هل يجب على كل مسلم الإلتزام بمذهب فقهي !
تاريخ الإضافة : 2013-10-03 11:19:51
هل يجب على كل مسلم أن يتبع أحد المذاهب (المالكي أو الحنفي أو الحنبلي أو الشافعي) ؟ إذا كان الجواب نعم فما أفضل مذهب ؟ هل صحيح أن مذهب أبي حنيفة هو أكثر مذهب منتشر بين المسلمين ؟.

فمن نعم الله - تعالى- على هذه الأمة أن حفظ عليها كتابها الذي أنزله عليها ، كما حفظ سنة نبيها الذي أرسل إليها ،وقد تحقق حفظ الكتاب في السطور والصدور ، فسلم مما أصاب الكتب المنزلة السابقة من تحريف ، وحفظ السنة بمن قيض من الأعلام العلماء الذين بلغوا الآلاف ، وحفظ لها عقيدتها بعلماء التوحيد الذين كتبوا فيه ، وهبوا للذب عن حياضه ، أما الفقه فقد قيض الله - لهذه الأمة – أئمة أعلاماً أطلعوا في سمائها كواكب ، واستنفدوا وسعهم في استنباط الأحكام من منابعها الأصلية ، وإرساء أصول الفقه وقواعده العامة ، وطرائق استنباط الأحكام الفرعية ، وانتهى هذا الجهد إلى بناء صرح فقهي شامخ .

وما غاظ أعداءَ هذه الأمة مثل هذا البناء التشريعي الفقهي الذي حفظ على الأمة أحكام الشريعة ، وفصل فيها ، وقدمها واضحة بينة ، مدللة معللة ، لذلك أخذوا يعملون معاول الهدم بأيديهم تارة ، وبأيدي صنائعهم تارة أخرى ، أولئك الذين ربوهم على أعينهم وغذوهم بلبانهم ، فإذا بهم يدعون إلى هدم هذا البناء الشامخ ، وإلى اللامذهبية ، ودعواإلى استنباط من الكتاب والسنة مباشرة ، ضاربين عرض الحائط كل الجهود المباركة التي قام بها أئمتنا الأعلام كأبي حنيفة والشافعي والإمام مالك والإمام أحمد رضي الله عنهم أجمعين .

وهؤلاء الناعقون بالدعوة إلى اجتهاد جديد مماثل لما قام به السلف ، ولو قصرت الدعوة على من فه أهلية الاجتهاد لكان من الصواب بمكان ، ولكنهم دعوا كلّ الأمة : من بلغ منهم مرتبة الاجتهاد ، ومن الواجب عليه أن يسأل أهل الذكر ، كما ورد به النص القرآني ، لأنه لا يقدر على تحديد الحكم من النصوص الرئيسة ،وفيم يكون الاجتهاد؟ في المسائل التي نضجت على أيدي الأعلام ، ولا مزيد عليها في ما وصلوا إليه منها، هؤلاء غفلوا أو تغافلوا عن أنهم قد شربوا من  سم المستشرقين الذين دسوا أن الأحكام الفرعية عبارة عن آراء للفقهاء ، وليست أحكاماً شرعية ، وغفلوا – كذلك – عن أن من يتصدى للاجتهاد عليه – قبل أن ينهال هدما ً للمذاهب الأربعة ، وقبل أن يرفع شعار – اللامذهبية – عليه أن يحقق شروط المجتهد ، ونذكره ببعضها حتى يكون اجتهاده مقبولاً ، واستنباطه من الكتاب والسنة سائغاً ، ولو كان كذلك لما خرج عما جاء به الأئمة ، لأنهم إنما عكفوا على الكتاب والسنة يستنبطون منهما .

أقول عليه أن يكون عارفاً بالناسخ والمنسوخ ، وعارفاً بمواقع الإجماع ، وعارفاً بالقواعد الأصولية للكتاب والسنة  التي اتفق عليها العلماء والأصوليون من هذه الأمة ، وعليه أن يكون معروفاً بتلقي العلم عن أهله ، مشهوداً له بالتحقيق الدقيق ، غير مطعون عليه في علم أو عقيدة ، وأن يكون عدلاً فاضلاً قادراً على الغوص في لجج العلم وأعماقه ، وأن تكون له قوة معرفة بعلل الأحكام ليقدر على قياس مالا نص فيه على ما فيه نص ، وهذا – لعمر الحق – مرتقى صعب ، لم يصل إليه – على كثرة الأمة – إلا عدد قليل ، وفيهم الكفاية لمن عقل ، فأين يذهب من قال على كل مسلم أن يأخذ من القرآن والسنة ، ولا يعول على ما قاله العلماء ؟ هؤلاء دعوتهم أقرب للهدم ، منها إلى البناء .

وهاك موقفاً يجلي جانباً من صفات العلماء الأعلام ، لترى الفرق بين الأصيل والمدعي : إن العز بن عبدالسلام - رحمه الله - أفتى يوما إنساناً فتوى ، ثم تبين له أنه أخطأ فيها ، وكان المستفتي قد ذهب ، فما كان من العز - رحمه الله - إلا أن بعث في القاهرة من ينادي – ولمدة  ثلاثة أيام - إن العز قد اخطأ في فتياه ، وأن الصواب خلافها !!

وختاماً ، نقول إنه لما كانت اللامذهبية التي يدعو إليها من يعرض عن المذاهب الأربعة قنطرة إلى اللادينية ، إذ تدفع إليها ، وتلقي غير المتمذهب الأربعة في أحضانها ، فوجب على كل مسلم ومسلمة أن يتفقه في مذهب من المذاهب الفقهية الأربعة التي تلقتها الأمة عبر القرون بالقبول ، ثم ليس على هذا المتمذهب – من حرج أن يقلد - بعد ذلك - أي مذهب من المذاهب الأربعة في أي مسألة من المسائل التي تعرض له في حياته العملية ، شريطة ألا يلفق في تقليده ، وأن يكون على خبر بما يقلد فيه ، وأن يبني تقليده على فقه تلقاه ووعاه وهنا ينبغي التعرف إلى شروط التقليد ومسوغاته ..

من كل ما مر نجد أنفسنا أمام أن كل الرسائل التي حررها العلماء في المذهب الأربعة ، هي المناهل التي نتلقى منها الأحكام الشرعية ، لنقيم بها عبادتنا على الوجه الصحيح ، وهذه

تؤصل التلقي للفقه على مذهب من المذاهب اتقاء لهوس صغار عابثين ، وهدما للكبار الحاقدين ، واتباعا للعلماء العاملين الذين لم يأتـوا بالحكم من غير مصادره الأصلية ، ومن لا يقدر على الأخذ مما أخذوا أخذ منهم ، وبأخذه منهم يكون آخذا لفهمهم  للكتاب والسنة !وسيرا على الطريق الدال على أن اللهى قد اراد بنا حيث سلكناه خيرا ! ، والصلاة والسلام على القائل :" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .

فتوى اللجنة

الحمد لله، لا يجب على المسلم اتباع مذهب بعينه من هذه المذاهب الأربعة ، والناس متفاوتون في المدارك والفهوم والقدرة على استنباط الأحكام من أدلتها ، فمنهم من يجوز في حقه التقليد ، بل قد يجب عليه ، ومنهم من لا يسعه إلا الأخذ بالدليل . وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة بيان كاف شاف لهذه المسألة ، يحسن أن نذكره هنا بنصه :

السؤال :

ما حكم التقيد بالمذاهب الأربعة واتباع أقوالهم على كل الأحوال والزمان ؟

فأجابت اللجنة :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :

أولا : المذاهب الأربعة منسوبة إلى الأئمة الأربعة الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد ، فمذهب الحنفية منسوب إلى أبي حنيفة وهكذا بقية المذاهب.

ثانيا : هؤلاء الأئمة أخذوا الفقه من الكتاب والسنة وهم مجتهدون في ذلك ، والمجتهد إما مصيب فله أجران ، أجر اجتهاده وأجر إصابته ، وإما مخطئ فيؤجر على اجتهاده ويعذر في خطئه.

ثالثا : القادر على الاستنباط من الكتاب والسنة يأخذ منهما كما أخذ من قبله ولا يسوغ له التقليد فيما يعتقد الحق بخلافه ، بل يأخذ بما يعتقد أنه حق ، ويجوز له التقليد فيما عجز عنه واحتاج إليه.

رابعا : من لا قدرة له على الاستنباط يجوز له أن يقلد من تطمئن نفسه إلى تقليده ، وإذا حصل في نفسه عدم الاطمئنان سأل حتى يحصل عنده اطمئنان .

خامسا : يتبين مما تقدم أنه لا تتبع أقوالهم على كل الأحوال والأزمان ؛ لأنهم قد يخطئون ، بل يتبع الحق من أقوالهم الذي قام عليه الدليل ).

فتاوى اللجنة 5/28 .

وجاء في فتوى اللجنة رقم 3323

( من كان أهلا لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة ، ويقوى على ذلك ولو بمعونة الثروة الفقهية التي ورثناها عن السابقين من علماء الإسلام كان له ذلك ؛ ليعمل به في نفسه ، وليفصل به في الخصومات وليفتي به من يستفتيه . ومن لم يكن أهلا لذلك فعليه أن يسأل الأمناء الموثوق بهم ليتعرف الحكم من كتبهم ويعمل به من غير أن يتقيد في سؤاله أو قراءته بعالم من علماء المذاهب الأربعة ، وإنما رجع الناس للأربعة لشهرتهم وضبط كتبهم وانتشارها وتيسرها لهم.

ومن قال بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقاً فهو مخطئ جامد سيئ الظن بالمتعلمين عموما ، وقد ضيق واسعا .

ومن قال بحصر التقليد في المذاهب الأربعة المشهورة فهو مخطئ أيضا قد ضيق واسعا بغير دليل . ولا فرق بالنسبة للأمي بين فقيه من الأئمة الأربعة وغيرهم كالليث بن سعد والأوزاعي ونحوهما من الفقهاء ) فتاوى اللجنة 5/41.

وجاء في الفتوى رقم 1591 ما نصه :

( ولم يدعُ أحد منهم إلى مذهبه ، ولم يتعصب له ، ولم يُلزِم غيره العمل به أو بمذهب معين ، إنما كانوا يدعون إلى العمل بالكتاب والسنة ، ويشرحون نصوص الدين ، ويبينون قواعده ويفرعون عليها ويفتون فيما يسألون عنه دون أن يلزموا أحدا من تلاميذهم أو غيرهم بآرائهم ، بل يعيبون على من فعل ذلك ، ويأمرون أن يضرب برأيهم عرض الحائط إذا خالف الحديث الصحيح ، ويقول قائلهم " إذا صح الحديث فهو مذهبي " رحمهم الله جميعا .

ولا يجب على أحد اتباع مذهب بعينه من هذه المذاهب ، بل عليه أن يجتهد في معرفة الحق إن أمكنه ، أو يستعين في ذلك بالله ثم بالثروة العلمية التي خلفها السابقون من علماء المسلمين لمن بعدهم ، ويسروا لهم بها طريق فهم النصوص وتطبيقها . ومن لم يمكنه استنباط الأحكام من النصوص ونحوها لأمر عاقه عن ذلك سأل أهل العلم الموثوق بهم عما يحتاجه من أحكام الشريعة لقوله تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " وعليه أن يتحرى في سؤاله من يثق به من المشهورين بالعلم والفضل والتقوى والصلاح )

فتاوى اللجنة الدائمة 5/56 .

ومذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله قد يكون أكثر المذاهب انتشاراً بين المسلمين ، ولعل من أسباب ذلك تبني الخلفاء العثمانيين لهذا المذهب ، وقد حكموا البلاد الإسلامية أكثر من ستة قرون ، ولا يعني ذلك أن مذهب أبي حنيفة رحمه الله هو أصح المذاهب أو أن كل ما فيه من اجتهادات فهو صواب ، بل هو كغيره من المذاهب فيه الصواب والخطأ ، والواجب على المؤمن اتباع الحق والصواب بقطع النظر عن قائله .

والله أعلم .