محاكمة قتيبة...!
قدر يُرفع بالدعاء ، وآخر يُرفع بغيره من الأسباب ، وكما الدعاء من أسباب رفع نمط من الأقدار،غيره من الأسباب قدّرلها كذلك أن ترفع .
والفارق بين الأسباب التي يرفع بها ، وبين الدعاء رأسها ، يظهرفي أننا بالدعاء نلجأ إلى من أوقع القدرالمطلوب رفعه ، وأمّا بغيره فإنّا نأخذ بما نصبه الله الذي كل الأسباب بيده ، يصرفها كيف يشاء . وها نحن أؤلاء أمام مشهد يجلي هذا المعنى أروع تجلية ، وهومن أعظم مشاهد التاريخ :
نادى الغلام : ياقتيبة " هكذا بلا لقب " . فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أما القاضي " جميه " ،
ثم قال القاضي : مادعواك ياسمرقندي ؟
قال : اجتاحنا قتيبة بجيشه ، ولم يدعنا إلى الإسلام ، ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا.
التفت القاضي إلى قتيبة وقال : وماتقول في هذا ياقتيبة ؟
قال قتيبة : الحرب خدعة وهذا بلد عظيم ، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ، ولم يدخلو الإسلام ولم يقبلوا بالجزية .
قال القاضي : ياقتيبة ، هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ؟
قال قتيبة : لا ، إنما باغتنام لما ذكرت لك .
قال القاضي : أراك قد أقررت ، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة . ياقتيبة ، مانصر الله هذه الأمة إلا بالدين ، واجتناب الغدر ، وإقامة العدل .
ثم قال : قضينا بإحراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء ، وأن تترك الدكاكين والدور ، وأن لايبق في سمرقند أحد ، على أن ينذرهم المسلمون بعد ذلك .
لم يصدق الكهنة ماشاهدوه وسمعوه ! فلا شهود ولا أدلة ، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة ، ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم .
وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو ، وأصوات ترتفع ، وغبار يعم الجنبات ، ورايات تلوح خلال الغبار . فسألوا ، فقيل لهم : إن الحكم قد نفذ ، وأن الجيش قد انسحب . في مشهد تقشعر منه جلود الذين شاهدوه ، أو سمعوا به .
وما إن غربت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية ، وصوت بكاء يسمع في كل بيت على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم .
ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر ، حتى خرجوا أفواجا ً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله .
فيا الله ماأعظمها من قصة ! وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق !
أرأيتم جيشا ً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة ، فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج ؟! والله لانعلم شبها ً لهذا الموقف لأمة من الأمم .
بقي أن تعرف أن هذه الحادثة كانت في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز ، حيث أرسل أهل سمرقند رسولهم إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة ، فكتب مع رسولهم للقاضي أن احكم بينهم ، فكانت هذه القصة التي تعتبر من الأساطير .
بتاريخ : 2020-02-28
- ( أسئلة فقه العبادات ) ما حكم تهذيب حواجب المرأة وخصوصا المتزوجة؟
- ( أسئلة فقه العبادات ) سؤال حول ارث الأحفاد من الجد بعد وفاة الأب قبل الجد. هل...
- ( أسئلة فقه العبادات ) ما حكم الرجل المتزوج إذا خان زوجته هل تطلق منه زوجته؟
- ( أسئلة فقه العبادات ) كيفية التطهر من نجاسة الكلب
- ( أسئلة عامة ) ما هي حكمة الصوم عن الكلام في قضيتي زكريا و مريم عليهما...