حكم الإقامة في بلد غير مسلم أهله
تاريخ الإضافة : 2011-12-24 00:00:00
أثير موضوع مهم و حساس حول حل و حرمة الاقامة في دول غير اسلامية، فما هي أبعاد هذه القضية و ما هي دائرة الاضرار التي هي ذريعة معظم المقيمين؟

سيدتي الكريمة / .....

الحمد لله رب العالمين , وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وبعد...

السوق في الجواب ملخصا لبحث مفيد قام به الدكتور سعيد رمضان –حفظه الله- وحدد فيه مسألتين :

الأولى : إقامة المسلم في بلاد غير إسلامية من أجل دراسة أو تجارة أو تطبيب , أو نحوها . والثانية : استيطان المسلم في تلك البلاد عن طريق التجنس الدائم .

وبيَن أن المسألة الأولى على مقتضى قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة لا حرج في إقامة المسلم هناك لسبب من الأسباب المشروعة لكنه يجب النظر مع الإباحة الى ما تستلزمه تلك الإقامة – غالبا- من الوقوع في المحرمات , حيث يعلم المسلم أو يغلب على ظنه أنه لا يعصم من أي منها , وتقسم المحرمات إلى فكرية اعتقادية , وسلوكية . ثم مثَل للفكرية بأبرزها كتعوِد المسلم على المنكرات تتكرر رؤيته لها في السوق والمحافل والأماكن التي لا سبيل للابتعاد عنا , وتكرر الرؤية يفضي إلى الاستئناس فالقناعة والرضى العقلي , حيث لا يخطر على قلبه مجرد خاطر أن هذا من المنكرات , ووضَح ذلك بحال المسلم حين قدومه تلك البلاد , وبعد مرور سنة أو أكثر , فكثيرا ما يقر في النفس جرَاء تتابع الرؤية أن هذا من المألوف المعروف , لا المنكر الذي أضعف المواقف منه إنكاره قلبيًا , دعك من الوقوع في تلك المنكرات , وهذا يغلب على الجيل الثاني من المقيمين في تلك البلاد , ويسوق التحذير القرآني من هذه الآفه , وهو قوله -تعالى- :" وقد نزَل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم" ونص آخر قوله –تعالى- :" فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين"

وثمة محرمات سلوكية , وهي كثيرة , تتسرب من الاحتكاك بالبيئة وضغطها والتعود جرَاء المخالطة. ويسوق مجموعة من الحقائق , منها قضية هيمنة المجتمع – هناك – على قضايا التربية عبر المدارس ووسائل الإعلام , وهي قضايا تقوم على تصوُر للحياة يخالف تصور المسلم لها , وتصور للحلال والحرام كذلك , وإذا نجِي الكبار من تأثير التربية و الإعلام فلن ينجو الأبناء , وعليه فخسارة الأبناء محققة إلاَ ما نذر.ليس في تلك البلاد من مظاهر تمتُ للإسلام وأخلاقيته بصلة , ومعلوم أن البيئة الحاضنة ماديا ومعنويا تترك بصمتها قوية فيمن يعيش فيها , قال نوح –عليه السلام- يبيِن ضغط البيئة وأثرها العميق في الأجيال :"إنَك إن تذرهم يضلُوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفَارا" وكثيرا ما يتمرد الأولاد بتحريض على توجيه الأسرة خاصة بما يتلقونه من إغراء على التمرد بحجة الحرية الشخصية المقدسة التي لا تعرف أي قيد وبدهيٌ أن تضييع الأولاد – وهم الأمانة- لدى الآباء والأمهات وزر كبير وخسارة جليلة لا تعوَض.

وصلاح الآباء في أنفسهم لا يعفي من هذه المسؤولية ،، إلا إذا ضم إالى جنوح الأبناء تورط الآباء بتقاليد وانحرافات وسلوكيات محرمة ،، وليس ذلك ببعيد ،، إذ البيئة موبوءة ، والمخالفات محدقة بالجميع،،ودوام اليقظة نادر.

هذا , وإن كان ثمة ضرورة للبقاء إلى أجل ،، فلا مسوغ للبقاء هناك دون هذه الضرورة حتى يدفن في غير مقابر المسلمين هناك , والضرورة الشخصية مثل الطبابة إذا عدم المريض مثلها في بلده ، وبعد الشفاء لا مسوغ للبقاء.

والضرورة العامة التي لا ترتبط بأشخاص بأعيانهم،، كتحصيل العلوم والصناعات التى تتطلبها المجتمعات الإسلامية ،، وهذه يختار للقيام بها أناس يأخذون ما عند القوم مما يحتاج إليه دون ان يعطوا من ذوات أنفسهم وملامح شخصيتهم ذرة.

ورب معصية بدت صغيرة تكبر حتى يصل معولها إلى هدم ضروريات الدين , أو جانبا منها, ومنها العادات المناقضة لأحكام الشريعة ،،حيث تتسرب شيئا فشيئا إلى البيوت والنفوس،، ويستأنس بها تصبح جزءا من شخصية المقيم هناك،،لا ينكرها بل يرضى عنها , ويقتنع بها وعموما فأدلة الإباحة ،،إباحة الإقامة هناك ،، يعمل بها حيث لا تستلزم الإقامة شيئا من المحرمات،،فإذا استلزمت فالغلبة لتحريم الإقامة،،ومن ثم تكون الإباحة الأصلية زائلة لتحل محلها علما حرمة الإقامــة.

إذ درء المفاسد مقدم على طلب المصالح , وكثيرا ما كانت تطرح أسئلة حول صعوبة المحافظة على الأولاد ،، و على السلوك من أن ينخرط في معاملات ربوية،،شائعة هناك مع الهواء،،وهناك نصوص تمنع الإقامة الدائمة ،، مثل قوله- تعالى – إن الذي تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم،، قالوا فيم كنتم،،قالوا كنا مستضعفين في الأرض،،قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها , فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. ( سورة النساء ، آية 97)

ومن الأحاديث قوله – عليه الصلاه والسلام – "لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم أو يفارق المشركين".

وقوله – أيضا – "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين". قال ابن العربي :الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام . وبين النووي في شرحه على صحيح مسلم أن الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامـــة.

وقيد ذلك بما إذا خشي المرء على نفسه , أو على أحد من أهله وخاصتــه , كما قال ابن حجر.

ولا يخفى الآثار السلبية تظهر في لسان الأبناء الصغار الذين يتقنون اللغة التي هي لغة البيئة ليتمكنوا من التعامل معها،،ويغفل هؤلاء عن اللغة الأساس , لغة القرآن ،،فإذا بلسان الابن يثقل بالعربيــة،،وتظهر اللكنة الواضحة إذا تحدث بها،،بينما هو بلبل أو أدق مع لغة المغترب،،هي غربة لسان،، وغربة ثقافة،،وغربة سلوك،،وغربة ناس تحدق بمن هناك و تقضمه قضما , أو تهضمه ممثلا لها في ملامح شخصيته إتقانا لهذه الملامح كي لا يشعر بالغربة مع من يعيش.

 

صحيح أن للأسرة دورها الكبير ،، وللمؤسسات التعليمية دورها الأكبــر،،ولكن هذا لا يقي الجيل من التغريب والإذابــة....

 

وربما احتج المحتج بأنــه مادمنا قادرين على إظهار شعائر ديننا هناك , فلا ضير علينا،،بل ربما كبرت الحجة في عين صاحبها،،فإذا به يساوي بين بيئة الاغتراب والبيئة التي غادرها وهاجر منها،،فنقول!

 

إن إظهار الدين لا يتمثل في شعائر الصلاة والصيام مثلا وحدها،، بل إن من أهم مظاهر الدين المنهج التربوي الذي يجب أن يلتزم به الشاب والفتاة في المدرسة والشارع والمرافق الاجتماعية،،فمن لا يملك هذا النهج فهو ممن لا يقدر على إظهار دينه .

 

 

هذا , وإن ابن حزم ومن معه من الظاهريه حرم الإقامة في دار الكفر مطلقا عملا بظاهر الإطلاق في الحديث "أنا بريء" المار ذكره

 

وقد قرر – الدكتور البوطي- أن تجنس المسلم بجنسية تلك البلاد ،، مع مكثه هناك،، من أبرز مظاهر الموالاة التي حذر اللــه المؤمنين منها،،مثل قوله تعالــى – "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين وحرمة الموالاة لا ترتبط بأي سلوك مادي جانح .

 

ثم بيَن أن مسألة التجنس لا تخضع لما ذكر من أصل الإباحة،،لأن سبب الحرمة– هنا – نابع من أصل التجنس وجوهره..

 

وعلى كل – وللحديث صلة – فإن هناك ظروفا ينظر إلى كل منها على حدة تتعلق بأولئك الذين يتجهون للحصول على الجنسية،،فإن كانت معتبرة شرعا و متأتية من ضرورة ملحة, كتهديد حياة بالاستئصال , أو الإعدام للحرية بالسجن الظالم المتعسف أو ما شابه ذلك،، وبدهي أنه لا يدخل فيه،، بل ولا يقترب منه ابتغاء رفاه العيش أو بحبوحته،،أو طلب الثراء ،،أو الحصول على مميزات دنيوية بحتة , فهذه وأمثالها لا تسمح – على الاطلاق – بمثل هذا السلوك.

 

وللحديث صلة أرجو أن تتم وباللــــه التوفيق....