تفسر المعجزات
تاريخ الإضافة : 2013-05-30 07:38:33
السؤال الأول : هناك تفسير لعالم عراقي اسمه محمد رشيد الخطيب ،وهو ينحو منحى المدرسة العقلية في التفسير، وكنت أرسلت إليكم سؤالا حول كلامه على قوله تعالى: ائتيا طوعا أو كرها وحول عفريت من الجن وقد أجبت عنهما جوابا شافيا رسمت فيها قواعد للبحث ، وأرجو أن تكرمني بالإجابة على الأسئلة التالية:

1- بالغ المؤلف في اعتبار السنن الكونية، وجعلها قطعية لا تتخلف، وحاول تفسير جميع المعجزات بأنها جارية على مقتضاها، حتى حمْل مريم عليها السلام؟

سيدي الشيخ الفاضل مجد حفظكم الله تعالى ، وجعلكم منارة تشع بالتوحيد بكل أبعاده !

  • هذه نبذة عن جواب السؤال الأول مما أرسلتموه من الأسئلة ، ووجدت نفسي أمام : سيطبع الكتاب في رمضان ، أو قبله !! وثمة أسئلة من الخطورة بمكان ، ويراد الإجابة عنها بصفحتين أو ثلاثة !! والعجب هنا : كيف يبين عوار توجه بمثل هذه الخطورة بهذه السرعة التي ليس لها من دافع سوى سرعة الطباعة ! وبمثل هذا الطرح المختصر المكثف في ثلاث صفحات ! وهل يتلقى القاريء الكم الواسع مما يؤصل للتوجه المادي الذي تعاني منه الأمة ، ويتعب منه " ميدان التوحيد " بجملة أو جملتين ! فبارك الله بكم سيدي ، هذا السؤال بداية :
  • 1- بالغ المؤلف في اعتبار السنن الكونية، وجعلها قطعية لا تتخلف، وحاول تفسير جميع المعجزات بأنها جارية على مقتضاها، حتى حمْل مريم عليها السلام؟

نستحضر هنا مجموعة من الحقائق بصورة مركزة ، وأرجيء الأدلة الصارخة على بطلان الباطل ن ورسوخ الصواب في ميدان الحق :

- كل ما سوى الله ، ولا يخرج ذرة منه ، عن كونه مخلوقا لله ، هذا ما دلت عليه النصوص التي لا تحصى .

- مما خلق الله يرجع إلى الانشاء المباشر ، ومنه ما يرجع إلى التوليد مما خلق مباشرة ، فالطعام – مثلا – يخل في الجهاز الهضمي ، ومكونات الطعام كلها ترجع إلى الله خلقا ، وهناك يتم الامتصاص عبر عملية تقوم بها الأمعاء ، وهي أيضا من خلق الله ! ويضخ الممتص في رحاب البدن ، ويتكون منه كل ما يتعلق بحاجة البدن ، ويركز هنا على جرثومة الإنسان ، في كل من جسد الرجل والمرأة ، المني والبييضة ، وقد جاء النص على أدق ما يكون وأوضحه ، " أفرايتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون " ولا جواب لتمحضه على صيغة واحدة !

- ما تقررلا يلغي عالم الأسباب وترتب خلق الله لها ، فالعالم من حولنا عبارة عن اسباب ومسببات ! وكلها خلق الله ، والعلاقة بينهما خلق الله كذلك !

- ثمة ثلاثة مواقف من عالم الأسباب والمسببات :

- من يراها كلها قائمة بذاتها ، ويرجعونها ، إما إلى الطبيعة ، أو المصادفة ، وهؤلاء يرون قدمها , ولو من جهة أصلها ! وهذا الموقف يتعارض مع كل النصوص التي جاءت بها الرسالات !ولا دليل لهؤلاء على ما ذهبوا إليه إلا انهم يرون الحس الكوني ، وينفون ما وراءه ، مما دل عليه العقل والفطرة والنص ، وما أثبتته الدراسة العلمية لهذا الكون حيث بتنا أمام إطلاق تقديرات لنشأة هذا لكون ، ولو كبر الرقم المتصور !

- وفريق ذهب إلى اعتقاد أن لهذا الكون خالقا ، أنشأه من العدم ، وأن لهذا الكون بداية على ما دلت عليه أدلة الحدوث الكثيرة ، ولكنهم رأوا العلاقة بين الأسباب والمسببات علاقة عقلية لا تتخلف بحال ، إذ هي صارمة كل الصرامة ! وهذا الفريق يفضي إلى الموقف السلبي من الخوارق الثابتة بالنص القطعي ! وفيه ما فيه من الخطر العقدي !

- وصادم ما جاءت به النصوص التي كثرت فيها الأفعال التي أسندت إلى الله تعالى ، على أنه هو فاعلها ، فهم على هذا يجعلون إسناد الفعل إلى الله إسنادا مجازيا ، وإلى المكونات المخلوقة إسنادا حقيقا ، وفي هذا قلب للحقائق ن إذ كيف يطمئن إلى أن المخلوقات الممكنة تخلق ، ويبعد عن تصور أن الله واجب الوجود هو الخالق !

- ومن طامات هذا التصور أنه يدفع من تبناه إلى إنكار ما ثبت من المعجزات التي تنفي العلاقة العقلية التي لا تنفك بين السباب والمسببات ، والتي تخفف من المغالاة في التعامل مع السنن الكونية ! وكفى بها طامة

- والموقف الثالث هو أن ينظر إلى الأسباب والمسببات على أنها كلها خلق الله ، وأن العلاقة بينها علاقة عادية

- قابلة للانفكاك ن وحيث تنفك نكون قد خرجنا من العلاقة العادية إلى مجال الخارق للعادة ، وهذا التصور الذي عليه اهل السنة والجماعة ، وأن مستنده النص ، والعقل ، والفطرة ، والواقع ، ودلت عليه الخوارق: المعجزات والكرامات ! وبه يتحقق التوحيد بأبعاده الواسعة ، ويكفي فيه أننا حين نلهج " بلا حول ولا قوة إلا بالله " نكون أمام الحقيقة ، وما الذي يبقى للمذهب المادي بتصوراته من بقية امامها !وأنها تحقق فينا التبرؤ من الحول والقوة إلا بالله !

- حمل مئات من النصوص على غير وجهها الذي سيقت له ، ودون ما حاجة ملجئة لذلك ، إلا ما هو نظر مادي يبس على " الحس " وأخذ يتبناه موجدا ومعدما ، لا يقوم به إلا من غمضت عين بصيرته عن شهود الغيب الذي به إسناد الخلق لله إيمانا بالغيب ، وفتحت عين رأسه يقلبها في مجالي ما أبدع الله تعالى ، أو هو نزغة سرت من مؤسس لها عبر الكتب إلى أن استقرت لدى من استقرت لديه ، ليباشر بالتصدير ، ويشارك بهذه النزغة التي أقل ما يقال فيها ، بصرف النظر عن مآخذها العقدية ، أنها تغبش على وجه التوحيد الذي قرره كتاب الله ، وأراد بعضهم أن يقدم تأمير الأسباب في مجال الكون ! ، إن لم تمح روعة الحضور مع الله ، وتجعل لهج اللسان دون طعم بمثل " البسملة " ولو لا أن أرجم النازغ- هنا – لقلت : هو يدعو إلى أن يقال باسم " الأسباب " بدلا من " اسم الله تعالى " !!

 **السؤال الثاني :

 2ـ جعل المؤلف جزاء الأعمال يوم القيامة من ثواب وعقاب مرتباً على الأعمال ترتيبا طبيعيا، وفسَّر ذلك بأن العمل ـ خيراً كان أو شراً ـ يكيف الروح بكيفية معينة، وهذه الكيفية تجعلها مستعدة للثواب أو للعقاب، فيكون الثواب والعقاب نتيجة حتمية للعمل، جارية على مقتضى سنة كونية؟

السؤال الثاني ...!

2ـ جعل المؤلف جزاء الأعمال يوم القيامة من ثواب وعقاب مرتباً على الأعمال ترتيبا طبيعيا، وفسَّر ذلك بأن العمل ـ خيراً كان أو شراً ـ يكيف الروح بكيفية معينة، وهذه الكيفية تجعلها مستعدة للثواب أو للعقاب، فيكون الثواب والعقاب نتيجة حتمية للعمل، جارية على مقتضى سنة كونية ؟

- بداية أسأل : ما قيمة تفسير يصادم مجمعة من الحقائق دون هوادة ؟

- يبتنى على معرفة ناقصة لم تحط خبرا بأبعاد ما تتناوله !

- من مزالق التوجهات الفكرية الوقوف عند معنى ما ، والتعامل معه على أنه حقيقة سارية في الوجود كله !

- كالذي يبني تصورا من نص فهمه بقدر استيعابه ، ولم يقارن بين فهمه وما جاء من نصوص أخرى في الياق نفسه ، فأقل ما يقال في مثل هذا : أنه ألغى نصوصا بالإعراض عنها ،أو ليّ عنقها ، وظل في أسر النص الذي لم يحط بأبعاده خبرا كما يتطلب الصواب !!

-           وردت نصوص تبين أثر الأعمال الصالحة ، والأعمال السيئة في القلوب نكتا بيضاء وسوداء، ولكن لا على معنى أن الثواب يأتي لزوما بهذه الآثار ، فأين مسالة الثواب الذي هو خلق الله تفضلا من هذه الآثار التي لا يسند إليها أنها أثابت أو عاقبت !

- دعت الشريعة المسلم إلى بذل الجهود المخلصة في ميدان العمل الصالح ، ودعته في الوقت نفسه أن يسأل الله القبول ، وألا يعتمد على أعماله كائنة ما كانت ، وبهذا يشهد فضل الله على عباده .

- فأهل السنة والجماعة ذهبوا في مسألة الثواب أنه من فضل الله تعالى على من يثيبه ! وليس بواجب على الله ذلك ن وان العمل الصالح هو علامة على ما يتفضل الله به على عبده " فإن يثبنا فبمحض الفضل " ولم يذهبوا هذا المذهب إلا بدلالات النصوص وحقائق التوحيد !

- وهذا الذي قرره أهل السنة من أن الثواب بفضل الله –علاوة على أنه المنسجم مع النصوص التي هي الأصل في بناء التصور – لا يلغي الثواب حيث يثبته " وعدا من الله تعالى " ويرجعه إلى الله تفضلا منه مع التزام الأدب مع الله تعالى !!

- ومن ذهب إلى وجوب الإثابة على الله ، فأقله أنه أساء الأدب !! وأعرض عن النصوص التي تؤدي إلى غير ما ذهبوا به ، ولم يقفوا على أسلوب القرآن في عرض الثواب والعقاب ، والمسألة سمعية بامتياز ! :

- من النصوص الهادية قوله تعالى : " وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)"

- الآية الأولى شنعت على التحكم في مسالة العذاب ن وبينت ان المر يرجع فيه إلى الله ، ولا تحكم فيه التقديرات ، على أن الذرة من المعصية يقابلها " كذا وكذا " من العذاب !

- في الآية الثانية جيء بالفاء " فأولئك " وقد خلت من الفاء الآية الثالثة ، فقال : " أولئك " ، ليدل على أن ترتب الثواب ليس على أساس " الجملة الشرطية " أي : حيث وجد الشرط وجد لا محالة جوابه ! وكلمة " من " في الآيتين هي ما أشربت معنى " الشرط " ولا أقصد هنا أن هذا هو الدليل فيما ذهب إليه أهل السنة وتبنوه !! بل كلمة "الفضل " قد كثر ورودها في كتاب الله  وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام !

- إن الأعمال الصالحة هي سبب دخول الجنة ودخولها يكون برحمة الله وفضله لا بمجرد العلم كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لن يدخل الجنة أحدكم منكم يعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " في الحديث : " لاَ يَدْخُلُ أَحَدُكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ . قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ . وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ "

- وقوله " يتغمدني " قال أبو عبيد أي يلبسني ويغشيني        

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد للعبادة والآخر يقول : مذنب فجعل يقول : أقصر عما أنت فيه فيقول خلني وربي حتى وجده يوما على ذنب استعظمه فقال : أقصر فقال : خلني وربي أبعثت علي رقيبا ؟ فقال : والله لا يغفر الله لك أبدا ولا يدخلك الجنة فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده فقال للمذنب : أدخل الجنة برحمتي وقال للآخر : أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال : لا يا رب قال : اذهبوا به إلى النار " . رواه أحمد

- وعَنْ هَمَّامٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . قال : قَالَ رَسُولُ الله  : " لَيْسَ وَاحِدٌ بِمُنْجِيهِ عَمَلُهُ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا . قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ " أخرجه أحمد 2/319(8233)

- فإن قال قائل كيف قال ( ( لا يدخل أحد منكم الجنة عمله ) ) وقد قال ( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) (النحل 32) ؟

- فالجواب من أربعة أوجه:

- أحدها: أنه لولا رحمة الله السابقة التي كتب بها الإيمان في القلوب ووفق للطاعات ما نجا أحد ، ولا وقع عمل تحصل به النجاة ، فالتوفيق للعمل من رحمته أيضا !

- والثاني: أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه ، فإن أنعم عليه بالجزاء فذلك بفضله ، كالمكاتب مع المولى !

- والثالث : أنه قد روي في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة بالرحمة ، واقتسام الدرجات بالأعمال!

- والرابع:  أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير، وثوابها لا يبيد أبدا، فالمقام الذي لا ينفد في جزاء ما نفد بفضل الله لا بمقابلة الأعمال !

- وقال آخرون يبينون العلاقة بين النصين :

- ظاهره أن هذا الثواب وقع بسبب ذلك العمل ، ولا معارضة بينه وبين قوله {صلى الله عليه وسلم} : لا يدخل أحدكم الجنة عمله ؛ لأن أحد الأجوبة المشهورة بالجمع بينه وبين قوله تعالى : "ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون " [16 : 32] أن أصل الدخول إنما يقع برحمة الله ، واقتسام الدرجات بحسب الأعمال ، وهذا الجواب في فتح الباري .

- وورد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: " {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] "، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الثَّانِيَةَ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] "، فَقُلْتُ الثَّانِيَةَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] فَقُلْتُ الثَّالِثَةَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ» لإلا ينقض هذا النص وامثاله ما ذهب غليه من ذهب أن العمال تكيف الروح تكييفا يدخلها في مجال الثواب ! وكأن الأمر يجع إلى تفاعلات مادية وفق سنن كونية صارمة !

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد للعبادة والآخر يقول : مذنب فجعل يقول : أقصر عما أنت فيه فيقول خلني وربي حتى وجده يوما على ذنب استعظمه فقال : أقصر فقال : خلني وربي أبعثت علي رقيبا ؟ فقال : والله لا يغفر الله لك أبدا ولا يدخلك الجنة فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده فقال للمذنب : أدخل الجنة برحمتي وقال للآخر : أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال : لا يا رب قال : اذهبوا به إلى النار " . رواه أحمد

- فأين من ذهب إلى الثواب الميكانيكي من مثل هذا الحوار الذي حدد المصير بناء على موقف لم يرتضيه الشرع!

- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : خرج علينا النبي صلى الله عليه و سلم فقال : خرج من عندي خليلي جبريل آنفا فقال : يا محمد و الذي بعثك بالحق إن لله عبدا من عبيده عبد الله تعالى خمس مائة سنة على رأس جبل في البحر عرضه و طوله ثلاثون ذراعا في ثلاثين ذراعا و البحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية و أخرج الله تعالى له عينا عذبة بعرض الأصبع تبض بماء عذب فتستنقع في أسفل الجبل و شجرة رمان تخرج له كل ليلة رمانة فتغذيه يومه فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء و أخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام لصلاته فسأل ربه عز و جل عند وقت الأجل أن يقبضه ساجدا و أن لا يجعل للأرض و لا لشيء يفسده عليه سبيلا حتى بعثه و هو ساجد قال : ففعل فنحن نمر عليه إذا هبطنا و إذا عرجنا فنجده له في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز و جل فيقول له الرب : ادخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول : رب بل بعملي فيقول الرب : أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول : يا رب بل بعملي فيقول الرب : أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول : رب بل بعملي فيقول الله عز و جل للملائكة قايسوا عبدي بنعمتي عليه و بعمله فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمس مائة سنة و بقيت نعمة الجسد فضلا عليه فيقول : أدخلوا عبدي النار قال : فيجر إلى النار فينادي : ربي برحمتك أدخلني الجنة فيقول : ردوه فيوقف بين يديه فيقول : يا عبدي من خلقك و لم تك شيئا ؟ فيقول : أنت يا رب فيقول : كان ذلك من قبلك أو برحمتي ؟ فيقول : بل برحمتك فيقول : من قواك لعبادة خمس مائة عام ؟ فيقول : أنت يا رب فيقول : من أنزلك في جبل وسط اللجة و أخرج لك الماء العذب من الماء المالح و أخرج لك كل ليلة رمانة و إنما تخرج مرة في السنة و سألتني أن أقبضك ساجدا ففعلت ذلك بك ؟ فيقول : أنت يا ربفقال الله عز و جل : فذلك برحمتي و برحمتي أدخلك الجنة أدخلوا عبدي الجنة فنعم العبد كنت يا عبدي فيدخله الله الجنة قال جبريل عليه السلام : إنما الأشياء برحمة الله تعالى يا محمد "هذا حديث في المستدرك صحيح الإسناد . ويكفي هذا النص لتسديد التصور فيما يتعلق بالثواب والعقاب !

- إن ما يلاحظ من الذين يخرجون عن الجادة التي عبدها اهل السنة أنهم لا يلتفتون إلى الأحاديث ! ولا يراعون مجموعة النصوص القرآنية التي وردت في مسالة واحدة ن وفي هذا من الخلل ما تشيب له نواصي الصواب !!

- عموما هذا نزغة طارت من مدرسة المعتزلة إلى بعض الرؤوس ن فعشعشت في تعاريج القشرة الرمادية للدماغ ! فدفعت إلى أن خالفوا أهل السنة في مسألة الصلاح والأصلح ، وأنه يجب على الله تعالى فعل الأصلح !! وبمجرد التفوه بأنه يجب على الله كذا وكذا ، تسقط المعاني التي يثمرها هذا التفوه !!!

 3ـ أطلق المؤلف في مواضع عبارة: " أن لزمن البعث قوة في إحياء الموتى كما أن لزمن الربيع قوة في إنبات النبات"، وأحيانا يعبر بالقوة، وأحيانا يعبر بالتولد؟

  • سيدي :بالنسبة للسؤال الثالث الذي أوردته بالأمس ضمن الأسئلة التي وجهتها إلى فضيلتكم
  • لفظ المؤلف: "خص طبيعة زمن الربيع بقوة إعادة الأرض الهامدة إلى الإنبات، وخص زمن الحشر بطبيعة إعادة أجسام البشر إلى الحياة" حيث  كنت بالأمس نقلته بالمعنى، ولم أذكر فيه كلمة (طبيعة) وهي تزيد العبارة شناعة ، وشكرا.
  • أرجو الإجابة على هذه الأسئلة بتفصيل يزيل الشبهة ،ويبين الحق .              تتطلب الجواب من الموقع

( فصل في أمر المعاد ) )

اعلم أن المعاد الجسماني حق واقع وصدق صادق دل عليه النقل الصحيح ولم يمنعه العقل فوجب الإيمان به ، والتصديق بموجبه لأنه جاء في السماع الصحيح المنقول ودل عليه عند الجمهور صريح المعقول ، وهو أن يبعث الله تعالى الموتى من القبور بأن يجمع أجزاءهم الأصلية ويعيد الأرواح إليها لقوله تعالى : ( { قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } ) إلى غير ذلك من النصوص القرآنية القطعية والأحاديث الساطعة النبوية ، وقد أنكره الطبائعيون والدهرية والملحدة وفيه تكذيب للنقل الصريح والعقل الصحيح على ما قرره المحققون من أهل الملة .

فإن الإنسان ليس هو الذي يوجد نفسه، وليس هو الذي يخلق أولاده، ولو كان هو الذي يتصرف بنفسه لحرص على أن يكون خلقه أحسن من خلق غيره، ولو كان هو الذي يوجد ولده لحرص على أن يكون أولاده ذكوراً أو نحو ذلك، فتعين أن هناك خالقاً يتصرف في هذا الكون، فهو الذي يعطي ويمنع، يصل ويقطع، يخفض ويرفع، يسعد ويشقي، يفقر ويغني.

فإذاً لا بد أن هذه الموجودات تنتهي إلى موجد، وذلك الموجد لا بد أن يكون غنياً بنفسه، وأن ما سواه فقير إليه، وهذا الوصف هو وصف الخالق تعالى، قال عز وجل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } [فاطر:15-17]، أي: ليس ذلك شاقاً ولا صعباً على الله، بل هو سهل يسير: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [يس:82].

كلما تطور العلم نظر هَؤُلاءِ الطبائعيون في دقائق الكون ووجدوا أن هذا لا يمكن، ولا يؤدي إِلَى تفسير صحيح، فَقَالُوا: إذاً لمن ننسب الخلق ولمن ننسب الحياة؛ فَقَالُوا: إِلَى المصادفة، فاستخدموا كلمة المصادفة، ووجدوا بعد ذلك أن القوانين الرياضية، والقوانين العلمية نفسها تنفى نفياً قاطعاً أن يكون للمصادفة أي دور في إيجاد هذا الخلق، أفهذا الكون المنظم البديع وجد بالمصادفة؟

هذا شيء لا يقبله أي عقل ولا يمكن عَلَى الإطلاق، بل علماؤهم في أوروبا كتبوا كتباً كثيرة ضد المصادفة، وَقَالُوا: لا يمكن أن يكون للمصادفة أي دور في الحياة لا لأنهم متدينون، ولكن بالنظريات العقلية والبراهين الرياضية وجدوا أن المصادفة لا يمكن أن تفعل أي شيء عَلَى الإطلاق، ولهذا ظهر واشتهر عالم إنجليزي كبير في الطبيعة اسمه وايت هيد فقَالَ: نضع اصطلاحاً وهو: ضد المصادفة، فضد المصادفة هو الذي خلق الإِنسَان، وضد المصادفة خلقت الطبيعة.

إذاً ما هو ضد المصادفة؟ فلو قالوا: الطبيعة ليس تحتها حقيقة وإن قالوا مصادفةً، فقد أنكروها، وإن قالوا الرب، قالوا: لا، الرب قد تركناه من قبل أربعة أو خمسة قرون وانتهينا مع الكنيسة.

إذاً: ما الذي نقول؟ قالوا: نقول ضد المصادفة، ويعتبرون هذا الوصف أفضل ما يعبر عنه، بل قال بعض مفكريهم لاداعي أن نستخدم أي فاعل أصلاً، فنقول: وجد الإِنسَان قبل 10000 سنة مثلاً، ووجدت الأرض قبل كذا، ونأتي بها منسوبة إِلَى المجهول، فلا داعي لذكر فاعل يدخلنا في ورطة كما سبق، فنجعلها عامة هكذا، فنقول: وُجِد وخُلِق وهكذا تصبح الأفعال مبنية للمجهول ونرتاح، فانظروا إذا غفلت القلوب وطبع عليها، هَؤُلاءِ النَّاس الذين ألهوا الطبيعة.

وهي قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ } [البقرة:21-22] فقال: هذه ست دلالات نصبها الرب تعالى ليعرفه العباد ويعترفون أنه ربهم الذي خلقهم، أي: أوجدهم وقد كانوا معدومين: { وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [البقرة:28]، (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ): الآباء والأجداد والأسلاف؛ فإن النعمة على الوالدين نعمة على الأولاد.

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً) أي: غطاء وبساطاً ليناً تجلسون وتتقلبون عليه كما تشاؤون، وكما فيها من آيات عظيمة، (وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) وجعلها سقفاً محفوظاً وبناء فوقكم (وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً) لا يقدر الخلق على أن ينزلوه، (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ) جعل هذه الأرض لينة تقبل أن تنبت النبات الذي يكون به غذاؤكم وبه تتم حياتكم.

ثم إنه -رحمه الله- ذكر أقوالاً ونقولاً عن السلف رحمهم الله يستدلون بها على وجود الخالق، فذكر أن أبا حنيفة جاءه قوم من الدهريين وسألوه عن وجود الله -يريدون أن يشككوه في وجود الرب تعالى- فقال لهم: إني منشغل بأمر رهيب.

قالوا: وما هو؟ قال: ذكر لي أن هاهنا سفينة ليس فيها أحد، وأنها تسير وحدها في البحر، وترسي على الساحل، وتحمل نفسها أمتعة حتى تمتلئ، ثم تسير سيراً مستقيماً حتى تصل إلى بلاد أخرى، ثم تنزل ما فيها من الأمتعة مع اختلافها، وتعزل التمر والأكسية وغيرها كل بمفرده، ولا يختلط هذا بهذا، ومع ذلك ليس فيها أحد، وليس فيها من يسيرها ولا من يرسلها.

فقالوا: وهل تصدق بهذا؟ لا يصدق بهذا إلا مجنون! السفينة خشبة، وكيف تحرك الخشبة نفسها؟ وكيف تسير بنفسها؟ وكيف تحمل نفسها وهي خشبة؟ فعند ذلك قال لهم: خصمتم، فأنتم تشاهدون هذا الكون، فهذه النجوم التي تسير من الذي خلقها وأوجدها؟ وهذان النيران -الشمس والقمر- من الذي سيرهما هذا السير المحكم؟ وهؤلاء الخلق من الذي بثهم في هذه الأرض؟ وهذه الأفلاك التي تسير في هذا الكون، وهذه الرياح من يصرفها كما يشاء، وهذه السحب من ينشئها؟! فعند ذلك انقطعوا وتابوا على يديه، فهذه حجة قوية.

وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذا السؤال فقال: ها هنا قصر مشيد محكم ليس له منفذ ولو كان رأس الإبرة، ظاهره فضة بيضاء وباطنه ذهب أصفر، محكم البناء، لا يصل إليه تصرف، ولا يصل إليه أدنى تدبير، بقي هذا القصر على ما هو عليه، وبينما هو كذلك إذ انكسر جداره فخرج من وسطه حيوان حي سميع بصير يأكل ويشرب ويتقلب ويتصرف لنفسه فيه جميع الحركات، كيف ولد في وسط هذا القصر؟ يشير بذلك إلى بيض الطير، هذا البيض يخرج ميتاً ليس فيه أدنى علامة للحياة، ومع ذلك يتكون فيها هذا الفرخ، ويتغذى من وسط، ثم بعد ذلك يخرج بإذن الله، فالله تعالى هو الذي كونه حيواناً صغيراً، ثم بعد ذلك أكل ونما إلى أن خرج وهو حيوان كبير يستطيع أن يطير ويتقلب، أليست عناية الله تعالى بهذا الطائر في هذه البيضة تدل على أنه كونه وقدره كما يشاء؟ والآيات والعلامات كثيرة، وقد تكلم ابن القيم رحمه الله في أول كتابه الذي سماه (مفتاح دار السعادة) بنحو أكثر من ستين صفحة كلها في التفكر والتأمل في المخلوقات والاستدلال بها على قدرة الخالق، فجعل ذلك في فصول.

فهو يقول -مثلاً-: فصل: تأمل خلق الإنسان كيف خلق من كذا وركب فيه كذا وكذا، ثم تأمل خلق هذا الحيوان -وأخذ يفصل في الحيوانات-، ثم تأمل خلق الأرض وفيها كذا وكذا، وتأمل خلق كذا.

نحو ستين صفحة كلها في الأدلة، وفي أثناء كلامه يقول: فسل المعطل: من الذي جعل النور في هاتين العينين، هذا النور الذي يمتد ويبصر القريب والبعيد؟ سل المعطل: من الذي فتح هاتين الأذنين وجعلها مدخلاً للصوت حيث إن الصوت يصل إلى الدماغ ويتصور السامع ما يقول من إنسان وحيوان وطير؟ سل المعطل: من الذي ركب هذا الفؤاد وجعل فيه هذا العقل الذي يميز بين الأشياء وفرق به بين الإنسان وبين غيره من الدواب؟ سل المعطل: من الذي ركب لهذا الطير هذه الأجنحة حتى يطير بها ويتصرف بها كما يريد؟ وتكلم في كتاب له آخر اسمه (التبيان) -أكثره من القرآن- عندما أتى على تفسير سورة الذاريات في قوله تعالى: { وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ } [الذاريات:20-21] فأطال في قوله: (وَفِي أَنفُسِكُمْ) حيث شرح ما في الإنسان من العجائب حتى كأنه أعلم من المشرحين الذين يشرحون المخلوقات، ويصف الإنسان من رأسه إلى إبهامه، يصف كل عضو ويقول: مادته من كذا وكذا.

لا شك أنها آيات بينات عظيمة.