تفسر المعجزات
تاريخ الإضافة : 2013-05-30 07:43:15
السؤال الثالث : أرجو أن تكرمني بالإجابة على سؤال حول تفسير لعالم عراقي اسمه محمد رشيد الخطيب ،وهو ينحو منحى المدرسة العقلية في التفسير:

3- أطلق المؤلف في مواضع عبارة: أن لزمن البعث قوة في إحياء الموتى كما أن لزمن الربيع قوة في إنبات النبات ، وأحيانا يعبر بالقوة، وأحيانا يعبر بالتولد؟

- لفظ المؤلف: "خص طبيعة زمن الربيع بقوة إعادة الأرض الهامدة إلى الإنبات، وخص زمن الحشر بطبيعة إعادة أجسام البشر إلى الحياة" حيث كنت بالأمس نقلته بالمعنى، ولم أذكر فيه كلمة (طبيعة) وهي تزيد العبارة شناعة ، وشكرا.

- ما أرى هذا من التفسير في شيء ! بل هو مجموعة من التصورات التي اجتمعت لدي المفسر ثم أخذ يلصقها بالنص !! لكنه لم يحسن اللصق !!

- مسألة أن الله تعالى هو خالق كل شيء من أبرز القضايا التي جاءت بها النصوص وانطوت عليها صدور الأمة اعتقادا !

-  الظرف الزماني ليس سوى وعاء يظل فارغا لا يحدث فيه حدث ، وما من حدث إلا من ورائه محدث ! ولا بد من أن يكون المحدث من خرج الظرف نفسه ، وتقسيم الزمن المتجانس في الماهية إلى فصول هو بحسب ما تعرفنا إلى ما يظهره الله فيه ! وإذا كان الظرف الزماني مرتبطا من حيث الوجود بالمكان ، وإذا كان المكان والزمان قد سبقا بالوجود وجود الإنسان ، فهل يصح أن يقال إن إمكانيات ظهور المخلوق في زمن كذا ، ومكان كذا ، من وراء ظهور الإنسان بلا موجد نظرا لخصوصية الزمان بالظهور ! وهل  لفصل الربيع خاصية أن ينبت الزهور دون الله ؟ فلم يحال أمر البعث على ما امتلأ به يوم البعث من إمكانية سحب الموتي  من قبورهم سحبا ! هذا فيه إسناد الفعل للظرف الذي هو وعاؤه !علما أن الزمان ليس له خصوصية من حيث ذاته ، وإنما كل مخصص له مخصصه !!!

- زيادة في المغالظة في الاعتقاد جيء بكلمة " الطبيعة " التي تكلم بها من أنكر وجود الله تعالى ، واكتفى هؤلاء بإسناد الفعل إليها !

- عرض علينا الكون على أنه ميدان للدلالة بكل ما فيه من الظواهر على الله تعالى ! كالتسوية ، والتقدير ،والهداية ، والخاق، فإذا جاء من يمسح هذه الدلالات ليقول الكون بذاته ولما وقر فيه هو من وراء هذا الخلق ، ثم ينسب ذلك للقرآن على أنه تفسير له ، فهذا أضرى على الحقيقة من الجاحد المعلن ، فكيف إذا وقف هذا التفسير لتغير عليه حقائق الكون وسننه والنصوص الكثيرة ، حتى لا تكاد ترى منه ما يمكن أن يدل على مجرد وجوده !! وهذا ما نجليه بعدما نقرر الحقيقة الآتية :

- إسناد الفعل إلى الفاعل الأصل فيه أنه على الحقيقة ، وخاصة إذا أسند لله تعالى ! ولا يعرج به على المجاز إلا إذا كان هناك صارف معتبر إلى المجاز!

ثمة خلط بين العلل : العلة المادية ، والغائية ، والفاعلة ، ولم يكن يوما الزمن علة ، بل هو ظرف لايعدوه ، ينتظر أن يفعل به ، ولا يفعل !                                                                                                                                  الحكمة والعلة الغائية

  • باب المطار الخارجي – حين تقترب منه – ينفتح تلقائيا ً ، ثم بعد أن تدخل الصالة يغلق وراءك ، لأن الباب قد صمم بهذه الكيفية ، ليحقق غاية ، ويؤدي مهمة تسهيل دخول المسافرين وخروجهم ، هذا مثال ، ومثال آخر تجده في الإشارات المنصوبة على مفارق الطرق ، وقد جعلت ثلاثة ألوان : الأحمر والأصفر والأخضر ، لتؤدي وظيفة حيوية ، وهي تأمين السلامة والوقاية من التصادم .
  • وهنا لنا أن نسأل العلم والعقل والفطرة عن مدى علاقة المصادفة بوجود هاتين الظاهرتين ،وإسناد الفعل للزمان من هذا الضرب ! وهل يصدق عاقل أن المصادفة قد لعبت دوراً سحرياً فذا ً ، وفق قوانين صارمة ، فأقامت باب الصالة على تلك الصورة ليؤدي مهمته ، ووضعت الإشارات ، الضوئية لتقوم بوظيفتها ؟ فكأن المصادفة تنظم السير – بمعناه العام في الإشارات والخاص بباب صالة المطار للحقائق ، طمئن بأن هذا وجد مصادفة عبر أزمنة سحيقة .
  • فإذا كان العلم لايقبل التفسير ، لما فيه من خرق فاضح لقانون السببية ، وإسناد ظاهرة الاطراد الرائع في عمل الباب والإشارات إلى الاحتمال وخروج المصادفة عن دائرة تحقيق الغايات وإرساء نظام بله إيجاده ، وإبراز التنوع والتفرد ، إذ ليس للمصادفة وجدان ولا ذاكرة كما يقول علماء الرياضة ، وإذا كان العقل الحصيف يرفض هذا التعليل رفضا ً قاطعاً لما فيه من إهدار للمخطط الواعي الذي أحاط بالهدف ( وهو تسهيل مرور المسافرين وتأمين سلامة السائقين ) كما أحاط بالوسيلة إليه ، وهي تصميم الباب بطريقة يفتح بها تلقائيا ً بمجرد وصول المسافر ، وترتيب حركة الألوان المرورية المنظمة ، وتجلت إحاطته بالهدف وما يتصل به من وسائل تحقيقه ، فما مدى استعداد العقل ليسمع ن بله ن يقبل ن ان الظرف المكاني ، والحاجة من وراء وجود الباب والإشارات !!!
  • أ فيمكن – بعد هذا – للعلم أن يسند إيجاد عين باصرة ، أو أذن سامعة ، أو لسان ناطق ، للظرف الزماني ، ويبني هذا " الوعي " على أن فصل الربيع أظهر زهوره ، أو ظهرت فيه بالقوة ن لقوة عطائه !! ؟

      - بعد أن تبين استحاله وجود مثل باب المطار والإشارات الضوئية مصادفة ؟ . وأي مصادفة تلك وراء عين الإنسان التي تحقق مع الضوء وظواهر أخرى الرؤية ؟ ووراء أذنه التي تحقق مع الصوت وغيره من العوامل السمع ؟ ووراء الأنف وما يحققه من شم الروائح ؟ ووراء حاسة الذوق ، وما تقوم به من إدراك للطعوم ، وجسيمات اللمس التي يميز بها الإنسان بصورة فذة بين الناعم والخشن ، والحار والبارد ، كما تعرفه – ولو كان أعمى – أن هذه ورقة ، وذلك جدار ، وهذا قلم ، ثم الشفتان ، وما تحققانه من وظائف منها جمالية ، ومنها ما يتصل بأعماق النفس ، واللسان ، وما يجليه من معان ، ويبرزه من مكنونات الصدر ، ويؤديه من مهام جسام في عملية الهضم والبلع ، إنه إذا كان من الأدلة الباهرة على وجود الله تعالى أن هذا الكون متغير ، ولا يمكن أن يكون أبدياً ، وحدوثه يقتضي عقلاً أن يكون له محدث ، فإنه من الأدلة الآسرة إدراك الحكمة أو العلة الغائية ، وتتجلى في أن هناك غرضا ً معيناً يؤديه المخلوق ، ولابد من حكيم مدبر ، قد أحاط بطل شيء علماً ، وهو على كل شيء قدير .

  - يقول مكتشف قانون الجاذبية : ( لاتشكوا في الخالق ، فإنه مما لايعقل أن تكون المصادفات وحدها هي التي تقود هذا الوجود ) فهنا يثبت قانونا ولا يلغي بوجوده حاجة الخلق لله تعالى !

- وهنا يأتي القرآن الكريم يعرض حقائق الكون الكبرى ، ويدل بآياته على أن الفاعل هو الله تعالى ، على سبيل الحقيقة !وتفسيرها ينبغي ألا يجاوز دلالاتها !!

- ولنا أن تنجه إلى بعض الحشد القرآني الذي تناول حقائق هذا الوجود بشقيه الحيوي والمادي ، ما ظهر منه وما بطن ، لنجد أن نصوصا ً حثت على تدبر الآيات الكونية ، ودعت إلى النظر الواعي فيها ، ونصوصاً حثت على تدبر الآيات الكونية ، ودعت إلى النظر الواعي فيها ، ونصوصاً حثت على كلمات التسخير والتمهيد والتذليل ، ومعاني العلل الغائية أو الحكمة من وجود كثير من الظواهر ليتبين أنه الحق الذي خلق فسوى ، وقدر فهدى ، قال تعالى : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) وقد دعينا إلى النظر في هذا الخلق بقوله تعالى : ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) وقال تعالى  : ( ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين ) وقال تعالى : ( هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) .

- وعلى صعيد الوجود المادي ، وما تجلى فيه من حكمة وتسخير ووظائف تنفي العبثية والمصادفة جاءت نصوص كثيرة : اتل بتدبر قوله تعالى : ( هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعاً ) وقوله : ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) وقوله : ( وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً ) وقوله : ( وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) وقوله : ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ) وقوله في النحل : ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) وقوله في الأنعام : ( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) وقوله : ( وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) وقوله في المعادن : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ) وفيما أنهم به على عبده داود ومن ورائه الناس : ( وألنا له الحديد ، أن أعمل سابغات وقدر في السرد ) هذا المعرض الكوني الهائل الذي أقامه الرب تعالى قال متجول فيه : " إن الله الأزلي الأبدي ، العالم بكل شيء والمقتدر على كل شيء ، قد تجلى ببدائع صنعه حتى صرت مندهشاً مبهوتا ً " .

  - إن القرآن الكريم يقرر أن ( الله خالق كل شيء ) والفطرة السليمة تشهد أن الله تعالى هو الموجد ، وقد سحلت شهادتها بقوله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله ) وإن العلم يثبت أن الله هو الموجد ، ولاوجود للمصادفة في هذا الوجود الحادث الممكن المنظم ، وإن العقل يظهر لنا على النحو الذي لم يترك فيه شيء للمصادفة بل كل جزئ من أجزائه متجه نحو غايته ) .

وهنا لنا أن نؤكد ما سبق أن قمنا  بإيراد ما يقوله المفكرون !نستعير هذه الفقرة من أحدهم حيث يقول :

قلت : لقد شعر الفلاسفة الغربيون في بدايات القرن العشرين بما أسموه (فجوة الاستقراء ) ،وهي  الانتقال من الجزئيات الى التعميم،  فالقول بأن المعادن تتمدد بالحرارة انطلاقا من تجارب على عدد مهما كبر من المعادن فيه مغامرة ومغالطة منطقية فقد يكتشف معدن ما لا يتمدد بالحرارة وعندها تسقط النظرية ،وهذا يعني أن القانون العلمي (العلاقة بين الأسباب والمسببات) هي علاقة افتراضية لا تصل الى حد اليقين..

من جهة أخرى أدت علوم الكوانتيم (علم الجزيئات الصغيرة داخل الذرة )الى اكتشاف أننا لا يمكن التنبؤ بموقع جسيم صغير أثناء حركته حسب أي قانون، فالجزيئات تتحرك بصفة تكاد تكون  (عشوائية ) وهذا يعني في أحسن الحالات أن القانون العلمي (العلاقة بين الأسباب والمسببات ) هو قانون يصف حركة المجموع ولكنه لا ينطبق على كل فرد ،مثاله أن تحسين ظروف الرعاية الصحية في بلد ما قد يرفع متوسط أعمار ساكنيها إلا أن هذا لا ينطبق على كل فرد بعينه فقد يموت شاب بأي لحظة وهو على مستوى عال من الصحة البدنية والنفسية وهو يتمتع بأعلى درجات الرعاية الصحية.

من هنا نرى أن التفسير الميكانيكي الذي يحكم الربط بين السبب والنتيجة وهو ما كان سائدا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر لم يعد مقبولا في القرن العشرين والحادي والعشرين فالعلماء اليوم عندما يضعون قانونا علميا يؤكدون أنه يعوم فوق بحر من الاحتمالات وإنما يقاس كل قانون علمي بمدى ما يجره من تطبيقات عملية ناجحة وهذا يعني أن العلماء اليوم حتى في العلوم التطبيقية لا يقيسون صحة القانون العلمي بمدى يقينيته أو صلته بالحقيقة بقدر ما يقيسون صحته التي قد تكون مؤقتة بمدى نجوعه في تطبيقات عملية مجدية.

من هنا عندما صدر كتاب بنية الثورات العلمية لكوهن كان ذلك بمثابة الاعلان عن (انعدام اليقين) في القوانين العلمية ،حيث بدا واضحا أن العلم يمر بدورات تبدأ بتصورات ثم قوانين تبنى على هذه التصورات حتى تبدأ التطبيقات بالاصطدام بصعوبات عملية تؤدي الى اشكالات مفهومية ،وعندئذ تحدث ثورة تقلب كل العلم وتغير نظرياته ومفاهيمه وقوانينه وتطبيقاته وهذا ما حدث فعلا عندما قضت النظرية النسبية وفيزياء الكوانتيم على التفسير الميكانيكي المادي الذي أرسى قواعده نيوتن ،وهذا ما جعل العلماء يؤكدون أن العلم اليوم يعود الى حافة الميتافيزيك (ماوراء المحسوس ) بعد أن حاول الوضعيون في القرون السالفة التحرر منها أو اعتبارها نوعا من الخرافة.

من خلال كل ما سبق يتضح أنه لا يوجد أي مبرر علمي أو عملي لافتراض العلاقة بين السبب والنتيجة علاقة ضرورية أو عقلية وأن ماسبق ذكره يؤكد ما ذهب اليه علماء التوحيد من أن العلاقة بين الأسباب والمسببات هي علاقة عادية .

مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكلمات التي وردت أعلاه كالعشوائية والاحتمالية هي أوصاف أو أحكام العلم الغربي وأن معانيها لدينا تفيد معاني الامداد والتسيير الالهي للكون ومافيه لا تلك الحتمية التي تنسب للأسباب تأثيرا ذاتيا ضروريا والله أعلم.