إشعاعات
تاريخ الإضافة : 2013-07-25 09:26:59

المحبة إمّا من حُسن أو من إحسان

 المحبة إمّا من حُسن أو من إحسان ، وكمالات الله لا تحد ، وإحسانه على الوجود كله لا يعد ، فعلى هذا ما الذي تكون عليه محبته في القلوب العارفة ؟!

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ ، وَأَحِبُّونِي لِحُبِّ اللَّهِ ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي "

دعوة إلى استحضار صنوف  نعم الله علينا : الحسية والمعنوية ، لما يثمره هذا الاستحضار من " محبة الله " الكريم الوهاب !

 قال العارف بالله : مامن وقت إلا وهو مورد عليك فيه نعما يجب حبه لها ، وشكره عليها ، فمتى فات حق وقت لا يمكن قضاؤه أبدا ، إذ ما من وقت إلا وله عليك فيه حق جديد، وهو الشكر، وأمر أكيد، وهو الاستغفار والتجريد !

فقد روى عن بعض الحكماء أنه مدحه بعض العوام فبكى فقال له تلميذه أتبكي وقد مدحك فقال له أنه لم يمدحني حتى  وافق بعض خلقي خلقه فلذلك بكيت وقال يحيى بن معاذ رضي الله عنه تركية الأشرار هجنة لك وحبهم لك عيب عليك

وفي الحديث : " أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان "

 

ومن المجاز : لم شعثه : أصلح حاله .

أن ابن القيم ذكر أن الشيطان ينال غرضه من ابن آدم من ستة أبواب، وهي: فضول الطعام، وفضول الكلام، وفضول مخالطة الناس، وفضول النظر، وفضول الاستماع، وفضول المنام. فأما فضول الطعام، فهو: أن يأكل الإنسان فوق ما يحتاج إليه بدنه، وقد نهى الله عن ذلك حيث يقول: :{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأعراف آية : 31].

قال ابن القيم: لأن فضول الطعام داع إلى أنواع كثيرة من الشر، فإنه يحرك الجوارح إلى المعاصي، ويشغلها عن الطاعات، فكم من معصية جلبها الشبع، وفضول الطعام; وقال النبي صلى الله عليه وسلم ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن 1 .

وأما فضول الكلام فهو: أن يطلق الإنسان لسانه فيما لا يعينه، وأكبر منه أن يطلقه فيما لا يحل له; قال ابن القيم: لأن فضول الكلام يفتح للعبد أبوابا من الشر، كلها مداخل للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب، وكم من حرب أثارتها كلمة واحدة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهل يكب الناس في النار على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم 2. وفي الترمذي: أن رجلا من الأنصار توفي، فقال بعض الصحابة: طوبى له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك لعله تكلم فيما لا يعينه، أو بخل بما لا ينقصه 3 .

وأما فضول مخالطة الناس، فهو: كون الإنسان لا يبالي بمن جالس وصاحب، فيجالس المؤمنين والمنافقين، والمطيعين والعاصين، والطيبين والخبيثين، بل ربما جالس الكافرين، والمرتدين، وخالطهم.

قال ابن القيم: وفضول المخالطة هي الداء العضال، الجالب لكل شر; وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حرارة; ولا يسلم من شر مخالطة الناس، إلا من جعلهم أربعة أقسام:

أحدها: من يجعل مخالطته بمنْزلة غذاه، فلا يستغني عنه في اليوم والليلة، فهو كلما احتاج إليه خالطه، هكذا على الدوام؛ وهم العلماء بالله وأمره ومكائد عدوه، وأمراض القلوب، الناصحون لله ولكتابه ولرسوله ولعباده، فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله.

القسم الثاني: من يجعل مخالطتهم كالدواء يستعمله عند المرض، فما دام صحيحا فلا حاجة به إلى خلطته، وهؤلاء من لا يستغنى عنهم في مصلحة المعاش، وقيام ما يحتاج إليه في أنواع المعاملات والمشاركات.

الثالث: من مخالطتهم كالداء على اختلاف أنواعه وقوته وضعفه، وهؤلاء هم الذين لا يستفاد منهم دينا ولا دنيا، ومخالطتهم هي الداء العضال.

القسم الرابع: من مخالطته الهلكة بمنْزلة أكل السم، وما أكثر هذا الضرب لا كثرهم الله، وهم أهل البدع والضلال، الصادون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الداعون إلى خلافها.

ومنهم أهل الفسوق والعصيان.

وأما فضول النظر، فهو: أن يطلق الإنسان نظره فيما حرم عليه; قال ابن القيم: والعين رائد القلب، فيبعث رائده لينظر، فإذا أخبره بحسن المنظور إليه، تحرك اشتياقا إليه وطلبا له؛ وكثيرا ما يتعب نفسه، ومن أرسله؛ فإذا كف الرائد عن الكشف والمطالعة، استراح القلب من كلفة الطلب والإرادة، فمن أطلق لحظاته دامت حسراته.

وأكثر المعاصي إنما تتولد من فضول الكلام، وفضول النظر، وهما أوسع مداخل الشيطان، وفي غض البصر عن المحارم ثلاث فوائد عظيمة، جليلة القدر:

إحداها: حلاوة الإيمان ولذته، التي هي أطيب وألذ مما صرف بصره عنه وتركه لله، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

الفائدة الثانية: في غض البصر نور القلب وصحة الفراسة، قال أبو شجاع الكرماني: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وكف نفسه عن الشهوات، وغض بصره عن المحارم، واعتاد أكل الحلال، لم تخطئ له فراسة.