أول ما خلق الله سبحانه وتعالى من المخلوقات
تاريخ الإضافة : 2013-07-04 10:40:54
ما وجه الصواب في قول من قال : أول ما خلق الله نور نبيك ؟ وهل ما جاء من نصوص له حظ من الثبوت ؟ وهل في ثبوته ما يبني اعتقادا بمضمونه !

 

بداية ينبغي أن نحدد مجموعة من الحقائق المتفق عليها:

الإيمان بما أمرنا أن نؤمن ، والذي يُكفر منكرُه ، هو الذي يعتمد على النصوص القطعية ، وما كان منها ظنيا فلا يدخل في مسألة التكفير.

الحديث عن " نور النبي " صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أدلة ثابتة ، قطعية الثبوت والمعنى ، فإذا نزلت الأدلة عن هذا الأفق لم تعد المسألة من " العقائد "

ينبغي أن يفرق بين ما يطرح لونا من ألوان تعظيم الرسول – عليه الصلاة والسلام – وما ينبغي أن يعتقد على أنه من مركبات الإيمان .

الجهد ينصب على دراسة الدليل الذي بني عليه هذا التصور ، وننأى بأنفسنا عن الاتهام بأن من لم ير ما نرى يكون من المبغضين للرسول عليه الصلاة والسلام ، وهذا يفضي إلى تكفيره ، لأنه لا إيمان لمن يبغضه عليه الصلاة والسلام !

 **نصوص في مسألة نور النبي !

من كتاب : الكتاب : الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة -المؤلف : اللكنوي، عبد الحي

تناول ما يقال " أن نور محمد خلق من نورالله ، وأنه تعالى أخذ قبضة من نوره فخلق من نوره " فقال : ... والذي أوقعهم في هذه الورطة الظلماء هو ظاهر رواية عبد الرزاق في مصنفه عن جابر قال: قلت: يا رسول الله ! بأبي أنت وأمي ، أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء؟ فقال: يا جابر! إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره ، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله ، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس ..." الحديث المذكور بتمامه في المواهب اللدنية وغيره ، قال : " وقد أخطأوا في فهم المراد النبوي .

وقال أيضا قبل ذلك بأوراق عديدة : أما ما ذكر من أن الله قبض من نور وجهه قبضة ، ونظر إليها فعرقت ، وذلقت ، فخلق الله من كل نقطة نبيا ، وإن القبضة كانت هي النبي ، وإنه كان كوكبا دريا ، وإن العالم كله خلق منه ، وإنه كان موجودا قبل أن يخلق أبواه ، وإنه كان يحفظ القرآن قبل أن يأتيه جبريل ، وأمثال هذه الأمور!

 فقال الحافظ ابن كثير في تاريخه : كل ذلك كذب مفترى باتفاق أهل العلم بحديثه- صلى الله عليه وسلم ، وقد اشتهر بين القصاص حديث" أول ما خلق الله نوري " وهو حديث لم يثبت بهذا المبنى ، وإن ورد غيره موافقا له في المعنى ، قال السيوطي في تعليق جامع الترمذي المسمى بقوت المغتذي عند شرح حديث " إن أول ما خلق الله القلم " قال زين العرب في شرح المصابيح يعارض هذا الحديث ما روي" أن أول ما خلق الله العقل ، وإن أول ما خلق الله نوري ، وإن أول ما خلق الله الروح ، وإن أول ما خلق الله العرش ! ويجاب بأن الأولية من الأمور الإضافية فيؤول بأن كل واحد مما ذكر خلق قبل ما هو من جنسه ، فالقلم خلق قبل الأجسام ، ونوره- عليه الصلاة والسلام -  قبل الأنوار، ويحمل حديث العقل على أن أول ما خلق الله من الأجسام اللطيفة العقل ، ومن الكثيفة العرش ، فلا تناقض في شيء من ذلك " انتهى كلام زين العرب .

 قلت: حديث العقل موضوع ! والثلاثة الأخر لم ترد بهذا اللفظ ، فاستغني عن التأويل .

**معنى ما اشتهر على لسان القصاص والعوام والخواص من حديث " لولاك لما خلقت الأفلاك "

قال علي القاري في تذكرة الموضوعات ، حديث " لولاك لما خلقت الأفلاك " قال العسقلاني: موضوع كذا في الخلاصة لكن معناه صحيح ، فقد روى الديلمي عن ابن عباس مرفوعا أتاني جبريل فقال: قال الله: يا محمد لولاك ما خلقت الجنة ولولاك ما خلقت النار"

وذكر القسطلاني في المواهب اللدنية والزرقاني أن الحاكم أخرج في مستدركه عن عمر مرفوعا : " إن آدم رأى اسم محمد مكتوبا على العرش وإن الله قال لآدم لولا محمد ما خلقتك "

قال الذهبي: وعند الديلمي عن ابن عباس رفعه:" أتاني جبريل فقال: إن الله يقول لولاك ما خلقت الجنة ولولاك ما خلقت النار "

وكذا ما اشتهر على ألسنة القصاص من حديث" كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " وفي رواية " وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين " فإنه صرح السخاوي . في " المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة

" والسيوطي في  " الدرر المشتهرة في الأخبار المشتهرة " وغيرهما بأنه موضوع بهذا اللفظ !

 نعم ثبت عند الحاكم في مستدركه وصححه وأبي نعيم في حلية الأولياء والبخاري في تاريخه وأحمد في مسنده عن ميسرة الضبي قلت: يا رسول الله؟ متى كنت نبيا قال:" وآدم بين الروح والجسد" .

 وعند البيهقي وأحمد من حديث العرباض بن سارية مرفوعا :" إني عند الله لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته " .

 وعند الترمذي عن أبي هريرة إنهم قالوا: يا رسول الله! متى وجبت لك النبوة؟ قال:" وآدم بين الروح والجسد "

وهذه النصوص تتناول مسألة " النبوة " ولا علاقة لها بموضوع " النور المحمدي " على المعنى الذي يراه بعضهم عقيدة ومعرفة أكرم بها !

فما قصة خلق العالم من النور المحمدي؟

"أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر": نور النبي مخلوق من نور الله، ثم قسم إلى أربعة أجزاء:

الجزء الأول: النور المحمدي الأول خلق منه " القلم ".

الجزء الثاني: النور المحمدي الثاني منه خلق "اللوح".

الجزء الثالث: النور المحمدي الثالث خلق منه العرش.

وقد قسم الربع الرابع إلى أربعة أجزاء:

الأول: من النور المحمدي الأول خلق منه: "حملة العرش".

الثاني: من النور المحمدي الثاني: خلق منه "الكرسي".

الثالث: من النور المحمدي الثالث خلق منه: "باقي الملائكة".

وقسم الرابع أيضًا إلى أربعة أجزاء:... وهكذا توالى التقسيم !!

إن الحس الإيماني الذي صقلته حقائق التوحيد ، والبصيرة التي شهدت عطاءات التنزيل ، والقلب الذي سمع البصائر من الحبيب عليه الصلاة والسلام لا يتصور أن تميل هذه مجرد المجرد لمثل هذا الطرح ، إلا في حال السكر من شراب الفلسفات القديمة !

إن أمور الغيب لا يدخل إليها على صهوة الخيال ، فتتخيل به لينسج مما صنعه الخيال شبكة من الصور والتشكيلات ، إنما تتلقى من " عالم الغيب والشهادة " عبر ما بلغنا عنه الذي لا ينطق عن الهوى ، وإن بعض الأحاديث التي لها نصيب من الثبوت لا تقوى على بناء مثل هذا التصور " الفلسفي " الذي يرفضه الذوق الذي تربى على عرض القرآن للحقائق ، وشاركت في ذلك السنة النبوية !

ثم لو كانت هذه من الحقائق الثابتة لكانت مع قضايا التوحيد ، والآخرة ، وأركان الإيمان في نسق من حيث الأهمية ، والاهتمام بها ، وقد تناول التنزيل مع الأحاديث هذه القضايا الرئيسة في مضمار الإيمان في مساحات كبيرة غطتها نصوص ونصوص ونصوص ! فكيف تخلفت هذه القضية عن هذا الركب الإيماني ، ولم تحظ إلا بنص أو اثنين ، وفيه ما فيه ، أم لعلها ليست من القضايا التي يطالب بها عموم الناس الذين بعث إليهم الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام ، وتظل قاصرة على خصوص الخصوص ؟!

فكيف بهذه القصة الواهية: قصة خلق العالم من نور النبي صلى الله عليه وسلم التي أوردها العجلوني في "كشف الخفاء" (1-311) (ح827) وعزى الخبر الذي جاءت به القصة إلى مصنف عبد الرزاق ، ولم يذكر أي تحقيق حول القصة، وبالرجوع إلى مصنف عبد الرزاق تبين أن هذا الخبر الباطل لا يوجد- حتى - في مصنف عبد الرزاق.

ولذلك عندما سُئل عنه الحافظ السيوطي في "الحاوي في الفتاوي" فأجاب: " بأنه لا سند له يثبت البتة ".

وثمة قرائن تدل على بطلان خبر هذه القصة:

1- ثبت في "صحيح مسلم"  وفي "مسند أحمد" من حديث أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" وهنا فائدة أوردها العلماء عند هذا الحديث  قالوا: " وفي الحديث إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس:" أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه صلى الله عليه وسلم " خلق من نور" فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة وحدهم الذين خلقوا من نور، دون آدم !.

2- ثبت في "مسند أبي يعلى" وفي "سنن البيهقي"  كتاب: السير- باب: مبتدأ الخلق، وفي "الأوائل للطبراني" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "إن أول شيء خلقه الله القلم ، وأمره فكتب كل شيء يكون".

وهنا فائدة أيضًا أوردها العلماء في هذا الحديث قالوا:

: " في الحديث إشارة إلى ما يتناقله الناس حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم ، وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى، وليس لذلك أساس من الصحة، وحديث عبد الرزاق الذي يرجع إليه في هذا الشأن غير معروف إسناده".

3- وقال أحمد الصديق الغماري في مقدمة كتابه " المغير على ما في الجامع الصغير" : " إنه موضوع لا يشك طالب علم في وضعه واختلاقه ".

ومن تأمل الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة يعلم أن هذا الخبر من جملة الأباطيل التي لا أساس لها من الصحة ، وقد أغنى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا بما أقام من الدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، والمعجزات الباهرة على صحة نبوته ورسالته عليه الصلاة والسلام، كما أغناه عن هذا الخبر المكذوب وأشباهه بما وهبه من الشمائل العظيمة والصفات الكريمة، والأخلاق الرفيعة، التي لا يشاركه فيها أحد ممن قبله ولا ممن بعده، فهو سيد ولد آدم، وخاتم المرسلين، ورسول الله إلى جميع الثقلين، وصاحب الشفاعة العظمى، والمقام المحمود يوم القيامة، إلى غير ذلك من خصائصه، وشمائله، وفضائله الكثيرة صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ومن سلك سبيله، ونصر دينه وذبَّ عن شريعته وحارب من خالفها .

 

و أما ما رواه عبد الله بن أحمد في " السنة " عن عكرمة قال :" خلقت الملائكة من نور العزة ، و خلق إبليس من نار العزة " .

و عن عبد الله بن عمرو قال :" خلق الله الملائكة من نور الذراعين و الصدر " .

وهذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها ، لأنها لم ترد عن

الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .

 وفي حاشية الصاوي على الشرح الصغير:

( وَنُورُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْلُ الْأَنْوَار وَالْأَجْسَامِ ِ) كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورَ نَبِيِّك مِنْ نُورِهِ }، فَهُوَ الْوَاسِطَةُ فِي جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَوْلَاهُ مَا كَانَ شَيْءٌ كَمَا { قَالَ اللَّهُ لِآدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك } الْحَدِيثُ إذْ لَوْلَا الْوَاسِطَةُ لَذَهَبَ كَمَا قِيلَ الْمَوْسُوطُ .

وَنَصُّ الحديث : { أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوَّلِ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ ؟ فَقَالَ هُوَ نُورُ نَبِيِّك يَا جَابِرُ خَلَقَهُ اللَّهُ ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ كُلَّ خَيْرٍ وَخَلَقَ بَعْدَهُ كُلَّ شَرٍّ ، فَحِينَ خَلَقَهُ أَقَامَهُ قُدَّامَهُ فِي مَقَامِ الْقُرْبِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ : فَخَلَقَ الْعَرْشَ مِنْ قِسْمٍ ، وَالْكُرْسِيَّ مِنْ قِسْمٍ ، وَحَمَلَةَ الْعَرْشِ وَخَزَنَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ قِسْمٍ ، وَأَقَامَ الْقِسْمَ الرَّابِعَ فِي مَقَامِ الْحُبِّ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ : فَخَلَقَ الْقَلَمَ مِنْ قِسْمٍ ، وَالرُّوحَ مِنْ قِسْمٍ ، وَالْجَنَّةَ مِنْ قِسْمٍ ، وَأَقَامَ الْقِسْمَ الرَّابِعَ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ  وهكذا تتابع التقسيم إلى ان قال : " هَكَذَا كَانَ بَدْءُ خَلْقِ نَبِيِّك يَا جَابِرُ } هذا مِنْ شَرْحِه عَلَى صَلَوَاتِ شَيْخِ الْمُصَنِّفِ نَقْلًا عَنْ شَيْخِه الشَّيْخِ سُلَيْمَانَ الْجَمَلِ فِي أَوَّلِ شَرْحِهِ عَلَى الشَّمَائِلِ عَنْ سَعْدِ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي شَرْحِ بُرْدَةِ الْمَدِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ :                                                وَكُلُّ آيٍ أَتَى الرُّسُلُ الْكِرَامُ بِهَا فَإِنَّمَا اتَّصَلَتْ مِنْ نُورِهِ بِهِمْ

 قَوْلُهُ : " وَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك " واستدلوا بأحاديث لم تثبت منها : " كنت نورا قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق آدم جعل ذلك النور في صلبه فلم يزل ينقله من صلب إلى صلب حتى استقر في صلب عبد اللّه " وهو موضوع .

وهذا الحديث معارض بالحديث الصحيح الذي رواه مسلم :" خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار السموم وخلق آدم - عليه السلام - مما قد وصف لكم "  ففيه دلالة على بطلان الأحاديث التي تقول أن النبي - صلى الله عليه وسلم – " خلق من نور" .

وقد سُئل السيوطي عن هذا الحديث ، فأجاب : ( ليسَ له إسناد ويعتمد عليه ، ويُبطله قوله - صلى الله عليه وسلم - : « النّاس بنو آدم ، وآدم مِن ترابٌ » .

والله يقول : " قل إنما أنا بشر مثلكم " وقوله تعالى :" وما جعلنا لِبَشر من قبلك الخلد " ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « كلكم لآدم وآدم من تراب »

كل هذه الآيات والأحاديث الواضحة تدل على أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - من آدم المخلوق من تراب ، وأنه بشر من ظهر وبطن بشر، كما يشهد - صلى الله عليه وسلم - في حديثه : « إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد » وأنه مرت به جميع أطوار الطفولة كما تمر بكل طفل ، وأنه يأكل طعام البشر ويشرب شرابهم ، فهو بشر كإخوانه من الأنبياءِ عليهم الصَّلاة والسّلام يقول الله - عز وجل - :" ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون " ولكنهم مع ذلك يكذبون هذه الآيات الواضحات ويصرون في عناد على موقفهم المخالف لما صرح به كتاب الله وبينته سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

ونؤمن أيضاً أن عيسى خلق من تراب بدليل قوله تعالى :" إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" العجيب أننا نؤمن بهذا ونخالف النصارى فيما يعتقدون ثم نعتقد بأن محمداً خُلِق من نور ،من أول الخلق !

من الخطأ الاعتقاد أن الله تعالى خلق أول ما خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم ، قال السيوطي: في الحاوي: ليس له إسناد يعتمد عليه وحديث كنت نبيا و آدم بين الطين والماء قال السخاوي لم أقف عليه ، والصحيح أن أول مخلوق الماء ثم العرش ثم القلم وفي الصحيح أنه قال: " كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض"

 قال ابن حجر: معناه أنه خلق الماء سابقًا ثم خلق العرش علي الماء وقد وقع في قصة نافع بن زيد الحميري بلفظ: " كان عرشه على الماء ثم خلق القلم فقال: اكتب ما هو كائن ثم خلق السماوات والأرض وما فيهن " فصرح بترتيب المخلوقات بعد الماء والعرش. والله أعلم.

 قال بعضهم وجه الجمع بينه وبين الحديثين الآخرين " أول ما خلق الله القلم "  و " أول ما خلق الله نوري" وفي كشف الخفاء للعجلوني، وجاء بلفظ:  " اوّل ما خلق الله نور نبيك يا جابر" والأرجح أن الحديث موضوع.

** الكتاب: موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ، للمؤلف: محمد بن علي ابن القاضي محمد حامد بن محمّد صابر الفاروقي الحنفي التهانوي (المتوفى: بعد 1158هـ)

: قال الحكماء أول ما خلق الله تعالى العقل كما ورد به نصّ الحديث !

 إنّ المعلول الأول من حيث إنّه مجرّد يعقل ذاته ، ومبدؤه يسمّى عقلا، ومن حيث إنّه واسطة في صدور سائر الموجودات في نقوش العلوم يسمّى قلما، ومن حيث توسّطه في إفاضة أنوار النّبوّة كان نورا لسيّد الأنبياء عليه وعليهم السلام، كذا في شرح المواقف. قال في كشف اللغات:

العقل الأول في لسان الصوفية هو مرتبة الوحدة. ويقول في لطائف اللغات: العقل هو عبارة عن النّور المحمدي صلّى الله عليه وسلّم.

وفي الإنسان الكامل العقل الأول هو محلّ تشكيل العلم الإلهي في الوجود، لأنّه العلم الأعلى ثم ينزل منه العلم إلى اللوح المحفوظ، فهو إجمال اللوح واللوح تفصيله، بل هو تفصيل علم الإجمال الإلهي ، واللوح محلّ تنزّله. ثم العقل الأول من الأسرار الإلهية ما لا يسعه اللوح ، كما أنّ اللوح من العلم الإلهي ما لا يكون العقل الأول محلا له، فالعلم الإلهي هو أمّ الكتاب والعقل الأول هو الإمام المبين ، واللوح هو الكتاب المبين، فاللوح مأموم بالقلم تابع له، والقلم الذي هو العقل الأول حاكم على اللوح مفصّل للقضايا المجملة في دواة العلم الإلهي المعبّر عنها بالنون. والفرق بين العقل الأول والعقل الكلّ وعقل المعاش أنّ العقل الأول بعد علم إلهي ظهر في أول تنزلاته التعيينية الخلقية ، وإن شئت قلت أول تفصيل الإجمال الإلهي.

وفي سياق موافقة العقل للشرع قالوا : ..وإذا لم يوافق العقل الشرع فلابد أن تكون هناك علة، هذه العلة ليست في دين الله عز وجل، وإنما هذه العلة إما أن تكون بفساد العقل، وإما أن تكون في ضعف النقل ، كأن يكون الحديث ضعيفاً، ثم ذكر مثالاً على ذلك، وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: " أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب ، قال: وما اكتب؟ قال: اكتب كل شيء كان ويكون إلى قيام الساعة " ، وحديث آخر من طريق جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: " أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ".

وهذا الحديث يحتج به الصوفية، فيقال: إن التعارض واقع بين هذين الخبرين، فإما أن يكون الجمع بينهما ممكن، وعقلي هو الذي قصُر لفساد فيه ، وجهل فيه عن الجمع بين الدليلين، وإما أن يكون العيب في عدم ثبوت واحد منهما، فلما فتشنا علمنا أن حديث القلم هو الصحيح، وأن حديث: " نور نبيك يا جابر"  حديث موضوع، فلما علمنا بوضعه استبعدناه فلم يبق لنا إلا خبر واحد: " أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب" فليس هناك في هذه المسألة إلا خبر واحد، فلابد أنه سيتفق مع العقل تمام الاتفاق، لأن النقل صريح، والعقل صحيح ، ففي هذه الحالة ليس هناك تعارض أبداً.

وفي كتاب : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني

لمؤلفه : شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى : 1270هـ) توجه آخر يتناوله الألوسي مع التعليل ، فيقول :

...  وكونه- صلى الله عليه و سلم- رحمة للجميع باعتبار أنه عليه الصلاة و السلام واسطة الفيض الإلهي على الممكنات على حسب القوابل ، ولذا كان نوره صلى الله عليه و سلم أول المخلوقات ، ففي الخبر" أول ما خلق الله تعالى نور نبيك يا جابر" وجاء " الله تعالى المعطي وأنا القاسم " وللصوفية قدسَت أسرارهم في هذا الفصل كلام فوق ذلك ، وفي" مفتاح السعادة لابن القيم " أنه لو لا النبوات لم يكن في العالم علم نافع ألبتة ، ولا عمل صالح ، ولا صلاح في معيشة ، ولا قوام لمملكة ، ولكان الناس بمنزلة البهائم والسباع العادية ، والكلاب الضارية التي يعدو بعضها على بعض ، وكل خير في العالم فمن آثار النبوة ، وكل شر وقع في العالم أو سيقع فبسبب خفاء آثار النبوة ودروسها ، فالعالم جسد روحه النبوة ولا قيام للجسد بدون روحه ، ولهذا إذا انكسفت شمس النبوة من العالم ، ولم يبق في الأرض شيء من آثارها البتة انشقت سماؤه ، وانتشرت كواكبه ، وكورت شمسه ، وخسف قمره ، ونسفت جباله ، وزلزلت أرضه ، وأهلك من عليها فلا قيام للعالم إلا بآثار النبوة "

وأما إشارة إلى الحقيقة المحمدية والتعين الأول المشار إليه بقوله أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر وبواسطته حصلت الإفاضة كما يشير إليه لولاك ما خلقت الأفلاك ولكون الغالب عليه- عليه الصلاة و السلام- صفة الرحمة ، لا سيما على مؤمني الأمة كما يشير إليه قوله- تعالى- : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " وقوله- تعالى- " : بالمؤمنين رؤوف رحيم " ناسب ظهور الكسر فيما يشير إلى مرتبته ، وفي الابتداء به هنا رمز إلى صفة من أنزل عليه الكتاب والداعي إلى الله .

وفي كتاب :" كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس "

-        حديث :" أول ما خلق اللهُ نورُ نبِيكِ يا جابر" !

رواه عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله بلفظ: قال: قلت : يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء . قال : يا جابر، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقُدرة حيث شاء الله، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جِنِّيٌ ولا إنسي، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء : فخلق من الجزء الأول القلم،( وأكمل الحديث بطوله )

وقال : الحديث كذا في المواهب.

وقال فيها أيضا : واختُلِف هل القلم أول المخلوقات بعد النور المحمدي أم لا ؟ فقال الحافظ أبو يعلى الهمداني : الأصح أن العرش قبل القلم، لِما ثبت في الصحيح عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، فهذا صريح في أن التقدير وقع بعد خلق العرش، والتقدير وقع عند أول خلق القلم، فحديث: عبادة بن الصامت مرفوعا " أول ما خلق الله القلم، فقال له أكتب، فقال رب وما أكتب ؟ قال أكتب مقادير كل شيء " رواه أحمد والترمذي وصححه .

وروى أحمد والترمذي وصححه أيضا من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا :" إن الماء خلق قبل العرش " .

وروى السدي بأسانيد متعددة أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء، فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا النور النبوي المحمدي والماء والعرش .

 تنبيه : قال الشبراملسي ليس المراد بقوله :" من نوره " ظاهره من أن الله تعالى له نور قائم بذاته لاستحالته عليه تعالى . لأن النور لا يقوم إلا بالأجسام، بل المراد خلق من نور مخلوق له قبل نور محمد، وأضافه إليه تعالى لكونه تولى خلقه، ثم قال: ويحتمل أن الإضافة بيانية، أي خلق نور نبيه من نور هو ذاته تعالى ! لكن لا بمعنى أنها مادة خلق نور نبيه منها، بل بمعنى أنه تعالى تعلقت إرادته بإيجاد نور بلا توسط شيء في وجوده، قال: وهذا أولى الأجوبة نظير ما ذكره البيضاوي في قوله تعالى { ثم سواه ونفخ فيه من روحه } حيث قال: أضافه إلى نفسه تشريفا وإشعارا بأنه خلقٌ عجيب وأن له مناسبة إلى حضرة الربوبية " انتهى ملخصا .

وفي كتاب : السيرة الحلبية :

..." وقد قال له جابر: «يا رسول الله أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء؟ قال: يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، ولم يكن في ذلك الوقت لا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا لوح ولا قلم» الحديث. وجاء «أول ما خلق الله نوري» وفي رواية: «أول ما خلق الله العقل» قال الشيخ عليّ الخواص: ومعناهما واحد، لأن حقيقته يعبر عنها بالعقل الأول ، وتارة بالنور. فأرواح الأنبياء والأولياء مستمدة من روح محمد"

**مما سبق يظهر أن من قال بذلك منذ البداية لم يكن لديه من النصوص ما يجعله مستندا إلى دليل قاطع يدخله في ما يجب اعتقاده ، وأن من بعده ساروا على طريق الاقتداء ، وأن من فحص المسألة تلمس لها ما عنّ له من الفهم ، وأن أكثر الذين استراحوا إلى هذه المقولة لم يدققوا ، وأن الفلسفة بادية على الطرح ، وأن الالتباس أكبر من الوضوح في هذه المسألة  !!