إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2012-07-25 07:28:35

محاكمة قتيبة...!

  

قدر يُرفع بالدعاء ، وآخر يُرفع بغيره من الأسباب ، وكما الدعاء من أسباب رفع نمط من الأقدار،غيره من الأسباب قدّرلها كذلك أن ترفع .

 

والفارق بين الأسباب التي يرفع بها ، وبين الدعاء رأسها ، يظهرفي أننا بالدعاء نلجأ إلى من أوقع القدرالمطلوب رفعه ، وأمّا بغيره فإنّا نأخذ بما نصبه الله الذي كل الأسباب  بيده ، يصرفها كيف يشاء . وها نحن أؤلاء أمام مشهد يجلي هذا المعنى أروع تجلية  ، وهومن أعظم مشاهد التاريخ :

نادى الغلام : ياقتيبة " هكذا بلا لقب " . فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أما القاضي " جميه " ،

ثم قال القاضي : مادعواك ياسمرقندي ؟

قال : اجتاحنا قتيبة بجيشه ، ولم يدعنا إلى الإسلام ، ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا.

التفت القاضي إلى قتيبة وقال : وماتقول في هذا ياقتيبة ؟

قال قتيبة : الحرب خدعة وهذا بلد عظيم ، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ، ولم يدخلو الإسلام ولم يقبلوا بالجزية .

قال القاضي : ياقتيبة ، هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ؟

قال قتيبة : لا ، إنما باغتنام لما ذكرت لك .

قال القاضي : أراك قد أقررت ، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة . ياقتيبة  ، مانصر الله هذه الأمة إلا بالدين ، واجتناب الغدر ، وإقامة العدل .

ثم قال : قضينا بإحراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء ، وأن تترك الدكاكين والدور ، وأن لايبق في سمرقند أحد ، على أن ينذرهم المسلمون بعد ذلك .

 

لم يصدق الكهنة ماشاهدوه وسمعوه ! فلا شهود ولا أدلة ، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة ، ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم .

 

 

وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو ، وأصوات ترتفع ، وغبار يعم الجنبات ، ورايات تلوح خلال الغبار . فسألوا ، فقيل لهم : إن الحكم قد نفذ ، وأن الجيش قد انسحب . في مشهد تقشعر منه جلود الذين شاهدوه ، أو سمعوا به .

وما إن غربت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية ، وصوت بكاء يسمع في كل بيت على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم .

ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر ، حتى خرجوا أفواجا ً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله .

 

فيا الله ماأعظمها من قصة ! وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق !

أرأيتم جيشا ً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة ، فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج ؟! والله لانعلم شبها ً لهذا الموقف لأمة من الأمم .

بقي أن تعرف أن هذه الحادثة كانت في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز ، حيث أرسل أهل سمرقند رسولهم إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة ، فكتب مع رسولهم للقاضي أن احكم بينهم ، فكانت هذه القصة التي تعتبر من الأساطير .