تغيير الحال آخر العمر وارتباطه بالحديث الشريف أن...
تاريخ الإضافة : 2011-12-24 00:00:00
في تغيير الحال آخر العمر كما ورد في الحديث الشريف أن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه و بينها ذراع فيحق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها....أو كما قال فهل التغيير لعلة ثابتة في القلب أم هو طارئ يغير المرء جذرياً ؟

بسم اللــــه الرحمن الرحيــم

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.....وبعد

جواب السؤال يدور في إطار المعاني الآتية :

علام نحاسب يوم القيامة ؟ على ما كنا عليه بعد وجودنا ودخولنا في ميدان التكليف بعدما أعطينا مؤهلات تمكننا من الاختيار لما نقول وما نعمل، أما ما كان قبل وجودنا فلا يدخل في الحساب، ولا ما بعد وجودنا حيث نغيب في عالم القبور إلا إذا كان منا ما ظل متصلا عطاؤه بعد موتنا خيرا كان أو شرا .

ورد النص أن ثمة كتابا يكتب من الملك حال كون المكلف "جنينا" فيه ملخص أمره الذي يدور حول الرزق والأجل والشقاء أو السعادة، وما يكتب هنا يجلي لنا سعة علم الله وإحاطته بالمكلف علما، من مبدئه إلى منتهاه، وهو يسير في طريق حياته حيث ينتهي إلى خاتمة حسنة أو سيئة، وهذا لا يعدو كونه بناء لاعتقادنا بأن الله علام الغيوب، وإن كان الحديث ينضح بمجموعة من الفوائد الرائعة التي سنعرض لها .

وهناك كتاب آخر هو ما تكتبه الملائكة الموكلون بكل مكلف، وهو سجل يتضمن رصدا أمينا لحركة حياته في الأقوال والأفعال، وهذا الذي كتبته الملائكة لا يختلف بحال عما كتب حال كون المكلف جنينا، وبالتالي عما علمه الله أزلا من هذا المكلف . وإن كان ثمة فرق بين الكتابتين، فالأولى تكون سابقة على وجود المكلف بناء على سبق علم الله الأزلي به، والثانية تكون بعد وجود المكلف، ودخوله حيز التكليف، ومن بداهة الاعتقاد إحاطة علم الله بالمكلف أزلا بما سيكون عليه المكلف في أثناء وجوده، ونحن نسمع الله تعالى يخبرنا ونحن في هذه الدنيا عما سيكون في الآخرة، مما هو صورة مطابقة لما كان عليه العبد في الدنيا، ويحدد هناك أن الحساب لا يكون بما علمه الله منا قبل وجودنا، وكتب في عالم الرحم، وإنما يكون بما سطر علينا من قبل الملائكة الموكلين بالكتابة لنا أو علينا بعد وجودنا، فالكتاب الذي كتبته الملائكة بناء على ما أمليناه علينا أقوالا وأفعالا، لا ترى فيه حرفا واحدا زائدا، و لا حرفا واحدا ناقصا، فالضبط لهذا الكتاب ضبط ليس بعده ضبط، ولنستمع إلى هذا المعنى من قوله – تعالى - : "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقول يا ويلتنا مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا" كتاب أحصى الصغيرة و الكبيرة، يرعب مما فيه المجرمون لأنه على أساسه يحاسبون، وهم قد فعلوا كل مضامينه، أليس هذا واضحا ودالا على أن الكتاب الأول الذي يلخص حياة الانسان قبل وفوده إلى رحاب الدنيا إنما أخبرنا به لنعلم أن الله يعلم، فيدخل في بناء الاعتقاد الذي يشمل معرفة صفات الله تعالى، ومنها صفة العلم، أما الثاني فقد أخبرنا به لنحسن الإملاء على الملائكة الذين يكتبون وأخبرنا عنهم بالنصوص القاطعة، لئلا يقال كنا في غفلة عنهم، فهم كمحطات مراقبة على الطريق يذكر بها لئلا تقع تجاوزات يعاقب عليها ....

الكتاب السابق، وهو ما كتب من قبل الملك حال الحالة الجنينية بأمر من الله، وفيه يحدد ما علمه الله من أمر هذا العبد من حيث الرزق والأجل والشفاء أو السعادة، بحسب ما تعلق به علم الله، ووصف الشقاء يعني أن المآل الذي سينتهي إلى أمر العبد مهما تخبط أو استقام في طريقه، إذ المعول على الخاتمة التي أحاط الله بها علما، "إنما الأعمال بالخواتيم" وبهذا تلتقي الخاتمة التي سطرت بعنوانها "شقي أو سعيد" والسابقة التي هي في علم الله تعالى "في ساحة الوجود" وبين السابقة واللاحقة تمت الكتابة التي كأنها خلاصة سجل الإنسان من بدايته إلى نهايته، وهذه لا تتعارض بحال، إذ ما كشف لعلم الله تعالى أزلا هو الذي ظهر على يد المكلف وسجلته الملائكة، وما كتب قبل وفود الإنسان إلى الحياة إنما يرتكز على ما علم الله أزلا . إذن نحن بين سابقة يتجلى لنا فيها علم الله بالعبد، وهذا غيب بالنسبة لنا، ولاحقة تمثلها الخاتمة التي آل إليها ذلك العبد، وهذه من عالم الشهادة، وحيث ظهرت لنا علمنا أن هذا ما علمه الله أزلا، وبين السابقة واللاحقة سيرة هذا الإنسان سواء هدي إلى الطريق المستقيم المفضي إلى سعادة الأبد، أو ضل عن الصراط وتنكبه، فأفضى به إلى شقاء الأبد، وكل من الهداية والفلاح بكسب الإنسان وقد علمه الله أزلا .

هناك رواية تقول :"ثم تطوى الصحف، فلا يزاد فيها ولا ينقص منها" وذلك بعد كتابة العمل والأثر والأجل والرزق، وهذا لا يتغير لأنه يحكي ما علم الله من هذا العبد، وهذا أيضا من الغيب الذي لا يطلع عليه الإنسان، ولا يدرى به إلا بعد ظهوره في عالم الشهادة . العبرة بسابق القضاء الذي لا يقبل تغييرا ولا تبديلا، ولا ينافيه خبر "إنما الأعمال بالخواتيم" بل هما متطابقان، إلا أن الخواتيم ظاهرة في عالم الشهادة، والسابقة غيب لا ندريه إلا إذا ظهر، وقد جاء "ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه" وفيه إشارة إلى شقاء الآخرة، وما يتصل ببطن أمه يرجع إلى سابق علم الله، وجاء مما يدعو إلى إتقان الخاتمة "إنما يبعث الناس على نياتهم" إذ من مات على شيء بعث عليه، وورد "إنما يجنب النار من يخافها" أي: يخاف أن يعذب بها وخوفه يمنعه من العمل بأعمال تفضي إلى النار .

الإيمان بما سبق في علم الله أزلا، ومنه علمه تعالى بالمصائر كلها عقيدة مكانها القلب، وتحقيقها بالتصديق بها، والتصديق بها تصديق بالواقع الموضوعي، وقد جاءت الشريعة فدلتنا على ضرورة الأخذ بأسباب السعادة واجتناب أسباب الشقاء، فمن تتلمذ في مدرسة الشريعة لا يضل عن عاقبة السعادة بخلاف من اتبع هواه وانقاد لشهوته، ثم نحن مطالبون بمعرفة الله تعالى، ويدخل فيها معرفتنا باتصافه تعالى بكل صفات الكمال، ومنها صفة العلم الذاتي الشامل، كما أننا مطالبون مع هذا –ودون أن يكون ثمة تعارض فيهما- بالعمل على وقاية النفس من الهلاك وتجنيبها أسباب الشقاء، وهذا هو الفهم السوي في هذه المسألة وما شاكلها .

إن هذا المكتوب كتب بما علمه الله أزلا –كما بينا- وعلم الله كاشف وليس مجبرا، بمعنى أنه انكشف من الأزل لعلم الله ما سيكون عليه أمر هذا العبد، وليس سلوك العبد متأتيا من أن الله تعالى علم لكنه يتأتى من اختياره وبصره بالأمور وإعماله ما أعطي من مؤهلات جعلته مكلفا، وهذا الاختيار الحر هو الذي علمه الله أزلا، أي : انكشف لعلم الله تعالى ... ثم حيث تعلق علم الله تعالى بأن الرزق كذا وكذا كما وكيف تعلق أيضا بكل الأسباب التي يكون بها تحصيل هذا الرزق، والعبد إذا شاهد من نفسه أنه إذا اتخذ الأسباب التي هي مظلة الرزق ازداد دخله، وفعل ذلك فازداد دخله فعلا، فهذا بالنسبة للعبد زيادة للرزق إذ هو زيادة في الأسباب وتغير فيها، زيادة عما كان نظرا للأسباب التي زاد بها، أما بالنسبة لعلم الله فقد علم أزلا ما كان عليه رزق العبد، وما يأخذ به من أسباب، وما يترتب على هذا الأخذ من الزيادة، وليس في علم الله تغيير، إذ علمه سبحانه ذاتي لا يقبل التبديل والتغيير، لأن العلم الذي يقبل ذلك هو العلم المكتسب .. لاحظ قوله –عليه الصلاة والسلام- :"ثم يرسل إليه –أي الجنين- الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي وسعيد" فهذا إحصاء مركز وفق ماجاءت تفاصيله في العلم ... والعبد يؤمن بما علم الله فيه أزلا إيمانا بالغيب، ومحله القلب وهذا لا يتعارض مع سعي العبد واجتهاده بناء على ما أعطي من الاختيار، والعبد يدري ما علم أن فيه تباعا، حيث إذا ظهر شيء في عالم الوجود على يديه قطع أنه مما علمه الله قطعا فيه، والعبارة السارة :"قدر الله وما شاء فعل" والتغذية يدخل فيه العلم والإرادة، الكشف كشف والارادة تخصيصا ...

هنا نقول بعد هذه المقدمات : إذا تعلق علم الله بالعبد أنه في بداية أمره يكون صالحا ثم ينحرف أو أن يكون طالحا ثم يستقيم، فقد علم ذلك وعلم الأسباب التي تحدث هذا التغير، سواء كانت تؤدي إلى الضلال أو إلى الهداية، وعلم الله تعالى ببداية العبد وخاتمته وما بينهما علم شامل لا يتغير كما لا يتغير ما علمه من أمر رزقه وأجله، والتعبير "فيسبق الكتاب" في قوله –عليه الصلاة والسلام- فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينهما إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب" فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع "فيسبق عليه الكتاب" فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" أقول : قوله "فيسبق عليه الكتاب" جاء في النهايتين المختلفتين عاقبة، أي : حال الانحراف وسوء الخاتمة، أو حال الاستقامة وحسن الخاتمة، مع ذلك السبب الذي أسند نصا إلى العبد "فيعمل" والعمل يبنى على تغير في الموقف الفكري للإنسان، والتغير في الموقف الفكري له أسبابه، ومنها البيئة، واهتزاز التصور، والإخبار هنا رصد لسيرة الإنسان في حياته السلوكية، وهو مما يرجع إلى العلم الذي ذكرنا شيئا عنه، والعلم كما ذكرت كاشف غير مجبر، والكتابة تابعة للعلم، أي: يكتب على العبد ما علمه الله من عبده أزلا، فيكون معنى "يسبق" أي يظهر عند الخاتمة ما علمه الله من هذه الخاتمة بلونيها وكتبها الملك بأمر من الله تعالى، ولاشك أن ثمة عوامل من وراء هذا الانقلاب بجانبيه، إذ ليست الهداية التي تكتب فتسوق من كتب عليه إلى الجنة بعيدة عن معنى الكسب، كالضلالة التي يختم بها للعبد، فهي كسب لذلك، ولكل أسبابها، ومن أسباب الانحراف الذي يظهر في ساحة الوجود ما كان قلب العبد منطويا عليه إبان صلاحه مما يتنافى مع الصلاح، كالرياء والسمعة والعمل لغير وجه الله، والنفاق المستور بقشرة العمل الصالح، والأمراض القلبية الأخرى التي تمد القلب بالظلمة، حيث تتراكم، وكثرة المعاصي دون التوبة منها التي تشكل الران على القلب، كل هذا لا ينأى عن التأثير في سوء الخاتمة، والحسد والعجب والكبر وتوالي المضلات والتعلق الغارق بالدنيا وملاذها، والعقائد الفاسدة، إذ كل هذا أو بعضه يظهر عند الخاتمة أو قريبا منها وبقوة، ويظهر المخبأ عند سطوات سكرات الموت، وهذا نفهمه من رواية الحديث وسأذكرها لاحقا " بل، وهاك هذه الرواية" إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار...." أي: عمله الذي يبدو للناس صالحا لا يقوم على أساس من صلاح القلب وحسن النية.

قضية الكتابة بناء على العلم الشامل الكاشف لا تعدو رصدا لسلوك الإنسان وما ينتهي إليه، والسلوك من التكاليف، ومن التكاليف التزكية، تزكية النفس وتأكيد الصفات الممدوحة شرعا في أرضها المهيأة لذلك، وإذا طابت النفس أتى السلوك طيبا، وإذا خبثت خبث السلوك، وحين يتراءى لنا سلوك طيب في الظاهر ربما يكون من ورائه نفس قد حشيت غفلة ورياء وحب سمعه وكبرا، فإذا بهذه الآفات تغلب على ما ظهر وتقلبه على عقبه ليكون سلوكا شائنا، وقد كان الصحابة والسلف الصالح يخشون دسائس السوء الخفية التي توجب سوء الخاتمة، ويخافون على أنفسهم من النفاق، وهذا الخوف عصمة في حقيقته من النفاق، وربما بكى أحدهم –رضي الله عنهم- خوفا من أن يختم لهم بسوء الخاتمة لدسيسة غفلوا عنها، وتراه يحذر كل الحذر من كل ما يفضي إليها . ثمة فوائد وبصائر ينضح بها التناول، أرصد منها ما أقدر على اصطياده الآن :

الحديث الذي تناول التغير في السلوك من حسن سلوك إلى سوء خاتمة، ومن سوء سلوك إلى حسن خاتمة .

يدعو إلى الحذر بصورة غير مباشرة من الأسباب المفضية إلى سوء الخاتمة .

من كانت نيته فاسدة مخفية تظهر مهما حاول ناويها إخفاءها .

مجموعة من الأمراض القلبية وراء التحول المريع، والحيلولة دون حسن الخاتمة .

أخبرنا الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن ربه تعالى قال :"من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا" وهذا يقطع بأن حسن الخاتمة مكفوله بقصد التقرب وحسن التوجه وصواب التصور .

الحرص على الإخلاص في الأقوال والأعمال عصمة من سوء الخاتمة .

تنقية الاعتقاد وصيانته من الضلالات التي تطعن فيه، وتلك إذا عششت في الصدر ولم تنف، ولاح لصاحبها خلافها عند قدوم الموت انقلب العبد بما انطوى عليه صدره وختم له بسوء .

الحديث يرجع إلى أن الأمر مناط بالخواتيم، والوصول إلى حسنها عند الموت بيد المكلف الذي تسبب بحسن الخاتمة، والرجوع إلى سابقة العلم التي بنيت عليها الكتابة يوقفنا أمام أمر السابقة أي بما سبق في علم الله، وهو علم أزلي، ولا تعارض على الإطلاق بين اللاحقة –وهي الخاتمة، والسابقة، وهي ما علمه الله أزلا، إذ هما متطابقان، فالذي يعمل بعمل أهل النار –فيما يبدو للناس- يكون في قلبه شيء من الخير أو النوايا الطيبة أو التوجه نحو الصلاح لكن ثمة موانع عطلت ظهورها، وأوقفته عن تمثيلها في السلوك، ثم تتغلب هذه النوازع الخيرة الطيبة أخيرا فإذا به في دروب الصلاح وحسن الخاتمة

يرشد الحديث إلى أن الإنسان

ينبغي ألا تفارقه الرغبة والرهبة، وأن من عمل معصية ما ما ينبغي أن يمنعه يأس من رحمة الله أن يتوب، فرب من عمل بعمل أهل النار ثم يؤول أمره إلى الطاعة .

الذي يعمل بعمل أهل الجنة –وهو من أهل النار بعدها- إنما يعمل بعملها فيما يبدو للناس، فهو ذو طوية خبيثة ونية فاسدة، لذا تغلب هذه النية أخيرا حتى يختم له بسوء الخاتمة .

إن الله تعالى أخبرنا بنصوص متواترة لا تعد أنه –سبحانه- عالم بكل شيء، وأنه ترك أمر الاختيار لهذا العبد المكلف بعدما هيأه لحسن الاختيار بعقل وقدرة وإرادة ومنهج حياة، وحذرنا من المعاصي وشؤمها وسوء عاقبتها .. وهذا الاختيار لا يحصر في بداية الطريق بل يظل قائما إلى نهايته، والانحراف متصور في كل لحظة خاصة حين تكثر الفتن وتختلط السبل ..

هناك كتابة عامة تلخصها كتابة الملك المأمور بها مع بداية حياة الجنين، وكتابة عمرية .

نسبة إلى العمر –تشمل عمر الإنسان.. والحساب كما قدمنا ينصب على ما يكسبه العبد ويكتسبه مما تسجله الملائكة ..

الحديث –أصل السؤال- ومعه أمثاله يقتضي أن الله تعالى لم يزل عالما بمن يطيعه فيدخله الجنة وبمن يعصيه فيدخله النار جزاء وفاقا، وليس استحقاق من استحق منهم الجنة أو النار من أجل سابق علمه –تعالى- فيه، إذ لا يحاسبنا الله بعلمه فينا بل بما يظهر منا في دائرة التكليف .وإن كانت الخاتمة لا تتعارض قطعا مع السابقة

كما أنه لا يدل لا من قريب ولا من بعيد على أن الله يجبر الطائع على الطاعة، ولا العاصي على المعصية، لوجود الاختيار لدى الفريقين الطائع والعاصي، إذ الأمر متروك –كما قلنا- للاختيار، وما سيختاره العبد من خير أو شر سبق علم الله فيه، إذ لا يعزب عن علمه تعالى أزلا ذرة .

يعلمنا الحديث ألا يهيمن على العبد العجب بأعماله، ولا اليأس من حاله حال التردي في المخالفة، وقد جاء التحذير منه –صلى الله عليه وسلم- :"لا عليكم أن لا تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زمانا من عمرة أو برهة من دهره بعمل صالح، لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العبد ليعمل البرهة من عمره بعمل سيء، لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملا صالحا "وأنت تلاحظ هنا قضية دوام الاستنفار، والخشية من الانقلاب والتحول، والتحول هنا من كلا الطرفين مرجعه إلى ما وقر في نفس المتحول سواء كان خيرا أو شرا، وما امتلأ به إناء النفس من طيب أو خبث، ويرجع كذلك إلى البيئة الهادية أو المضلة ، وإلى أمور أخرى تفصل في موضعها ثم التعويل على كرم الله ورحمته والاعتراف بمنته علينا، وترك العجب بالأعمال والالتفات إليها والارتكان عليها، والتحرز من الرياء .

فنسأله سبحانه أن يرزقنا حسن الخاتمة بفضله، وألا يسلبنا نعمة الإيمان بعدما تفضل بها علينا، ونقول : يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وارزقنا حفظ أمانتك ونسألك يا سيدنا الإخلاص في القول والعمل، وحسن الختام عند انتهاء الأجل فأنت أكرم مسؤول وأعظم مقصود ...