إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2012-07-25 07:24:00

من روائع الحب النبوي

 

من روائع الحب الإلهي  ......   فأين المحبون ؟؟؟

 

قال ابن اسحق : حدثني عاصم بن عمر ، عن قتادة قال : لما التقى الناس يوم بدر قال عوف بن عفراء بن الحارث : يارسول الله ! مايضحك الرب من عبده ؟ قال : " أن يراه قد غمس يده في القتال ، يقاتل حاسراً " فنزع عوف درعه ، ثم تقدم حتى قتل شهيداً رضي الله عنه .فما أعمق هذا التصديق ! وما أروع هذه الإجابة !

 

كأنه كان لايشعر بلذة إلا لذة النظر إلى وجه الله الكريم ، فشرى نفسه لله- تعالى- وما أغلى المبتغى ! فكان- بذلك-  مثلاً أعلى لواقعية قوله- عز شأنه- : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) فانطلقت على هذا روحه إلى منازل القرب ، مستغرقة في بحار جلال الله ، وقدس عظمته ، فكان آية من آيات الله تمثل الحب الإلهي في أعلى مراتبه ، وأرفع درجاته ، فأحبه الله- تعالى- ،كماأحب هو الله ، وصار من الذين قال الله فيهم : ( ... يحبهم ويحبونه ) .

وحب الله لعبده أن يستأثر به لنفسه ، فيحرره إلا من عبوديته له وحده ، وحب العبد لربه أن يستخلصه ربه لنفسه ، فلا يرى ، ولايسمع ، ولايحس ، ولايشعر إلا بهذا الحب ،وهو أرقى حب في الوجود كله ! وكان بحبه ذلك لايقر له قرار إلا بالله ، ولله ، وفي الله ، فـالله تعالى طلبته ، ورضاؤه ،ومنتهى رغائبه .

 هكذا كان عوف بن الحارث ساعة أن سمع النداء الأقدس ، وهو يتهيأ للرحيل على أجنحة الحب ، فاتجهت نفسه إلى الخبيربشؤون التقرب ، وأنواعه ، يستنبؤه عن أقرب طريقة يفضي بها إلى أن يكون ذرة نورانية بين يدي المحب الحبيب ، تتلألأ في آفاق التقرّب ، سابحة في فضاء الأبدية ،إذ انتقل بهذا من دار ، سمة الفناء بادية عليها ، إلى حيث البقاء في دار البقاء التي نحن- جميعاً- راحلون إليها ، وإنما تختلف المنازل هناك أيما اختلاف !فكان " عوف "هناك لايرى إلا الله في قدس جلاله الذي لايشهده إلا المقرّبون ، إنه أتى الله- تعالى-راكضاً ، ولك أن تقف على العطاء الإلهي من الجواد ، من خلال ما قاله لنا : " ومن أتاني يمشي اتيته هروله " سبوح قدوس ن رب الملائكة والروح !!

 فقال لأمين سر الربوبية صلى الله عليه وسلم : يارسول الله !" مايضحك الرب من عبده " ؟ سأل ليستجلي به أقصى مايبلغ العبد من القرب في رضا ربه ، فأجابه العليم بذلك المعلم للبشرية- صلى الله عليه وسلم- فقال : " غمسه يديه في العدو حاسراً " ومعنى هذا الجواب : أن يبلغ العبد في حبه لربه درجة ترتفع بها الحواجز الترابية المظلمة ، ويخلع عنه جلاليب البشرية ، ليصير روحانياً خالصاً ، يطير بأجنحة التقديس إلى منازل القرب التي لاتعرف الحدود والحواجز .

 وفهم عوف الرمز ، فباع نفسه لبارئها ، ونزع درعاً كانت عليه ، فرمى بها ، وخلص روحاً نورانياً ، ثم ركض إلى الله حتى بلغ منازل الأحباب ، واستقر في خدورها نوراً يضيء لنا ، و لمن يريد .

 

 هذه القصة ذكرها ابن إسحاق ، ونقلها عنه الحافظ ابن كثير في البداية ، وعز الدين ابن الأثير في ( أسد الغابة ) وابن حجر في الإصابة .