ضيوف الموقع
تاريخ الإضافة : 2013-01-15 02:30:59

تابع ... دفين الملائكة ( عامر بن فهيرة ) .. 2

وتروي السيرة أن جمعاً من الصحابة المهاجرين أصيبوا بالحمى عقب الهجرة ، بسبب الوباء الذي كان في المدينة ، واشتدت عليهم الحمى ، كما اشتد بهم الحنين إلى موطنهم الأول مكة ، ومن هؤلاء أبو بكر وبلال وعامر بن فهيرة ،وتروي السيدة الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها أنها سألت عامراً وهو محموم فقالت : كيف تجدك ياعامر ؟

فأجابها وهو يعاني ما يعاني من أوجاع الحمى :

لقد وجدت الموت قبل ذوقه        إن الجبان حتفه من فوقه

كل امرئ مجاهد بطوقه            كالثور يحمي جلده بروقه

ولما أخبرت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا قال : " اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وأشد " .

وكذلك كان ، ولله في خلقه  شئون .

وآخى الرسول بين عامر والحارث بن الصمة المجاهد الشهيد الذي نال نعمة الشهادة مع عامر في معركة واحدة وفي يوم واحد .

وشهد عامر غزوة بدر ، وأبلى فيها بلاء حسنا، وشهد غزوة أحد ، واحتمل فيها احتمالاً مشكوراً ، وفي شهر صفر من السنة  الرابعة للهجرة بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فدائية إلى مكان يسمى " بئر معونة " وهو يقع بين أرض بني عامر وحرة بني سليم .

 وكانت السرية مكونة من عشرات  من المجاهدين ، قيل إنهم كانوا سبعين ، وكان هؤلاء من المشهورين بالعبادة وتلاوة القرآن الكريم ، حتى كان يقال عنهم : " القراء " حيث إنهم كانوا يجتمعون ليلاً على الصلاة وقراءة القرآن المجيد ، وفي النهاركانوا يعملون ويحتطبون ، وكان من بينهم بطلنا عامر بن فهيرة ، وفي السيرة حدث عنهم من يعرف بهم وبأحوالهم فقال : الَّذِينَ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْقُرَّاءَ ، وأَنَّهُم كَانُوا سَبْعِينَ ، فَكَانُوا إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ ، انْطَلَقُوا إِلَى مُعَلِّمٍ لَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، فَيَدْرُسُونَ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحُوا ، فَإِذَا أَصْبَحُوا ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ ، اسْتَعْذَبَ مِنَ الْمَاءِ ، وَأَصَابَ مِنَ الْحَطَبِ ، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سَعَةٌ ، اجْتَمَعُوا فَاشْتَرَوُا الشَّاةَ وَأَصْلَحُوهَا ، فَيُصْبِحُ ذَلِكَ مُعَلَّقًا بِحُجَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

وشاء الله تعالى أن يذوق هؤلاء المجاهدون ابتلاء شديداً ، وأن ينالوا شهادة مجيدة في سبيل الله عزوجل ، إذ خرجت عليهم جموع من أحياء رعل وذكوان وعصية ، واعملوا فيهم القتل بخيانة وغدر . ولما رأى المجاهدون أن مصيرهم القتل ،قال قائلهم :اللهم إنا لا نجد من يبلغ عنا رسولك السلام غيرك،فأقرئه منا السلام، اللهم بلغ عنا نبيك أنا قد لقيناك فرضينا عنك ، ورضيت عنا "ش

واستجاب الله تعالى للدعاء ، فأبلغ رسوله - صلى الله عليه وسلم - مصير هؤلاء ، فجمع النبي الصحابة ، وأخبرهم الخبر ، ثم قال : " فأنا رسولهم من الله إليكم ، إنهم قد رضوا عن الله ، ورضي الله عنهم " .

وكان ممن ذاق طعم الشهادة يومئذ المجاهد البطل عامر بن فهيرة ، طعنه رجل يسمى جبار بن سلمى الكلابي ، فقال عامر حينما أصابته الضربة القاتلة : الله أكبر ، فزت ورب الكعبة . وفي رواية ثانية : أنه َأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا ، خَالَ أَنَسٍ ، مِنْ خَلْفِهِ ، فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ ، فَقَالَ حَرَامٌ : فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ،

واسمتع جبار القاتل إلى العبارة التي رددها عامر الشهيد ، فلم يفهم معناها . لماذا قال : الله أكبر ؟ وأين يفوز الذي فاز به ؟ ألم يذق الموت ويترك الحياة إلى التراب ؟ .

وذهب الرجل يسأل ، فقيل له إن عامراً يقصد بقوله هذا أن الله قد أكرمه حينما رزقه نعمى الشهادة في سبيله ، وأنه سبفوز بنعيم الجنة في الدار الآخرة .

وانبهر " جبار " من هذا اليقين الغامر ، وهذا الإيمان السابغ ، وأخذ يفكر ويفكر ، وكأن عامراً أطل عليه  من عليائه من عالم الخلود ، وأشار إليه ناصحا نصيحة صاغها الموقف الرباني الذي نبض بيقين متوهج:

ياجبار ، أقلع عن كفرك وعنادك . إن الباب لا زال مفتوحا أمامك ، فادخل في دين الله تبارك وتعالى تكن من الفائزين .

وشرح الله صدر " جبار " للإسلام ، فاهتدى وأعلن إسلامه ، وقال فيما قال عن سبب هذا الإسلام : إن مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلاً منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه ، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره ، فسمعته يقول : الله أكبر ، فزت ورب الكعبة ، فقلت في نفسي : مافاز ؟ ألست قد قتلت الرجل ؟! حتى سألت بعد ذلك عن قوله فقالوا : إنه يعني الشهادة ، فانشرح صدري للإسلام وقلت : صدق والله ، فاز والله !.   

ثمة تتمة .....