إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2013-05-06 04:32:53

من المدهش ... 2

*عجباً لمن رأى فعل الموت بصحبه ثم ينسى قرب نحبه، واستبداله ضيق المكان بعد رحبه ، من لم ينتبه بوكزه فسينتبه بسحبه:

ما لبني الدنيا غدوا ... أهل ضلال وغمه

بصيرهم من جهله ... كأنه حلف كمه

أنت مقيم سائر ... فلا تقل لم ولمه

ولا تكلم أحدا ... في غير بر كلمه

فكل معطى مهل ... أوقاته منصرمه

ولا تدوم للفتى ... شؤونه المنتظمة

يأتي على الأرض مدى ... وما عليها نسمه

ضاق رحب العمر عن ... حاجاتنا المزدحمة

*أين الأقران وأين سلكوا؟ تالله لقد فنوا وهلكوا ، اجتمع الأضداد في الألحاد واشتركوا، وخانهم حبل الأمل بعدما امتسكوا، ونوقشوا على ما خلفوا وتركوا وصار غاية الأماني أن لو تركوا، تالله لقد سعد من تدبر وسلم من الأذى من تصبر، وهلك مؤثر الحرى وأدبر فكأنكم بالفراق يا ركاب المعبر، يا نائماً في لهوه وما نام الحافظ لاحظ نور الهدى فلا حظ إلا للاحظ، ولا تغتر ببرد العيش فزمان الحساب قائظ، يا مدبراً أمر دنياه ينسى أخراه فخفف النداء اللافظ، وعجائب الدهر تغني عن وعظ كل واعظ، يا من رأينا يد التفريط قد ولعت به فأتينا للومه ولعتبه أما مصير السلف نذير الخلف، أما مهد الطفل عنونا اللحد. يا من لمع له سارب الأمل فبدد ماء الاحتياط أتراك ما علمت أن الأماني قمار. مد نهر الهوى وقلبك على الشاطئ، فمر به صم مسح اليقظة فصممت على الزلل أكل الزمان " وهم بها " أما تقع في يوم " واستعصم " الورع عن الذنوب، يوجب قوة قلبية.

قال بعض السلف: ارتكبت صغيرة فغضب علي قلبي فلم يرجع إلي إلا بعد سنة، أخواني: إطلاق البصر سيف يقع في الضارب:

يا للرجال لنظرة سفكت دماً ... ولحادث لم ألفه مستسلما

وأرى السهام تؤم من يرمي بها ... فعلام سهم اللحظ يصمي من رمى

المحرمات حرم ونظر المملوك إلى حرم المالك، من أقبح الخيانة، يا بني آدم تلمحوا تأثير " وعصى " لقمة أثرت إن عثرت، فعرى المكتسي ونزل العالي وبكى الضاحك، وقام المترفه يخدم نفسه فاشتد بكاؤه فنزل جبريل يسليه فزاد برؤيته وجده. للشريف الرضي:

رأى على الغور وميضاً فاشتاق ... ما أجلب البرق لماء الآماقْ

ما للوميض والفؤاد الخفَّاقْ ... قد ذاق من بين الخليط ما ذاقْ

داء غارمٍ ما له من إفراقْ ... قد كَلَّ آسيهِ وقد ملَّ الراقْ

قلبي وطرفي من جوى وإملاق ... في غرق ما ينقضي وإحراقْ

يا ناقَ أداك المؤدي يا ناقْ ... ماذا المقام والفؤاد قد تاقْ

المؤمن في سجن الدنيا وأسرها ! وهل حاجة المأسور إلا الإطلاق؟

 كلما عاين آدمُ عليه السلام الملائكة تصعد إلى السماء ، وجناحه قد قص زاد قلقه ، وقال بلسان حاله الصادق :

وأصبحت كالبازي المنتف ريشه ... يرى حسرات كلما طار طائرا

يرى خارقات الجو يخرقن في الهوى ... فيذكر ريشاً من جناحيه وافرا

وقد كان دهراً في الرياض منعماً ... على كل ما يهوى من الصيد قادرا

إلى أن أصابته من الدهر نكبة ... فأصبح مقصوص الجناحين حاسرا

أعظم البلايا تردد الركب إلى بلد الحبيب يودعون عند فراقهم الزمن:

ولم يبق عندي للهوى غير أنني ... إذا الركب مروا بي على الدار أشهق

كانت الملائكة إذا نزلت إليه، استنشق ريح الوصال من ثياب الواصلين وتعرف أخبار الديار من نسمات القاصدين:

خبراني عن العقيق خبيراً ... أنتما بالعقيق أحدث عهدا

يا ناقضي العهود دوموا على البكاء فمن أشبه أباه فما ظلم.

كانت عابدة من أحسن النساء عيناً فأخذت في البكاء فقيل لها: تذهب عيناك، فقالت: إن يكن لي عند الله خير فسيبدلني خيراً منهما وإن تكن الأخرى فوالله لا أحزن عليهما.

للمتنبي:

قد علّمَ البينُ منا البينَ أجفانا ... تدمَى وألفَ في ذا القلب أحزانا

قد أشفق من دمعي على بصري ... فاليوم كل عزيز بعدكم هانا

تُهدي البوارق أخلافَ المياه لكم ... وللمحبِّ من التذكار نيرانا

من سعى إلى جناب العز بأقدام المسكنة، ووقف بباب الكرم على أخمص المسألة، ووصف ندمه على الذنب بعبارة الذل لم يعد بالخيبة.

ملكتم قلبي فما ... لي عنكم مصرف

فودكم منه مكا ... ن كبدي أو الطف

فلا برى وجدي بكم ... ولا أفاق الشغف

لست وإن اعرضتم ... أيأس من أن تعطفوا

وصبر يعقوب معي ... حتى يعود يوسف

يا معاشر المذنبين اسمعوا وصيتي، إذا قمتم من المجلس فادخلوا دار الخلوة وشاوروا نصيح الذكر وحاسبوا شريك الخيانة وتلمحوا تفريط التواني في بضاعة العمر، ويكفي ما قد مضى فليحذر العور الحجر، إذا نفى خاطر المذكر من ذل هوى، وصفى معين معنى كلامه من كدر طمع، انكشف الغشاء عن عينه فرأى بالفطنة موضع قطنة مرهم العافية فربى حشائش الحكم وركب فيها معاجين الشفاء ففتحت سدد الكسل واستفرغت أخلاط الشواغل، فأما مجتلب الدنيا بنطقه فإنه كلما حفر قليب قلبه فأمعن، لاستنباط معنى، طم الطمع إذا صدر العلم من عامل به كان كالعربية ينطق بها البدوي، وأحلى أبيات الشعر ما خرج عن أبيات الشعر جمعت بين الكتاب والسنة ففتحا لي هذه المغاني فهي تنادي السامعين: ولدت من نكاح لا من سفاح، ومن جمع بين الجهل والبدعة هذى الهذيان فكلامه في مرتبة ابن زانية، إذا فتحت الوردة عينها رأت الشوك حولها فلتصبر على مجاورته قليلاً فوحدها تجتني وتقبل، واعجباً لألفاظي وعملها بطل السحر عندها كل المذكرين رجالة وأنا فارس أخرج إلى المعاني في كمين فأصيدها لا بأحبولة إذا حضرت ملكت العيون، وإذا غبت استرهنت القلوب.

للمهيار:

جز بنادي المحبة وناد بالقوم تراهم كالفراش تحت النيران.

للشريف الرضيّ:

يا دارُ من قتلَ الهوى بعدي ... وجدوا ولا مثلَ الذي عندي

لو حرّكتْ ذاكَ الرّمادّ يدٌ ... لرأت بقايا الجمر والوَقدِ

** تشتد عليهم نار الخوف فيشرفون على التلف، لولا نسيم " بذكراهم يروحني" ينبسطون انبساط المحب، ثم ينقبضون انقباض الخائف، هذا اللينوفر ينشر أجنحة الطرب في الدجى، فإذا أحس بالفجر جمع نفسه واستحى من فارط ! فإذا طلعت الشمس نكس رأسه في الماء خجلاً من انبساطه:

أباسطه على جزع ... كشرب الطائر الفزع

رأى ماءً فأطمعه ... وخاف عواقب الطمع

فصادف فرصة فدنا ... ولم يلتذ بالجرع

كلما جاء كلامي صعد، كلما زادت الوقود فاحت ريح العود، أفيكم مستنشق؟ أو كلّكم مزكوم؟ إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن، باح مجنون عامر بهواه.

وما بحت حتى استنطق الشوق أدمعي ... وأذكرني عهد الحمى المتقادم

أتجدون يا إخواني ما أجد من ريح النسيم؟

ألا يا نسيم الريح مالك كلما ... تجاوزت ميلاً زاد نشرك طيبا

أظن سليمى خبرت بسقامنا ... فأعطتك ريّاها فجئت طبيبا

الفصل الخامس والثمانون

يا من كل يوم يقدم إلى القبر فارط، لا تغتر بالسلامة فربما قبض الباسط، انهض للنجاة بقلب حاضر وجأش رابط، قبل أن يلقيك على بساط العجز خابط، ونفس النفس تخرج من سم إبرة خائط.

قل للمؤمل إن الموت في أثرك ... وليس يخفى عليك الأمر من نظرك

فيمن مضى لك إن فكرت معتبر ... ومن يمت كل يوم فهو من نذرك

دارٌ تسافر عنها من غدٍ سفراً ... فلا تؤب إذا سافرت من سفرك

تضحي غداً سمراً للذاكرين كما ... صار الذين مضوا بالأمس من سمرك

إخل بنفسك في دار المعاتبة، واحضرها دستور المحاسبة وارفع عليها سوط المعاقبة وإن لم تفعل خسرت في العاقبة:

خلقت جسماً ثرياً ثم زرت ثرى ... فصرت خطاً وطالت مدة فمحى

قف بالمنازل من عادٍ وغيرهم ... فما ترى ثم من شخصٍ ولا شبح

كلٌّ مُجازى بما أسداهُ من حسن ... وسيء فاهجر السوء آت وانتزح

لقد وعظك أمس واليوم وأنت من سنة إلى نوم ، أين العشائر؟ أين القوم؟ اشتراهم البلى بلا سوم، لا فطر عندهم ولا صوم، بلى بلابل العتاب واللوم هذا رشاش الموج ينذر بالعوم ويخبر بالحادثات أشمامها والروم.

اغتنم صفو الليالي ... إنما العيش اختلاس

تلبس الدهر ولكن ... متعة ذاك اللباس

واعجباً، بحر الوجود قد جمع الفنون: العلماء جوهره، والعباد عنبره، والتجار حيتانه والأشرار تماسيحه والجهال على رأسه كالزبد، فيا من يجري به على هواه وهو عليه كالقفيا قف يا قفيا، كم تحضر مجلساً وكم تتردد؟ وكم تخوف عقبى الذنوب وكم تهدد؟ يا من لا يلين لواعظ وإن شدد، يا راحلاً عن قريب ما عليها مخلد، تلمح قبرك لا قصرك المشيد وتعلم أن المطلق إذا شاء قيد، أترى تقع في شركي؟ فإني جئت أتصيد،

 يا من يسأل عن مراتب الصالحين مالك ، ولها؟ تساوم في راحلة وما تملك ثمن نعل ، تطلب سهماً من الغنيمة وما رأيت الحرب بعينك. تجمع من جوانب الحافات خبازى وتريد أن تطعم أخضر

يحاول نيل المجد والسيف مغمد ... ويأمل إدراك العلى وهو نائم

البلايا تظهر جواهر الرجال، وما أسرع ما يفتضح المدعي.

تنام عيناك وتشكو الهوى ... لو كنت صباً لم تكن نائما