إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2013-03-12 05:59:43

قطوف من حديقة المدهش لابن الجوزي ..8

كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يصوم حتى يعود كالخلال، يريد: حتى يصبح نحيفاً كالأعواد التي يخلل بها الأسنان، فقيل له: لو أجممت نفسك؟ يعني: أرحت نفسك، فقال: " هيهات؛ إنما يسبق من الخيل المضمرة "،هذه قلادة من أنفس القلائد في جيد الإقبال بعلو الهمة على المعالي ، فالفرس الذي يسبق لا يكون فرساً سميناً مليئاً بالشحوم، لكن كلما كان هزيلاً ورشيقاً كان أقوى على أن يسبق ، فياله من تصور عميق يمتد عبقه عبر الأفق الذي يتصل آخره " بدار الخلد "

وقد قيل: من طلب الراحة ترك الراحة.

وقيل: يا وصل الحبيب ما أبهاك ، وما أرقاك ! وما أحلاك !!

-  أماالوصول إلى " المبتغى " بغير مشقة ، وأقلها مخالفة النفس ، وسوقها في طريق الحق ، فبعيد ، وبخاصة إذا كان من أسمى ما يبتغى ! وطريق الحق هذا يقول فيه ابن القيم رحمه الله تعالى: ..قد أجمع عقلاء كل أمة على " أن النعيم لا يدرك بالنعيم" وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً، ومن تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، يعني: أن كل ما فيه أهل الجنة هو عبارة عن أنهم صبروا في الدنيا ساعات، ثم أفضوا إلى رضوان الله ، ونعيم الأبد!

 والحقيقة أنه "كلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلى كان تعب البدن أوفر، وحظه من الراحة أقل "