إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2013-03-12 04:05:39

من أسباب الإجرام ..2

ومن أسباب الإجرام: أن يغفل الإنسان عن هذا، فيكون الإنسان مؤمناً مصدقاً بكل ما سبق ولكنه يغفل عنه في وقت اقتراف المعصية، فتغلبه شهوته فيقع فيما حرم الله عليه لا نكراناً ولا جهلاً، ولكنه يفعل ذلك غفلة ونسياناً؛ فتزدريه النفس الأمَّارة بالسوء، ويقوده الشيطان الذي لا يقوده إلا إلى ما يهلكه، وحينئذ يتبع هواه فيتردى في الوحل وينساق وراء الشهوات، فيكون كالحيوان البهيمي، فإذا أنعم الله عليه بأن تذكر عرف أنه قد تردى إلى المهاوي العظيمة.

وإننا نعرف أشخاصاً بأعيانهم يعيشون معنا على هذه الأرض من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، كانوا قد وقعوا في هذه القاذورات التي تسخط الله سبحانه وتعالى، فأعادهم الله إلى الإيمان بنعمة منه وهداية، فلما رجعوا تذكروا المكان الذي كانوا فيه من المعصية فعرفوا أنهم بمثابة من تردى في بئر عميقة جداً ثم نجا منها وأُخرج، خرجوا من مهوىً عجيب لا يزال كل فرد منهم يتذكر ما كان عليه ولا يقارنه إلا بدركات جهنم، إن هؤلاء قد أنعم الله عليهم بنعمة الهداية فرجعوا، أما كثيرٌ ممن سواهم فهم مستمرون عامتهم سادرون لا يبالون، مستمرون حتى يفجأهم الموت وهم على ذلك.

****طول الأمل

كذلك من أسباب الإجرام: أن يكون الإنسان مؤمناً بكل ما سبق متذكراً له في ساعته، لكنه يطول الأمل، فيغريه الشيطان بأنه بالإمكان أن يرجع ويتوب بعد أن يقترف المعصية، ويقول له: افعل ما شئت الآن وما تريده، ثم عمرك طويل بعد هذا، وستتوب إلى الله وتعبده، وهذه هي علامة الخذلان وطمس البصيرة، نسأل الله السلامة والعافية! فالشيطان يضرب على قافية رأس الإنسان إذا هو نام، يضرب في كل عقدة: إن عليك ليلاً طويلاً فنم، فيغريه بطول الأمل، والواقع أن أصحاب العقول لا يمكن أن يغتروا بطول الآمال، وهم يرون في كل يوم وفي كل صباح وفي كل مساء الذين ينتقلون إلى الدار الآخرة، ممن هم أقوى منهم أبداناً وأكثر أموالاً وأرفع مكانة اجتماعية، فيرون أجناس الناس ينتقلون إلى الدار الآخرة، لا تبقى شريحة من شرائح المجتمع إلا رأيتها: فترى الرؤساء والملوك، وترى الوزراء والقادة، وترى التجار والأغنياء، وترى الفقراء والمساكين، وترى الصبيان الصغار، وترى الشباب الأقوياء، وترى الشيوخ والعجزة، كل هؤلاء يدفنون جميعاً في المقابر.

قال الشاعر: لا الموت محتقر الصغير فعادل عنه ولا كبر الكبير مهيبُ

وقال الآخر: ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد

 كلنا صائرون إلى ذلك المصير، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وقف على ضجنان بعد حجته: (كنت أرعى إبلاً للخطاب على ضجنان، فكنت إذا عجلت ضربني وقال: لم تعش، وإذا أبطأت ضربني وقال: ضيعت، ولقد أصبحت وأمسيت وليس بيني وبين الله أحد أخشاه،

** ثم قال: لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويفنى المال والولدُ

 لم تغن عن قيصرٍ يوماً خزائنه والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا

 ولا سليمان إذ تجري الرياح له والجن والإنس فيما بينها برد

 أين الملوك التي كانت بعزتها من كل صوب إليها وافد يفد

 حوض هنالك مورود بلا كذب لابد من ورده يوماً كما وردوا