سؤال حول الصلاة بين السواري !
تاريخ الإضافة : 2013-04-17 15:40:22
سؤال حول الصلاة بين السواري ..

 

 السواري : جميع سارية . والمراد بها : أعمدة المسجد ، والمصلي عند السارية لا يخلو من حالات هي :

 الأولى : أن يصلي إلى السارية ، فتصح صلاته فرضا ، وتستحب الصلاة إليها نفلا  . ويشهد لهذا :

 - ما ورد عن عمر - رضي الله عنه - قال : " المصلون أحق بالسواري من المتحدثين إليها " . ورأى عمر رجلا يصلي بين أسطوانتين فأدناه إلى سارية ، فقال : " صل إليها " . رواه البخاري معلقا وابن أبي شيبة موصولا  .

كذلك ورد عن يزيد بن أبي عبيد  ، قال : كنت آتي مع سلمة بن الأكوع  فيصلي عند الأسطوانة ، قال : " فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها » . رواه البخاري  .

*الشاهد : " عند الأسطوانة " .

ووجه الدلالة :أنه اقتدى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة إلى السارية نفلاً ؛ مما دل على أنه مسنون .

  وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : « كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يبتدرون السواري ، حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب »  متفق عليه  .

*الشاهد : " يبتدرون السواري " .

ووجه الدلالة : حيث بين الصحابي الجليل : أن السنة ماضية على صلاة النافلة إلى سارية من سواري المسجد .

 وفي الْمُدَوَّنَةِ " وَصَلَاةٍ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ " قَالَ مَالِكٌ : لَا بَأْسَ بِالصُّفُوفِ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ  ، ابْنُ يُونُسَ : يَعْنِي لَا بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً بِالْعُمُدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ تَقَطُّعِ الصُّفُوفِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ !

- وقال ابْنُ عَرَفَةَ : مَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مُتَّسِعًا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ .

 وَكَرِهَ ابْنُ مَسْعُودٍ الصَّلَاةَ بَيْنَ السَّوَارِي ، يُرِيدُ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مُتَّسِعًا .

- وقال عبد الحميد بن محمود عن المكان بين السواري يصف فيه المؤتمون:

صلينا خلف أمير من الأمراء فأضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين [ فجعل أنس بن مالك يتأخر ] فلما صلينا قال أنس : كنا نتقي هذا على عهد رسول الله" صلى الله عليه وعلى آله وسلم " .الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي والحاكم وأحمد عن سفيان الثوري عن يحيى بن هاني بن عروة المرادي عن عبد الحميد به . والسياق للترمذي وقال :( حديث حسن صحيح ) .

- وله شاهد من حديث هارون بن مسلم عن قتادة بن معاوية بن قرة عن أبيه قال : ( صحيح الإسناد ) ( كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طردا ) .أخرجه ابن ماجه والحاكم والطيالسي وقال الحاكم :

( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي .

 - ويشهد له ما أخرجه الحاكم وصححه من حديث أنس بلفظ : ( كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها وقال : لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف ) 

 وقال الشوكاني :.. والحديثان المذكوران في الباب يدلان على كراهة الصلاة بين السواري ، وظاهر حديث معاوية بن قرة عن أبيه وحديث أنس الذي ذكره الحاكم أن ذلك محرم ، والعلة في الكراهة ما قاله أبو بكر ابن العربي من أن ذلك إما لانقطاع الصف ، أو لأنه موضع جمع النعال ، قال ابن سيد الناس : والأول: أشبه لأن الثاني محدث .

 وقال القرطبي : روي أن سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين . وقد ذهب إلى كراهة الصلاة بين السواري بعض أهل العلم . قال الترمذي : وكره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك . وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ : لَا تُكْرَهُ .

وبالكراهة قال النخعي وروى سعيد بن منصور في ( سننه ) النهي عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة . قال ابن سيد الناس : ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ، . ورخص فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المنذر قياسا على الإمام والمنفرد .

 - قال ابن العربي : ولا خلاف في جوازه عند الضيق وأما عند السعة فهو مكروه للجماعة ، فأما الواحد فلا بأس به ، وقد صلى صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين سواريها . وفيه أن حديث أنس المذكور في الباب إنما وردفي حال الضيق لقوله : فاضطرنا الناس . ويمكن أن يقال : إن الضرورة المشار إليها في الحديث لم تبلغ قدر الضرورة التي يرتفع الحرج معها . وحديث قرة ليس فيه إلا ذكر النهي عن الصف بين السواري ، ولم يقل : كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ، ففيه دليل على التفرقة بين الجماعة والمنفرد ، ولكن حديث أنس الذي ذكره الحاكم فيه النهي عن مطلق الصلاة ، فيحمل المطلق على المقيد، ويدل على ذلك صلاته صلى الله عليه وسلم بين الساريتين فيكون النهي على هذا مختصا بصلاة المؤتمين بين السواري دون صلاة الإمام والمنفرد ، وهذا أحسن ما يقال .

وهو حق كله لا غبار عليه غير أن قوله : ( إن حديث أنس عند الحاكم فيه النهي عن مطلق الصلاة ) ليس بظاهر عندي أنه مطلق ، بل هو مقيد بصلاة الجماعة ، كحديث معاوية بن قرة ، بدليل قوله : " لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف " فهذا كالتفسير للنهي المذكور قبله.

 فإذا صح هذا ، وصح حديث أنس بهذه الزيادة ، فيكون فيها الإشارة إلى علة النهي ، وهي قطع الصفوف ولذلك أمر بإتمامها في الحديث نفسه .

هذا ، وقد صرح الإمام أحمد بهذا فقال أبو داود في ( مسائله ) :

" سمعت أحمد سئل عن الصلاة بين الأساطين ؟ قال : إنما كره لأنه يقطع الصف فإذا تباعد بينهما فأرجو " .

ولذلك ينبغي لمن أراد أن يبني مسجدا أو جامعا أن يأمر المهندس بأن يضع له خارطة تكون فيه السواري قليلة ما أمكن تقليلا للمفسدة التي تترتب على وجودها في المساجد من قطع الصفوف وتضييق المكان على المصلين ، وإنه لمن الممكن اليوم بناء المسجد بدون أية سارية  ، إذا لم يكن المسجد واسعا جدا، فالصفوف فيها متصلة كلها

ثم قال الشوكاني : وبالكراهة قال النخعي وروى سعيد بن منصور في ( سننه ) النهي عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة . قال ابن سيد الناس : ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة .

 وأجاب أحد العلماء وقد سئل : نهيتم الناس عن الصلاة بين السواري في الجامع الكبير مع أن عرض أعمدته أقل بكثير مما ذكره الفقهاء لحصول المنع ؟

: الصحيح أن النهي عن الصلاة بين السواري مطلق ، والصحابة كانوا يطردون من يصلي بين السواري طرداً ، مع كون سوراي مسجده - صلى الله عليه وسلم - من جذوع النخل . فالصحيح أن ما ذكره الفقهاء من التحديد لا أصل له .

وقد سئل أحد العلماء:القاعدة أن ما وجد سببه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله، فالسنة تركه ، وفعله بدعة . أليس من ذلك ما أحدث من وضع الخطوط في فرش المساجد لضبط الصفوف ؟

فأجاب : لا ، ليس منه . ونقول إنه لم يوجد سببه في عهده - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يكن هناك فرش في مسجده ، بل كان من الحصباء . ولو وضع خط لانمحى . كما أن حالة الصحابة رضوان الله عليهم من الاستواء والتراص في الصفوف ما لا يتفق من حال الناس الآن .

 الصلاة بين السواري : يجوز للامام والمنفرد الصلاة بين السواري ، لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر :" أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة صلى بين الساريتين " .

و روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل الكعبة وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحَجَبِيُّ، فأغلقها عليه ومكث فيها. فسألتُ بلالا حين خرج: ما صنَع النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال جعل عموداً عن يساره وعموداً عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه. وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثمَّ صلّى. وقال لنا إِسماعيل: حدَّثني مالك وقال: عمودين عن يمينه" .

 وكان سعيد بن جبر وإبراهيم التيمي وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الاساطين . وأما المؤتمون فتكره صلاتهم بينها عند السعة بسبب قطع الصفوف ولا تكره عند الضيق ، فعن أنس قال : كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها . رواه الحاكم وصححه ، وهذا الحديث نصٌّ صريح في ترك الصف بين السواري، وأنّ الواجب أن يتقدّم أو يتأخّر؛ إلاَّ عند الاضطرار؛ كما وقع لهم ،

 وعن ابن مسعود أنَّه قال: "لا تصفُّوا بين السواري". وقال البيهقي: "وهذا -والله أعلم- لأنّ الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف" .

وقال مالك: "لا بأس بالصفوف بين الأساطين إِذا ضاق المسجد".

وقد بوّب له البخاري -رحمه الله- بقوله: (باب الصلاة بين السواري في غير جماعة).

وثمة حالة ثانية تتناول حال الضرورة : أن يصلي بين الساريتين مع الجماعة لشدة الزحام وضيق المكان ، فيصح ذلك ولا كراهة فيه ، وقد نص على ذلك مالك رحمه الله  .

وأما أن يصلي بين الساريتين مع جماعة في سعة من المسجد ، ففي كراهة الصلاة قولان للعلماء : -

القول الأول : تكره الصلاة بين السواري . روي هذا عن عمر وأنس وحذيفة رضي الله عنهم ، وعن إبراهيم النخعي ، وبه قال أحمد بن حنبل  ورواه الهيثمي عن ابن مسعود - رضي الله عنه ، ومن الأدلة :

- عن قرة قال : « كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها طردا » . رواه ابن خزيمة  .

- « قال أنس بن مالك - رضي الله عنه - لقوم صلوا بين السواري : " كنا نتقي هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » . رواه أبو داود  والترمذي وقال : حديث حسن صحيح  .

- فهذه الآثار ونحوها تدل على كراهة جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - للصلاة بين السواري ، ولم يعلم لهم مخالف ،

القول الثاني : أنه لا بأس بالصلاة بين السواري . رواه ابن أبي شيبة عن الحسن ومحمد بن سيرين وإبراهيم التيمي  . وبه قالت طائفة من العلماء  ، واستدل أصحاب القول الثاني : بقصة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في جوف الكعبة بين السواري . فهذا يدل على أنه لا بأس بالصلاة بينها .

هذا ، ولم يحكم أنس ببطلان صلاة من صلوا بين السواري ؛ ولأن السواري تقطع الصفوف ، ولأنها موضع النعال في الغالب ، وقيل : لأنه يصلي بينها الجن المؤمنون .

المناقشة :

من عرض الأدلة ، يتبين قوة الرأي الأول . أما دخوله - صلى الله عليه وسلم - وصلاته بين السواري ، وصلاة الصحابة كذلك بين السواري في جوف الكعبة ، فهي صلاة نافلة ، وهي لبيان الجواز . ولأن سواري الكعبة لم تقطع الصفوف في تلك الحالة ، ولو قطعتها ، لم يكره لضيق المكان ؛ ولأن الصفوف لا ينبغي أن يقطعها شيء . أما وقد تقدمت الهندسة المعمارية ، فإن الإقلال من هذه الأعمدة ، أو إن كانت فلا داعي  لتضخيم هذه الأعمدة ، وتكبير حجمها بلا داع هندسي .