ما نصاب تبليغ الدعوة الذي يعتبر الإنسان به مكلفا مبلغا...
تاريخ الإضافة : 2013-12-12 07:14:11
ما نصاب تبليغ الدعوة الذي يعتبر الإنسان به مكلفا مبلغا قد أقيمت عليه الحجة ؟ وما دليل هذا النصاب ؟

لمسات ترجع إلى المواقف التي تبنى على ما استقر لدينا من الحقائق بالنصوص !!
من مات على الإيمان بحسب الظاهر فمن أهل الجنة ، ومن مات على الكفر بحسب الظاهر فهو من أهل النار ، وهذا كله بحسب الظاهر الذي نبني عليه المواقف ، وما وراء ذلك مما غاب عنا فليس لنا أن نتسور ما هو من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى !
- من المهم أن أذكر مجموعة من الحقائق المتفق عليها :
- لا نقطع لأحد ممن ليسوا من الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام - بالجنة إلا بنص فيه !
- تناولت النصوص الذين يدخلون الجنة ، والذين هم أهلها ن من حيث ما تصفوا به ، وتحققوا ، مثل الإيمان والعمل الصالح ، ولم تتعرض إلا بنصوص خاصة " لشخصنة ما " !
- لا نقطع كذلك بمصير إنسان بعينه إلى النار إلا بنص جاء فيه ، مثل أبي لهب !
- لانقطع لأحد بالجنة ، أو بالنار ، إلا بنص ، أو على سبيل الإجمال ، كأن نعتقد أن الكافر إذا مات على الكفر فهو من أهل النار ، ومن مات على الإيمان أنه من أهل الجنة !
- كل المؤمنين في الجنة ، ولو كان منهم العاصي ، ولم تغفر له المعصية وأدخل النار ، فلا يخلد فيها ، مهما طال مكثه ، كذلك كل الكافرين في النار، ولا يخرج من كان في الجنة من الجنة ، ولا أحد من أهل النار الذين هم أهلها من النار !
- من كان من الذين كفروا على ما ظهر منه في الدنيا ، ومات ، نقول فيه- إن مات على ما كان عليه- فهو من اهل النار ، ولا نتوقف بهذا ، بناء على تأويلات مظنونة ، وإن لم نفعل ذلك اختلطت المواقف ، واهتز التصور العام الذي بني على نصوص قاطعة ، وانبعث الشر من معدن الشكوك التي تهدم ما بني عليه الاعتقاد " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون "
فلنا الظاهر في كل من المسلم على ما يبدو ، ومن الكافر كذلك ، ولا نجري وراء إمكانية أن يكون من مات من الكفار مات على الإسلام فيما بينه وبين الله ، فندع هذا لله ، دون أن نبني عليه موقفا ما !

قد صححت الجملة في القطعة أعلاه " كذلك كل الكافرين في النار" ولم تكن كذلك ، فأرجو تصويبها عنك ، لأني أرسلت لك هذه القطعة

- بداية يسرنا لو أن كل أهل الأرض يدخلون الجنة ، ويسلكون إليها الصراط الذي وضعه الله لذلك : الإيمان والعمل الصالح " ولكن كما لا يجوز أن نكفر المسلم إلا بحق ، لا يجوز أن نجعل غير المسلم - بحسب الظاهر – مسلما ، ثم إذا كان المسلم مسلما عند الله فلا يضر لو كفره كل أهل الأرض ، ومثله إذا كان الكافر كافرا عند الله ، فلا ينفعه لو صلى عليه أهل الأرض !

هي أدلة ثابتة نبني عليها التصور بعيدا عما نشتهي ، أو لا نشتهي !

قرر العلماء أن المكلف :

" هو البالغ العاقل من بلغته الدعوة ، وهو سليم الحواس "

وقرروا أن المكلف مطالب بالإيمان والعمل الصالح ، فإن استجاب كان بفضل الله من أهل " الجنة "

مهما كان العمل صالحا فيما يبدو في نظر بعضهم ، ولم يكن هناك إيمان من عامله ، فلا قيمة له في الآخرة ، وهذا ما أجمعت عليه الأمة بناء على نصوص كثيرة !

طالب الدنيا بعمله يجزى عليه في الدنيا مالا ، أو سمعة طيبة ، وشهرة !

متى يعتبر " المكلف مبلغا " ؟

من تتبع حركة الدعوة في أيامها الأولى يتبين أن التبليغ لم يعدُ أن يسمع المكلف أن الله قد بعث رسولا ، هو محمد بن عبد الله- عليه الصلاة والسلام- ثم من أقبل يريد توضيحا للمضامين توضح له ، فبمجرد " السماع " بالرسالة يصبح السامع " مكلفا " بها!

ولعل ما انتهت إليه وسائل الاتصال اليوم من الانتشار يبعد أن يكون أحد فوق سطح الأرض لم تصله الدعوة ! وزعم أن الصورة المعروضة للإسلام اليوم مشوهة في ظلم ملموس للحقيقة !

فهل كل الذين يعرضون الإسلام ، وعبر آلاف المواقع ، ومئات من القنوات ، وعشرات من المؤسسات الدعوية ، كلها فاشلة في التعريف الصحيح بالإسلام ؟ أيكون وجودها والعدم سواء؟؟

ثم أليس ملايين المسلمين قد انتشروا في شتى بقاع الأرض ، أفكل هؤلاء قد ضلوا في التعريف ، وأخفقوا فيه ، وأين الحجة في من قرر الرسول أنه لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، وفي كل زمان ، ولم يتمكنوا من التعريف ولو عبر السلوك الرباني !

إن الحكم على فلان من الناس أنه بلغ لا يحتاج إلى " نبي " يوحى غليه ، في زمن امتلاء الفضاء بالبث المسدد دعوة إلى الله ، إلا غذا كان من يحكم عليه يعيش في قعر ادغال لم تكتشف إلا البارحة !

ومما يدل على هذا المعنى المواقف والنصوص الآتية ، والمواقف التالية :

هل تعتبر الرسائل التي وجهها الرسول إلى الملوك تبليغا ، علما أنها ما تضمنت إلا أن دعاهم إلى الإسلام ؟

هل موقف ربعي بن عامر أمام رستم يدل على نصاب التبليغ ؟

هل النصوص من الآيات والأحاديث بكلماتها " النصية " تقرر نصاب التكليف ؟

هل من بلغه أن الإسلام دين الله ، وهو من القمم المجتمعية ، وأعرض عن ذلك يعتبر مبلغا ؟

 وهل الكافر هو- وحده- الذي اتضح له الحق ، واستقر ذلك في قلبه ، ثم جحد ، هل هذه هي صورة " الكفر " وحدها ، أو أن هناك صورا غيرها من " الكفر " ؟

كيف يقبل تعليل أن الإسلام بصورته المشرقة لم تبلغه ، إذ لو بلغته لما رفض عقله الكبير الدعوة إلى الحق ، ولاستجاب ؟

 كيف وقد جاء في ترجمة مانديلا أمران هامان ، يدلان على لحمة قوية بينه وبين المسلمين في البلاد ، فهل تكون هذه اللحمة قائمة ، ولا يعرف منها " عظمة الإسلام " ؟

أم أن المسلمين هناك كانوا يبرزون صورة مشوهة للإسلام ؟

ففي الترجمة :

كان أول بيت يدخله- مانديلا- بعد أن أمضى في السجن " سبعا وعشرين سنة " هو بيت صديقه "المسلم " وزميله في النضال ومحاميه المدافع عنه "دولّه عمر" فلم يكن ليجعل من انتصاره وشهرته مبررًا لتبنّي التعالي على الآخر والمكسو بثوب التديّن الزائف!

لا تقتصر القِيَم التي أحياها "مانديلا" على قيمة نضاله ضد العنصرية، فقد سبقه إلى ذلك في جنوب أفريقيا الشيخ المناضل "عبد الله هارون" الذي مات تحت سياط التعذيب في السجن!

 

من الأدلة على ما تقدم ذكره :

قال- تعالى- يبين لنا موقف أولي الألباب من الدعوة إلى الله ، وكيف سارعوا لما دعوة وبصيغة الأمر : "رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ

وقال- عليه الصلاة والسلام- :" والذي نفس محمد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ، ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم .

الأمة في العموم تنقسم إلى قسمين :

أمة الإجابة: هم من استجابوا للنبي صلى الله عليه وسلم .

وأمة الدعوة : كل من عدا أمة الإجابة ممن توجّه إليهم الدعوة ، سواء من المشركين أو من الوثنيين أو من اليهود والنصارى .

وقد نص المعصوم على مصير من لم يؤمن به - عليه الصلاة والسلام- : " عن عبد الله بن مسعود قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله رأيت رجلا من النصارى متمسكا بالإنجيل ، ورجلا من اليهود متمسكا بالتوراة يؤمن بالله ورسوله ، ثم لم يتبعك !! قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : " من سمع بي من يهودي ، أو نصراني ، ثم لم يتبعني فهو في النار ". أخرجه الدارقطني في الأفراد

ويقول ابن قيم الجوزية في :" زاد المعاد في هدى خير العباد":

" ..ومن تأمل في السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له- صلى الله عليه وسلم- بالرسالة ، وأنه صادق , فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام . . علم أن الإسلام أمر وراء ذلك , وأنه ليس مجرد المعرفة فقط . ولا المعرفة والإقرار فقط . بل المعرفة والإقرار والانقياد والتزام طاعته ودينه ظاهرا وباطنا  "

هذا ، وقوله : "ولا يؤمن بالذي أرسلتُ به ، إلا كان من أصحاب النار" : فيه دليل على أن من في أطراف الأرض ، وجزائر البحر المنقطعة ، ممن لم تبلغه دعوة الإسلام ، ولا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الحرج عنه في عدم الإيمان به ساقط ، لقوله : " لا يسمع بي" ، إذ طريق معرفته ، والإيمان به - صلى الله عليه وسلم - مشاهدة معجزته ، وصدقه أيام حياته ، أو صحة النقل بذلك والخبر لمن[ لم] يشاهده وجاء بعده!

ما هي الأمور الرئيسة التي تعتبر تبليغا للإسلام ؟

جاء في الحديث بعد أن طلب ممن يسمع " الأذان " ..فإذا فرغَ من المتابعة في جميع الأذان صلَّى وسلَّم على النبي- صلى اللّه عليه وسلم- ثم قال : اللهمّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمّداً الوسيلةَ والفضيلة، وابعثْه مقاماً محموداً الذي وعدته، ثم يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا" فالأذان قد جمع التوحيد ، والنبوة ، ورأس العبادات " الصلاة " ومن بلغ ذلك فقد أقيمت عليه الحجة !

- لما مات أَبُو طالب اشتد البلاء على رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعمد لثقيف رجاء أن يؤووه، فوجد ثلاثة نفر هم سادة ثقيف، وهم إخوةٌ: عَبْدُ يَالَيْلَ بْنُ عَمْرٍو، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَسْعُودُ بْن عَمْرٍو، فعرض عليهم نفسه، وأعلمهم بما لقي من قومه، فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط، وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرك؟ وقال الثالث: لا أكلمك بعد مجلسك هذا، لئن كنت رسول الله، لأنت أعظم حقا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على الله، لأنت شر من أكلمك، وهزئوا به، وأفشوا في قومهم ما راجعوه به، وأقعدوا له صفين، فلما مر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهما جعلوا لا يرفع رجلا ولا يضع رجلا إلا رضخوها بحجارة قد كانوا أعدوها، حتى أدموا رجليه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخلص منهم وعمد إلى حائط من حوائطهم، فاستظل في ظل نخلة منه، وهو مكروب تسيل قدماه بالدماء!

فهل يعتبر عرض النبي الدعوة لهؤلاء تبليغا ملزما ؟ وهل موقف هؤلاء يدل على كفرهم بالإسلام علما أنهم لم يتضح لهم الأمر ، بل كذبوه ، فكفروا بذلك ؟

قال ربعي بن عامر لعظيم كسرى : " إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه ، لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ، ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله !

قالوا: وما موعود الله ؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقى "من [البداية والنهاية (7/46) ] .

- إرسال الرسل ليبلغوا الناس :

في ذكر رسله {صلى الله عليه وسلم} والمرسل إليهم من الملوك وغيرهم يدعوهم إلى الإسلام:

روى محمد بن سعد في الطبقات أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل الرسل إلى الملوك ، يدعوهم إلى الإسلام ، وكتب إليهم كتبا ، فقيل: يا رسول الله! إن الملوك لا يقرؤون كتابا إلا مختوما ، فاتخذ رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يومئذ خاتما من فضة ، ونقشه ثلاثة أسطر محمد رسول الله وختم به الكتب فخرج ستة نفر في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم ، وكان أولهم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنهم

فكان دحية رسوله إلى قيصر، وخارجة بن حذافة كان رسوله إلى كسرى، وشجاع بن وهب إلى جبلة بن الأيهم الغساني وسليط بن عمرو إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي [ملك البحرين] والمهاجر بن أبي أمية إلى الحارث بن عبد كلال، وعمرو بن العاصي إلى الجلندي

صاحب عمان ، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار، يدعوهم إلى الله تعالى، وليس بالنجاشي الذي صلي عليه.

وروى الامام أحمد والطبراني بسند جيد عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت إلى كسرى وقيصر، وإلى كل جبار.

وروى ابن عبد الحكم في الفتوح والبيهقي في الدلائل عن ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري قال: حدثنا أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان قال: لما قدم دحية الكلبي بن خليفة على هرقل بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه:

 بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فاسلم تسلم واسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن أبيت فإن إثم الأكارين عليك فلما انتهى إليه كتابه وقرأه أخذه فجعله بين فخذه وخاصرته ثم كتب إلى رجل من أهل روميه كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ يخبره مما جاءه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم فكتب إليه أنه النبي المنتظر لا شك فيه فاتبعه فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكرة ملكه ثم أمر بها فأشرجت عليهم واطلع عليهم من علية له وهو منهم خائف فقال: يا معشر الروم إنه جاءني كتاب أحمد وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا نعرفه بعلاماته وزمانه فاسلموا واتبعوه تسلم لكم دنيا كم وآخرتكم فنخروا نخرة رجل واحد وابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم فخافهم فقال: ردوهم علي فكرهم عليه فقال لهم: يا معشر الروم إنما قلت لكم هذه المقالة أغمز لأنظر كيف صلابتكم في دينكم فلقد رأيت منكم ما سرني فوقعوا له سجدا ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا.    - الكفر هو الكفر ، ولو تنوعت صوره ن وتعددت أسبابه، فهناك :

- كفر التكذيب ، وهو اعتقاد كذب الرسل- عليهم السلام- فمن كذبهم فيما جاؤوا به ظاهرا أو باطنا فقد كفر ، والدليل قوله تعالى :

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } (العنكبوت : 68) .                        - وكفر الإباء والاستكبار ، وذلك بأن يكون عالما بصدق الرسول ، وأنه جاء بالحق من عند الله ، لكن لا ينقاد لحكمه ولا يذعن لأمره ، استكبارا وعنادا ، والدليل قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } (البقرة : 34) .                                                                      - كفر الشك ، وهو التردد ، وعدم الجزم بصدق الرسل ، ويقال له كفر الظن ، وهو ضد الجزم واليقين .

والدليل قوله تعالى : { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا }{ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا }{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا }{ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا } (الكهف : 35- 38) .                                      - كفر الإعراض ، والمراد الإعراض الكلي عن الدين ، بأن يعرض بسمعه وقلبه وعلمه عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ،       

والدليل قوله تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ } (الأحقاف : 3) .                                                           - كفر النفاق ، والمراد النفاق الاعتقادي بأن يظهر الإيمان ويبطن الكفر (1) ، والدليل قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ } (المنافقون : 3) .

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به»  قال النووي: حديث صحيح .

  وقد عد ابن القيم (رحمه الله) من أنواع الكفر، كفر الأعراض عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يصدقه، ولا يكذبه ولا يواليه، ولا يعاديه ولا يصغي إلى ما جاء به البتة، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي - صلى الله عليه وسلم - (والله أقول لك كلمة، إن كنت صادقا، فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أكلمك)  اهـ. انظر مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين ابن قيم الجوزية (1/ 338).

- هب أن الرسالة الخاتمة لم تبلغ واحدا من النصارى ، أفيعذر بما كفر به دون كفره الرسالة ، مما يخرجه عن دعوة السيد المسيح- عليه السلام- كيف وقد نص القرآن بأكثر من آية ! 

قال - تعالى - :" لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ "

وقال:" لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "

وقال : "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون "

ومما حدث به الرسول - صلى الله عليه وسلم- مما يرويه عن ربه تبارك وتعالى : "

" شتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتُمَني! وكذبني، وما ينبغي له أن يكذبني! أما شتمه إياي: فقوله: إن لي ولداً، وأنا الله الواحد الصمد، لم ألد، ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحد، وأما تكذيبه إياي: فقوله: ليس يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته " رواه أحمد، والنسائي، والبخاري عن أبي هريرة.

فهل هذا الحكم موقوف على ان تبلغ الشاتم دعوة الرسول الخاتم !

وقد قرر الفقهاء ما يتعلق بالسابّ لله- تعالى- فقالوا : تكفير من سبّ اللّه عزّ وجلّ :

- اتّفق العلماء على تكفير من سبّ الذّات المقدّسة العليّة أو استخفّ بها أو استهزأ ، لقوله تعالى : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَ‍رَ‍سُولِه كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئونَ لا تَعْتَذِرُوا قدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } واختلفوا في قبول توبته فذهب جمهور الفقهاء إلى قبولها .

وذهب الحنابلة إلى عدم قبولها ، ويقتل بكلّ حال ، وذلك لأنّ ذنبه عظيم جدّاً يدلّ على فساد عقيدته . وأمّا بالنّسبة للآخرة ، فإن كان صادقا في توبته قبلت باطنا ونفعه ذلك .

التّلفّظ بكلمة الكفر مع الجهل :

- قال الحمويّ : إنّ من تلفّظ بلفظ الكفر عن اعتقاد لا شكّ أنّه يكفر ، وإن لم يعتقد أنّها لفظ الكفر إلاّ أنّه أتى به عن اختيار فيكفر عند عامّة العلماء ، ولا يعذر بالجهل .

وقال بعضهم : لا يكفر ، والجهل عذر وبه يفتى ، لأنّ المفتي مأمور أن يميل إلى القول الّذي لا يوجب التّكفير ، ولو لم يكن الجهل عذراً لحكم على الجهّال أنّهم كفّار ، لأنّهم لا يعرفون ألفاظ الكفر ، ولو عرفوا لم يتكلّموا ، قال بعض الفضلاء : وهو حسن لطيف .

وروي أنّ امرأة في زمن محمّد بن الحسن قيل لها : إنّ اللّه يعذّب اليهود والنّصارى يوم القيامة ، قالت : لا يفعل اللّه بهم ذلك فإنّهم عباده ، فسئل محمّد بن الحسن عن ذلك فقال : ما كفرت فإنّها جاهلة ، فعلّموها حتّى علمت .

جاء كثير من الأحكام عن الفقهاء مبنية على ما يظهر من السلوك ،ولم أقف على حكم واحد يقرر " يكون كافرا " إذا جحد الحق بعد ما استقر في قلبه " ولا يكون " كافرا " بغير ذلك ، ويوضع من كان كذلك على قانون " الاحتمال " يمكن أن يكون مسلما عند الله باعتبار خفي " لا ندريه " وهذه بعض الأحكام :

-  لا يتزوّج كافر مسلمةً ، ولا يتزوّج مسلم كافرةً إلاّ أن تكون من أهل الكتاب . وإن أسلم أحد الزّوجين الكافرين فرّق بينهما إن كان لا يحلّ ابتداءً النّكاح بينهما .

- اختلاف الدّين بالإسلام والكفر يمنع العقل" حمل الدية " ، فلا يعقل كافر عن مسلم ، ولا مسلم عن كافر ، باتّفاق المذاهب الأربعة ، حتّى لقد نصّ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ بيت مال المسلمين يعقل عن المسلم إن عجزت عاقلته ، ولا يعقل عن كافر ذمّيّ أو معاهد ، أو مرتدّ ؛ لاختلاف الدّين . ثمّ قد صرّح المالكيّة والحنابلة أنّه لا يعقل يهوديّ عن نصرانيّ ، ولا نصرانيّ عن يهوديّ . وخالفهم الحنفيّة والشّافعيّة ، فالكفار عندهم يتعاقلون ، وإن اختلفت مللهم . قال صاحب الدّرّ : لأنّ الكفر ملّة واحدة ، وفي نهاية المحتاج اشتراط اتّحاد الدّار

ما يُخْرِج المرء عن الإسلام :

- كلّ ما يصير الكافر بالإقرار به مسلماً يكفر المسلم بإنكاره . وكذا كلّ ما يقطع الإسلام من نيّة كفرٍ ، أو قول كفرٍ ، أو فعل كفرٍ ، سواءٌ استهزاءً أم اعتقاداً أم عناداً .

 وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ : كلّ من فعل فعلاً من خصائص الكفّار على أنّه دينٌ ، أو ترك فعلاً من أفعال المسلمين يدلّ على إخراجه من الدّين ، فهو كافرٌ بهذين الاعتقادين ، لا بالفعلين .

وفي الدّرّ المختار : لا يخرج الرّجل من الإيمان إلاّ جحود ما أدخله فيه .

ما يصير به الكافر مسلماً :

- ذكر الفقهاء أنّ هناك طرقاً ثلاثةً يحكم بها على كون الشّخص مسلماً ، وهي :

النّصّ ، وهو أن يأتي بالشّهادتين صريحاً .

 - والتّبعيّة ، فهي أن يأخذ التّابع حكم المتبوع في الإسلام ، كما يتّبع ابن الكافر الصّغير أباه إذا أسلم مثلاً .

 فالمسلم أصالةً ، أي من كان من أبناء المسلمين ، فهو مسلمٌ تبعاً لوالديه ، ومحمولٌ على ذلك ، ولو لم ينطق بالشّهادتين طوال عمره ، وأوجبها عليه بعضهم ولو مرّةً في العمر .

 - والدّلالة ، فهي سلوك طريق الفعل للدّخول في الإسلام

أوّلاً : الإسلام النّصّ :

وهو النّطق بالشّهادتين وما يقوم مقام النّطق ، والبرء من كلّ دينٍ غير دين الإسلام .

يكفي كلّ الكفاية التّصريح بالشّهادة بوحدانيّة اللّه تعالى وتقديسه ، مدعّماً بالتّصديق الباطنيّ والاعتقاد القلبيّ الجازم بالرّبوبيّة والإقرار بالعبوديّة له تعالى ، والتّصريح كذلك بكلمة الشّهادة برسالة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند اللّه من أصول العقائد وشرائع الإسلام ، من صلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحجٍّ ، فليس هناك عنوانٌ في قوّته ودلالته على التّحقّق من هذه العقيدة الكاملة أصرح من النّطق بصيغتي الشّهادتين : " أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ".

فالكافر الّذي أنار اللّه بصيرته وأشرقت على قلبه أنوار اليقين ، ويريد أن يسلم فلا بدّ له من التّلفّظ بالشّهادتين عند التّمكّن والقدرة على ذلك ، بخلاف غير القادر كالأخرس ، ومن غير المتمكّن كالخائف والشّرق ومن عاجلته المنيّة ، وكلّ من قام به عذرٌ يمنعه النّطق .

 وأمّا من يرى اختصاص رسالة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم بالعرب ، فلا بدّ أن يقرّ بعموم رسالته .

- وقد ذهب جمهور المحقّقين إلى أنّ التّصديق بالقلب كافٍ في صحّة مطلق الإيمان بينه وبين اللّه . وأمّا الإقرار بالشّهادتين فإنّه شرطٌ لإجراء الأحكام الدّنيويّة عليه فقط ، ولا يحكم عليه بكفرٍ إلاّ إن اقترن به فعلٌ يدلّ على كفره كالسّجود للصّنم .

إذن فحكم الإسلام في الظّاهر يثبت بالشّهادتين ، أو ما يؤدّي معناهما لتقام عليه أحكام الشّريعة فيما له وما عليه ، وقد جاء في الحديث الشّريف عن الشّريد بن سويدٍ الثّقفيّ قال : « قلت يا رسول اللّه : إنّ أمّي أوصت أن أعتق عنها رقبةً مؤمنةً ، وعندي جاريةٌ سوداء نوبيّةٌ أفأعتقها ؟ قال : ادعها ، فدعوتها فجاءت فقال : من ربّك ؟ قالت : اللّه ، قال : فمن أنا ؟ قالت : رسول اللّه ، قال : اعتقها فإنّها مؤمنةٌ » .

وقد قال الإمام النّوويّ : اتّفق أهل السّنّة من المحدّثين والفقهاء والمتكلّمين على أنّ المؤمن الّذي يحكم بأنّه من أهل القبلة ، ولا يخلّد في النّار لا يكون إلاّ من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقاداً جازماً حاليّاً من الشّكوك ونطق بالشّهادتين .

- فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة إلاّ إذا عجز عن النّطق لخللٍ في لسانه ، أو لعدم التّمكّن منه لمعاجلة المنيّة له ، أو لغير ذلك فإنّه يكون مؤمناً ، أمّا إذا أتى بالشّهادتين ، فلا يشترط معهما أن يقول : أنا بريءٌ من كلّ دينٍ خالف الإسلام ، إلاّ إذا كان من الكفّار الّذين يعتقدون اختصاص رسالة سيّدنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم للعرب ، فإنّه لا يحكم بإسلامه إلاّ بأن يستبريء . أمّا إذا اقتصر على قوله : لا إله إلاّ اللّه ، ولم يقل : محمّدٌ رسولٌ اللّه ، فالمشهور من مذهب الشّافعيّ ومذاهب العلماء أنّه لا يكون مسلماً ،

وجاء في فتح القدير : سئل أبو يوسف عن الرّجل كيف يسلم ، فقال : يقول أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، ويقرّ بما جاء من عند اللّه ، ويتبرّأ من الدّين الّذي انتحله !

 وفيه أنّ النّصرانيّ يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، ويتبرّأ من النّصرانيّة ، وكذا اليهوديّة وغيرها . وأمّا من في دار الحرب فيحمل على الإسلام إذا قال : محمّدٌ رسول اللّه ، أو قال : دخلت دين الإ