أعاني من الوسوسة في العقيدة، وأنا موقن بأن الإسلام حق...
تاريخ الإضافة : 2012-05-22 00:00:00
أعاني من الوسوسة في العقيدة، وأنا موقن بأن الإسلام حق ، و النبي حق ، ولكن- يا شيخ- ما بت أعانيه اليوم هو شعوري بأني أفقد الإيمان كليا!! فأنا لا أجد محبة حقيقية لله !ولا لرسوله في قلبي ، كما كنت في السابق ، وكلما ذكّرت قلبي بالقبر وفتنته والساعة وأهوالها وجهنم وشقائها لم يحرك فيّ ساكناً ، أو بعبارة أدق لا أعطي هذه المواقف حقها!! فتجدني كلما أردت الندم والتوبة أحس وكأن غلافا يحيط بقلبي يحول بيني وبين ذلك!!!.

ولا أخفيك سرا- فضيلة الشيخ- أني كنت قد ارتكبت بعض المعاصي قبل ذلك ، فكأنه الران الذي كانت ترتعد منه فرائصي عندما كنت صغيرا.

أريد منك- يا شيخ- أن تخط لي برنامجا إيمانيا أسير عليه، كي أخرج من هذه المحنة، فأنا أضع فيكم ثقتي كلها ن وقد سألتني عن تحصيلي العلمي ، فأنا متحصل على شهادة الليسانس ، وأعمل مدرساً في الإعدادي ، أعيش في بيئة محافظة نوعا ما ، لدي ثقافة إسلامية لا بأس بها، أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليكم كما أشكركم على الإصغاء لمشكلتي و السلام عليكم.

الأخ الفاضل.........

تحية طيبة، وبعد: قد قرأت كلماتك تصور ما أنت عليه من وجهة نظرك، وتطلب برنامجاً تلتزم به، لتقطف ثمرات روحية ونفسية ربانية مباركة تصبو إليها.

أولاً: ما أزفُه لك من خلال قراءتي لما كتبت أن لك تطلعاً روحياً جيداً، وأنك تشكو من حالتك التي لا تجد فيها ما ترنو إليه، وهذا دليل واضح على أنه لاران كما ذكرت، إذ لو كان لما كان منك هذا التطلع إلى فضاءات الحياة القلبية ، إذ الران – وهو مقدمة للطبع – يغلف القلب تغليفاً، فلا يسمح له أن يرى بصيصاً من نور، بله هذا التطلع السامي، وأنت- قطعاً- بخلاف ذلك.

ثانياً: ما يلم الإنسان في حياته من غفلات ومخالفات ، شرعت له الرسالة الخاتمة التي أكرمنا الله بها ماسحة عملاقة، لا تبقى منه ، ولا تذر، مهما كان كثيفاً، أرأيت من عاش سنين مشركاً غائصاً في حمأة الإعراض عن خالقه ورازقه، ثم أقبل بنفس صادقة موحداً متبرئاً من شركه، ترى ما يبقي هذا الإقبال بالتوحيد على مساحات الشرك السابقة ؟ لا يبقي منها ذرة واحدة، حيث خرج من ظلماته، ودخل على الله يشهد له بالوحدانية، أيظل مع هذا الدخول أي ظلمة ؟
وعليه، فتحقيق التوبة الماسحة للماضي كائناً ما كان خطوة هامة، وبداية طيبة، لا يبقى معها من الماضي إلا ذكريات مؤلمة، تعرض ثم تولي هاربة، حيث لا يبقى في النفس متسع لغير الإقبال على الله تعالى، وقد قالوا لا يليق بعد الصفاء أن نستحضر الجفاء.

ثالثاً: ثبت عن الرسول –صلى الله عليه وسلم– أنه قال لحنظلة رضي الله عنه– وإن كان كلامه –صلى الله عليه وسلم عاماً لكل أفراد الأمة: "لو تدومون على ما أنتم عليه عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة". ففهمنا أن أمرين لابد لنا منهما –ونحن في طريق الارتقاء– الأول: حضور مجالسه –عليه الصلاة والسلام والثاني: الذكر.خارجها..

وهنا نجد أنفسنا أمام بدائل من مجلسه، وإن كانت لا ترقى بحال إلى سمو عطائها، منها الالتزام بسنته، وما أكثرها! والإكثار من صيغ الصلاة والسلام عليه، صلى الله عليه وسلم! وإيجاد البيئة، ولو كانت من اثنين، تتساقى حقائق الإيمان، وقد كان بعض الصحابة يدعو بعضهم الآخر بقولهم: تعال بنا نؤمن ساعة... ويكون ذلك بلون من الذكر والعلم والفكر والمدارسة، يضم إلى هذا ما نلتزم به من أذكار، إذا أردت أن أبينها لك برسالة قادمة..

رابعاً: لابد من دروس علمية، نلتقي فيها على العلوم الشرعية من توحيد وفقه ، وعلم سلوك، وسيرة، وتجويد، ونعتمد فيها بعض الكتب الموثقة المختصرة، وإني على استعداد أن أبين لك –يا أخي– بعضها في رسالة قادمة كذلك.

خامساً: لا نضع أمام أعيننا، ونحن نقبل على الله تعالى– ما نصبو إليه من ثمرات الإقبال، وإن كانت آتية بفضل الله، إنما نشغل أنفسنا بما يجب علينا أن نقوم به، فالذكر مثلاً– يثمر الأنس بالله، ونحن نذكر للذكر، ونشهد فضل الله علينا أن جعلنا أهلاً لذكره، ولو لم تجد الإنس الثمرة... ومثله إذا استحضرنا بعض الحقائق: كحقائق البرزخ والآخرة والحساب، فهذا الاستحضار يفضي إلى رحاب الخشية والرجاء معاً، حيث نشهد الجلال والجمال معاً، ونرى تقصيرنا وسعة رحمة الله بنا، وما علينا –هنا– إلا أن نستحضر، ثم إذا رقّت القلوب، أو بقيت على ما كانت عليه، فلا يضيرنا ما دمنا مع الحقائق وما يجئ فيضاً وفضلاً، رأيناه من الله منّة، على أننا لسنا أهلاً له ابتداء، وبهذا يستقيم سلوك النفس على الصراط الذي سار عليه السعداء، وأشير هنا إلى حال أحد السعداء، لنرى كيف كانوا يتعاملون مع أنفسهم، حيث لا يرونها أهلاً، ويرون ما يقومون به فضلاً ومنّة، حيث كان أحدهم يدلي إلى بئر في داره– دلوه، ثم يسحبه، وينظر، فإذا وجد الماء، حمد الله، لأنه كان يرى أنه لا يليق به من حيث هو أن يخرج له الماء، بل الحجارة أولى به، وحيث وجد الماء، فوا فرحته!!...

سادساً: أنا لا أدعو هنا إلى جلد النفس معاذ الله– وإنما أنصح بأن نتعامل مع ما أقامنا الله فيه من طاعة، على أننا –في الأصل لسنا أهلاً لها، ولكن كرم الله واسع، وفضله عميم، حيث أقامنا في طاعته، ومحاسبة النفس من حيث فقدها بعض آثار الطاعة شيء طيب، لكن لا ليثبط، بل لينشط، مع تعليق القلب بالله جل جلاله..

ألخّص ما نحتاج إليه: ثمة أوراد –أخي الكريم– تلتزم، صباحاً ومساء، وهي مئة مرة استغفار، ومئة صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومئة الكلمة الطيبة لا إله إلا الله ،
وهناك مجالس علم وذكر ومذاكرة، إن كانت فرائع، وإلا بدأنا بإنشائها، ولو كنت أنت النواة، ثم تتسع، فطيّب.

نشهد فضل الله علينا فيما أقامنا فيه، فشهود الفضل نعمة من الله جليلة.
وإلى رسالة أخرى إن شاء الله.


دبي 23/ 8 / 2008