هل يجوز للرجل أن يضع نطفته برحم غير رحم زوجته لإنجاب...
تاريخ الإضافة : 2012-02-20 00:00:00
هل يجوز للرجل أن يضع نطفته برحم غير رحم زوجته لإنجاب الولد لأن زوجته لا تنجب ( كمسألة استئجار الأرحام )؟

بعد حمد الله تعالى على ما أنعم علينا من منهج حياة شامل كامل ، مهما نظرت فيه ازددت انبهاراً بعظمته وعطائه وعمقه وحكمته . . أقول : ثمة قرارات صدرت عن المجمع الفقهي برقم 94 سنة 1997 ومنها :

تحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحماً أم بيضة أم حيواناً منوياً أو خلية جسدية للاستنساخ .
وهذا القرار صدر بعد دراسة وافيه لمسألة الاستنساخ وما يتصل بها من آثار على كافة المستويات .

منطلق :
الشريعة مبناها على الحكم ومصالح العباد ، وكلها عدل ورحمة وكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث ، ليست من الشريعة " .

وهذا ملخص ماقرره العلماء في مسألة استئجار الرحم :


مسألة تأجير الأرحام أو الأم البديلة – وهو مصطلح حديث وافد من بلاد لامنهج لها سوى الأهواء – يخترق أقصى خصائص الإنسان ، وهو تكريمه ، بل وأخص خصائص الأمومة ، وهي المهنة المميزة لدى المرأة التي احتفظت بها منذ بداية الخليقة . انتزاع هذا من المرأة ابتغاء مكاسب دنيوية ، ويقطع أهم صلة إنسانية راقية لايتصور في السلوك السوي أن تنقطع ، وهي صلة الأم بوليدها و أحقيتها التامة لأمومتها له .
من هنا واجهت هذه النزعة مع مبرراتها السطحية رفضاً واسعاً ، لأنها تتعلق بكرامة الإنسان وكرامة المرأة والمحافظة عليها من حيث المهام الفطرية التي أنيطت بها "الأمومة " .


هاجر أم اسماعيل ، بم نالت تلك المرتبة الرفيعة التي خلدت بركن السعي بين الصفا والمروة مسعاها ؟ لأنها سعت ، وسعيها برهان يملأ الآفاق على عمق الأمومة في نفس المرأة ، إذ كان باعث سعيها الخوف على الرضيع العطشان .

آمنة بنت وهب ، ومريم بنت عمران وكثيرات ، نلن ما نلنه بالأمومة ، وهل كن يبلغن ذرة من هذا المنزلة لوكان دورهن قاصراً على تأجير بعضاً من البدن ليحضن حملا ليس لهن به أي صله إلا صلة المخزن توضع فيه البضاعة فترة ثم تخرج ، ويقطع الحبل السري الذي نقل كميات من الأغذية الصافية التي تمتن العلاقة بين المكان المؤجر ، وصاحبته ، وماوضع فيه ، وإذا ظن من يؤيد هذا التأجير أنه بذلك يشبع رغبة لدى زوجين حرما من الحمل ، وإدخال السرور على قلبيهما فليتذكر الحرقة التي يلتهب بها كبد المرأة التي وضع فيها بخساً لكرامة " المحصلة المركبة " من نطفة وبييضة ، فإذا هي نطفة أمشاج ، والأم التي أخذت منها البييضة لما تشارك في شيء مما يوثق العلاقة بينها وبين الحمل الذي ذاقت أعباءه – وهذا يدريه النساء اللائي حملن ، وآلام الطلق حيث أخذت تنتظربه أن ترى وجه هذا الجنين الذي رآه القلب قبل أن يقع عليه البصر ، فأي تمزيق للإنسان في المستأجرة ، ومامعنى تحقيق رغبة المرأة- التي وهي لا تدري أنها باضت- في الولد !!! .


ثم إذا كان النص قد انصب على نسبة الولد للأم التي ولدت ، " إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم " وعليه ، فما مدى صلة المولود الآن ببعض تكوينه عبر البيضة التي قاء بها جراب البيض لدى المرأة ، وهل الرضاع هنا يجعلها أما كأمه التي حملت وولدته ؟ أم إن الرضاع يربطها به على أنها أمه بالرضاع .- أيقطع نسبه بامه التي حملتبه ، أم يظل لها به صلة ؟؟؟

هل شعور الأم التي اخذت منها البيضةهو شعور الأمومة الكاملة التي تنفي أي صلة لأي امرأة اخرى بولدها ؟؟!!أم أن المسألة لا ينظر إليها من زوايا المشاعر ، بل من زاوية الأجرة المترتبة على ملأ الرحم بنطفة أمشاج لا علاقة للمستودع به، ومن هنا يقال لم تبنى المسالة على مراعاة امرأة حرمت الولد ، ويعمى النظر عن أم حملت فعلا ، وليس لها من حملها سوى رصيد في حسابها تنفقه على ملاذ الحياة ! .


الأم البديلة وحفظ الأنساب .
من أراد أن يؤيد فعليه أن يستحضر كل الأبعاد المترتبة على أمر لايراد منه سوى مقصد عاطفي كما يبدو لدى المؤيد: وهو أن رجلا وزوجته لا يقدران على الانجاب بالسنة الكونية المعروفة ، إلا أنهما قادران على إنتاج الحيوانات المنوية والبيوض التي هي أس التكوين وفق سنة الله تعالى فيه ، ولو عدما هذه القدرة لكان الأمر قاصراً على مايسمى "بالتبني" الذي حرمته شريعة الله تعالى .


لايصادم الإسلام العلم في ميادين الكون ، لكنه يضع له ضوابط أخلاقية لئلا يرجع على البشرية بالدمار الأسري ، والولد الذي حدبت على أمه " البييضة! " وتعلقت به أمه " التي حملت به " كيف يوزع نفسه بين نظرإلى من يعيش في رحابها ، ويرى فيها بيضتها ، ونظر إلى أمه التي عانت في حمله ، والآيات ليست قليلة في التأكيد على أن حق الأم له مسوغات ، منها " حمله وهناً على وهن . . " وقد جعلت الشريعة للأم الحق المضاعف ، وللأب حق واحد ،وقد حرصت الشريعة على ثبوت النسب وفق معايير محددة ، وصانته من التدنيس والتزييف والضياع ، وجعلته حقاً للولد وللوالدين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وقال تعالى : ( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) .

هناك ضوابط وضعها العلماء للإخصاب الطبي ، وقد تناولت قرارات المجمع الفقهي هذه الضوابط ، ومنها :


يجوز تلقيح المرأة صناعياً داخلياً بماء زوجها حتى يتم الحمل . وهنا يقال كيف يوضع ماء الرجل في رحم مستأجر لم يعقد عليه بعقد يجعل مثل هذا الوضع حلالاً . . . أرأيت لو وضعه مباشرة لكان الزنى بعينه ، وهنا يحرم كذلك ، لأنه ليس له أن يضع ماءه في رحم المرأة التي ليس له بها أي صلة !!

التلقيح الذي يتم خارجياً في إناء ببذرتي الزوجة والزوج ، ثم يعادإلى رحم الزوجة ، وهو أسلوب مقبول مبدئياً بالنظر الشرعي ، لكنه غير سليم من موجبات الشك فيما يستلزمه ويحيط به من ملابسات ، ولهذا لا يلجأ إليه إلا لضرورة تقدر بالتقدير الشرعي ، وبعد أن تتوافر له الشروط التالية - أن يتم التلقيح من مني الزوج – أن يتم ذلك في حياة الزوج ، وليست بعد مماته - أن يكون الطبيب من المسلمين المؤتمنين . وأن يتم بموافقه الزوجين .


من الأم ؟ أصاحبة البويضة أم صاحبة الرحم ؟؟ من هي الأم ياترى ؟ حددت في ندوة انجاب في ضوء الإسلام " فتوى تقول بتحريم هذا إذا كان في الأمر طرف ثالث ،و سواء كان منياً أم بويضة أم جنيناً أم رحما ً " وهذا معناه تحريم هذه الصورة تحريما قاطعاً ، لأنها تتضمن إدخال نطفة رجل في رحم امرأة لاتربطه بها علاقة زوجية ، وعلى هذا يمنع التبرع أو الاتجار بالبويضات أو الخلايا المنوية ، فالمتطوعة بالحمل أجنبية عن الزوجين مصدر البذرتين ، فتدخل هذه الأساليب في معنى "الزنى " دون أدنى شك ، حيث تؤدي إلى اختلاط الأنساب، قال تعالى ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ) ، وهذا يدل على اشتراك صاحبة البويضة في تكوين الجنين ، ولكن مع ذلك فاللقيحة لاتسمى جنيناً فعلاً إلا بعد تصويرها في المرحله التالية في الرحم . وقد دل على أن هذه اللقيحة ليست ولداً قوله تعالى : ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ،ونقر في الأرحام مانشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ) إذن اللقيحة المشتركة فيها صاحبة البويضة ليست ولداً ، ولم تكن هي التي حملته في رحمها في المراحل التالية ، والتي تنتقل فيها من حال إلى حال حتى يتخلق فيها إنسان سوي ، ومايستتبع ذلك من تغذيتها بدمها وتحملها لآلام الحمل ، وآلام الوضع ، وغير ذلك ، وعلى ذلك فإنه لايمكن القطع بأن هذه المرأة هي أمه ، وإن كانت شبهة الجزئية فيها قائمة ، أما صاحبة الرحم فإننا نراها التي حملت البويضة الملقحة في رحمها ، وتنقلت من طور إلى آخر، حتى خلق الله فيها إنسان سوياً ثم وضعته بعد تكوينه وتصويره وتحملت به ماتحملت ، وقال تعالى : ( إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ) وقال : ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن ) . . فالقول بالتحريم من الوضوح بمكان صونا للنسب ، وحماية للأعراض من العبث . . مع أسباب أخرى يكفي ماذكرنا منها ، وسنزيد ذلك لاحقاً في رسالة برأسها إن شاء الله.

عبدالكريم تتان