تفسير ( فاهبط منها ) ...
تاريخ الإضافة : 2013-10-03 11:04:47
تفسير ( فاهبط منها ) ...

نقل الخطيب الموصلي في  تفسيره أولى ما قيل "عن ابن " كثير في تفسير قوله تعالى ..... بقوله: «قال ابن كثير: إن هذا الخطاب للتكوين فهو عبارة عن بيان الواقع في صفة طبيعة الإنسان وطبيعة الشيطان»

وعند الرجوع إلى موضع تفسير هذه الآية، لم يتبيَّن وجود هذا الكلام فيه، ولكن هناك ما قد يشبهه في تفسير قوله تعالى: ﴿ﭥ ﭦ﴾ [الأعراف:13] إذ فيه: «يقول تعالى مخاطباً لإبليس بأمر قَدَري كوني ﴿ﭥ ﭦ﴾ بسبب عصيانك لأمري وخروجك عن طاعتي فما يكون لك أن تتكبَّر فيها "»([2]). ومن البيِّن أن الشيخ يريد أن يؤيد رأيه في مسألة الحوار الذي دار بين الله عزَّ وجلَّ والشيطان على أنه تمثيلٌ لا حقيقة بنقول من مفسِّرٍ شديدِ التمسُّك بالأثر، ولا أدري إن كان كلام ابن كثير يفهم منه ما أراده الشيخ ؟؟

قول الشيخ " فهو عبارة عن بيان الواقع في صفة طبيعة الإنسان وطبيعة الشيطان " ينسبه لابن كثير ، مصاغ بعبارة الشيخ حسب فهمه لما قرره ابن كثير ، وبدهي ألا تجد العبارة كما اوردها عند ابن كثير ، لأن ابن كثير أبعد ما يكون عن هذا التوجيه للنص ، وهو من هو التزاما بالنص ، ودلالته الصارخة ، ولا أرى من صلة ، ولو " مريخية " بين ما جاء في عبارة الشيخ المنسوبة لابن كثير ، ولوى عنقها إليه ، وما أتى على لسان ابن كثير في تفسيره !

ثمة أمر أسوقه قبل الحديث عن العبارة ، وأسوق ما جاء في تفسير المنار متعلقا بعبارة ابن كثير رحمه الله تعالى :

من تتبع التعبير القرآني من خلال ما جاء من أمر توجه به الله لمن يأمرهم يجد أن ثمة نوعين من الأمر :أمر تشريعي ، يتوجه به إلى المكلفين بتنفيذ الأمر، ويدخل في دائرة " التكليف " المبني على حرية الاختيار ، ويترتب عليه الثواب لمن استجاب ، والعقاب لمن خلف وأبى ، ويدخل في هذا الضرب كل ما أمر الله به عباده ، ونهاهم عنه ،وهذا الأمر يقابل من قبل الطائعين بالاستجابة ، والتلبية ، كما يقابل بالإباء من قبل الآبين المتكبرين على أمر الله ، وقد امر الله بالصلاة – مثلا – وهو أمر تشريعي ، وهناك الكثير ممن لا تنحني جباهم ركوعا ولا سجودا ! ومثال هذا أمره تعالى الملائكة بالسجود كما في قوله - تعالى - :

" ثمَّ قلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ"

وكان إبليس من جملة من أمروا، ولكنه أبى ، وعلل إباءه !

"قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ " فالتعليل بقوله :

*{ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } وهو- كما ترى - من العذر الذي هو أكبر من الذنب، وأقبح ، فكأنه امتنع من الطاعة لأنه- حسب فلسفته- لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول !

ولو كان الأمر بالسجود أمرا كونيا قدريا ، وهو النمط الثاني من نمطي الأمر الإلهي ، لما استطاع ابليس أن يأبى ، ولسجد رغما عن أنفه ، والأمر الكوني قاهر لا يرد ، وتنفيذه من قبل المأمور اضطراري ،ويأتي على صورة تعلق القدرة بالمقدور لإبرازه إلى ساحة الوجود ، أو إخراجه منه ، بحسب ما خصصته الإرادة ، وتعلق به العلم أزلا ! ويتجلى بصورة عقاب او ثواب !

ومن هذا الضرب الأمر: " فَاهْبِطْ مِنْهَا " على ما بين بقوله -

تعالى - " فَاهْبِطْ مِنْهَا فمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ " تراه كان بإمكانه بعد هذا الأمر أن يقول : لا أهبط ! كل ما كان أن سأل الانظار كما بينت النصوص !

* قال {أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين} أجابه تعالى إلى ما سأل ، لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع, ولا معقب لحكمه

وهنا نقول ما قرره ابن كثير حيث قال :

* يقول- تعالى- مخاطبًا لإبليس بأمر قدري كوني: { فَاهْبِطْ مِنْهَا }

*وَقدعَلَّلَ الأمر بالإهباط بِقَوْلِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ : (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) أَيْ أُولِي الذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ ، أَظْهَرَ حَقِيقَتَكَ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارِ ، بِإِظْهَارِهِ لِمَا كَانَ كَامِنًا فِي نَفْسِكَ مِنْ عِصْيَانِ الِاسْتِكْبَارِ .

 قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ :

(فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) أَيِ الذَّلِيلِينَ الْحَقِيرِينَ . مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ ، وَمُكَافَأَةً لِمُرَادِهِ بِضِدِّهِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ اسْتَدْرَكَ اللَّعِينُ .

* وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ تَعَالَى جَازَاهُ بِضِدِّ مُرَادِهِ ، إِذْ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ نَفسَهُ عَنْ مَنْزِلَتِهَا الَّتِي كَانَتْ فِيهَا ، فجُوزِيَ بِهُبُوطِهَا مِنْهَا إِلَى مَا دُونَهَا ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مِنْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَحْشُرُ الْمُتَكَبِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصُورَةٍ حَقِيرَةٍ يَطَؤُهُمْ فِيهَا النَّاسُ بِأَرْجُلِهِمْ ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ أَلْيَقُ بِقَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ لِلتَّكْلِيفِ . وَلَكِنَّ الْحَافِظَ ابْنَ كَثِيرٍ جَرَى عَلَيْهِ بَعْدَ جَزْمِهِ بِالْقَوْلِ بِأَنهُ لِلتَّكْوِينِ وَاقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ قَالَ :

" يَقُولُ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ بِأَمْرٍ قَدَرِيٍّ كَوْنِيٍّ : فَاهْبِطْ مِنْهَا بِسَبَبِ عِصْيَانِكَ لِأَمْرِي وَخُرُوجِكَ عَنْ طَاعَتِي ، فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا "