متى بدأ توثيق أحاديث الرسول الحبيب الكريم محمد صلى...
تاريخ الإضافة : 2012-01-30 00:00:00
متى بدأ توثيق أحاديث الرسول الحبيب الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ،، هل في عهده أم بعد ذلك ؟


الأخ الفاضل محمد يوسف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتذر عن التأخير من غير ماقصد ، وأسوق في جواب سؤالكم مايلي :

أنزل الله القرآن الكريم وكلف الرسول ببيانه ، وقد جاء هذا المعنى في قوله – تعالى – ( ثم إن علينا بيانه ) .

السنة تشمل كل ماأضيف للرسول من قول أو فعل أو تقرير ، وكان الصحابة يأخذون عن النبي كل ما يقوله أو يفعله ، أو يقرره ،على أنه مما يقتدى به فيه ، ومسألة الصلاة وحدها توضح هذا ، إذ قال لهم : " صلوا كما رأيتموني أصلي " وكانوا يصلون بناء على هذا اقتداء بصلاته- عليه الصلاة والسلام- وهو الذي قال للناس في حجة الوداع : " خذوا عني مناسككم " وكما حفظ الله القرآن ، حفظ ماجاء مبيناً للقرآن ، وهو السنة ، وذلك بما قيض لها من العلماء ، من الصحابة أولا ، ثم من أخذ عنهم ، وهم التابعون ، ومن جاء من بعدهم .

كان الجيل- في عصرالنبوة- وقتها يعتمد على الحفظ ، وكانت أدوات الكتابة قليلة ، والكتاب قلة ، ولهذا وظف هذا القليل في الأهم ، وهو القرآن ، فجندت له الطاقة الكتابية .

لم نعدم من الصحابة من كان يكتب الحديث ، وبإذن من الرسول- عليه الصلاة والسلام- .
كل هذا ينظر بعين الاعتبار ، ويضاف له أن :
- السنة الفعلية تلقاها الصحابة مباشرة ، واهتدوا بها في صياغة سلوكهم ، وتلقاها التابعون منهم ، وهكذا .

ويتبين من الدراسة أنه ورد في النهي عن كتابة الحديث في آثار مرفوعة وموقوفة ، وورد الإذن بها صريحاً كذلك عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحيان ، ولبعض الصحابة .

ومما دعا إلى النهي عن الكتابة ، مما ذكره العلماء ، قلة الكتاب وأدوات الكتابة ، كما أسلفت ، وليتفرغوا لكتابة القرآن الكريم ، كما حمل النهي عن كتابة الحديث على أنه كان خاصاً بأول الإسلام ، وليشتغلوا بحفظ القرآن ، ويقبلوا على دراسته ، ويكون أخذهم للحديث بالممارسة والمجالسة .

وحمل كذلك على أن النهي كان خاصاً بكتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة ، مخافة الاشتباه على الجهلاء به ، ويكون الإذن بالكتابة لمن عرف منه عدم الاشتباه ، مثل: عبدالله بن عمرو بن العاص ، وعند الحاجة- كذلك- كأمره بالكتابة لأبي شاه- رضي الله عنه- .

اشتهر أنه أمربكتابة صحائف كثيرة لبعض المعاهدين ، وفي مناسبات ، وبعث كذلك كتباً إلى رؤساء الدول- آنذاك- يدعوهم فيها إلى الإسلام ، وهذا من أدلة جواز الكتابة لجنس الحديث .

لما عرف الصحابة علة النهي توقف بعضهم عن الكتابة ، وكتب آخرون للحاجة ، ولما زال المحذور ، وتميز القرآن عن غيره ، واشتدت الحاجة إلى الكتابة ، ابتدىء في " تدوين السنة " وذلك في أواخر القرن الأول ، بأمر من عبد العزيز بن مروان ثم ولده عمر بن عبدالعزيز ، ثم اشتهرت في القرن الثاني فكانوا يكتبون ويحدثون من كتبهم مع المحافظة عليها ، ووصلت بعدها إلى الأجلاء كالبخاري ومسلم وأهل السنن ، فدونوها في مؤلفاتهم ، مع بيان صحيحها من غيره ،وذلك وفق منهج صارم للضبط والتحري .

ثم البيئة- وقتذاك- كانت في عموم علومها- وبخاصةالشعر-كانت تعتمد على الحفظ ، وقد أوتوا ذواكر ثاقبة ، وماوصلنا من شعر غزير من الأدلة الباهرة على ذلك .

وشدة إتقان الصحابة لما يتلقونه عن الرسول باعتباره" سنة "واجبة العمل بها ، وهي المصدر الثاني للتشريع ، أتت ليبين مانزل الله- تعالى- كانت كفيلة بالنقل الأمين إلى جيل التابعين الذين تلقوا السنة من أفواه الصحابة المتقنة لما تنقل إذ" هو من الدين " .. ذلك أن القرآن والسنة هما المصدران الرئيسان لهذه الشريعة المحفوظة كتاباً وسنة .

العلوم التي راجت في عهد التابعين ، ومعه بعدهم ، كانت من الروعة بمكان ، ودالة على شدة الاعتناء " بالسنة " على أنه من الدين ، ومنها علم الجرح والتعديل ، ولذلك تلقينا السنة ممحصة أروع تمحيص ، ومصفاة من كل ما أراد " الزنادقة " أن يلحقوه بها ، وقد ظهرت أعداد كثيرة من المحدثين الجبال الذين طاردواالوضاعين حتى أدخلوهم في جحور الخيبة ! وفضحوهم على رؤوس الأشهاد !انتصاراً للسنة المطهرة!! .

ولك أن تقرأ مايتعلق بمنهج البخاري في جمعه للأحاديث الشريفة في صحيحه ، لتقف على مدى الدقة في الحفظ ،وروعةالتوثيق .

وحديث ابن عمرو- رضي الله عنه- حيث سأل الرسول عليه الصلاة والسلام : " هل أقيد العلم ؟ فوافقه النبي على ذلك ، وعندما سئل عن معنى "تقييده العلم " أجاب بأنها الكتابة ، فكان يكتب ، وثبت أنه كان لدى ابن عباس " الصحيفة الصادقة " وكان فيها مجموعة من الأحاديث ، وكذلك ثبت مثل هذا عن سيدنا علي .

أنصح بقراءة كتاب موثوق في علوم الحديث الشريف ، وتجد العجائب في قضية حفظ السنة .

وعليه ، فقدكانت في عهد النبي كتابة للحديث ، وكذلك في عهد الخلفاء الراشدين والذي تأخر- بشأن الحديث- هو التدوين بمعنى " التصنيف " كما قرر العلماء الثقات .

في بادئ الأمر لم يكن الصحابة يكتبون غير القرآن امتثالاً لأمر الرسول ، حيث قال : " لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن ، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولاحرج ، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " .

والنهي- كم أسلفت- لئلا يختلط القرآن بالسنة ، وهم حديثو عهد بالقرآن وأسلوبه ولما يذع القرآن بعد ، ولم ينتشر على ألسنتهم .

وعليه ، لما شاع القرآن ، وأصبحوا يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، سمح لهم بكتابة الحديث ، بل أمر به بعضهم في بعض المناسبات .

قلة الكتبة ، ووسائل الكتابة دفع إلى توظيف كامل للقرآن تسجيلاً . وفي الصحيح أن أبا شاه اليمني التمس من رسول الله أن يكتب له شيئاً مما سمعه من خطبته عام فتح مكة فقال- عليه الصلاة والسلام- : " اكتبوا لأبي شاه " .

مما تقدم يتبين أنه ثبت كتابة بعض الصحابة للحديث ، وحيازة بعضهم لصحف خاصة ، دونوا فيها الأحاديث .. قال أبو هريرة :ما من أصحاب النبي أحد أكثرحديثاً مني إلا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص ، فإنه كان يكتب ، ولا أكتب !!! ..

كان لعبدالله صحيفة يسميها " الصادقة " وذكرفي صحيح مسلم كتاباً في قضاء علي .

هذا ، وقدكانت كتابة الحديث في عصر الصحابة كتابة فردية ، ولم تأخذ الصفة الرسمية العامة .

وقدتناقل الصحابة الحديث شفاهاً مع بعض الكتابات الفردية كما ذكرته ، واستمر الأمر على ذلك إلى أواخر عصر التابعين .

العرب بعامة كانت الكتابة لديهم محدودة ، ولكن ذواكرهم كانت آية في الحفظ ، وعموم الاتكاء على الكتابة- كما هو مقرر ومعروف- يمس قوة الذاكرة مساً ، يجعل الذهن معتمداً على مايسجل ، ويقل نشاطه الذاتي ، ومن هنا حفظ العرب ديوان شعرهم ، وهي مئات آلاف الأبيات ، وذلك عبر النقل الأمين للشعر، والحفظ القوي له ، ومثلها الأمثال والحكم . وهذا قد أعان على قوة الحفظ، وقد أذن الرسول- كما في الحديث الأول- بالتحديث عنه ، وحذر الأجيال اللاحقة من تعمد الكذب عليه تحذيراً بيناً ، وأما في عصر الصحابة فلا تجد واحداً منهم يفكر مجرد تفكيرفي أن يكذب على النبي- عليه السلام- اللهم إلا إذا كان منافقاً عريقاً في النفاق ،وهؤلاء كانوا مكبوتين!! ومع هذا الاحتمال فلم يبلغنا عن الصحابة أي نص في هذا الشأن ...

مرحلة التدوين الرسمي :
تولى عمر بن عبدالعزيزالخلافة ، سنة تسع وتسعين للهجرة ، فأمر بجمع الحديث وتدوينه ، قال البخاري : " وكتب عمر إلى أبي بكر بن حزم (متوفى 120هـ)" انظر ماكان من حديث رسول الله فأكتبه ، فإني خفت دروس العلم ، وذهاب العلماء .. وأبو بكر هذا كان نائب عمر في الإمارة والقضاء على المدينة ..

ومن وقف على قواعد الجمع التي التزم بها المحدثون ، وروعة الضبط ، وعرف أن التدوين غير الكتابة ، وأن زمن التدوين الرسمي لم يكن بعيداً عن الجيل الذي التقى الصحابة ، عرف ضعف الدسيسة التي أشاعها المستشرقون إزاء تدوين الحديث الشريف !!! .

هناك كتاب " دراسات في الحديث النبوي " للدكتور محمد مصطفى الأعظمي تناول فيه من كتب من الصحابة ، ومن كتب عن الصحابة من التابعين ، وتناول كتابة كبار التابعين ، ومن كتب عنهم في حياتهم حتى زمن التدوين الرسمي في عهد عمر بن عبدالعزيز .

وختاماً إليك هذه المعاني في فرعين هامين لئلا نؤخذ بقول من قال : " لم تكتب السنة إلا بعد قرن من الزمان !!! ، فتتسرب إلى النفس جراء ذلك شبهة ضعف ما نقل إلينا منها ، وهذه الشبهة هي من وراء طرح :" متى دونت " مع إغفال ما سبق التدوين المسؤول عنه !!! :

فرع أول : حجية السنة من السنـة :

بعد أن ثبت حجية السنة بنصوص القرآن الكريم ، وإجماع الصحابة ، وإجماع المسلمين ، والمعقول ، نورد بعض الأدلة من السنة للاستئناس على حجيتها والاعتماد عليها ، وأن رسول الله أكد هذه الحجية بأقواله وأفعاله وأحاديثه وسنته ، فقال- عليه الصلاة والسلام- : " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ماتمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي " ، وقال : " ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه " ، وهذا المثل هو السنة ، وقد أوتيتها من الله- تعالى- الذي أتاه القرآن الكريم ، وعندما بعث رسول الله معاذ بن جبل إلى اليمن قال له : " كيف تقضي إن عرض لك قضاء ؟ " قال : أقضي بكتاب الله ، قال : " فإن لم يكن في كتاب الله ؟ " قال : فبسنة رسول الله ، قال : " فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ " قال : " أجتهد رأيي ولا آلو " ، فضرب رسول الله على صدره ، وقال : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى الله ورسوله " .

فرع ثان : شبة إنكار السنة :

عندما ضاق الكفار بالإسلام ، ونفد صبر أعداء الله عن تحمل انتصار الإسلام ، وثباته في وجه أعاصير هم ، وانتشاره ، وخلت عقولهم وأيديهم عن معارضة القرآن الكريم ، والطعن به ، لجؤوا إلى الهدم عن طريق السنة ، وسلطوا شكوكهم على الحديث ، ووجهوا سهامهم على حجية السنة ، وتعرضت السنة للإنكار في القرن الثاني الهجري من بعض الفرق الضالة المارقة من الدين ، واحتجوا بشبه واهية ضعيفة ، وحاولوا الاعتماد على بعض الآيات القرآنية لتأويلها حسب هواهم ، وتحميلها مالا تحتمل ، مثل قوله تعالى : ( ما فرطنا في الكتب من شيءٍ )
، وقوله- تعالى- : ( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيءٍ ) ، وقالوا : لا حاجة للسنة ، لأن القرآن بين كل شيء ، ولم يفرط في أمر من الأمور ، وبالتالي فلا حاجة للسنة ، ولاحجية لها ، وليست مصدراً تشريعياً للأحكام ، وأضافوا إلى حجتهم الحديث الذي ينكر استقلال السنة بالتشريع ، وأن ماورد فيها يجب عرضه على كتاب الله ، فإن لم يوجد في القرآن فيجب رده ، ونسبوا الحديث إلى ثوبان ، عن رسول الله قال : " ماأتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فأنا قلته ، وإن خالف فلم أقله " .

ويرد على هذه الفئـة بما يلي :
1- إن الآيات السابقة في حجيـة السنة ترد مزاعمهم ، وتبطل حججهم ، وتفند أدلتهم ، وهي نصوص صريحة واضحة في حجية السنة واعتبارها مصدراً تشريعياً في الأحكام .
2- إن الآيتين الكريمتين اللتين استندوا إليهما لا تدلان على هذا الفهم ، وإن القرآن تبيان لكل شيء بما ورد فيه من أحكام ، وبما أشار إليه من مصادر ، وماتضمنه من قواعد عامة ، وأحكام مجملةبينتها السنة .
3- أما حديث ثوبان فهو" موضوع " وضعته الزنادقة ، كما قال يحيى بن معين- رحمه الله تعالى- وعبدالله بن مهدي- رحمه الله تعالى- وقال الشافعي- رحمه الله تعالى- : مارواه أحد عمن يثبت حديثه في شيء صغير ولاكبير ، وهذا الحديث نفسه إذا عرض على كتاب الله فإنه يخالفه ، في قوله- تعالى- : ( ومآ آتـاكم الرسول فخذوه وما نهـاكم عنه فانتهوا ) ، وقوله : ( من يطع الرسول فقد أطـاع الله) وقوله- تعالى- : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) .
4- ويقول رسول الله : " يوشك أن يقعد الرجل متكئاً ، يحدث الناس بحديث من حديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وماوجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ماحرم رسول الله مثل ماحرم الله " .
5- قال رسول الله : " ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا . . " .

ولاتزال السنة تتعرض لهجمات الملحدين والمستشرقين والمارقين من الدين الذين يسعون لهدم الإسلام عن طريق السنة متناً وسنداً ، ولكن الله تعالى سخر الأئمة والعلماء والمخلصين لرد كيد الكائدين ، وتزييف دعواهم وصيانه السنة من كل دخيل ، وبقيت السنة –وستبقى – خالصة من كل شائبة ، نقية من كل تحريف ، تحقيقاً لقوله- تعالى- : ( إنا تحت نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) .هذا التنبيه أخذ من موسوعة قضايا معاصرة ، وقد وجدت فيه دليلا غير مباشر لمسألة حفظ السنة ، لأنها من الدين الذي تكفل الله- تعالى- بحفظه في أصليه : القرآن والسنة المبينة ...هذا ما يسر في الجواب أرجو أن يستفاد منه ، والحمد لله العليم الحكيم

عبدالكريم تتــان

24/01/2012