوص التي يبنى عليها التصور، من كتاب وسنة، والمستند هنا الإيمان بأدلته العقلية والنقلية ، ودور العقل هو استيعاب المعاني واعتقادها بدليلها !

- ثمة دور ثلاثة : الدنيا وعالم البرزخ والآخرة ، ولكل نواميسها ،وتنزيل أمر البرزخ أو الآخرة على قوانين الدنيا لا يستقيم ، وخبرتنا في هذه الدنيا تقضي باختلاف الأحكام باختلاف الظروف ! فالرجل على الأرض يزن ثمانين كيلو غراما ، ونفسه على سطح القمر يكون ثماني كليو غرام ، وهو لما يرحل إلى البرزخ ، بل تجاوز الأرض إلى ما هو مجانس لها في الهيئة العامة.

- قد يأتي جواب سؤال عفوا من غير تدقيق ، كما في السؤال المرسل ، ومن غير احتراس ضروري ، فإذا بالإشكال يطل برأسه ، ولو كان الجواب سديدا لما كان هذا الإشكال.

- يؤكد على أن إسقاط أمر الدنيا على الآخر مضر بالحقيقة ، إذ للدنيا صفاتها ،وللآخرة حقائقها.

- بناء التصديق بالأخبارعلى قاعدة تصديق النبي الذي بلغنا هذه الأخبار ،والمؤيد بالمعجزات الباهرة

- لا يضر ألا يحاط بالحقائق الأخروية إذا آمنا بها على ما هي عليه !

- ثمة أمر يقرب لنا أنه لولا المشاهدة لبقي الإنسان متوقفا في كثير من حقائق الدنيا،فالنطفة لو عرضت عبر المكبر لها ، وقيل هذه ستؤول إلى هذا الإنسان الضخم ،لما وسعت المشاهدة أن تكتشف العلاقة بين النطفة وهذا العملاق ! وهو من الحقائق السائرة كل لحظة !

- ما يقرب الأمر الذي هو لب السؤال أن نقول : رجلان ، نزل كل في فندق ، أحدهما من الدرجة الرابعة ، والآخرمن خمسة النجوم ! أفيصح أن نقول : كل منهما ينال ما يطلب ، لكن بحسب درجته ، ولا يصح أن يقال : بما أن من كان في الرابعة يسأل ويعطى كل ما يسأله ، فلم الدرجة الخامسة ؟!علماأن من كان في الأولى يرضى كل الرضا بما أقيم فيه بحسب إمكاناته !ولو تطلع فإن تطلعه لا يورثه حسرة مقلقة ؟ وهذا ما نراه لدى من رضي بوضعه المالي ، وأخذ يشكر الله على ما أعطاه ! وهذا نجده لدى الكثير من الذين يرون نعمة الله عليهم ، ودون أن يقيس حاله بحال من كان فوقه ! بل ولعل الجواز من على الصراط ينبه إلى أن الفوز بالزحزحة لا يقدر ، وتأتي الدرجات بحسب الأعمال ، علما أن دخول الجنة برحمة الله ، ولا يقال هنا: إذا كان ذلك كذلك فلم العمل ؟ فيجاب : العمل مطلوب ، وفيه تعرض العامل لرحمة الله لأن" رحمة الله قريب من المحسنين "

- ما سقته لا أريد به إلا تقريب المسألة ، إذ إن أمرالآخرة لا يقاس على أمر الدنيا .

- إن الإشكال نبت من الخلل في الجواب عن السؤال الذي توجه به الابن :" أليس ينال من دخل الجنة ما يريد" حيث لم يدقق فيه ببيان " أن من أدخل الجنة ،كان في النعيم الكامل بحسب ما كان فيه من مكانة ، دون أن يسوي بين العطاءات التي تأتي بحسب سمو العمل في دار التكليف ، بل الأصل في منطق النفس ألا يسوى بين من جاهد في سبيل الله بنفسه وماله ، كالذي جاهد بماله فحسب ؟

- هنا نورد بعض النصوص التي تثبت الدرجات ،لنؤمن بها ،ولو افترضنا أنا لم نصل إلى فهم صحيح لها ، فإن هذا لا يغبش على ما آمنا به بحسب ورود النص:

- قال تعالى : " هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ" الربط واضح بين الدرجات وما أوصل إليها من عمل صالح ،وكون هؤلاء في درجات يعني أن كلا منهم في درجته التي بلغها قد اغتنى كل الغنى الذي عليه اهل الجنة نويصح معه أن يقال : أن له فيها ما يشاء "

- وقال :" لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا*دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا "والنص من أوضح الواضحات في مسألة الدرجات وارتباطها بأسبابها !أرأيت إلى طلاب يتنافسون لنيل العلامة العليا !فهل تتكرر درجة لأكثر من واحد ؟ هذا المعنى بأن يكونوا في مرتبة واحدة شممنا عطره من قوله تعالى :" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا *ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا" فهم بالمعية التي منحوها بفضل الله تعالى !وكم كانت فرحة الصحابة لما قال الرسول لأحد السائلين " يحشر المرء مع من أحب "إذ يدرون أن أعمالهم لا تبلغهم منزلة الرسول عليه الصلاة والسلام ،وهنا تأتي المحبة من أرفع المصاعد إلى منازل القرب ! وهذا يعني أن ثمة أناسا في درجة واحدة ، وهل يقع التفاوت بينهم بحسب اجتهادهم ؟ وهل من نال أعلى درجة باجتهاده له أن يقول لزملائه في الصف : لستم طلابا "

- وقال مؤكدا الصلة بين الدرجات والأعمال ، وهذا يلتقي مع ما قرره العلماء بناء على النصوص المتعددة من أن دخول الجنة بالرحمة ، وتقاسمها بالعمل : " وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ"

- وقال : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَ‍قًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ "

- وما أوردته كاف لبيان الدرجات التي لا تنتفي بالعجز عن تصورها إلا على أساس أنها لا يحتاج إليها تصورا بناء على أن كل من يدخل الجنة له فيها أكمل ما للآخرين ! ونقول : إن كل أهل الجنة يتنعمون بما فيها مما هو بالتعبير النبوي الدقيق : فيها ما لا عين رأت ،ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " فالجميع فيها يرون الله تعالى !  لكن الأكثر معرفة يكون أعمق استغراقا !ودون أن يعكرأحد على أحد صفوه

- ويؤكد هذا المعنى ما جاء في شأن أهل النار ، حيث هي دركات :ما للجنة درجات  الدرك كالدرج، لكن الدرج يقال اعتبارا بالصعود، والدرك اعتبارا بالحدور، ولهذا قيل: درجات الجنة، ودركات النار، ولتصور الحدور في النار سميت هاوية، وقال تعالى: { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار }

- وبيانا لحقيقة الدرجات والدركات يقال :للكفر شعب كما أن للإيمان شعبا كذلك، والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان، وقد يجتمع في الرجل بعض شعب الإيمان، وبعض شعب الكفر فيجتمع فيه إيمان وكفر.

- تتفاوت أحكام الكفار في الدنيا بحسب أقسامهم باعتبار كون كفرهم أصليا أو كفر ردة، وكونهم محاربين أو غير محاربين، وكونهم أهل كتاب أو ليسوا بأهل كتاب، على ما جرى تفصيل ذلك في البحث وبيان أحكامهم بحسب ذلك.

- يشترك الكفار كلهم بشتى أصنافهم في حكم الآخرة في أنهم خالدون مخلدون في النار، أبد الآباد، لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها بحال، وهم مع هذا ليسوا في درجة واحدة من العذاب، بل يتفاوتون في دركات النار كما أن أهل الجنة يتفاوتون في درجات الجنة.

- قَالَ الضحاك: الدرج إذا كان بعضها فوق بعض، والدرك إذا كان بعضها أسفل من بعض.وقال غيره: الجنة درجات، والنار دركات.

- وقد تسمى النار درجات أيضاً، كما قَالَ تعالى، بعد أن ذكر أهل الجنة وأهل النار: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} .

- وقال تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} قَالَ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: درجات الجنة تذهب علوًّا ودرجات النار تذهب سفولاً.

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض).ودرجات الجنة مائة درجة، وبعض أهل العلم قال: لا يعلم درجات الجنة إلا الله، وهذا القول استنباطاً من قوله عليه الصلاة والسلام: (يقال لتالي القرآن وقارئه: اقرأ وارق ورتل؛ فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها)، فقال: درجات الجنة بعدد آيات القرآن الكريم؛

- والمؤمنون يتفاوتون في درجات الجنة، فبعضهم أعلى درجة من البعض الآخر، لأنهم كانوا أحسن خلقاً ويكرمون الجيران وكانوا خير الأصحاب.

وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون في ذلك، فقد جاء الحديث أن رجلاً أراد أن يصلح جدرا حائطه فاعترضته نخلة كانت لجاره، ولا يتم إصلاح الجدار إلا بإزالتها، فذهب إلى جاره يستأذنه بإزالتها فرفض، ثم عرض عليه أن يبيع له هذه النخلة فرفض، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بالخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (أعطها له ولك نخلة في الجنة، فقال: لا أريد، فسمع أبو الدحداح رضي الله تبارك وتعالى عنه ذلك، فقال: أنا أشتريها منه يا رسول الله، فذهب إلى الرجل وساومه على أن يعطيه حائطه ثمن هذه النخلة، وكان في هذا الحائط ستمائة نخلة، فوافق الرجل.

- فذهب أبو الدحداح إلى امرأته وأولاده وقد كانوا في الحائط فناداهم بأن يخرجوا من الحائط)، أي: فإنه قد باعه بنخلة في الجنة، فأخذ زوجته وأولاده وترك الحائط لهذا الإنسان وصارت له نخلة في الجنة، والنخلة في الجنة شيء عظيم جداً، ولكن هذا الجار بخيل، ولذلك ساء خلقه ولم يستجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكن أبا الدحداح رضي الله عنه عرف وعد النبي صلى الله عليه وسلم وما في الجنة من أشياء عظيمة، فلما مات أبو الدحداح ومشى النبي صلى الله عليه وسلم في جنازته فقال: (كم من عذق رداح لـ أبي الدحداح)، والعذق هو العرجون.

- ما عرضت من الوضوح بمكان يدعو إلى الدرجات وأنها تنال بالكسب نوأن كل أهل الجنة في " النعيم " وإن تفاوتت منازلهم فيها هذا ما تيسر ، وسأكمل حين تلوح الفرصة لكشف هذه المسالة !!إن شاء الله تعالى .