تفسير المعجزات
تاريخ الإضافة : 2013-05-30 07:59:47
السؤال الثاني : هناك تفسير لعالم عراقي اسمه محمد رشيد الخطيب ،وهو ينحو منحى المدرسة العقلية في التفسير، وكنت أرسلت إليكم سؤالا حول كلامه على قوله تعالى: ائتيا طوعا أو كرها وحول عفريت من الجن وقد أجبت عنهما جوابا شافيا رسمت فيها قواعد للبحث ، وأرجو أن تكرمني بالإجابة على الأسئلة التالية:

2- جعل المؤلف جزاء الأعمال يوم القيامة من ثواب وعقاب مرتباً على الأعمال ترتيبا طبيعيا، وفسَّر ذلك بأن العمل ـ خيراً كان أو شراً ـ يكيف الروح بكيفية معينة، وهذه الكيفية تجعلها مستعدة للثواب أو للعقاب، فيكون الثواب والعقاب نتيجة حتمية للعمل، جارية على مقتضى سنة كونية ؟

  • بداية أسأل : ما قيمة تفسير يصادم مجمعة من الحقائق دون هوادة ؟
  • يبتنى على معرفة ناقصة لم تحط خبرا بأبعاد ما تتناوله !
  • من مزالق التوجهات الفكرية الوقوف عند معنى ما ، والتعامل معه على أنه حقيقة سارية في الوجود كله !
  • كالذي يبني تصورا من نص فهمه بقدر استيعابه ، ولم يقارن بين فهمه وما جاء من نصوص أخرى في الياق نفسه ، فأقل ما يقال في مثل هذا : أنه ألغى نصوصا بالإعراض عنها ،أو ليّ عنقها ، وظل في أسر النص الذي لم يحط بأبعاده خبرا كما يتطلب الصواب !!
  • وردت نصوص تبين أثر الأعمال الصالحة ، والأعمال السيئة في القلوب نكتا بيضاء وسوداء، ولكن لا على معنى أن الثواب يأتي لزوما بهذه الآثار ، فأين مسالة الثواب الذي هو خلق الله تفضلا من هذه الآثار التي لا يسند إليها أنها أثابت أو عاقبت !
  • دعت الشريعة المسلم إلى بذل الجهود المخلصة في ميدان العمل الصالح ، ودعته في الوقت نفسه أن يسأل الله القبول ، وألا يعتمد على أعماله كائنة ما كانت ، وبهذا يشهد فضل الله على عباده .
  • فأهل السنة والجماعة ذهبوا في مسألة الثواب أنه من فضل الله تعالى على من يثيبه ! وليس بواجب على الله ذلك ن وان العمل الصالح هو علامة على ما يتفضل الله به على عبده " فإن يثبنا فبمحض الفضل " ولم يذهبوا هذا المذهب إلا بدلالات النصوص وحقائق التوحيد !
  • وهذا الذي قرره أهل السنة من أن الثواب بفضل الله –علاوة على أنه المنسجم مع النصوص التي هي الأصل في بناء التصور – لا يلغي الثواب حيث يثبته " وعدا من الله تعالى " ويرجعه إلى الله تفضلا منه مع التزام الأدب مع الله تعالى !!
  •  ومن ذهب إلى وجوب الإثابة على الله ، فأقله أنه أساء الأدب !! وأعرض عن النصوص التي تؤدي إلى غير ما ذهبوا به ، ولم يقفوا على أسلوب القرآن في عرض الثواب والعقاب ، والمسألة سمعية بامتياز ! :
  • من النصوص الهادية قوله تعالى : " وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)"
  • الآية الأولى شنعت على التحكم في مسالة العذاب ن وبينت ان المر يرجع فيه إلى الله ، ولا تحكم فيه التقديرات ، على أن الذرة من المعصية يقابلها " كذا وكذا " من العذاب !
  • في الآية الثانية جيء بالفاء " فأولئك " وقد خلت من الفاء الآية الثالثة ، فقال : " أولئك " ، ليدل على أن ترتب الثواب ليس على أساس " الجملة الشرطية " أي : حيث وجد الشرط وجد لا محالة جوابه ! وكلمة " من " في الآيتين هي ما أشربت معنى " الشرط " ولا أقصد هنا أن هذا هو الدليل فيما ذهب إليه أهل السنة وتبنوه !! بل كلمة "الفضل " قد كثر ورودها في كتاب الله  وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام !
  • إن الأعمال الصالحة هي سبب دخول الجنة ودخولها يكون برحمة الله وفضله لا بمجرد العلم كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لن يدخل الجنة أحدكم منكم يعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " في الحديث : " لاَ يَدْخُلُ أَحَدُكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ . قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ . وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ "
  • وقوله " يتغمدني " قال أبو عبيد أي يلبسني ويغشيني
  •  
  • وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد للعبادة والآخر يقول : مذنب فجعل يقول : أقصر عما أنت فيه فيقول خلني وربي حتى وجده يوما على ذنب استعظمه فقال : أقصر فقال : خلني وربي أبعثت علي رقيبا ؟ فقال : والله لا يغفر الله لك أبدا ولا يدخلك الجنة فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده فقال للمذنب : أدخل الجنة برحمتي وقال للآخر : أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال : لا يا رب قال : اذهبوا به إلى النار " . رواه أحمد
  • وعَنْ هَمَّامٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . قال : قَالَ رَسُولُ الله  : " لَيْسَ وَاحِدٌ بِمُنْجِيهِ عَمَلُهُ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا . قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ " أخرجه أحمد 2/319(8233)
  • فإن قال قائل كيف قال ( ( لا يدخل أحد منكم الجنة عمله ) ) وقد قال ( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) (النحل 32) ؟
  • فالجواب من أربعة أوجه:
  •  أحدها: أنه لولا رحمة الله السابقة التي كتب بها الإيمان في القلوب ووفق للطاعات ما نجا أحد ، ولا وقع عمل تحصل به النجاة ، فالتوفيق للعمل من رحمته أيضا !
  •  والثاني: أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه ، فإن أنعم عليه بالجزاء فذلك بفضله ، كالمكاتب مع المولى !
  • والثالث : أنه قد روي في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة بالرحمة ، واقتسام الدرجات بالأعمال!
  •  والرابع:  أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير، وثوابها لا يبيد أبدا، فالمقام الذي لا ينفد في جزاء ما نفد بفضل الله لا بمقابلة الأعمال !
  • وقال آخرون يبينون العلاقة بين النصين :
  • ظاهره أن هذا الثواب وقع بسبب ذلك العمل ، ولا معارضة بينه وبين قوله {صلى الله عليه وسلم} : لا يدخل أحدكم الجنة عمله ؛ لأن أحد الأجوبة المشهورة بالجمع بينه وبين قوله تعالى : "ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون " [16 : 32] أن أصل الدخول إنما يقع برحمة الله ، واقتسام الدرجات بحسب الأعمال ، وهذا الجواب في فتح الباري .
  • وورد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: " {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] "، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الثَّانِيَةَ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] "، فَقُلْتُ الثَّانِيَةَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] فَقُلْتُ الثَّالِثَةَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ» لإلا ينقض هذا النص وامثاله ما ذهب غليه من ذهب أن العمال تكيف الروح تكييفا يدخلها في مجال الثواب ! وكأن الأمر يجع إلى تفاعلات مادية وفق سنن كونية صارمة !
  • وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد للعبادة والآخر يقول : مذنب فجعل يقول : أقصر عما أنت فيه فيقول خلني وربي حتى وجده يوما على ذنب استعظمه فقال : أقصر فقال : خلني وربي أبعثت علي رقيبا ؟ فقال : والله لا يغفر الله لك أبدا ولا يدخلك الجنة فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده فقال للمذنب : أدخل الجنة برحمتي وقال للآخر : أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال : لا يا رب قال : اذهبوا به إلى النار " . رواه أحمد
  • فأين من ذهب إلى الثواب الميكانيكي من مثل هذا الحوار الذي حدد المصير بناء على موقف لم يرتضيه الشرع!
  • عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : خرج علينا النبي صلى الله عليه و سلم فقال : خرج من عندي خليلي جبريل آنفا فقال : يا محمد و الذي بعثك بالحق إن لله عبدا من عبيده عبد الله تعالى خمس مائة سنة على رأس جبل في البحر عرضه و طوله ثلاثون ذراعا في ثلاثين ذراعا و البحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية و أخرج الله تعالى له عينا عذبة بعرض الأصبع تبض بماء عذب فتستنقع في أسفل الجبل و شجرة رمان تخرج له كل ليلة رمانة فتغذيه يومه فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء و أخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام لصلاته فسأل ربه عز و جل عند وقت الأجل أن يقبضه ساجدا و أن لا يجعل للأرض و لا لشيء يفسده عليه سبيلا حتى بعثه و هو ساجد قال : ففعل فنحن نمر عليه إذا هبطنا و إذا عرجنا فنجده له في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز و جل فيقول له الرب : ادخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول : رب بل بعملي فيقول الرب : أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول : يا رب بل بعملي فيقول الرب : أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول : رب بل بعملي فيقول الله عز و جل للملائكة قايسوا عبدي بنعمتي عليه و بعمله فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمس مائة سنة و بقيت نعمة الجسد فضلا عليه فيقول : أدخلوا عبدي النار قال : فيجر إلى النار فينادي : ربي برحمتك أدخلني الجنة فيقول : ردوه فيوقف بين يديه فيقول : يا عبدي من خلقك و لم تك شيئا ؟ فيقول : أنت يا رب فيقول : كان ذلك من قبلك أو برحمتي ؟ فيقول : بل برحمتك فيقول : من قواك لعبادة خمس مائة عام ؟ فيقول : أنت يا رب فيقول : من أنزلك في جبل وسط اللجة و أخرج لك الماء العذب من الماء المالح و أخرج لك كل ليلة رمانة و إنما تخرج مرة في السنة و سألتني أن أقبضك ساجدا ففعلت ذلك بك ؟ فيقول : أنت يا ربفقال الله عز و جل : فذلك برحمتي و برحمتي أدخلك الجنة أدخلوا عبدي الجنة فنعم العبد كنت يا عبدي فيدخله الله الجنة قال جبريل عليه السلام : إنما الأشياء برحمة الله تعالى يا محمد "هذا حديث في المستدرك صحيح الإسناد . ويكفي هذا النص لتسديد التصور فيما يتعلق بالثواب والعقاب !
  •  إن ما يلاحظ من الذين يخرجون عن الجادة التي عبدها اهل السنة أنهم لا يلتفتون إلى الأحاديث ! ولا يراعون مجموعة النصوص القرآنية التي وردت في مسالة واحدة ن وفي هذا من الخلل ما تشيب له نواصي الصواب !!
  •  عموما هذا نزغة طارت من مدرسة المعتزلة إلى بعض الرؤوس ن فعشعشت في تعاريج القشرة الرمادية للدماغ ! فدفعت إلى أن خالفوا أهل السنة في مسألة الصلاح والأصلح ، وأنه يجب على الله تعالى فعل الأصلح !! وبمجرد التفوه بأنه يجب على الله كذا وكذا ، تسقط المعاني التي يثمرها هذا التفوه !!!