إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2013-06-20 14:08:19

زوال الوثنية المادية ....

 

تفضل أحد الأحباب الذين لهم باع في مثل هذه الدراسات - وجزاه الله مشكورا - ليثري الصفحة بطعم جديد يتواءم مع المقصد العام الذي برمي إلى بناء يتناول ترسيخ الحقائق التي جاءت بها الرسالة الخاتمة في مضمار " الإيمان " وهدم كل باطل أراد أصحابه أن يشيعوه في الآفاق الفكرية ، وها هو ذا يبدأ

زوال الوثنية المادية (1)

لا نبالغ إن قلنا إن فكر الحداثة الغربية قاد العالم  إلى نوع من الوثنية أخطر من الوثنية التي كانت في عهد ما قبل ظهور الإسلام ، فاختزال  كل الوجود إلى مادة يعني: إلغاء كل " الما وراء الغيبي " وبالتالي عدم الاعتراف بأية مقولات تتجاوز سطح المادة الفقير، وتقويض أسس الإيمان والأخلاق، بل والقيم الجمالية ، ولكن ماهي المادة التي ظن" نيوتن " أنها تمثل جسيمات صلبة ومتحركة ؟ حيث عزا كل تغير، وكل حركة ، إلى حركة هذه الجسيمات واتحادها وانفصالها؟   يتبع

زوال الوثنية المادية (2)

إن العالم ، أو المادة ، مصنوعة بشكل عام من فراغ ! يقول أيغور بوغدانوف : لنتصور أن مفتاحا حديديا كالذي تحمله في جيبك كبُر حتى صار بحجم الأرض، إن الذرات التي تكوّن المفتاحَ عندها لا تكاد تبلغ حجم حبات الكرز ، ولنفترض أننا نحمل في يدنا إحدى هذه الذرات ، أو لنقل إن هذه الكرزة ستكبر من جديد، لتغدو كرة هائلة يبلغ ارتفاعها مئتي متر ،إن نواة هذه الذرة عندئذ لن تكون أكثر من حبة غبار صغيرة، هذا هو فراغ الذرة!

ويقول كذلك: يهيمن خلاء هائل بين الجزيئات الأولية - المكونة لنواة الذرة- فلو تمثلت بروتونَ نواة أوكسجين برأس دَبوس موضوع على هذه الطاولة أمامي، فإن الكهيرب أو الألكترون الذي يدور حوله يرسم دائرة تمر بهولندا وألمانيا وأسبانيا ، ولذا ، فإن كل الذرات التي تكون جسدي لو فرض عليها أن تتلامس فإن حجمي سوف يغدو بحجم غبرة ضئيلة جدا لا تبلغ عدة أجزاء من الألف من الميلميتر.

زوال الوثنية المادية (3)

وهكذا تنهار أسطورة المادة التي  أريد لها أن تكون العنصر الوحيد الموجود حقا، إن المادة هي خلاء هائل ، تسبح فيه الجزيئات الأوليّة :البروتون والنترون والالكترون ...وحتى هذه الجزيئات ليست حبات غبار صغيرة فهي كما يقول غريشكا بوغدانوف : نزعات إلى الوجود .. نتيجة عابرة وظرفية لتفاعل متواصل بين حقول غير مادية .

نحن إذن على شاطئ المجهول ، فقماشة الأشياء جوهرها ليس ماديا ،إنه محض فكرة لا يمكن اكتناه ملمحه إلا بعمل رياضي.

أعترف أن الأمر ليس سهلا تصوره ،لأننا عادة نفكر بوسائل يمدنا بها إدراكنا للمحسوس ، وقد تم تبسيط الأمر بإرجاع كل شيء إلى جسيمات صلبة وقارة ،ولكن عالم ما بداخل الذرة كشف عن ضحالة هذا التصور ، فالعالم هو خلاء وعقل، ويمكن القول خلاء وروح.

يعبر عن ذلك جان غيتون :هنا يبدأ مجال الروح ...إن هذا اللا شيء تقريبا هو جوهر الواقع الفريد .

زوال الوثنية المادية (4)

إن التفسير الفيزيائي الوحيد للجزيئات الأوليّة - وهي أصغر ما أمكن العثور عليه داخل النواة في الذرة - يقوم على مقولة أنه لا يوجد جزئ بذاته ، بل من خلال ماينتج من آثار فحسب ، وأن الأشياء التي حولنا ماهي إلا مجاميع حقول كهرطيسية وجاذبية و الكترونية ، وهذه الحقول ليس لها أيّ جوهر فريد سوى الجوهر التموجي،إن هذا يعني أن صميم المادة غير ممكن إيجاده ،على الأقل في صورة شيء، صورة جزء من الواقع، ومع ذلك يمكننا أن ندرك الآثار التي ولدها التلاقي بين هذه الكائنات الأساسية ، من خلال أحداث عرضية شبحية نسميها تفاعلات.

إن المادة باعتبارها جسيمات صلبة ، لها صفاتها وحركاتها قد انتهت إذن ،إنها حسب تعبير برتراند رسل " ليست شيئا ثابتا له أحوال متغيرة ، بل مجموعة حوادث مرتبطة بعضها ببعض " ويصف هوايتهد هذه الحوادث " بأن لها خصيصة التدفق والإيجاد الدائمين ،هذا التحول في النظر إلى الطبيعة أو الكائنات من مادة صلبة وقارة إلى حوادث متدفقة وموجدة ، يستدعي إلى الذهن مباشرة مفهوم الخلق الدائم والامداد الدائم ، فالمادية السابقة كانت في أحسن الأحوال تتحدث عن خلق حدث مرة واحدة ، وعن دفعة  محركة أولى ثم انتهى دور الخالق ، حيث ستسيطر الخصائص و القوانين ميكانيكيا ! ودون أي تدخل منه مرة أخرى ،أما اليوم فالفيزياء الحديثة ترى أننا لسنا مقابل أجسام قارة ، وإنما أمام حوادث – حركات - أمواج متدفقة باستمرار ،إنها صورة الخلق الآني في كل لحظة ، صورة الإيجاد والإمداد الإلهي، مما لم يكشف إلا مع فيزياء الكمّ .