إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2013-03-12 05:35:36

بصائر من آية ...1

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) من سورة غافر

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) من سورة الرعد

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) من سورة الزخرف

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46 ) من سورة يونس

قوله تعالى في الآية : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } .

بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، إنه إما أن يريه في حياته بعض ما يعد للكفار من النكال والانتقام ، أو يتوفاه قبل ذلك ، فمرجعهم إليه جل وعلا لا يفوته شيء مما يريد أن يفعله بهم لكمال قدرته عليهم ، ونفوذ مشيئته جل وعلا فيهم ، وبين هذا المعنى أيضاً في مواضع أخر ، كقوله في سورة « المؤمن » : { فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ غافر : 77 ] ، وقوله في « الزخرف » : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } [ الزخرف : 41-42 ] إلى غير ذلك من الآيات إن أريناك بعض الذي نعدهم من العذاب في الدنيا فذاك، أو نتوفينك قبل ذلك فعلى كل حال مرجعهم إلينا جميعاً بعد موتهم، فنحاسبهم ونجازيهم بحسب سلوكهم في الدنيا الخير بالخير والشر بمثله،ولما جعل جواب الشرطين إرجاعَهم إلى الله المكنَّى به عن العقاب الآجِل: يا محمد، إما أن ترى ما قلناه فيهم من خذلان وهوان، وإما أن نتوفينَّك قبل أن ترى هذا في الدنيا، ولكنك ستراه في الآخرة حين تشاهدهم في الهوان الأبدي الذي يصيبهم في اليوم الآخر.

وفي هذا تسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم   مَا قدّره الله سيقع دون أنْ يَصُدَّه شيء مهما كان، وإمَّا ترى ذلك في حياتك، أو تراه لحظة البَعْث. قوله جل ذكره : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } .

كنْ بِقلبكَ فارغاً عنهم ، وانظر من بعدُ إلى ما يُفعلُ بهم ، واستيقن بأنه لا بقاء لجولة باطلهم . . فإن لقيت بعض ما نتوعدُهم به وإلاّ فلا تكُ في ريبٍ من مقاساتهم ذلك بَعْدُ . ثم أكَّدَ تسليتَه إياه وتجديدَ تصبيره فالأمور مدبرة سائرة حسب التدبير ، لا يخرج منها حرف ، ولا يتغير بالطوارئ والظروف . ولكن كل قوم يُنظرون حتى يجيء رسولهم ، فينذرهم ويبين لهم ، وبذلك يستوفون حقهم الذي فرضه الله على نفسه بألا يعذب قوماً إلا بعد الرسالة ، وبعد الإعذار لهم بالتبيين .

{ فاصبر إن وعد الله حق . فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون }

وهنا نقف أمام لفتة تستحق التدبر العميق . إن هذا الرسول الذي يلاقي ما يلاقي من الأذى والتكذيب والكبر والكنود ، يقال له ما مفهومه : أد واجبك وقف عنده . فأما النتائج فليست من أمرك . حتى شفاء صدره بأن يشهد تحقق بعض وعيد الله للمتكبرين المكذبين ليس له أن يعلق به قلبه! إنه يعمل وكفى . يؤدي واجبه ويمضي . فالأمر ليس أمره . والقضية ليست قضيته . إن الأمر كله لله . والله يفعل به ما يريد .

يا لله! يا للمرتقى العالي .

هذا الشوط استكمال للتعقيب في آخر الدرس الماضي . استكمال لتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى الصبر ، حتى يأذن الله ، ويتحقق وعده ووعيده ، سواء تحقق هذا في حياته صلى الله عليه وسلم أم استأخر بعد وفاته . فالأمر ليس أمره ، إنما هو أمر هذه العقيدة والمؤمنين بها والمجادلين فيها ، المستكبرين عنها . والحكم في هذا الأمر هو الله . وهو الذي يقود حركتها ويوجه خطواتها كما يشاء .

{وإما نرينك} أي إراءة عظيمة قبل وفاتك {بعض الذي نعدهم} أي في الدنيا بما لنا من العظمة فهو أقر لعينك {أو نتوفينك} قبل ذلك {فإلينا مرجعهم} فنريك فيما هنالك ما هو أقر لعينك وأسر لقلبك , فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً الإراءة دليلاً على حذفها ثانياً , والوفاة ثانياً دليلاً على حذفها أولاً ؛ و" ثم " في قوله : {ثم الله} أى المحيط بكل شيء {شهيد} أي بالغ الشهادة {على ما يفعلون*} في الدارين - يمكن أن يكون على بابها , فتكون مشيرة إلى التراخي بين ابتداء رجوعهم بالموت وآخره إلى بالقيامة , ليس المراد بقوله {شهيد} ظاهره , بل العذاب الناشئ عن الشهادة في الآخرة إلى أن الله يعاقبهم بعد مرجعهم , فيريك ما بعدهم لأنه عالم بما يفعلون.

{فإما نرينك} وأكده بـ " ما " والنون ومظهر العظمة لأنكارهم لنصرته عليهم ولبعثهم {بعض الذي نعدهم} أي بما لنا من العظمة مما يسرك فيهم من عذاب أو متاب قبل وفاتك , فذاك إلينا وهو علينا هين.