سؤال يتداول بين الناس : (بيعة الإمام المجهول)؟
تاريخ الإضافة : 2013-10-31 10:54:38
سؤال يتداول بين الناس : (بيعة الإمام المجهول)؟

سؤال يتداول بين الناس : (بيعة الإمام المجهول)؟

 أثيرت في الآونة الأخيرة بهذا الخصوص مسألة شائكة ومتشابكة وهي: (بيعة الإمام المجهول) وكثر الأخذ والرد في هذه المسألة !

فما الوجه الذي نفد به هذه الدعوى ؟

سأتابع المسألة فقرة بعد فقرة لأجعل الجميع بعد ذلك في صياغة واحدة متكاملة إن شاء الله!

وبداية ليس هناك من أهل السنة من قال بهذه الفكرة ولا على سبيل المداعبة الفجة !!!!

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته !

إذا كان من يثير مسألة " بيعة الإمام المجهول " مصنوعا لمثل ما أثار ليصل إلى سفك الدم فلا وقاية منه إلا بتحجيمه ، وفضح أفكاره بالدليل الواضح الذي يفهمه " العامي " خصوصا ، لأن مثل هذا الطرح لا يقبل ممن له أدنى فهم في الإسلام ، ومقاصده ، وتاريخ الخلفاء ، وعلم الرواية ، ووظيفة الإمام !

وعليه فالخوف من أن يسري هذا " السم " القاتل من أفعاه في كبد العامي ! وفي نفوس أهل الأهواء وحدهم !

إذا كان الحديث الشريف تنزل مرتبة قبوله بوجود راو مجهول في السند ، أفنسلم لمن هو " كعنقاء مغرب " أو هو مستخف عن الأعين من مئات السنين ، وأجيال ممن تقبلوا هذا المعنى ،يتربصون بفارغ الصبر ، يدعون بحراة تشوي الجباه : اللهم عجل فرجه الشريف !

علما بأنه يسند إليه إقامة الشريعة في الحياة !فأين ما أسند إليه القيام به ؟

 وهل ينتظر المجتمع دون شريعة يتلقونها عنه قرونا؟!

فكرة تطرح للبلبلة بأقل آثارها الخطيرة ! وهي جسر لفكر باطني ملوث يراد منه إيجاد المبرر لسفك دم المسلمين !

هو توجه خبيث لا سند له من كتاب ولا سنة وعصر الراشدين ولا في التاريخ الطويل نجد مثل هذا الطرح ، بكسر " الطاء " لأنه مقذوف رحم اختلطت فيه النطف ، ورعتها دسائس منكرة !

وبتحديد المهمة التي تناط بالإمام يتبين الكثير من عوار هذا الطرح : الإمامة العظمى:

 هي رياسة البلد العليا، وهي خلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به، والقائم بها هو الإمام، ويطلق عليه لقب الخليفة، وأمير المؤمنين

وبالوقوف على ما قرره العلماء بناء على النصوص نجد أن من يبايع بالإمامة الكبرى يجب أن يتصف بمجموعة من المؤهلات ، منها :

 - ويشترط في الإمام الأعظم أن يكون سميعا بصيرا ناطقا ابتداء ودواما، أما تمتمة اللسان مع فهم الكلام، وثقل السمع مع إدراك الصوت وفهمه ولو بآلة السماعة فلا يؤثر.

وتشترط فيه سلامة الأعضاء التي يؤثر فقدها في الرأي والعمل، ويعتبر نقصا يؤدي إلى العجز عن القيام بما يلزمه من حقوق، كاليدين والرجلين، وكذلك قطع الأذن أو الأنف ونحو ذلك مما يشين المنظر فيذهب بهيبته، هذا في ابتداء عقد الإمامة، أما لو انعقدت له وهو سليم ثم طرأ عليه شيء من ذلك فيمكن أن تشكل اللجنة الخاصة تنظر في أمره ، فإن رأت أنه يمكنه القيام بمهامه مع هذا الطارئ ، ورأت عدم ضرورة عزله لم يعزل، وإن رأت عزله للنقص في مهامه عزل.

ويشترط أن يكون قرشي النسب إن تيسر ذلك ، مع توفر الشروط الأخرى فيه. وأن يكون حرا، ذكرا، مكلفا، أي عاقلا بالغا، مسلما، مجتهدا ذا ثقافة عالية في علوم الدين والدنيا، وذا خبرة سياسية، إن أمكن، وإلا فأمثل الموجودين يقدم، وان يكون عدلا مرضيا عند قومه، ورعا أمينا، كما يشترط فيه الكفاية بأن يكون ذا الرأي والبصيرة والشجاعة والنجدة، وينبغي أن يكون أفضلهم.

فإذا كان متخفيا ! ولا يعثر عليه إلا بالمجاهر ، فكيف نعرف أنه " موجود " بلهَ متصفا بصفات تؤهله لهذه المهمة الرفيعة ؟!

من قرأ تاريخ الحركات الباطنية وجد أنهم يدفعون بالمروجين لعقائدهم من يتخذ صفات التجار يتجولون بين المدن ليأخذوا البيعة لأميرهم المجهول ، ولا يسرون باسمه إلا بعد عهود ومواثيق غليظة ، وبعد أن يستحكم أمر من التحق بهم معهم !

إذا كانت المؤهلات التي جاءت بها الشريعة فيمن يصلح للإمامة العظمى محددة ، ومسلم بأكثرها ،ومنها مؤهلات جسدية ، وفكرية ، وسلوكية ! فكيف يتحقق " المبايع " منها فيمن يبابيع مع اختفائه !

أيزعم من يتبنى هذا التوجه أن أميره يدخل في المغيبات التي هي من أركان الإيمان ؟! أهو من فصيلة الملائكة الذين لايراهم المؤمن بهم إلا بالموت؟ !

هناك أمر مهم يقدم بين يدي الدليل على بطلان ما يدعو إليه هؤلاء :أهؤلاء ممن يجهل الدليل ، ليوضح له ، ويحاور أم هو مدسوس لينجز مشروعا تخريبيا ضلاليا ؟ فالثاني لا ينفع معه أي دليل ! والقرآن قدم لنا نماذج من أهل الكتاب على هذا المنحى ! قال - تعالى - : "وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ "

قال الفقهاء :

** وإذا تنازع الإمامة العظمى اثنان، وتكافئا في صفات الترجيح: قدم أحدهما بالقرعة وهو قياس المذهب كالأذان "

فكيف يقرع بين اثنين كلاهما مجهول !

 الخوارج يقولون بضرورة الإمامة العظمى، خلافاً لما قيل غير ذلك، وأن ما نُسب إليهم من القول بعدم ضرورتها ربما كان رأيهم في بادئ الأمر، أو لبعض الغلاة من النجدات، بدليل أنهم لم يعملوا به، بل على العكس من ذلك كان لهم ولاتهم منذ تجمعهم قبل موقعة النهروان، وتبين للدارس أن شروطهم في الإمامة شروط شديدة معظمها صحيح، وأنهم خالفوا ما ورد من الأحاديث في شرط القرشية دون أن يعتبروا هذا الشرط ولو مرجحاً، وأنهم اختلفوا في إمامة المفضول.

نركز- هنا- على أن الخوارج ، وهم من هم قد قرروا مجموعة من الشروط ، وهيهات أن نتعرف إليها في " الغائب " أو " المغيّب "

إلحاقا بما تقدم !

  • ** مختصر يجمع الكثير مما عليه أهل السنة والجماعة مما يتعلق بالإمامة العظمى ، مأخوذة من بحث جامعي مفيد !

الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة :

أن الإسلام جاء بنظام كامل للحياة ، يصلح لكل زمانٍ ومكانٍ من حيث مبادئه العامة الرئيسة، ولا عجب ، فهو الرسالة العامة الشاملة الباقية محفوظة مما مس الرسالات السابقة ، والصالحة للتطبيق إلى قيام الساعة، ومما قرره العلماء الربانيون أنه لن يصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، ومما تقرر فيها بحسب ما عليه أهل السنة والجماعة :

2 - أن الإمامة واجبة - على الكفاية - على الأمة ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقواعد الشرعية العامة ، ويتجه الوجوب على أهل الحل والعقد باعتبارهم - النخبة الأوعى- التي  تمثل الأمة ، وتحسن التعامل مع المهام الخطيرة، ولها بصيرة في الناس ، واستقامة وتجرد للحق ! وإذا تقاعس أهل الحل والعقد فإن الإثم يلحق كل من له قدرة واستطاعة دونهم، إذ عليه أن يسعى لإقامة هذا الواجب بقدر ما أوتي من استطاعة.

3- الإمامة وسيلةً لا غاية، تسعى إلى  رعاية المجتمع رعاية تحقق له مصالحة الشرعية ، وتعمل على تحقيق " الكليات الخمسة " ! إمامة تحقّ الحق وتبطل الباطل، وترعى أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، أمة تقوم بأداء رسالتها الخاتمة التي شرفت بحملها

4 - من أهم أهداف الإمامة هو حفظ الدين، وسياسة الدنيا به، وأن ذلك أهم الواجبات الملقاة على عاتق الإمام!

 فكيف يبايع من لا يعرف عنه ما به يصلح لهذه المهمة ؟!

الدعوة إلى مثل هذا " من أتفه البدع " الساقطة إلا في نظر من هو جاهل جهلا مركبا !

ولو بدأنا بخير هذه الأمة بشهادة المعصوم لوجدنا من سيرتها ما يطيح بأول حرف بهؤلاء الدعاة أنفسهم ، ومعهم ما حوته صدورهم من أفكار مصنوعة !

5-  خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثبتت باختيار المسلمين له، ومبايعتهم له مع وجود الكثير من النصوص التي تدلُّ على أنه أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم.

وما جرى من حوار في سقيفة بني ساعدة يقطع بأن الاختيار تم بعد عرض المؤهلات لأشخاص حاضرين ن وليسوا من أهل " الخاء " إذ لا يعقل لأمة صاغها الإسلام أن تسلم قيدها لمجهول ! عجبا لهؤلاء- إن لم يكونوا صنيعة - كيف يفكرون ؟!

6– خلافة من كان بعد الصديق : عمر وعثمان وعليّ – رضي الله عنهم - بنيت على بيعة لمن كان علما من أعلام الصحابة !

7- ثبوت شرعية الطرق التي تمّت بها مبايعة الخلفاء الراشدين، وتوليتهم ، وأننا مأمورون باتباعهم في ذلك بنص الحديث الثابت عنه- صلى الله عليه وسلم- حيث قال : " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ بَعْدِي "

ثمة بقية

هذه تتمة ما يتعلق بموقف أهل السنة من الإمامة الكبرى !

هذه البقية مما قرره العلماء بشأن مبايعة المعروف بمؤهلات حددتها نصوص شرعية ، واتفق عليها أهل السنة والجماعة !
 سبق أن ذكرت سبع فقرات في هذا الإطار ، وأكمل بالثامنة :

8- أن الذي يقوم باختيار الإمام هم عقلاء الأمة، وعلماؤها من يطلق عليهم تعريفا :أهل الحل والعقد، ولا دخل للعامة الذين لا ميزان لهم من الوعي في الاختيار، ولذلك فلا يختار العقلاء عادةً إلا الأعقل، والأصلح لهذا المنصب الخطير، ولذلك فلا مجال للدعاية ، والتلميع ، وبذل الأموال الباطلة لكسب الأصوات الرخيصة ، كما يجري اليوم على الساحة في أكثر من بلد ، وهو أقرب للتهريج منه إلى ادعاء أنه حق كل واحد في الاختيار !.

9- مشروعية الاستخلاف إذا وجد من أهل الاستقامة، مع ضرورة موافقة أهل الحل والعقد، ومبايعتهم للمستخلف.

10- يجتمع طريق الاختيار مع طريق الاستخلاف في أن كلاً منهما يُشترط فيه رضى أهل الحل والعقد ومبايعتهم.

 11 - تحريم نكث البيعة، من حيث إنها واجبةٌ في عنق المسلم متى وُجِد الإمام المستحق لها .

12- طريقة القهر والغلبة ليست من الطرق الشرعية، وإنما تنعقد الإمامة بها نظراً لمصلحة المسلمين لما قد يجرُّ ذلك عادةً من الفتن ، خاصة إذا كان المتغلب من السوء بمكانة كبيرة ولا يتورع عن فاحشة ما !

 ويُسعى مع هذا إلى الإصلاح بكل وسيلة للإصلاح !.

13- للإمام شروط لابد من توفرها، حتى يكون أهلاً لهذا المنصب العظيم !

فكيف تتحقق في إمام متوار عن الأنظار !

14- ثبوت اشتراط القرشية، وأن الإمامة فيهم لا يجوز صرفها إلى غيرهم، وأن ذلك ليس من العصبية المذمومة في شيءٍ؛ لأن الإمامة في نظر الإسلام تكليف لا تشريف.

15- عدم اشتراط أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه، وإنما الأولى اختيار الأصلح والأنفع للمسلمين.

16- الخلفاء الراشدون الأربعة مرتَّبون في الخلافة على ترتيبهم في الأفضلية، وأنه ليس من السلف أحدٌ يقدِّم على أبي بكر ثم عمر غيرهما، أما المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما فهي دون تلك، وقد اختلفوا في تبديل من قدَّم علياً على عثمان في الفضل، وأن من السنَّة التفضيل بينهم على ما جاءت به الآثار.

17- على الإمام واجبات كثيرة، يجب عليه القيام بها، كما أن له حقوقاً أخرى تعينه على القيام بتلك الواجبات.

18- طاعة الإمام واجبة فيما وافق الشرع، ومحرَّمةٌ فيما خالف الشرع، وأن سلطات الأئمة مقيَّدة بكونها موافقةً للكتاب والسنة، فيطاعون فيما هو لله طاعة، ويعصون فيما هو لله معصية، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، ومن أطاعهم في معصيةٍ فالإثم على الآمر والمأمور.

19- مشروعية الشورى، وأنها واجبةٌ عند اختيار الإمام، أما في تدبير شؤون الرَّعية فهي مستحبة، ينبغي للإمام أن يُشاور، وليست واجبةً عليه، كما أنه لو استشار فإنه ليس ملزماً باتباع مستشاريه؛ لأنه المسؤول الأول عن تصريف الأمور فيتحمَّل وحده تبعات خطئه.

20- تحريم الخروج على أئمة العدل وإثارة الفتن، وأن ذلك من أكبر الذنوب.

21- أن بقاء الحاكم في منصبه منوطٌ بصلاحيته لتولي قيادة المسلمين، أما إذا فقد هذه الصلاحية، وارتكب شيئاً من مسببات العزل فللأمة ممثَّلةً في أهل الحل والعقد أن تطلب منه أن يعزل نفسه، فإن أبى فلها أن تعلن عزله عن منصبه إذا أمِنت وقوع الفتنة، كما لا يجوز لها إقصاؤه عن الحكم بقوة السلاح إلا في أضيق نطاق عند ظهور الكفر البواح، والخطر المتيقَّن على المسلمين في دينهم، فإذا كان ذلك فليقدِّم المسلم دمه دون دينه.

22- وجوب اتحاد المسلمين فيما بينهم، وأن يكون إمامهم واحداً مهما اتسعت رقعة ديار الإسلام، وتحريم البيعة لأكثر من إمام في زمنٍ واحد.

23- تميُّز نظام الحكم في الإسلام عن جميع أنظمة الحكم الوضعية، القديم منها والحديث، وأن الخلاف بينه وبينها في الغاية والوسيلة والأهداف. فهو نظامٌ متميزٌ لا ينطبق عليه أي وصفٍ من الأوصاف المعهودة لنظم الحكم الوضعية.