أقرأ آيات الرزق فيشكل علي مطابقتها وأرى - من سوء فهمي...
تاريخ الإضافة : 2014-04-16 17:14:24
أقرأ آيات الرزق فيشكل علي مطابقتها وأرى - من سوء فهمي لها - تعارضا ظاهريا يقول الله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ويقول: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَليكُم مِدرَارا في الآيتين نجد أن التقوى والاستغفار سبب للرزق من الناحية الثانية يقول الله عز وجل:فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ" وهنا نجده يفصل بين الرزق وإغداق النعم من جهة وبين رضاه عن العبد هل لكم بإفادتي بهذا الخصوص؟

ثمة معان رئيسة ، ومنطلقات متفق عليها ، تعين على معرفة مسألة الرزق !

- الرزاق هو الله ، وما يأتينا عبر الأسباب إنما هو بترتيب الله في عالم الأسباب!

- الرزق لا ينحصر بالمال بل هو عام في كل رزق حسي ومعني !

- الرزق من مقتضيات أن الله هو الرب ، ومن هنا لا يرتبط الرزق بالإيمان إلا في اعتبارات محددة ، وقد جلى هذه الحقيقة أن الخليل لما سأل الله الرزق لأهل مكة ربط هذا بالإيمان ، فكان التعقيب من الله أنه يرزق المؤمن والكافر ، قال تعالى : "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ "!

- ربط الرزق بالتسبب هو القاعدة ، ولا يعني هذا أن الله لا يرزق خارج دائرته ، وقد بين موقف السيدة مريم هذا المعنى ، قال تعالى "كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ"! - فكون التسبب هو الميدان فلنا أن نرى المسلم الذي يعطل الأسباب قد فرغت يده من الرزق ، وحيث يتعاطى الأسباب كافر تمتليء يده منه !

 - حيث يرزق من غير سبب ليسلم لنا التوحيد ، وحيث ارتبط غالبا بالتسبب فلعمارة الدنيا!- العطاء والمنع في الأساس على قاعدة الابتلاء والاختبار، فمن أعطي أعطي ليشكر ، فينجح في الاختبار ، ومن مُنع فتلقى المنع بالصبر ، فقد نجح كذلك ، وقد دل قوله تعالى على هذه الحقيقة "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"!

- ثمة سبيل إلى الإغداق كما بينت آيات الاستغفار ، وتحقيق التقوى ، وهو ما بينه النص المسؤول عنه !

- قوله تعالى " فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ " فالكلمات تناول الإكرام من وجهة نظر المكرم ، ولا تتصل بوعد برزق أو بمنع ، وإن عرجت على حالتي العطاء والمنع  ، ليس على ما ذهب إليه الذهن بل هو كشف لحالة الإنسان الذي ظن خطأ أن الرزق مرتبط بالمحبة وحدها والإكرام وحده ، وقد غفل هذا الإنسان وهو يستقبل كلا من العطاء ببهجة ، والمنع بندب ، عن أن قارون آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه تنوء بالعصبة ، وهو من اعداء الله !

- وغفل عن أن أبا هريرة وأبا ذر وأهل الصفة كانوا يجوعون ، وفك الارتباط بين العطاء وأن المعطى ممن يحبهم الله غفلة عن قاعدة المنع والعطاء للابتلاء ، وهذا ما وقع فيه صاحب الجنتين ، قال تعالى في حقه" وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا "ولما وقعت الفأس بالرأس أخذ يندب ، قال تعالى " وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا "!

- هي على هذه مستويات في الرزق : فالرزاق هو الله ، وهو الرب الذي تكفل برزق الطائع والعاصي ، وأن العطاء والمنع للابتلاء ، وأن الله قد يرزق بلا تسبب ، وأن العطاء لا يرتبط في الدنيا بمن يحبهم الله ، بل يعطي الله الدنيا لمن أحب ولمن لايحب ، وأن النص المسؤول عنه يدخل في كشف حال نفوس أخطأ احدهم في التصور ، فكان يفرح بالعطاء ، ويغتم بالمنع ، فلم يدر الحكمة منه  وقد قررت نصوص أن الله يبارك في الرزق حال قيام المجتمع بحقيق التقوى ، وقد وردت الأحاديث في أن الأرض تعطي والسماء في زمن المسيح عليه السلام الذي يطبق شرع الله عند نزوله علامة من علامات الساعة !

- وهذه لفتة من تفسير من التفاسير المعتبرة " عند قوله تعالى{ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } قال : تجعل كل إنسان يلزم أدبه إن رأى غيره قد رُزق أكثر منه؛ لأنه لا يعلم حكمة الله فيها. وهناك أناس كثيرون عندما يعطيهم الله نعمة يقولون: " ربنا أكرمنا، وعندما يسلبهم النعمة يقولون: " ربنا أهاننا " ، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى:{ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ }[الفجر: 15-16]

كلا. مخطئ أنت يا مَن اعتبرت النعمة إكراما من الله، وأنت مخطئ أيضاً يا مَن اعتبرت سلب النعمة إهانة من الله؛ إن النعمة لا تكون إكراما من الله إلا إذا وفقك الله في حسن التصرف في هذه النعمة، وحق النعمة في كل حال يكون بشكر المنعم، وعدم الانشغال بها عمن رزقك إياها.