حكم الاستماع لنساء يظهرن في القنوات الفضائية ويرتلن...
تاريخ الإضافة : 2011-12-24 00:00:00
هل يجوز لنا الاستماع لنساء يظهرن في القنوات الفضائية ويرتلن القرآن الكريم ، ويسمعن من قبل الرجال والنساء على حد سواء مع النظر إليهن ؟

وهل يختلف الأمر إذا كانت التالية دون سن البلوغ ؟

بسم اللــــه الرحمن الرحيــم

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.....وبعد

 

بعد الرجوع إلى أقوال العلماء بهذا الشأن ألخص لك ما أراه :

لا أعرف - بداية- نقلا عن جيل الصحابة أنهم جلسوا إلى امرأة تتلو عليهم القرآن الكريم ، ترى ألم يخطر ببالهم هذا مع وجود الحافظات لكتاب الله تعالى ليفعلوه أم أنهم لا يرونه جائزا أصلا فلم يتجهوا إليه ، ولم يفكروا فيه ؟

ما ينقل بعد هذه الحقيقة لا يصب - بالبداهة- في عين المسألة ، وإن كان يتناولها بصورة متعددة الجوانب ، لا يخفى عطاؤها على منصف قد عادى المماحكة ، وأنصف من نفسه في الحكم على موقفه من الاستماع إلى امرأة ترتل آيات من القرآن.

 

والبداية ما يتعلق بصوت المرأة على ما ذهب إليه الفقهاء ، ولصلة ما قرروه بموضوع السؤال ، قال العلماء : المسلم الذي ليس بمشهور بفسق ولا بدعة يسلم ويسلم عليه ، فيسن له السلام على مثله ، ويجب عليه الرد ، والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل . ولفظ السلام "السلام عليكم"

انظر الكتيب النفيس للدكتور محمد بشير الشقفة - حفظه الله- بعنوان "حكم العورة في الإسلام"

وفيه : وأما سلام المرأة على الرجل ، وسلام الرجل على المرأة ، فإن كانت زوجته أو محرما من محارمه أو جاريته ، فهي معه كالرجل ، فيستحب لكل واحد منهما ابتداء الآخر بالسلام ، ويجب على الآخر الرد ..

وإن كانت أجنبية ، فإن كانت شابه يخاف الافتتان بها "لم يجز له السلام عليها" ولو سلم "لم يجز لها رد الجواب" وهذا المنع سواء في المقابلة ، أو بالهاتف ... وأنت هنا أمام نوع علاقة بين هذا والجلوس للاستماع إلى المرأة الأجنبية تترنم بالقرآن ، والأبصار شاخصة إلى وجهها !!!!

ولا يقال بشأن السؤال : الأصل في الأمور الإباحة "لأن مسألة العلاقة بين الرجال والنساء مبنية على الحظر إلا ما أحله شرع الله تعالى ، لا على الإباحة .

من المتفق عليه أيضا أن ترتيل القرأن يتطلب أداء تراعى فيه أحكام التجويد ، وتحسين الصوت مطلوب ما استطاع التالي إلى ذلك ، فيبدو أداؤه مؤثرا بمقدار ما يقيم من تفاعل صوتي مع المتلو ، والترقيق والتفخيم والمد والإدغام بغنة ... كلها من ضوابط التلاوة ..

كما لدينا حالتان :

الأولى: داخل الصلاة.

الثانية: خارجها.

فما تقول كل منهما ، وما دلالة ذلك ؟ وما صلته بالسؤال المطروح ؟

الحديث "إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفق النساء".

أولا: من المعروف فقها وقوف النساء خلف صفوف الرجال ، وعليه حتى التصفيق منهن تنبيها للإمام لا يرى ، وإنما يسمع .

ثانيا: التفريق في الحكم - كما قرر الفقهاء- بين الرجال والنساء ظاهرفي أن المرأة ما ينبغي لها أن تظهر صوتها عند الرجال - علما أنهم جميعا في صلاة ، وقد علل ذلك ، ومن جملة ما قالوه أنها لو سبحت لوقع في قلب المصلي شيء ، لاسيما إذا كان صوتها جميلا ، وعليه ، إذا أخطأ الإمام يسبح الرجال تنبيها له ، ويصفق النساء للمقصد نفسه ، وإن كان هناك من ذهب إلى جواز التسبيح في الصلاة للنساء أيضا تنبيها للإمام ، وبنى ذلك على تأويل الحديث ، حيث قالوا : التسبيح حكم عام لكل المقتدين ، وقوله - صلى الله عليه وسلم- :"من رابه شيء في صلاته فليسبح ، فإنه إذا سبح التفت إليه ، وإنما التصفيق للنساء" يعني أن التنبيه بالتصفيق من كل من المقتدين لا يليق بالصلاة ، إذ ظاهرة التصفيق خاصة "بأكف النساء" هذا و قد بينوا كيفية التصفيق للمرأة في الصلاة ، وأنها تضرب ببطن اليمنى على ظهر اليسرى . وهذا التأويل يبعده رواية الحديث بقوله :" وليصفق النساء" وواضحة الصيغة هنا بأمرهن بالتصفيق .....

والأول أصون للمرأة ، وأبعد عن الفتنة !

وصرح فقهاء الحنابلة بأن صوت المرأة ليس بعورة ، وحملوا الحديث على أنه مقيد في الصلاة"

وأما خارج الصلاة فقد جاء قوله - تعالى- ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن"

فقد نهى عن استماع صوت خلخالها ، ووقع صوتها في السمع أولى .

هذا ، وقد كره الفقهاء أذان المرأة ، لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت ، والمرأة منهية عن ذلك ،

ويحرم رفع صوتها بالغناء إذا سمعها الأجانب ، فهل يجوز أن يجتمع رجال إليها تتلو القرآن ، وتنهى عن الأذان على أن الذين يسمعونه أكثر ؟

ولئلا يظن أنا نقول بحرمة صوت المرأة في أسماع الأجانب إذا كان عاديا نسوق ما يلي :

في الموسوعة الفقهية : استماع صوت المرأة .... الصوت إما أن يكون غير موزون ولا مطرب ، أو يكون مطربا ، فإن كان غير مطرب ، فإما أن يكون صوت رجل أو امرأة ... وصوت الرجل لا قائل بتحريم استماعه ، أما صوت المرأة ، فإذا كان السامع يتلذذ به ، أو خاف على نفسه فتنة حرم عليه استماعه ، وإلا فلا يحرم .

ليس للمرأة ترخيم الصوت وتنغيمه لما فيه من إثارة الفتنة ، وذلك لقوله - تعالى- :"فلا تخضعن بالقول" ، ولدى الشافعية قولهم :"....وندب تشويهه إذا قرع بابها فلا تجيب بصوت رخيم"

ومعنى "الخضوع بالقول" ترقيق الكلام إذا خاطبت الرجال ، لما فيه من خشية الفتنة ، والكلام الملحن فيه المعنى نفسه فيكون ممنوعا لذلك .... وقوله "فلا تخضعن ..." أي لا تلن القول ، ولا ترققنه للرجال ....هذا ،و قد نبه على أن صوتها إذا ألاتته ورققته ورخمته فإنه يصير من مفاتنها المؤدية إلى إثارة الغرائز ، ويطمع مرضى القلوب فيها ، وهذا التعبير من باب وجود السبب وأريد لوجود المسبب ، وهو ذريعة إلى الحرام .... ولا يقال العلة في أصحاب القلوب المريضة ، إذ هي بصوتها الرخيم تحرضهم .

وفي أحكام القرآن لابن العربي :"...ولا تخضعن بالقول .... قولا معروفا" المعروف :هو السر وإباحة القول بالمعروف يدل على أن صوتها ليس بعورة إذ لو كان مطلق القول منها منكرا ، لكان تخصيص النهي بالخضوع عديم الفائدة ...

فإن المرأة مأمورة بمقتضى الكلام "فلا تخضعن .." لا يلن القول للرجال على وجه يوجب الطمع فيهن من أهل الريبة ، وفيه الدلالة على أن ذلك حكم سائر النساء في نهيهن عن الإنة القول للرجال على وجه يوجب الطمع فيهن ، .. وفيه الدلالة على أن المرأة منهية عن الأذان .. وقال تعالى :"ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ..." إذا كانت منهية عن إسماع صوت خلخالها فكلامها إذا كانت شابة تخشى من قبلها الفتنة أولى بالنهي .. والآية تضمنت نهي المرأة أن تضرب برجلها لتسمع الرجال صوت خلخالها ...

وقد نص الفقهاء على أن الصوت على الراجح ليس بعورة ، ولكن تنغيمه وتليينه أي: تمطيطه عورة في الأذان وغيره ، فلا يحل ...

عند أكثر الفقهاء صوت المرأة العادي غير المنغم ليس بعورة ، أما المنغم في الغناء أو في تجويد القرآن فهو عورة ، ولا يجوز أن تسمعه الرجال الأجانب عنها .

ولا يستبعد أن من سمع صوت المرأة بالقراءة ربما فتن بها ، ولهذا لابد من سد باب الشر حرصا لمادة الحرام .

قد اتفق على ان صوت المرأة المنغم عورة ، وعليه يمتنع على الرجال الأجانب الاستماع إليه ، ويمتنع عليها أن تسمعهم إياه .

ونص في كتاب السماع لأبي العباس القرطبي على مسألة أن صوت المرأة العادي ليس بعورة ، ومما جاء فيه :"ولا يظن من لا فطنة له أنا إذا قلنا صوت المرأة عورة أنا نريد بذلك كلامها ، لأن ذلك ليس بصحيح ، فإنا نجيز الكلام من النساء الأجانب ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك ، ولا نجيز لهن رفع أصواتهن ، ولا تمطيطها ، ولا تليينها وتقطيعها ، لما في ذلك من استمالة الرجال وتحريك الشهوات منهن ، ومن هذا لم يجز أن تؤذن المرأة ، ففي الأذان صوتها عورة ، وليس المراد كلامها بل ما يحصل من تليينه وتمطيطه ، فلا يحل سماعه ..

لا حرج على النساء في الزغاريد ، إظهارا للفرحة في محيط النساء ، إلا أن يكون نبرات مثيرة ويسمعها الرجال الأجانب ، حيث تكون عادة بصوت مرتفع ، فلا يجوز ، لدخوله في عموم الخضوع بالقول المنهي عنه في قوله - تعالى- :"فلا تخضعن بالقول ..." فإن كانت نبرات عادية وبلغت الرجال فلا حرج .

وعليه ، فالأصل أن صوتها ليس بعورة ، لكن قد تعرض له عوارض تجعله محرما ، والعوارض من مثل ترخيمه وترقيقه ، وكل مامن شأنه أن يجعله مثيرا للتعلق بصاحبته والافتتان بها .

ومع النص على أن صوتها ليس بعورة نص الناصر اللقاني على أن رفع صوت المرأة التي يخشى التلذذ بسماعه لا يجوز ، لافي جنازة ، ولا في الأعراس ، سواء كانت زغاريد أم لا ...

وعليه فغناؤها للرجال حرام ، وما جاز من غناء للنساء فقاصر على الأفراح ، وفي وسط نساء بحت ، وبألفاظ محمودة شرعا ، ودون آلات موسيقية ..

قراءة المرأة للقرآن بصوت مرتفع ، وبجانبها رجال أجانب ، فيه فتنة ، والفتنة لا تجوز ، وصوتها ليس في الأصل - بعورة- إلا أن تتكسر به ... وما يذاع عبر بعض القنوات من أداء النساء للقرآن مع التصويب عبر الهواء ، مما يسمعه الألوف ، لا يسوغ ، والمطلوب مثول هؤلاء النسوة أمام قارئات مجازات بالإقراء ، وهذا أدق وأولى وأضبط لأحكام التجويد .

وأختم بأن أصحاب القلوب المزكاة تستشعر ما تقارف الجوارح ، ولا يعمى عليها أمر المخالفة ، وتسعى دوما إلى اتقاء الشبهات ، هذا إن اعتبرنا الاستماع للمرأة تتلو القرآن بصوت مرتفع أمام الرجال أو ترفعه بأذان ندي ، فإن مضمون الصوت لا يسوغ الاستماع إليها ، إذ مضمون الأذان مشروع بلا خلاف.