إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2013-01-21 12:04:38

قراءة في تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي

حين تكون القلوب ربانية ن قد امتلأت بحب الله ، وأخذت تبذل ما أمكنها في سبيل الله ، ودفاعا عن الإسلام والمسلمين ، وحين تكون القيادة على جانب من الإخلاص والشعور بعمق المسؤولية تجاه ما تدير من البلاد ، وترى أنها تسأل عن البلاد والعباد ، فحدث ولا حرج عن رعاية الله وقتها للأمة ، والعجب ههنا من القيادة الربانية الصادقة التي لا تهرج ، ومن إمام المسجد الذي قد وثق صلته بالرسول عليه الصلاة والسلام ، وهذه الواقعة التاريخية التي نستزيرها إلى ساحتنا شمسا لعلها يدحر بها ظلام اليأس ،وأن العاقبة للتقوى ولو طال الطريق ، ونجما لعله نستدل به إلى الجهة التي نصبت النجوم تشير إليها ، وماء عذبا يبلل حلوقا تكاد يجف ماؤها ،و يبس لسانها!!

قال سبط ابن الجوزي : حكى لي نجم الدين الحسين بن سلام عن والده ، فقال: إن الفرنج لما نزلت على دمياط - مدينة في مصر - بعد موت أسد الدين، وضايقوها، أقام نور الدين عشرين يوماً صائماً، لا يفطر إلا على الماء، فضعف ، وكاد يتلف، وكان مهيباً لا يتجاسر أحد أن يخاطبه في ذلك، وكان له إمام ضرير اسمه يحيى، وكان يقرأ عليه القرآن، فاجتمع إلى الإمام خواص نور الدين، وكلموه في ذلك. فلما كان تلك الليلة رأى الشيخ يحيى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له: يا يحيى! بشر نور الدين برحيل الفرنج عن دمياط. فقلت: يا رسول الله، ربما لا يصدقني! فقال: قل له بعلامة يوم حارم!

قال: وانتبه يحيى، فلما صلى نور الدين خلفه الفجر، وشرع يدعو، هابه أن يكلمه، فقال له نور الدين: يا يحيى. قال: لبيك. قال: تحدثني أو أحدثك؟ فارتعد يحيى وخرس، فقال: أنا أحدثك، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة، وقال لك: كذا وكذا. قال: نعم، فبالله يا مولانا، ما معنى قوله: بعلامة يوم حارم؟ قال: لما التقينا خفت على الإسلام، فانفردت ونزلت، ومرغت وجهي على التراب، وقلت: يا سيدي، من محمود في البين؟ الدين دينك، والجند جندك، وهذا اليوم  فافعل ما يليق بكرمك ،قال: فنصرنا الله عليهم.

وحكى لي شيخنا تاج الدين الكندي قال: ما تبسم نور الدين إلا نادراً. حكى لي جماعة من المحدثين أنهم قرأوا عنده حديث التبسم، وكان يرويه، فقالوا له: تبسم. فقال: لا ولله لا أتبسم من غير عجب.

 (ملاحظة)  محمود هو اسم نور الدين الشهيد ..والبين: الوسط ، ويراد به لا ذكر للقائد في هذا الموقف ، ولا أثر ، إذ المهم سلامة الدين ، وجند المسلمين ، ولا يلتفت إلى سلامة القيادة على علو منزلتها في منازل التقوى ، فكيف إذا كانت فاجرة خاسرة ؟!